الإنترنت شبكة تحتوي العالم أنطوان بطرس

الإنترنت شبكة تحتوي العالم

بدأ كل شيء في أواخر الستينيات عندما طلبت وزارة الدفاع الأمريكية من خبراء الكمبيوتر إيجاد أفضل طريقة للاتصال بعدد غير محدود من أجهزة الكمبيوتر من دون الاعتماد على كمبيوتر واحد ينظم حركة السير. وكان الدافع هو الخوف من أن اعتماد شبكة تدار مركزيا سيكون هدفا سهلا لهجوم نووي مباغت يقضي عليها. لذلك راهن البنتاجون على تقنية اتصالات جديدة وقام بتمويل شبكة عرفت باسم "أربانت". وسرعان ما توسعت "أربانت" لتصبح شاملة لأكثر من عشر جامعات. وقام الخبراء بوضع برامج للمساعدة على تبادل البريد الإلكتروني والحصول على قواعد بيانات عن بعد.

وسمحت مراسم الشبكة لأي عدد من شبكات الكمبيوتر بالارتباط بها والعمل وكأنها شبكة واحدة أو نظام بريدي شامل تتعاون من خلاله عشرات السلطات المستقلة في نقل وإيصال الرسائل فيما بينها.

وقد شملت مجموعة مراسم "أربانت" الأكاديميين والباحثين، ثم انتقلت إلى التطبيقات الكمبيوترية التجارية. وبحلول آخر الثمانينيات أصبح هناك ملايين من أجهزة الكمبيوتر وآلاف من الشبكات التي تستخدم المراسم تلك. وقد نشأت "إنترنت" الحديثة من ترابط هذه الشبكات.

اليوم تشمل "إنترنت" حوالي 50 ألف شبكة مختلفة في سائر أنحاء العالم، بعضها يغطي مناطق جغرافية كاملة، مثل شمال شرق الولايات المتحدة، فيما يربط البعض الآخر حرم كليات وجامعات. وتعمل هذه الشبكات معا على نحو جيد بحيث يستطيع باحث من اليابان أن يتصفح ملفات في معهد جورجيا التكنولوجي بالسهولة نفسها التي يستطيع أحد طلبة المعهد القيام بها، ولكن قد يتعرض الباحث الياباني لتأخير عدة ثوان تنتقل خلالها الرسائل عبر عدد من الشبكات الوسيطة.

غير أن الأمر غير المعروف على نطاق واسع، هو أن "إنترنت" أصبحت جديدة بالكامل ومتطورة وجدية، وأنها ستصبح سهلة الاستعمال أكثر بكثير مما كانت عليه، حتى بالنسبة إلى الأشخاص غير التقنيين.

وتعتبر وزارة المواصلات الكويتية من أولى الجهات العربية في اعتماد شبكة "إنترنت". وقد باشرت هذه الخدمة منذ حوالي ثلاث سنوات عن طريق شركة "شبكة الخليج الكويتية للكمبيوتر". وكان عدد المشتركين في شبكة "إنترنت" في الكويت يقدر منذ بضعة شهور بحوالي 2500 مشترك. ويشير أحمد الرشيدان، مدير الأنظمة في مكتب التدقيق، إلى أن "المنافع الرئيسية التي يجنيها مكتب التدقيق من شبكة "إنترنت" هي معرفة أسعار الأسهم الأمر الذي يوفر إمكان التعاون بين مكاتب التدقيق الأخرى في جميع أنحاء العالم من خلال البريد الإلكتروني".

وقريبا سيبدأ معهد الكويت للأبحاث العلمية بتشغيل موقع معلومات عالمي (Hub ) لشبكة الإنترنت الأمر الذي سيسمح لمن أراد لحصول على معلومات علمية محددة تتعلق بآخر التطبيقات في مختلف مجالات العلوم والأبحاث من مختلف أنحاء العالم بالحصول عليها. وبذلك تكون الكويت أول بلد يقيم موقعا عالميا لإنترنت في الشرق الأوسط. والجدير بالذكر أن شركة "صن مايكروسيستمز"، الرائدة عالميا في مجال توفير شبكات المعلومات، قدمت دون مقابل كل الأجهزة اللازمة لإقامة هذا الإنجاز العلمي الفريد كجزء من برنامج خاص بالشركة.

وأخيرا أعلنت الإمارات العربية المتحدة والبحرين عن تقديم تسهيلات الدخول إلى الشبكة وهو ما يصل كذلك الآن في كل من مصر ولبنان وسوريا والمملكة العربية السعودية ولو على نطاق ضيق لدى هذه الأخيرة يشمل المؤسسات الجامعية.

ما هي "الإنترنت"؟

ولكي نعرف ما هي "إنترنت" بالفعل يكفي أن نشاهد على شاشة جهاز الكمبيوتر برنامج "موزاييك"Mosaic الذي يعطي فكرة وافية عن حاضرها ومستقبلها. إنها مجموعة تضم 700 جهاز كمبيوتر تعمل معا في خدمة "إنترنت" المسماة "وورلد وايد وب" World Wide Web. وهذه الكمبيوترات المدعوة أجهزة "وب الفائدية" منتشرة في سائر أنحاء العالم وتحتوي على أي نوع من البيانات. ولكن شبكة "وب"، وبواسطة برامج معينة، تمكن من التحول من جهاز إلى آخر دون بذل جهود كبيرة. وقد يساور المستخدم شعور بأنه يستخدم جهاز كمبيوتر كبيرا واحدا.

يستطيع برنامج "موزاييك" على سبيل المثال أن يصل المستخدم بباريس مثلا ويقوم بعرض أنواع عديدة من المعلومات: خرائط للشوارع وللمترو، وصور تمثل مشاهد من المدينة، ومعروضات المتاحف. وبواسطة فأرة الكمبيوتر يمكن الانتقال إلى أجهزة تديرها مدارس وهيئات حكومية وغيرها من المؤسسات الباريسية. وربما اضطر المستخدم إلى التسوق، فيضع البرنامج ما يزيد على 700 متجر تحت تصرف المستخدم. كل ذلك وغيره يجعل من إنترنت شبكة للجماهير ومكان تجمع للمهندسين أو للهواة، كما يجعل منها واسطة ممتازة للتجارة الإلكترونية. فقد انضمت إلى الشبكة أعداد من أكبر الشركات في الولايات المتحدة والعالم وبلغ عدد الشركات والمؤسسات التي اشتركت فيها نحو 21700 شركة ومؤسسة.

ويتضاعف عدد الكمبيوترات التي تزود بالمعلومات شبكة "وب" كل عشرة أيام. ويأتي هذا النمو غير العادي بعد مرور أقل من خمس سنوات على قيام باحثين في مؤسسة قرب جنيف بتطوير شبكة "وب"، وقد تم جمع آخر الأرقام في نوفمبر الماضي بواسطة أنظمة مؤتمتة استمدتها من مواقع المعلومات. وأظهرت الأرقام أن "وب" تنمو بنسبة واحد في المائة يوميا. وإذا استمر هذا المعدل فإن كل فرد على سطح الكرة الأرضية ستكون له صفحته الخاصة في شبكة "وب" خلال فترة أربع سنوات على ما يقول ماتيو غراي الباحث في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا.

ومن التسهيلات الأخرى التي تقدمها "إنترنت" كونها لا تعرف حدودا جغرافية. فالمشتركون فيها منتشرون من بروكلين حتى بانكوك. ومن أصل 3.2 بليون جهاز كمبيوتر في العالم حاليا يتوقع أن تستأثر "إنترنت" بأكثر من 100 مليون جهاز خلال خمس سنوات، وهي تعمل في أكثر من 75 بلدا حتى الآن تؤمن فيها خدمات كاملة. ويستطيع مالكو الكمبيوتر في 77 بلدا آخر إرسال وتلقي بريد "إنترنت" الإلكتروني.

خدمة عالمية لا يملكها أحد

واللافت أن أحدا لا يملك "إنترنت". وهي ليست موجهة من قبل أية شركة أو مؤسسة مستقلة. وكانت النتيجة أنها أصبحت تشكل ظاهرة تقنية واجتماعية، والآن تجارية وغدت مركزا للتجديد حيث يختبر العلماء أفضل أفكارهم.

ويمكن الاتصال بشبكة "إنترنت" عن طريق خطوط الهاتف، أو أجهزة التلفزيون السلكية، أو عن طريق الأقمار الصناعية، أو الهاتف اللاسلكي أو الألياف البصرية الفائقة السرعة. وكان العمل على شبكة "إنترنت" في ما مضى يتطلب أجهزة إيوانية. أما اليوم فإنها تفيد من كل تقدم يطرأ على تقنية المعالجات الصغرية.

ويتعين على المستعمل التقيد بقاعدتين ذهبيتين: أولا: عدم إعطاء كلمة السر مهما كان السبب، وثانيا: استخدام مدقق في الفيروسات للتأكد من أن الملف الذي تم إنزاله من "إنترنت" ليس مصابا بالفيروسات.

ويجب أن تتضمن كلمة السر ستة أحرف مختلفة على الأقل وأن تستخدم رقما أو حرفا خاصا على الأقل أيضا. ويوفر ذلك ما يزيد على 100 بليون إمكانية مختلفة، الأمر الذي يجعل عملية السطو على كلمة السر أمرا شبه مستحيل.

متطلبات إقامة شبكة

الأجهزة: ممرر (Router ) هو كمبيوتر مخصص لإرسال حزم البيانات من مكان إلى آخر، آخذا بعين الاعتبار وضع طرق المرور في الشبكة ودرجة الازدحام فيها. والطريق هي الخط الذي تسلكه البيانات على الشبكة من مركز انطلاقها إلى وجهتها النهائية.

خط هاتفي خاص محدد بالشبكة أو عام: الأول يتيح استقلالية كلية في الاتصال، بينما الثاني يعتمد على وضع الخطوط عامة من انشغال واختناق، ولكنه بالطبع أقل كلفة من الأول. وهناك بديل للخط يعرف بالاتصال المباشر (PPP ) أي من نقطة إلى نقطة، والذي يعتمد اليوم بديلا عن التقنية السابقة المماثلة، انبثق هو عنها، تعرف بـ (SLIP ) وتوجد أنظمة تشغيل عدة لإدارة عمل تقنية الاتصال المباشر (PPP ) أبرزها "داون لود" (Download ) وهو نظام مجاني، و"يونيكس وير" (Unixware )، و"إس سي أو يونيكس" (SCO Unix ) ولكنه باهظ الكلفة.

مزود أسماء (Name Server ): وهو جهاز يحول الأسماء إلى أرقام تعريفية بحسب مراسم "إنترنت" (IP ) يعمل على "يونيكس" أو "وندوز إن تي" ويتضمن قاعدة بيانات. وعادة ينبغي أن يكون هناك مزودان متماثلان بحيث يكون الثاني بمنزلة رديف احتياطي يحل محل الأول في حال العطل، أو ربما الانشغال. كما يتولى عملية تحديث البيانات.

الأدوات اللازمة: برنامج "آرتشي" (Archie) أعده فريق من طلبة جامعة "ماجيل" في كندا هو برنامج استفساري يتضمن ما لا يقل عن مليون ملف مخونة عبر "انترنت" وتقدر بحوالي 50 جيجا بايت من البيانات، وتتم عملية توسيعه يومياً. ويمكن الولوج إليه عبر العناوين التالية: Archie.Ans.net في الولايات المتحدة، أو Archie. mcgill.ca في كندا أو Archie. au في إستراليا.

برنامج "موزاييك" (Mosaic): له ثلاث صيغ، واحدة على يونيكس، والثانية على الماكنتوش.

برنامج "كلارينت" (ClariNet): يمكنك بكلفة زهيدة (65 دولاراً أمريكياً) استحضار نشرتي وكالة أنباء رويتر والصحافة المشتركة على شاشة المشترك، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المادة تظهر متأخرة حوالي عشر دقائق عن موعد بثها.

خدمة "يوزنت"(Usenet): تضم عشرات الألوف من وكالات الأنباء التي تتبادل الرأي إلكترونياً حول مختلف المواضيع.

المضمون

إن كل شيء مطبوع يكن إدخاله في شبكة إنترنت. ويعني ذلك أنه في الولايات المتحدة وحدها، يجب إدخال النصوص الكاملة لكل الكتب الجديدة البالغ عددها قرابة 45 ألف كتاب والتي تصدر كل سنة (ما عدا المنشورات الحكومية)، ويشمل ذلك أيضاً محتويات 1500 صحيفة يومية تصدر في أمريكا بالإضافة إلى 3700 دورية تتناول مختلف المجالات والقطاعات (250 دورية للمهندسين فقط). إلى ذلك يجب إضافة نشاطات النشر في سائر أنحاء العالم والذي يشمل أكثر من 40 ألف كتاب جديد تصدر سنوياً في اليابان وحدها. وبذلك تغدو "إنترنت" أكبر مكتبة في العالم ولكن من دون أن يكون لديها طريقة واضحة للتصنيف والعثور على المطلوب من الكتب المخزنة.

وتتضمن شبكة "إنترنت" مواضيع نافلة غير ذات أهمية، باعتبار أن جميع المشتركين يستطعيون نشر أعمالهم الخاصة، وتحتوي "إنترنت" كذلك على مواضيع لنيل شهادة الدكتوراة ولقطات من برامج تلفزيونية مفضلة وكتب طهو موضوعة في المنازل ولوائح بأسماء كبار نجوم الرياضة والأماكن التي يمكن قضاء أفضل عطل نهاية الأسبوع فيها، ولكل مادة عنوانها الخاص.

المتحدة مثل "كمبيوسيرف" (CompuServe) و "برووديجي" (Prodigy) و "أمريكا أونلاين" (Armer- ica Online) تقدم للجمهور خدمات فورية (On-lineServices) تحمل أسماء مختلفة مثل "تلنت" (Telnet) و "إف تي بي" (FTP) "سي يو- سي مي" (CU-See_Me). ومعظم الخدمات الفورية ليست متوافرة عبر الشركات المعروفة بل عبر مجموعة من الشركات الضغيرة التي تنتشر في سائر أنحاء العالم.

وتتطور الأعمال على شبكة "انترنت" بصورة مستمرة وسريعة، وأفضل الطرق للّحاق بالتطور المستمر ومعرفة كيفية الاتصال بشبكة "انترنت" هو من خلال الشبكة نفسها.

الرقابة

تقنياً يتفق جميع خبراء الاتصالات على أن الرقابة بهدف الحيلوية دون السماح بالولوج إلى معلومات معينة على الشبكة أمر شبه مستحيل بالإضافة إلى أن أية جهود في هذا المجال باهظة التكاليف وتتطلب مقداراً كبيراً من العناصر البشرية.

مبدئياً، يمكن إقفال منافذ الولوج إلى قواعد معينة لكن ذلك يحول دون الالتفاف حول هذا الإجراء. وعلى افتراض أنه بالإمكان جزئياً مراقبة بعض المعلومات عن طريق تحديد مصادرها وسد سبل الولوج إلى هذه المصادر، فإن تعقيدات الشبكة وتشعباتها ووجود عشرات الألوف من الوسائل البديلة للاتصال بين كل نقطتين في الشبكة يجعل من المستحيل سد الثغرات كلياً.أضف إلى ذلك استحالة منع جهازين شخصيين من التواصل مباشرة لتبادل المعلومات.

يرى البعض أن الحل يكمن في إخضاع التعامل بالإنترنت إلى القوانين العادية المعتمدة في كل بلد فيما يخص المعلومات والإعلام. وبالطبع فإن هذا لا يكفي نظراً لأن لكل دولة قوانينها الخاصة. فإن اختلاف القوانين بين دولة وأخرى وعبور المعلومات عبر حدود هذه الدول قد يزيد الأمر تعقيداً. "فإنترنت" في جوهرها عالمية ولا تتقيد بدولة واحدة أو نظام معين.

 

أنطوان بطرس

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات