د. أحمد أبو زيد وأسامة الرحيمي

د. أحمد أبو زيد وأسامة الرحيمي

صمت الأكثرية ليس سلبية بل مقاومة!

  • ظلموا إفريقيا بوصفها القارة المظلمة، فلو درسنا ثقافتها بنزاهة فسنجدها قارة مضيئة
  • النجاح التكنولوجي والعلمي أشعر أمريكا أنها أعلى من بقية البشر
  • يحاولون إزالة هويتنا الثقافية لنصبح مثلهم، وإذا عارضنا يتهموننا بالإرهاب والتخلف

التجهيز لحوار مع عالِمِ .. أمر مُشوّق وشاقٍِ في آن!

فقراءة أعماله متعة تظل مشوبة بالتوتر خشية التقصير..

وتتبع مسيرته فسحة مصحوبة باستغراب حجم التجربة والدأب..

وانتقاء الأسئلة يتطلب مفاضلة مرهقة، خاصة إذا كان العالِم بقامة الدكتور أحمد أبو زيد رائد الأنثربولوجي، وأول من أدخل «علم الاجتماع البدوي» في الجامعات العربية ، بعدما جابَ صحارى الشرق الأوسط من إيران إلي المغرب.

واجتذبته فلسفة الصين والهند مبكرا فأعجبته منظومة الأخلاق الشرقية، لشفافيتها الشبيهة بالصوفية الاسلامية.

وأوفده مكتب العمل الدولي لدراسة القبائل الإفريقية فشغفته ملاحمها التي لاتقل أهمية في نظره عن الإلياذة والأوديسا، وتلمّس أحوالها عن قرب فأيقن أنها تتمتع بقيم حضارية أرقي بكثير مما روّجه المبشرون، وأذاعته الدعاية الاستعمارية المغرضة، ويرفض وصفهم بـ «البدائية» لأنه يراهم أكثر تحضرا ممن نهبوا ثرواتهم لقرون، ثم استداروا يبيعونها لهم.

ويؤكد أن ثأرنا مع إسرائيل لن ينتهي أبدا، قياسا علي » ثأر الأفراد والقبائل» الذي لايهدأ إلا بعودة التوازن بين الأطراف، ولايحب سلوك الشعب الأمريكي الذي دهس القيم الاجتماعية بعجلة السرعة، وباستخفاف بدّد السمو الأخلاقي الذي تتمسك به شعوب أووبا للآن، وهو يشابه قيمنا لحد كبير. ويحزنه أن التكنولوجيا اختطفت المستقبل كله لمصلحتها، فتراجع الاهتمام بدراسة العلوم الإنسانية، وبالرغم من استعماله الانترنت مازال يتحيز للكتاب المطبوع، ويجد في ملمس الورق متعة لايوفرها الكمبيوتر.

  • بعد كل هذا العمر الذي قضيته في البحث والتدريس والكتابة، هل تعدُّ المعرفة ألماً ... والكتابة عندك متعة أم وجعًا؟ وهل صحيح أن الإنسان كلما عرف أكثر أحسّ بفداحة جهله؟

- أذكر مقولة لأستاذنا الكبير«محمد مندور» هي : «الثقافة عسر لا يسر»، وهو يعني أن هناك معاناة في تحصيل المعرفة، فما يتم تحصيله بسرعة يذهب بسرعة، وأذكر حين كنت طالبًا بكلية الآداب في الأربعينيات، كان مقررًا علينا كتاب «مسيرات الفكر» للفيلسوف الفرنسي الكبير مييرسون» وكان لابد أن أقرأه في مكتبة الجامعة ولم تكن هناك استعارة، فقررت نسخه بخط اليد أنا وزميل لي وفعلناها، والكتابة أيضًا معاناة لأنها تحتاج إلى دقة في اللفظ، وقوة في التعبير، وسهولة توصيل المعلومة للقارئ، وأنا لا أكتب جملة واحدة دون أن أعيد صياغتها إلى أن تلائم الفكرة. نعم الكتابة معاناة لكنها ممتعة، وكما قال الشاعر الكبير أحمد شوقي «وأنبغ ما في الحياة الألم»، والإنسان فعلا كلما عرف أكثر أحسّ أنه جاهل، وقد يدفعه عمّق المعرفة للانطواء على نفسه وربما يصّعب عليه التعامل مع الآخرين فالمعرفة معاناة.

  • حين رأيت ثقافة القراءة التقليدية تتحول إلى «الفضاء المعلوماتي» قلت: «كان الحرص على اقتناء الكتب في وقت من الأوقات مظهرًا من مظاهر الرقي الذهني والاجتماعي». مما يعني أن الكتاب المطبوع ما زال أفضل مصدر للمعرفة في تقديرك، ..أليس (النت) أسهل وأسرع وأشمل من الورق؟ أم أنه الحنين إلى الورق الذي قضيت معه أغلب عمرك؟

- التطور التكنولوجي جعل المعرفة ميسورة بطرق أخرى غير الكتابة والقراءة، والإنترنت أتاح المعرفة في وقت قصير جدًا، وأنا شخصيًا ألجأ للإنترنت في كثير من الأحوال، وبالرغم من انتشار هذه الوسائل توسعت الطباعة أكثر، وأعداد الكتب المطبوعة زادت، لكن نسبة الكتب المطبوعة إلى السكان فقدت توازنها القديم، فالزيادة السكانية أعلى بكثير من معدلات الطباعة، والثقافة المسموعة والمرئية التي نحصلها عن طريق التكنولوجيا الحديثة ليست دائمة، نقرأها ونتركها، فإذا أردنا أن نحتفظ بها نطبعها على الورق، أو نحفظها علي الكمبيوتر نفسه، فالورق لايزال وسيلة فعالة لحفظ المعلومات، ومقالات كثيرة من الإنترنت أحفظها على الكمبيوتر، وأطبعها على الورق، فأجيالنا تجد في قراءة الكتب نوعا من اللذة لا نشعر بها إطلاقًا مع الكمبيوتر، ملمس الورق يمنحنا متعة التواصل مع الورق وأفكار الكتاب الذي يصاحبني حتي وأنا نائم، فلا أحد يستطيع أن يسترخي مع الكمبيوتر.

  • في بحث لك عن «الثأر في صعيد مصر» توصلت إلى أن «التوازن هو الغاية الأخيرة من كل أنواع النشاط الإنساني والوسيلة الوحيدة لاستعادة التوازن هي إنقاص الجماعة المعتدية بالقدر نفسه الذي نقصت به الجماعة المعتدى عليها» فكيف تفسر «الفوضى الخلاقة» التي أحدثتها أمريكا في المنطقة في ضوء نظريتك هذه؟

- عندنا في الصعيد تعبير «الأخذ بالثأر»، وهو لا يعني فقط قتل شخص بالمقابل، فهناك قانون اجتماعي، وعلي أساسه يزنون الشخص المقتول ليروا مَن يساويه في الجماعة المعتدية، وقد لا يجدون شخصًا يماثله، فالعين بالعين ليست بمعناها المجرد، بل المكانة الاجتماعية للشخص، وقد لا يكون هناك أحد في الجماعة المعتدية يكافئ المقتول لأنهم يقوّمونه بأكثر، فقد يساوي اثنين أو ثلاثة أو أربعة، وإن لم يؤخذ الثأر بهذا المعنى، تظل العداوة قائمة بين الجماعتين، لكن لو حصل التوازن وهو مهم جدًا تنتهي العداوة. وحين نقرأ عن الجماعات التي تسمى بالبدائية، مثل قبائل جنوب السودان- وأنا درست قبائل (النوير، والأنواق، والشلك، والأزندي) وعشت بينهم فترة - نجد أن القتل عندهم لا يسبب الحروب لكن «عداوة الدم»، التي تظل قائمة إلى أن يصلوا إلي ترضية، لذلك يستغرق الثأر سنوات طويلة، ليس لأن الناس أشرار، بل للوصول إلى التوازن، وهو منطق أخلاقي، لهذا لايمكن للحكومة إنهاء أي ثأر. وحتى على المستوى السياسي بعد إزالة الاستعمار ظلت العداوة والضغينة، فحتى الآن لا يزال عدد كبير من الإفريقيين يشعرون بضغينة نحو الدول الاستعمارية التي كانت تحتلهم، لأنهم أخذوا ثرواتهم، وأعادوها إليهم كسلع وباعوها لهم، واستنزفوا مواردهم المالية مرة أخرى، ويحاولون استعبادهم مرة ثانية باسم العولمة، وأمريكا تحاول تغيير نظم التعليم في بعض الدول العربية، بزعم رفعنا لدرجة التقدم التي يتمتع بها الغرب علميا وتكنولوجيا، لكنهم يريدون استعبادنا فكريًا.

  • هل هذا يعني أن ثأرنا مع إسرائيل طويل وعميق ونهايته غير مرئية؟

- ثأرنا مع إسرائيل لن ينتهي أبدًا، يمكن لأسباب سياسية أن يصلوا إلى نوع من التعايش لبعض الوقت، لكن إن لم يحدث التوازن المنشود مثل الثأر العادي، فستظل العلاقات بيننا وبين إسرائيل متوترة تماما. وعملية التوازن هذه إنسانية لاشأن لها بالنظم، ونحن الآن نشعر بالغبن، هل نستطيع أن نسترد الأرض التي اغتصبتها أم لا، وطالما ليس هناك تكافؤ تام مثل الذي يحدث بين الأسرة الجانية والأسرة المعتدى عليها سيظل الثأر قائما، وستظل العداوة إلى ما شاء الله، بالرغم من معاهدات السلام الرسمية.

  • تناولت «البدائيين» ونظرتهم للكون، وامتلاكهم الشغف والاندهاش، وبحثهم عن إجابات لأسئلتهم الوجودية الأولى ساعد على دفع البشرية للأمام، ونحن الآن مع كل أنواع التقدم لا نكف عن الحروب والتدمير والتخريب والجشع، فأينا أكثر بدائية نحن أم هم؟

أولاً أنا أرفض كلمة البدائية، فهذا تعبير وضعه الغربيون في فترة الاستعمار، وعلم الانثروبولوجيا بدأ دراسة المجتمعات المتخلفة وهي خاضعة للاستعمار، وكانت بدائية مقارنة بمجتمعاتهم المتقدمة، وهي كانت أقل تطورًا من الناحية التكنولوجية وليست الإنسانية والأخلاقية، واهتمامي بتلك المجتمعات كشف لي أشياء غريبة جدًا، أولا وحدة الجنس البشري بمعني أنه ليس هناك فارق، فالأفكار الموجودة عند الإنسان المتقدم لها مثيل لدى الإنسان الذي يقولون عنه إنه بدائي، لديه قيم إنسانية عليا، والأكثر من ذلك أنهم يعدونه بدائيا من حيث القدرة على التعبير التجريدي الذي تميز به الانسان الغربي، ونحن كمسلمين مثلا نقول «الله سميع بصير» وهذه فكرة مجردة، والإنسان الإفريقي يعرف أن الإله سميع بصير، لكنه يُشكّلها في صورة الإله، فينحته بعين واسعة وأذن كبيرة، وهذا تعبير مادي عن الأفكار المجردة، والحياة عندهم قائمة على التعاون، والتكافل بينهم لا نجده في المجتمعات المتحضّرة التي تقوم علاقات العمل فيها على الصراع والتنازع، وهذا اختلاف كبيرا جد لمصلحة الإنسان المسمى بالبدائي، صحيح كانت لديهم حروب بين القبائل، لكن كان يحكمها منطق، فالقبيلة لا تدخل حربا مع قبيلة أخرى إلا إذا اعتدت على أرضها، ولم يعرفوا الحروب إلا مع قدوم الاستعمار الأوربي، حتى القبائل الأسترالية التي يقولون إنها أحط القبائل من حيث التطور، لكننا الآن أشد همجية من تلك الشعوب لأن الحروب الحالية قائمة على محاولة الاستئثار بثروات الآخرين، مثل حروب الخليج، فالغرب يريد أن يضع يده على منابع البترول، وحرّض دولا على دول أخرى ليتدخل ويحصل على أصول الثروة في آخر الأمر، وهذه لا توجد في المجتمعات التي نسميها بدائية، فقد كانت تكفي نفسها بنفسها، وتتأقلم مع البيئة والثروات الطبيعية المتوافرة لديها، لهذا أعتقد أن حضارتنا أكثر قسوة ووحشية وبدائية من الشعوب التي نسميها بدائية.

  • نشأت في الإسكندرية الكوزموبوليتانية بامتياز، وتفتح وعيك على المد الليبرالي في النصف الأول من القرن العشرين، والأنظار متجهة نحو أوربا، وأكملت تعليمك في إنجلترا، فما الذي اجتذبك إلى بدو الصحراء، والقبائل الإفريقية في الأحراش، وثقافات العالم الثالث، هل هو حنين الأضداد، أم شغف المعرفة، أم ضرورات الدراسة والعمل؟

- أنا أنتمي إلى الشعب المصري بكل طبقاته، وفي تكويني جانب كبير جدًا من الثقافة الشعبية، ولم أنفصل إطلاقًا عن مجتمعي، والكوزموبوليتانية دخلت في تكويني نتيجة وجود الجاليات الأجنبية وارتباطنا كأطفال بصداقات مع عد كبير من أولاد الأجانب، وساعدني على ذلك نشاط والدي في الأعمال التجارية، والحركة المسرحية كانت مزدهرة حتى في الأحياء الشعبية، وكان منشدو الشعر الشعبي من البدو يجوبون الإسكندرية، وشغفت بهم، وحين دخلت كلية الآداب قررت أن أدرس مجتمعهم غير الحضري، وكان ذلك فتحًا جديدًا لأني أول من درس الصحراء، وذهبت إلى الضبعة ومرسى مطروح والسلوم (قبائل أولاد علي) والله يعلم نوع المعاناة التي تحملتها في هذه الرحلات، وأغرمت بحياة الخلاء والصحراء، وأدركت لماذا نزلت الرسائل السماوية على أنبياء صحراويين، لأن الصحراء مجال كبير جدًا للتأمل وانطلاق الفكر والصفاء النفسي، ولما بدأت رسالة الدكتوراه في أكسفورد اخترت موضوعًا عن الوادي الجديد (واحات الخارجة) في الصحراء الغربية المصرية وكانت كتاباتي هذه الأولى في الوطن العربي، وأنشأنا فرعًا في جامعة الاسكندرية لدراسات الصحارى الأنثروبولوجيا البدوية، «علم الاجتماع البدوي» وانتشر منها للعالم العربي، وفي مرحلة الدكتوراه أراد أستاذي أن أحضر دكتوراه ثانية عن إفريقيا، وكان الموضوع عن «طبقات العمر»، أي تقسيم المجتمع حسب العمر، وليس الثروة ولا الجاه، وقرأت كثيرًا عن إفريقيا، وعرفت شيئًا من الأدب الإفريقي، وأغرمت بتلك المجتمعات، وحين عملت لاحقا في مكتب العمل الدولي، كانوا يدرسون المجتمعات الصحراوية، فأرسلوني لدراسة صحارى الشرق الأوسط، وجماعاتها البدوية، فدرستها من إيران لغاية المغرب، مرورا بالسعودية، والعراق، والأردن، وسورية، ومصر وليبيا، وكتبت حولها الكثير.

  • عملك في مكتب العمل الدولي أتاح لك الغوص في مجتمعات العالم الثالث، وكانت وقتذاك تغلي بأحلام الاستقلال وحركات التحرر، وكلها الآن مهيضة، وتشغى بالفساد السياسي، والخراب الاقتصادي، والتحلل الاجتماعي..فكيف ترى هذا المشهد المفزع؟

- الستينيات كانت بداية نهضة حقيقية في إفريقيا، وكان هناك زعماء كبار، من حجم لومومبا، ونكروما، وكينياتا، ونيريري، والزعيم السنغالي «ليوبولد سنجور، و«جوموكينياتا» في كينيا وهو صاحب حركة «الماو ماو» التحررية التي قامت على قتل الإنجليز، وأدت لطردهم من كينيا، وله كتاب اسمه «Facing mount kenya» (في مواجهة جبل كينيا) وهو جبل مشهور ويعتبر رمز الدولة، وتقوم كل النظم الاجتماعية والثقافية حوله، وبعد هؤلاء جاء الجيل الثاني من الساسة الذين بددوا ثروات بلادهم المادية والفكرية، وهربوا أموالها إلى الخارج فكانت النتيجة تأخر الأوضاع عن أيام الاستعمار، وأذكر أنني في الستينيات رأيت قرية اسمها «جينجا» في أوغندا، بجوار بحيرة فكتوريا، على مساقط مياه «أوين» التي استغلوها بعد الاستقلال في توليد الكهرباء وأقاموا مصانع في الغابات وعملوا صناعة أثاث وورق، وبدأوا تصدير منتجاتها، وأصبحت مدينة كبيرة هاجر إليها الآلاف من الدول المجاورة، لكن الفساد قضى عليها فاندثرت جينجا، وظهر عدد من المفكرين والكتّاب مثل الشاعر النيجيري «سوينكا» حائز نوبل، و«آتشبى» صاحب الرواية الشهيرة «الأشياء تتداعى» التي ترجمت إلى اللغة العربية، ويعيش في أمريكا الآن - مصابًا بالشلل - وكشف في روايته ما جرى بعد الاستقلال وسيطرة الفاسدين، انهار كل البناء وهذا هو الحال الموجود في إفريقيا مع الأسف الشديد.

  • أزعجك إهمال الثقافة الإفريقية في مصر والوطن العربي مع أنها تزخر بروائع في الأدب والفن والفلسفة وصفتها أنت بأنها «إبداعات تصدر عن روح معذبة غير مستقرة ولكنها متحفزة تستوحي إلهامها من سحر وأساطير وغيبيات وتقاليد، وتحاول أن تفهم الحاضر». هل مازالت تلك الروح المتوثبة موجودة وتستوجب الاهتمام أم طمسها الفساد السياسي، والفقر، وطمرتها موجات العولمة المتلاحقة؟

- ظلموا إفريقيا بوصفها القارة المظلمة، فلو درسنا ثقافتها دراسة نزيهة فسنجدها قارة مضيئة لأبعد الحدود، وثقافتها رفيعة، والأساطير الشفاهية تعبر عن الألم والمعاناة التي عاشها الأفارقة. ولما ظهر الكتاب والشعراء، كلهم تكلموا عن الآلام التي سببها الاستعمار والرق والبيئة القاسية. وهناك فلسفة إفريقية اكتشفها «تمبلز» رجل الدين الذي ذهب إلى إفريقيا للتبشير ووضع واحدا من أروع الكتب عن الفلسفة الإفريقية، التي تنضح بالتعاسة والبؤس لكن فيها رقي وسمو، وكنت أعتقد أن الملاحم إفريقية قصص وروايات وأساطير، لكنها لا تقل روعة عن الإلياذة والأوديسة.

  • هل هي مرويات شفاهية فقط؟

- الأفارقة المحدثون كتبوها وهناك كتابات كثيرة حولها، لكننا نتأثر بالأفكار الغربية، وللآن حين أكلم الناس عن الفلسفة الإفريقية لايصدقون، يتكلمون عن الأفارقة كأنهم قرود، وهذه صور أشاعها رجال الدين المسيحي الذين أساءوا للأفارقة، وأشاعوا أنهم منحطون، وبدورنا نقلنا عنهم، وأنا كتبت مقالاً عن هذه المشكلة في مجلة «عالم الفكر»، ويجب أن تتغير هذه الصورة الخاطئة، ومع الأسف الأفارقة الفاسدون أتباع الاستعمار يحرصون أن تظل بلادهم على جهالتها ليظلوا متمكنين من حكمها وتهريب أموالها.

  • شاركت ضمن بعثات لليونسكو في إعادة اكتشاف طريق الحرير، وطرق التلاقي الثقافي، خاصة الطريق البوذي الذي أتاح لك دراسة ما انقطع من اهتمامك المبكر بثقافات وديانات الشرق القديم، فما أبرز ما اكتشفته في هذا السياق؟

- الشرق الأقصى القديم شغل جيلنا، فمعرفتنا باللغات الأجنبية كانت واسعة، وكنا نطّلع على كل الثقافات، وقرأت كتاب الدكتور محمد غلاب عن الفلسفة الشرقية، وكتابًا عن الفلسفة الصينية وكتبت عرضًا له بعنوان «الشرق كما يراه الغرب» وأرسلته إلى مجلة «الرسالة» الشهيرة ففوجئت به منشورا بتوقيع «بقلم الأديب أحمد أبوزيد» وكان لهذا وقع أجمل من الدكتور أحمد أبوزيد، وكتبت سلسلة مقالات بالعنوان نفسه للمجلة عن كتب الشرق، وتصادف أن أحد أساتذتي في أكسفورد كان هنديًا وأعطانا بعض المحاضرات عن المجتمع الهندي فزاد اهتمامي بالفكر الهندي، وظللت أقرأ الفلسفة الهندية والصينية وكانت القراءات تشبع رغباتي لأن الأديان الشرقية وهي ليست سماوية فيها نزعة صوفية وأخلاقية تدعو للقيم العليا، وجاءت الفرصة عبر اليونسكو لإعادة اكتشاف طريق الحرير، والطريق البوذي يبدأ من نبيال، وكان المفترض أن نبدأ الرحلة من نيبال إلى سورية، لكن وقعت مشاكل بين الهند وباكستان وظللنا في نبيال، وفي هذه الفترة قرأت عن البوذية أكثر بسبب الجانب الصوفي الذي يتشابه مع ما درسته عنها في كلية الآداب على يد الدكتور أبو العلا عفيفي، وبوذا ليس إلها، إنما يقولون «لورد بوذا» وتعاليمه على درجة عالية من السمو الأخلاقي.

  • كنت كثير التردد على أوربا، وإلى حد أقل على أمريكا التي لم تعجب بها كثيرًا؟ فلماذا لا تعجبك أمريكا؟

- نمط الحياة في أوربا أقرب إلى مثيله في مصر، ومصر دولة عربية لكنها متوسطية، وكانت دائمًا مرتبطة بالحضارة الأوربية، وهناك علاقات متبادلة، والثقافة الأوربية أصيلة وعميقة وإنسانية، بعيدًا عن الجانب الاستعماري، وأقصد بالثقافة الأدب، والفن، والموسيقى، والفكر، وهذا ينعكس على السلوك الأوربي الملتزم بالقيم، خصوصًا في الفترة التي عاصرتها، فكل واحد منهم يعرف حدوده اجتماعيا، ويعرف كيف يحترم الآخر، والآخر يحترمه، وهذه لم أجدها في أمريكا، فهناك سرعة في الحياة بطريقة مختلفة عن أوربا، وبعضنا تبهرهم سرعة الحياة، ووجدت هناك عدم احترام الآخر باسم الحرية، والابن يستطيع أن يحاكم والده إذا ادّعى أنه ضربه، وهذا ضد القيم التي نشأنا عليها وأعتبرها أساس تماسك المجتمع. والسموالأخلاقي ليس من القيم الذي يحرص عليها الشعب الأمريكي، ولا التعاطف الذي نشأنا عليه، ومعاملة الآخر باعتباره آدميًا، كل هذا ليس موجودا في أمريكا، وأنا كرهت هذه العادات من تعاملي معهم.

  • هذا عن السمو الأخلاقي الاجتماعي.. فماذا عن السمو الأخلاقي السياسي؟

النجاح التكنولوجي والعلمي أشعر أمريكا أنها أعلى من بقية البشر، وكما أخبرتك سابقًا بعض الكتّاب قالوا إن السود خلقوا لخدمة الإنسان الأبيض، وليست لهم حقوق وربنا خلقهم لهذا، وهذه العنصرية لدى بعضهم بمنزلة العقيدة الدينية، بالإضافة للهيمنة السياسية، والغرب نفسه في الحقيقة أصبح مستعبدًا لأمريكا، وهذا ما حذر منه وزير ثقافة فرنسا الأسبق «لانج» في مؤتمر 1982 في نيومكسيكو، وقال للفرنسيين: «انتبهوا لزحف الثقافة الأمريكية, ستفقدكم إنسانيتكم» والآن أصبحت الهيمنة الأمريكية متوحشة، وتتستر بشعار العولمة بحجة أن نرى بعضنا، والحقيقة أنهم يفرضون أفكارهم، ويحاولون إزالة هويتنا الثقافية لنصبح مثلهم، ولأن الله خلق الشعوب الأخرى لتخدمهم فعلينا أن نلتزم بما يقولونه، وإذا عارضنا يتهموننا بالإرهاب والتخلف، وهذه النعرة أحسست بها على مستوى الأفراد. طبعا هناك استثناءات، لكن أغلبهم يفعلون هذا. صحيح ناطحات السحاب والشوارع والسيارات والتقدم العلمي أشياء باهرة، ولكن ماذا وراء هذا كله، أين الإنسان، دائمًا أبحث عنه.

  • في تقديرك كيف سينتهي الصراع بين العولمة وثقافات العالم الثالث؟

- العولمة ظاهرها المساواة بين الشعوب في الحقوق والواجبات، وباطنها الهيمنة، أي إلغاء الهويات الثقافية المحلية والقومية، وهذا لن ترضى عنه الشعوب أبدا، وأعتقد أن العولمة نهايتها الفشل، وهي بدأت في التراجع بالفعل الآن، فهناك ثورة ضدها حتى في الغرب.

أغلب الدراسات تهتم بالإنسان المبدع، أو بالنماذج الغريبة من المجرمين والمرضى، لكن السؤال الآن عن الإنسان العادي العربي الذي يشكل الأكثرية الصامتة، والقطاع - أو القطيع - الأكبر من الناس ليس من المبدعين ولا المجرمين وخسارتهم اليومية متفاقمة فلماذا يمعنون هكذا في الصمت.. بالرغم من كل المظالم المحيقة بهم؟

  • ألا تستحق هذه الظاهرة التوقف أمامها أنثروبولوجيا، وبحث أبعادها؟

- الإنسان في العالم الثالث يخضع لتسلط الحكام، والحاكم بطبيعته يرفض إبداء ما يخالف رأيه حتى في المجتمعات المتقدمة، قد تكون هناك مساحة من الحرية في حدود لا تهدد النظام، وأي خروج عن ذلك يُكبت فورا، والحدود عندنا في العالم الثالث ضيقة إلى حد كبير، وسقفها منخفض، وعلى هذه الشعوب أن تتمرد وتعبر عن رأيها صراحة، وتتحمل النتائج وهي وخيمة ..

  • كأنها دعوة للثورة!

- لا.. التمرد ليس ثورة بالضرورة، لكن مع أي رأي مخالف للسلطة تخرج أبواق الصحافة وفورًا تهاجم صاحبه وتتهمه بالخروج على النظام، وتعدي الخطوط الحمراء، لكني أعتقد أن الصمت مقاومة..

  • كيف تعتبره مقاومة؟

- الدولة تحب تجاوب الجماهير معها، والصمت يحيرها، وتتساءل لماذا يسكت الناس، وتُرى فيما يفكرون؟!، فأكثر ما تخشاه الدولة شيئين، الثورة والصمت، وأعتقد أنها تخاف أكثر من الصمت، لأنه نوع من السلبية وعدم الرضا، لهذا أرى صمت الأكثرية مقاومة، مثل المقاومة السلبية التي انتهجها «غاندي» وهزّت أركان المقاومة البريطانية. تخيل أنت لو دخلت بيتك فأدار لك أولادك ظهورهم كيف سيكون شعورك، أنا لا أتخوف أبدًا من الصمت وأعرف أن هذا الرأي سيختلف معه البعض، لأني لا أراه سلبية بل أعتقد أنه تعبير عن الرأي بالصمت.

  • فلماذ لم يهتم علم الأنثربولوجي بدراسة سيكولوجية الإنسان الصامت.. الفرد والقطيع؟

- دراسة الأغلبية تحتاج إلى تمويل كبير، وإعداد منهجي، وباحثين، وهذه ليست متوافرة مع الأسف في مصر، ومن السهل أن ندرس الظواهر التي لاتتلاءم مع السائد في المجتمع، وهناك محاولات انطباعية ليست قائمة على دراسات منهجية مثل كتاب د.سيد عويس «هتاف الصامتين» وهو ليس دراسة بمعنى الكلمة بل انطباعات، فلكي تدرس هذه الظاهرة لابد أن تأخذ قطاعات كثيرة جدًا من المجتمع، اقتصادية، وثقافية، ومهنية، لترى أسباب الصمت، فمن الذي يمول مثل هذا الجهد. ومن ناحية أخرى أنت تعرف أنك لا تستطيع إجراء دراسة ميدانية اجتماعية في مصر مثلا إلا بعد أخذ رأي أكثر من هيئة، الجهاز المركزي لكذا وكذا، ومن سيعطيك العيّنة، ففي المجتمع يصعب على فرد أن يأخذ عينة، فلا بد أن تلجأ لمركز إحصاء، فهل هم مستعدون، وما المعايير التي تستند إليها في تحديد الناس الصامتين، وهل هم الذين لا يتكلمون علانية فقط؟ فالناس يتكلمون في كل مجالسهم ضد الحكومة، ولا يخلو مجلس من الكلام عما تفعله الحكومة، لحد الثرثرة، في الترام، والمقاهي، وأي تجمع، غير أنهم لا يتكلمون علانية، إذن فالصمت ظاهري فقط، لا يصل إلى الدولة في الظاهر، لكنه يصل كدويّ، وهذا مخيف جدًا للنظام، الذي لايكف عن السؤال «لماذا يسكت الناس»؟

  • لكن النظم قد تظن أن قمعها للناس أسكتهم وحقق نتائج قوية؟

- الدولة تلجأ إلى العنف والكبت لأنها تشعر بالضعف، فالدول القوية لا تلجأ إلى القوة أبدا في الحوار، مثل الحرامي الذي لايتوقف كلامه عن الشرف، وكما هو معروف من يتحدث عن الشرف كثيرا يخفي أشياء كثيرة ضده، تماما كالحكومات الفاشلة.

  • التقيت الراحل الكبير أحمد مشاري العدواني مصادفة سنة 1968 على عشاء في بيت صديق مشترك بالكويت وتحادثتما كصديقين من اللحظة الأولى؟ وتطرقتما إلى فكرة إنشاء مجلة «عالم الفكر»، وفي عام 1970 تحقق الحلم وخرجت المجلة للوجود، فكيف تتذكر ذلك الحلم بعد المتغيرات التي طرأت على المنطقة؟

- «عالم الفكر» جاءت بالمصادفة حين التقيت المرحوم أحمد مشاري العدواني أواخر 1968 عند محمد إسماعيل موافي الذي أنشأ سلسلة «المسرح العالمي»، واشتركنا في حديث جانبي، وبدأنا نحلم، وسألني: ماذا يحتاج العالم العربي؟ فقلت يحتاج مجلة فكرية راقية تعيد مجد مجلات الرسالة والثقافة، وبعد بضعة أيام أرسل لي أحمد مشاري العدواني شخصًا فلسطينيًا اسمه «موسى راغب» ـ تصادف أنه كان من تلاميذي في جامعة الإسكندرية ـ وذهبت معه، وتكلمنا أنا والعدواني عن المجلة وقال إنه سيكلم وزير الإعلام، وبعد أيام أرسل إلي وقال الوزير يحب أن يقابلك، وكان الشيخ «جابر العلي» وسألني الوزير فشرحت تصوري عن المجلة فقال: هل تعتقد أن مجلة على هذا المستوى الذي تتوهمه أنت ستجد قرّاء في الوطن العربي؟ قلت له: أعتقد أن العالم العربي يحتاج لها فعلا وهناك قرّاء كثيرون يحبون الثقافة الراقية، المهم أن تقدم لهم بطريقة شائقة وبأسعار مناسبة، وناقشنا قليلاً، فقلت له: أنتم دولة صغيرة الحجم، لكن دوركم الثقافي يمكن أن يكون كبيرًا جدًا، فلتكن مجلة «تستهدي فتهدي» ولأنه كان مثقفا أعجبته الكلمة ونظر إلى العدواني، وقال له: يا أحمد هذه المجلة تتكلف كم تقريبًا؟ فقال: خمسة آلاف دينار. فقال له: صار، وهذه قوة الإنسان الذي يستطيع أن يتخذ قرارًا وينفذه، قال صار وصار فعلا، وكانت خطتي أن يعالج كل عدد محورًا واحدًا، بجانب بعض المقالات، وباب للكتب، لكن المهم أن يظل الجزء الأكبر لمحور واحد بكل فروعه. وأعتقد أن البداية كانت صحيحة، ولم أكلف أحدًا لكني كنت أجلس مع أساتذة جامعة الكويت وأقول عندي الموضوع الفلاني فما المحاور التي تقترحونها؟ وسافرت إلى مصر وقابلت عددا من المفكرين، وسافرت إلى المغرب وقابلت عددًا آخر من المفكرين واستمعت إلى اقتراحاتهم، وحددت من يستطيع أن يكتب في موضوعات محددة وكلفته، وكنت أسعى إليهم وأتكلم معهم ليقترحوا المحاور، وكان بعضهم يقترح موضوعات، وأعتقد أن سبب نجاح هذه المجلة أنها كانت تعبّر عن إجماع المثقفين.

  • وماذا عن عملك في جامعة الكويت، وماذا تحقق من أحلام تلك الفترة، وماذا بقي منها؟

- جامعة الكويت أيضًا جاءت مصادفة، والمصادفة لعبت دورًا كبيرًا في حياتي، ففي صيف سنة 1966 اتصل بي الدكتور عبدالحليم نصر عميد كلية العلوم، وقال لي إن الدكتور عبدالفتاح إسماعيل وكيل وزارة التربية والتعليم والمشرفً على أكاديمية البحث العلمي، وسأل إن كنت أحب أسافر للكويت لأشارك في إنشاء جامعتها، وأخبرني بموعد الاجتماع في السفارة الكويتية بالقاهرة ، وهناك وجدت مجموعة من الأساتذة، وتكلم عبدالفتاح إسماعيل بطريقة جيدة جدًا وقال: نحن سنذهب إلى الكويت لتأسيس الجامعة، لسنا موظفين، هذه هدية مصر للكويت، نحمل رسالة. الكلام أعجبني ووافقت على الذهاب فورًا، وجمال عبدالناصر كان دائمًا يقول إن رسالتنا أن نأخذ بيد العالم العربي، وكان عددنا 81 أستاذًا من مصر، والعالم العربي، والحقيقة استقبلونا استقبالاً رسميًا جميلا في المطار، وجامعة الكويت كانت في مبنى الخالدية على الطريق الدائري الرابع، ولا أعرف ماذا أصبح الآن، وحين ذهبنا إلى المبنى أول مرة وجدنا تلالا من الرمال بين الطريق والمبني فخضناها لنصل إلى كلية البنين، وكان المبني بدائيًا جدًا، وتصببنا جميعًا عرقًا، وأذكر أن بنطلوني تخشب من العرق والأملاح، لكننا كنا متلذذين ونشعر أننا نقوم برسالة جليلة، ونظفنا الفصول وأخرجنا الكتب من الصناديق بترابها، وكنا نفعل ذلك بمحبة شديدة، وكانت بداية الجامعة جيدة. وفي السنوات التالية أحضروا أعدادًا إضافية من الأساتذة، وكان من حق أي قسم أن يدعو أحد كبار الأساتذة الأجانب، وأنا في قسم الاجتماع دعوت «جاك بيرك» المستشرق وعالم الاجتماع الفرنسي الكبير، وبقى معنا فترة يدرس للطلاب، والحقيقة أننا حققنا تصوراتنا في هذه الجامعة، فسارت الأمور علي نحو جيد، والعلاقات كانت طيبة جدًا. والواقع أن الإنسان الكويتي مضياف وتعامله مع الإنسان الذي يحترم نفسه جيد جدًا جدًا، وكانت لي صداقات ممتازة، إنما كانت أقوى صداقاتي مع أحمد مشاري العدواني رحمه الله واتصالنا كان على المستوى العائلي. وتوليت تنظيم بعض الرحلات لطلاب الجامعة ككل، وأخذتهم في أول رحلة إلى أوربا، وزرنا فرنسا وإنجلترا وألمانيا وهولندا، وقوبلنا مقابلة جيدة جدًا، وأخذتهم في رحلة ثانية إلى مصر وزرنا الآثار المصرية القديمة، ومعبد أبوسمبل. وفي آخر سنة خيّروني إن كنت أحب أن أبقى معهم، ففضلت العودة إلى مصر، وكنت آتي إلى الكويت باستمرار للإشراف على مجلة «عالم الفكر»، لأن العدواني قال لي نحن متمسكون بك ورتّب أمورك بحيث تأتي إلينا مرتين أو ثلاثًا في السنة، وفعلاً ظللت أزور الكويت لغاية 1979 وأصبحت أستاذًا ثم عميدًا لآداب الإسكندرية، وحين وصلت سن الستين عُدّت إلى الكويت، وظللت إلى 1986 حتي وصل عمري 65، فأحببت أن أعود إلي جامعة الاسكندرية لأحتفظ بمنصب أستاذ متفرغ، ولازلت أحمل كل المحبة والولاء للكويت التي أحبها فعلاً، وأحب أصدقائي الكويتيين، وأعتقد أنها محبة متبادلة.






د. أحمد أبوزيد في حوار مع أسامة الرحيمي