الموت القلبي المفاجئ كيف نتقيه؟ محمود باكير

الموت القلبي المفاجئ كيف نتقيه؟

يثير خبر الوفاة المفاجئة القلق والهلع لدى أقارب الضحية ومعارفها، فيتسارعون إلى عيادات الأطباء في محاولة لإبعاد ذلك الشبح الرهيب الذي يخشون وجوده بينهم.

فما هو هذا الشبح الذي يقتحم البيوت الآمنة دون استئذان لييتم الأطفال ويرمل النساء؟ ومن المرشحون المستهدفون بزيارته؟

يعتبر التوقف القلبي المفاجئ المسئول الأول عن الوفيات القلبية المفاجئة والتي تحدث خلال ساعة من بدء الأعراض، وقد أثبت بعض الدراسات أن الموت القلبي يحدث خلال 24 ساعة من حدوث الأعراض. وتشير الإحصائيات أيضاً إلى أن الموت القلبي المفاجئ يحدث لحوالي 1200 شخص يومياً في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو السبب الرئيسي لوفاة الرجال بين سن 30 و 60 من العمر. وتبين الدراسات في المناطق الصناعية أن معدل حدوث الموت القلبي المفاجئ يصل إلى 159 حالة وفاة لكل مائة ألف من السكان سنوياً بين الرجال وحتى 35 حالة بين النساء في أعمار تتراوح بين 30 و 60 سنة. وتشكل وفيات الساعة الأولى من بدء الأعراض حوالي 55 بالمائة من جميع الحالات، وأن الغالبية العظمى من هؤلاء يموتون قبل وصولهم إلى المستشفى. وتبين مشاهداتنا السريرية أن سبب التأخر في مراجعة المستشفى يكمن فى الفترة الزمنية التى تنقضي بين بدء أعراض الألم الصدري وقرارالمريض لاستدعاء العون الطبي. كما تشير الإحصائيات أيضاً إلى أن أكثر الأسباب المؤدية للموت القلبي المفاجئ هو التصلب العصيدي في الشرايين الإكليلية القلبية المترافق في لمعتها، والمؤدي لنقص في تروية العصلة القلبية (الإقفار القلبي). ةمعظم حالات توقف تسبق عادة بانسداد خثري مفاجئ في وعاء إكليلي من الأوعية الدموية المغذية للقلب، ممايؤدي لنقص الوارد من الأكسجين، فتختنق العضلة القلبية التي تحصل على ترويتها من هذا الشيا المصاب بالاتسداد، فتحدث أذية وتنخر في نسيج العضلة القلبية، وتفقد قدرتها على التقلص، وبالتالي ينخفض إمكان ضخ القلب للدم، مع تطور حالة اضطراب خطير في نظم القلب (رجفان وتسارع بطئ) يؤدي لتوقف القلب والموت. وتبين الدراسات التي أجريت على المرضى الذين ماتوا فجأة والمرضى الذين نجح إنعاشهم، أن 75 إلى بالمائة من الضحاية كانوا يعانون قبل الإصابةمن بعض مظاهر مرض قلبى سابق. وبالرغم منأن أكثر السمات المعروفة شيوعاً لدى الضحايا بالموت القلبى المفاجئ وجود التصلب العصيدي للشرايين الإكليلية فإنه لا يجوز اعتبار الموت القلبى المفاجئ مساوياً للتلصلب العصيدي الإكليلي، لأن هناك مجموعة من المصابين الشباب ومتوسطى العمر الذين يشكلون 20- 25 بالمائة من مجموع الضحايا والذين يكون الموت القلبى المفاجئ هو الظاهرة الأولى لديهم دون سوابق لتصلب شرايين أو إصابة قلبية . ويعز بعض الباحثين أسباب الوفيات القلبية المفاجئة لهؤلاء إلى عوامل عدة، قد تختلف من مريض لآخر، وت شمل واحداً أو أكثر من الأسباب التالية:
1- تكون خثرة الصفيحات
2- الزيادات المفاجئة في متطلبات عضلة القلب للأكسجين
3- تغير التحكم العصبي المستقل للجملة الناقلة في القلب التشنج الإكليلي.

إن التعرف على العوامل المسببة المتعددة وتحديدها لدى هذه المجموعة من المصابين سيؤدي على الأرجح لتحقيق نجاح فعلي في مكافحة الموت القلبي المفاجئ مجهول السبب وما زالت الدراسات جارية في هذا المجال.

هل يمكن التنبؤ بالخطر؟

إن التعرف على عوامل الخطر المؤدية للموت القلبي المفاجئ والأعراض المنذرة به، لا بد أن يساعد في التكهن باحتمالات التعرض لحوادث التوقف القلبي المفاجئ، وبالتالي اتخاذ إجراءات الحيطة اللازمة قبل فوات الأوان. وبرغم أن الطرائق المتاحة حاليا للتعرف على المرضى شديدي التعرض للموت القلبي المفاجئ لا يزال ينقصها الكثير، ولا توجد وسيلة ناجحة للتعرف على النسبة التي تقدر بحوالي 20 إلى 25 في المائة من المرضى الذين سيكون مصيرهم الموت القلبي المفاجئ دون أعراض أو علامات مسبقة لمرض القلب والأوعية، فإن لدينا عدة مؤشرات تنبؤية ذات دلالة إحصائية تسهل التعرف على مجموعات المرضى شديدي التعرض، تزيد من احتمال الإصابات العصيدية الأكليلية لديهم، وقد تم تحديد مجموعة من عوامل الخطر بعد عدة دراسات علمية دقيقة، ويلخص الجدول التالي أهم هذه العوامل:

عوامل الخطر المؤدية للموت المفاجىء

عوامل الخطر غير القابلة للتعديل

عوامل الخطر القابلة للتعديل

عوامل أخرى ممكنة

1ـ العمر المتقدم
2ـ الذكورة
3ـ وجود تاريخ وراثي للإصابة

1ـ ارتفاع الضغط الشرياني
2ـ فرط كوليسترول الدم (
LDL)
3ـ الداء السكري


1ـ التدخين
2ـ التوتر والانفعال الدائمان
3ـ الحياة الخاملة وقلة الحركة
4ـ موانع الحمل عن طريق الفم

وتشير الدراسات الوبائية إلى أنه كلما ازداد اجتماع عوامل الخطر المذكورة لدى شخص ما، ازداد احتمال إصابة الشرايين الإكليلية لديه بالتصلب مع ما يتبعه من نقص بالتروية القلبية (الإقفار القلبي)، والاضطرابات بالنظم القلبية التي قد تؤدي للموت القلبي المفاجئ. وتبين الإحصاءات أن نسبة الوفيات بالداء الإكليلي لدى الرجال أعلى منها بين النساء، إذ تبقى النساء متأخرة في الإصابات الإكليلية عن الرجال بحوالي عشر سنوات. وتتساوى الإصابة الإكليلية بين الجنسين بعد سن الخمسين من العمر، ربما بسبب زيادة عوامل الخطر عند النساء بعد سن اليأس، أو بسبب موت الرجال ذوي الخطر العالي في سن مبكرة. كما تشير الدراسات إلى أن معالجة الضغط الشرياني المرتفع تنقص من نسبة الوفيات بالحوادث الوعائية وكلما ازداد الضغط الشرياني ازدادت نسبة خطر الموت القلبي المفاجئ وتزداد النوب القلبية المميتة لدى مرضى الداء السكري والمدخنين والذين يعانون من السمنة وقلة الحركة. ولفرط كوليسترول الدم - لاسيما البروتينات الشحمية ذات الكثافة المنخفضة ( LDL ) - علاقة مباشرة مع خطر الإصابة الإكليلية العصيدية للشرايين القلبية، أما البروتينات الشحمية بالكثافة العالية ( HDL ) فتتناسب قيمتها عكسا مع الإصابة القلبية العصيدية. وتجدر الإشارة إلى أن التأهب الوراثي مع اجتماع أي من عوامل الخطر المذكورة أعلاه يضاعف من احتمال التعرض للموت القلبي المفاجئ.

الإنذار

الألم الصدري الخناقي خلف عظم الفص والذي يمتد لليد اليسرى وللكتف اليسرى أولي وأهم العلامات المنذرة بالخطر المحدق. وكل نوبة ألم صدري تطول لأكثر من 20 دقيقة تحمل في طياتها خطر الاحتشاء الذي قد يتلوه التوقف القلبي، والموت المفاجئ. ويشعر المريض في 80 - 90 بالمائة من الحالات بالضيق في الصدر ويصف الألم الصدري بالضاغط أو الحارق أو الخانق أو العاصر، وأن سرعة استدعاء المصاب للعون الطبي الباكر قد يساهم في إنقاذ حياته من موت محقق. وتجدر الإشارة إلى أن هناك 10 - 20 في المائة من الحالات تسير بشكل صامت بلا ألم ويكون الموت القلبي المفاجئ أولى علاماتها، وتعزى مثل هذه المشاهدات لاعتلال في الأعصاب الحسية لدى الضحايا مما يخفف درجة الألم لديهم وخاصة عند المسنين، ومرضى الداء السكري.

التشخيص المبكر

إن التشخيص المبكر للآفات القلبية لاسيما الأكليلية، خاصة لدى المرضى المؤهلين، تعتبر مرحلة مهمة من مراحل الوقاية من الموت القلبي المفاجئ. وتمد الوسائل التشخيصية الحديثة الأطباء بمعلومات قيمة تساعد في التنبؤ باحتمال الإصابة بالموت القلبي المفاجئ وبالتالي تتخذ الإجراءات الوقائية المبكرة قبل فوات الأوان. وأهم سبل التشخيص الإضافية هي:

أولا: تخطيط القلب الكهربائي: إن إجراء مخططات القلب الكهربائية الروتينية إجراء سهل ويسير، ويمكن أن يتم في العيادات التخصصية، ويساعد مخطط القلب الكهربائي في تشخيص إصابة الشرايين الإكليلية حيث تظهر اضطرابات تخطيطية تساعد في كشف الإقفار القلبي (نقص التروية) في 70 في المائة من الحالات بعد الجهد الخفيف أو عند الألم الصدري. إلا أن عددا من الحالات تبقى دون علامات تخطيطية واضحة. وهذا لا ينفي وجود الإصابة الإكليلية لذا نلجأ لإجراء تخطيط القلب الكهربائي الجهدي، ويتم إجراؤه بتطبيق تمارين متدرجة الشدة عن طريق استخدام سير متحرك جهز بمنظم يستطيع الفاحص إيقافه في أي وقت إذا ظهرت أعراض على المخططات الكهربائية للقلب. ويمكن إجراء تخطيط القلب الكهربائي المستمر خلال 24 ساعة مع ممارسة النشاطات اليومية المعتادة لاكتشاف مقدار تحمل القلب للجهد العادي، ومدى تأثره وتفاعله معه.

ثانيا: التصوير بالنظائر المشعة: تصوير القلب بالثاليوم 201: من الوسائل العصرية التي تعتبر أكثر دقة وموضوعية يلجأ إليها عادة عند المرضى ذوي الألم الصدري اللانمطي مع سلبية باختبار تخطيط القلب الكهربائي الجهدي، ويستعمل لإجراء التصوير مادة مشعة تشبه البوتاسيوم تدعى الثاليوم 201. ولكي تجمع خلايا العضلة القلبية الثاليوم 201 يجب أن تكون ترويتها جيدة وأن تكون فعالة استقلابيا. أما المنطقة غير المرواة فإنها تبدو كبقعة باردة على صورة الومضان وعند اختبار الجهد بشكله المعتاد تحقن المادة المشعة عند الوصول إلى حد الاختبار الأقصى ثم يجرى التصوير مباشرة، وبعد أربع ساعات من الراحة يعاد التصوير. تعتبر المنطقة التي لا تأخذ الثاليوم المشع 201 بعد الجهد منطقة نقص تروية. فإذا زالت هذه البقعة الباردة بعد الراحة فهذا يعني أن الارتواء عاد وهذه البقعة منطقة نقص تروية قابلة للتحريض على التروية بالجهد وهذا يشير لإصابة الشرايين الإكليلية المروية لهذه المنطقة. ويفيد تصوير الشرايين الإكليلية الظليل في كشف الآفات العصيدية في داخل الشرايين. وهناك طرق تشخيصية أخرى كالتصوير السينمائي الإكليلي الانتقائي والقسطرة القلبية وهي وسائل جيدة إلا أنها تتطلب خبرة طبية وترتيبات متقنة ومعدات إسعافية. وهناك طرق تشخيصية مازالت في طور التقييم لتطبيقها في تشخيص الآفات القلبية والعصيدية الخطيرة كالتصوير الطبقي القلبي بإصدار البوزيترون والتصوير بالرنين المغناطيسي.

كيف نتقي الخطر؟

لدى تشخيص إصابة الشرايين الإكليلية بالتضييق أو الانسداد المترافق بالإقفار يجب أن تتخذ كل الإجراءات العلاجية الدوائية اللازمة لإعادة تروية المناطق المصابة. وفي حال فشل العلاجات الدوائية نلجأ للمعالجة الجراحية، إما بإجراء مجازة إكليلية Coranary Bypass لتعيد التروية للمناطق المصابة، أو عن طريق توسيع الشرايين الإكليلية بقسطرة تحوي في نهايتها بالونا يمر عبر مناطق التضييق وينفخ ليخفف التضييق أو يزيله، وبذا تعود التروية للمناطق المصابة. أما إذا حدث توقف القلب وتأكدنا من أن المريض لا يتجاوب ولا يتنفس وأن نبضه قد غاب، عندئذ يجب البدء بتطبيق الإسعافات الأولية وذلك بإجراء التنفس الاصطناعي وتدليك القلب الخارجي، وذلك لدعم استمرار الحياة ريثما يتم وصول العون الطبي المتخصص، الذي يتابع عملية الإنعاش مع استعمال مزيل الرجفان بأسرع ما يمكن كوسيلة أساسية وناجحة في معظم الأحيان في إعادة النظم القلبي المضطرب. إن التطبيق واسع الانتشار للإسعافات الأولية القلبية الرئوية، بسبب توعية الجماهير وتأمين أنظمة الإسعاف المكثفة في كثير من المدن زاد من احتمال وصول المصابين بتوقف القلب إلى المستشفى حيث تتم متابعة عملية إنعاشهم وينجو الكثيرون منهم بإذن الله من موت القلب المفاجئ. ويتوقف نجاح الإنعاش بصورة رئيسية على المدة الفاصلة بين توقف القلب وبدء الإسعاف القلبي، خاصة إذا بدأ الإنعاش الأساسي خلال 3 - 4 دقائق من توقف القلب وإذا تلته المعالجات الأساسية الأخرى (كإزالة الرجفان البطيني) بصورة سريعة.

 

محمود باكير

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات