عزيزي القارئ
عزيزي القارئ
نقيضان عزيزي القارئ إنه أغسطس، شهر القيظ وأليم الذكرى، لكنه مع ذلك يظل حاملاً لبعض البشائر: بشارة معرفة الشيء بنقيضه، وبشارة تحويل الدرس الموجع الخاص إلى رؤية عامة مرشدة، في زمن تختلط فيه الرؤى ويعز الرشاد. من حق هذا البلد الذي ولدت من عروبة ضميره هذه المطبوعة، أن يستذكر آلام جرحه البليغ في ذكرى الغزو، ويتحسس آثار الجرح الغائر التي تبقى بارزة كأنما تتأبى على النسيان. لكنه مع ذلك لا يجمد الوقفة على حواف الجرح، ولايحب إطالتها ليس رغبة في التناسي، بل طموحاً إلى عبور، وهو عبور معرفي بحكم طبيعة خطاب هذه المطبوعة التي نشأت منذ أربعين عاماً، ثقافية، عربية، جامعة. نود ألا نتحدث في السياسة، لكن الثقافة تقودنا بأعمق طبائعها إلى أعماق السياسة، أي فلسفتها، وهي زاوية معرفية، أقل خشونة من الخطاب المباشر، وأبقى أثراً، لأنها ترسخ في أساس البناء المعرفي للرائي، وكم نحن أحوج للرائين ثاقبي البصر والبصيرة. تدلنا خبرات علوم النفس على وجود نقيضين من صنوف البشر، أحدهما بناء والآخر هدام، أحدهما يمضي في ركاب غرائز الموت والتدمير، والآخر يسعى في مواكب الحياة، ويكرس جهده لازدهارها. إن الذي لم يكل من إشعال الحروب والانتشاء بالموت ـ موت الآخرين بالطبع ـ لايمكن أن يستوي مع الذي لم يكل من غرس الأرض الموات لتدب فيها حياة الاخضرار، وتزدهي بكل الحيوات التي تتداعى عطشى إلى مناهل هذه الحياة. ونحن في هذا الشهر، في هذا العدد، بين هذين النقيضين نقف. وإذا غمت الرؤية على البعض، فلنحتكم إلى النتائج، وهي واضحة. لن نكرس وقتا ولاجهداً في الإشارة إلى من أطبق على واد ريان ذي نهرين، فأحاله عبر عقود قليلة إلى واد عطشان لأنفاس الحياة، تمتلئ ضفافه بجثث الحروب ومحارق النخيل. لكننا سنكرس الوقت والجهد للاحتفاء بالنموذج النقيض، ذي القدم الخضراء، الذي تولى أمر واد عطشان من رمل وقيظ، فأحاله عبر عقود قليلة إلى واد تسبح فيه الخضرة الغامرة فينادي تسبيحها الكائنات لتحيا في موئل جديد للحيوان والطير ومتسع رحيب للشجر والبشر. سنأسو الجرح في شهرنا هذا، في عددنا هذا، بكل طيب صديق من أصدقاء الحياة، في غرسها وفي ترانيمها. سنحتفي بإنجاز البيئة الإماراتية، لمناسبة تكريم رائد مسيرتها سمو الشيخ زايد آل نهيان بأكبر جائزة عالمية للحفاظ على البيئة، باستطلاع "الإمارات.. تحليق في أفق أخضر"، وسنحتفي بالأنفاس المتسامحة للحياة في إيران الآن في استطلاع "خراسان" و"حوار الحضارات"، وذكرى "إنقاذ آثار النوبة"، و"شعاع الليزر الذي يعد بحل معضلة الطاقة"، و"بيت الزكاة الكويتي" صرح العطاء الإنساني، وبـ"التعاون من أجل التنمية". وأيضا بـ"حكايات بغداد القديمة" التي تتألم لما حل بها على يد جلادها المعاصر وأحد مدمني الموت والموات المعاصرين. لنترنم بمعجزة الحياة، ونشكر واهبها العظيم. وإلى لقاء متجدد،
|
|