عبدالوهاب العوضي فنان متعدد الرؤى

عبدالوهاب العوضي فنان متعدد الرؤى

على الرغم من حداثة انخراط عبدالوهاب العوضي 1953 في الحركة التشكيلية الكويتية المعاصرة والمؤرخة بانطلاقة معرضه الشخصي الأول عام 1993، فإنه استطاع أن يكشف عن طاقات وقدرات موهبة حقيقية خلال تجربة تشكيلية متعددة الأوجه.

لقد حقق العوضي نجاحات كبيرة وحظي بالتشجيع المعنوي من قبل أفراد وهيئات مختلفة وأضحى سريعا واحدًا من الأسماء اللامعة في الساحة الفنية الكويتية، تتابع جماهير المجتمع الكويتي أعمالا غير تقليدية نابعة من فكر مبتكر وبساطة في التصميم بقدرة بصرية تحمل متابعته للأحداث والمشاهد اليومية الملاصقة لمشاعر أهل بلده ومحيطه العربي والدولي.

وعندما نتلمس خط سير رحلته مع الفن ندرك مدى بحثه وتعمقه في العموم والمطلق، وتجنبه أن يحصر نفسه في الضيق السهل التناول، فقد كانت لديه قناعات بتجاوز المحصور المحلي وتطوير ذاته الفنية بأن يكون مفهوما بابتداع أشكال جديدة أوسع تصل إلى أي إنسان في العالم.

أما في ما يخص التفكير المرئي للعوضي من خلال وعيه الفني والفكر المسبق على العملية الإبداعية الذي يوفره وجود المثير المحرك لمشاعره، نجده يحكم توزيع أشكاله وتلخيصها والاقتصار على أبجديات اللغة التشكيلية في محاولة جادة للارتفاع بكم التحصيل الجمالي لمجال الرؤية الفنية، فهو لا يتقيد بالظل والنور أو التجسيد بل يسطح أشكاله ويربط عمله ككل بجزئياته، فتصبح اللوحة نسيجا متحدا من الحلول الفنية فتظهر علاقة الأجزاء التي تم تلوينها ببعضها البعض وبالأجزاء الأخرى ويظهر التوازن واضحا، كما تظهر العلامة النسبية على الألوان وتوافق الألوان المختارة وحساب كمياتها الحسية والتعبيرية.

الكاريكاتير

ومعروف أن فن الكاريكاتير أحد مجالات الفنون التشكيلية المعتمدة على الرسم، وهو أداة تعبير واتصال قديمة، متجذر تاريخيا منذ حضارات بلادنا الشرقية المصرية القديمة ووادي الرافدين، وفي العصور الوسطى برز بقوة في أوربا، كما عرفه العرب بطريقتهم الخاصة في صورهم الشعرية والنثرية وترافق مع بدايات الصحافة العربية اليومية وانتشارها في مختلف الأقطار العربية بعد ذلك.

وفي الكويت على وجه التحديد، ظهر مبكرا في مساهمات متواضعة لأحمد محبوب العامر الذي جمع بين الرسم والكاريكاتير والفنان معجب الدوسري الذي سجل على صفحات مجلة البعثة موهبته في رسم ملامح وجوه زملاء الدراسة، أعضاء البعثة التعليمية في مصر إلى جانب رسوم حوارية فكاهية.

واستطاع عبدالوهاب العوضي مخاطبة القاعدة الجماهيرية الأوسع بأقصر الطرق في بساطة التقاط الفكرة التي تختزل الكثير والتعبير عنها بمستوى عال من الأداء التشكيلي، وبلغة بصرية سهلة ومباشرة وذكية، حملها بأقل الكلمات كل ما يمكن أن يقال بوضوح.

رؤية تحريضية

وقد كان لتعرفه على الفنان ناجي العلي وصداقته خلال فترة وجوده بالكويت وكلمات وقصائد الشاعر العراقي أحمد مطر أثره البعيد، وعيًا لأمور كثيرة أخرى وسببا تحريضيا أبرزه في رسوماته.

وإن كانت دراسة العوضي الأكاديمية في الطب المساعد والعلاج الطبيعي، فقد كان، وما زال، يعرض أفكاره المرسومة كوسيلة تواصل مع مختلف شرائح مجتمعه الذي أدهشهم بأفكاره المبتكرة التي تراوحت بين حالات الغضب والسخرية والحزن والفرح وأخرى اقتصادية وثقافية واجتماعية عبر عنها بالأبيض والأسود بخطوط عفوية بسيطة وقليلة بأقل الكلمات أو من دونها، هي رسوم صلبة ومتينة تعبيريًا وتشكيليًا.

وفي اعتقادي أن الكاريكاتير فن قائم بذاته وأصحابه ذوو مواهب واستعدادات خاصة لارتياد هذا الطريق الصعب، ولا يهم كثيرًا اتمامهم لدراسته في كليات للفنون حتى يكونوا مبدعين في هذا المجال ولنا في الفلسطيني ناجي العلي والمصري أحمد حجازي وغيرهما خير نموذج لهذه الوجهة.

وعرف عن عبدالوهاب العوضي تركيزه على الجانب الإنساني وتجاوزه أيضا إلى أبعاد معاناته الأوسع والأعمق نحو الحرية والديمقراطية واحترام حقوقه ودفاعه عنها وعن قضاياه وحقوقه المسلوبة.

وفي جرأة وشجاعة طرح مواضيع ناقدة أو رافضة في كاريكاتيره الرمزي باعتباره من أصعب فنون الكاريكاتير، لأنه يعتمد على خلق الفكرة المتجددة دائما التي تعايش الظرف الاجتماعي والسياسي، فهو أحد فرسان الصحافة المحلية التي عمل بها (الوطن والطليعة الأسبوعية وجريدة القبس حتى الآن)، وشارك في المهرجان الدولي للكاريكاتير ببلغاريا العام 1989 وسبق له إقامة معرضين شخصيين لفن الكاريكاتير السياسي، الأول في مارس 1990 والثاني في مارس 1993، وحصل على جائزة مؤسسة علي وعثمان حافظ الصحفية لعام 1993، وأصدر كتابًا لأعماله الكاريكاتيرية عام 1993 واختارت مؤسسة ويتي وورلد الأمريكية أحد رسوماته الكاريكاتيرية عام 1992، كواحد من أفضل الرسوم السياسية لذلك العام، وحاز جائزة جريدة الشرق الأوسط السنوية في مجال الكاريكاتير عام 1994.

تجارب البداية

تميزت رسومه وتخطيطاته التي جاءت مرافقة للنصوص الأدبية والشعرية التي كانت تنشر في الصحافة المحلية أو التي وردت في هوامش الموضوعات الفكرية، وأغلب المقالات الافتتاحية لمجلة العربي، هذه الأشكال التوضيحية والموتيفات التشكيلية تميزت ببساطة رموزها وإشاراتها الدلالية لتصميمات موفقة مستخدما في ذلك الخطوط والمربعات والشرائط والأشكال الهندسية الملونة.

وبين رسوم الكاريكاتير وممارسة الرسوم المصاحبة التوضيحية عاش العوضي حالة من العشق والاندفاع منطلقا من هذه الخربشات والبدايات الملونة بغية تطويرها إلى ممارسات فنية بشكل آخر واستمتاعه بحالة من الإبداع في سبيل تشكيل عمل فني قائم بذاته.

ومما هو جدير بالذكر أن الفترة غير القصيرة التي قضاها في دراسته في الاتحاد السوفييتي السابق من عام 1973 حتى عام 1979 سمحت له بالتعرف على تلك الثروة الفنية الهائلة لعصور وتحولات الفنون التشكيلية التي تزخر بها المتاحف الروسية العظيمة، كما كانت زيارته إلى يوغوسلافيا عام 1990 في دورة مهنية ومن تردده على المعارض وضع يده على الاتجاهات الفنية الجديدة واللوحة التشكيلية المعاصرة واختفاء الرسوم التقليدية وأعمال الجرافيك المنتشرة التي نفتقدها في بلادنا وتعمقت معرفته للشكل واللون، فشجعه ذلك على الاستمرار في تجربته وتعميقه لفكرة الموتيفات وتكبيرها، وعكف على هذه الرسوم باعتبارها أفكارًا أولية للوحات (اسكتشات) وشجعه في ذلك صديقه وزميله في العمل الصحفي الفنان هاني مظهر واصطحبه للجمعية الكويتية للفنون التشكيلية بغرض المشاركة بباكورة إنتاجه من لوحات في المعارض الجماعية التي تنظمها.

وكانت تكوينات الألوان المائية الرقيقة لمساحات وأشكال هندسية على سطح الورق الأبيض مادة تلك الفترة ومنطلقه لمعرضه الشخصي الأول عام 1993، حيث وجد العوضي في الخصائص المميزة لهذه الألوان وسيلة أسبغت على أعماله نضارة وحيوية وجاذبية فهي المناسبة لهذا النوع من أعماله. ومعروف أن الألوان المائية من أقدم الألوان التي استخدمت منذ العصور الكلاسيكي، وتكاد تكون معظم الرسومات السريعة والإيضاحية وزخرفة المخطوطات الزاهية في العصور الوسطى نفذت بها. وأنتج الرسامون الصينيون واليابانيون بدائع لوحاتهم بالألوان المائية، فهي ألوان نقية وشفافة أو شبه معتمة كما يرغب الفنان في استخدامها فهي تسمح بانبعاث الضوء من خلالها فتضفي صفة الطزاجة والحيوية على منتجها كما أنها تتطلب الكثير من الفنان، حتى يعرف حدودها ومعطياتها التلقائية وما يود بالضبط أن يقوم به، فهي لا تدع فرصة لتردد.

وجاء معرضه الشخصي الثاني 1998 استكمالًا للتجربة الفنية الأولى بمعناها الفني الخاص وإطلاقا لطاقته الإبداعية نحو آفاق رحبة في استمتاعه بتوزيع أصباغه المائية وتأثيرها المتناغم في الخطوط والمساحات التي تتشكل بها لوحته التجريبية الساعي إليها، يصفها الفنان والناقد التشكيلي حميد خزعل بقوله: «لم يخل أي عمل من روح المدينة العربية بنمطها في التكوين المعماري، بجدرانها وأبوابها ونوافذها، فالمساحات اللونية تعتمد في تركيبتها البنائية الكتل المعمارية ومسطحاتها، وإن حاول عبدالوهاب في صياغة جديدة اختزال واقعية المشهد إلى إشارات رمزية مغلفة بنسيج تقني شفاف عمل عليه بهدوء وروية».

حالة هي أقرب إلى الاتجاه التكعيبي الذي بشر به الفنان العظيم سسيزان وكان لماتيس وجورج براك وبيكاسو الدور المهم والأثر الواضح في تأسيس بداياته بعد اكتشافهم الحقيقي للفن الإفريقي وإعادة الاعتبار لإبداعاته.

ومن الجميل أن نسمع قول العوضي «أنا لاأقصد هنا رسم هذه المكعبات من أجل التكعيب، إنما سلسلة من التنويعات التي وجدتها تتشكل بهذه الصورة، ففي كل أعمالي كان عامل الصدفة هو العامل الأساسي في صياغتها».

وضحت ورسخت تجربة الفنان عبدالوهاب العوضي، في معرضه الشخصي الثالث 2002، ذات الصياغة التجريدية وبرزت قدراته الفنية وتمكنه من توزيع اللون والضوء على سطح قماش لوحته، إلى أن كان معرضه الأخير في يناير 2008 الذي أفصح عن طاقة إبداعية جمالية أكثر تمكنا في رسوخ هذا التوجه التجريدي الذي لا يحمل هذه المرة أي إيحاء لعلاقات بالمظهر المرئي للأشياء، ومبدعا أعمالا لا تنتمي إلى قوانين الواقع المادي، بل تخضع لقوانين الفن والصورة، ظل العوضي يعمقه لما يقارب من 14 عاما وبرزت مقدرته في سيطرته على تكوين وألوان تلك اللوحات ذات المساحات الكبيرة (130 × 193سم) والتي لم يمارس تجربتها من قبل.

وفي متابعة لمجمل تجربة العوضي التشكيلية نلحظ انحيازه إلى التيار التجريدي دون مختلف الاتجاهات الفنية التي غلبت على الحركة التشكيلية الكويتية عموما. ومما هو معروف أن التجريد تيار فني عالمي، ويعتبر مرحلة متقدمة في تاريخ الفن ومسار التطور الفني في العصور الحديثة، وهو يلي «التكعيبية» الحركة الأكثر حسما وجذرية وعاصرت التجريد في مراحله الأولى مع بداية القرن العشرين وتكرس بعد الحرب العالمية الثانية وبلغ قمة ازدهاره في أوربا مع السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي.

ومنذ انطلاقة العوضي التشكيلية وهو يصوب بوصلته إلى الاتجاه التجريدي مثار اعجابه وتقديره على وجه التحديد والذي من المؤكد تعرفه على ملامحه في المتاحف الروسية كمتحف بوشكين والأرميتاج خاصة عندما أعيد اكتشاف تجارب كبار الفنانين الروس الطليعيين Russian Avant-garde وتأثر بذلك فنانو الغرب، ومن بلادنا عرف بهذا الأسلوب الفنان المصري الكبير آدم حنين وكان مصدر شهرته في السبعينيات في باريس وذاع صيته في معارض المهرجان العالمي السنوي (الغياك)، فقد كان للتجريد مضمون متطابق مع مفاهيم الإنسان الجديدة من حيث تأكيده على حرية التعبير التي طالبت بها تيارات فنية أخرى معاصرة وله منطلقه الجمالي، وباتت العفوية والارتجال حتى الاحتمال والمصادفة من مدخلاته.

وفي هذا السياق، هناك مداخلة لمحمود أمهز أوردها في مؤلفه «التيارات الفنية المعاصرة» من الأهمية ذكرها هنا: «أن الفن الإسلامي لجأ إلى استخدام صيغ هندسية تجريدية للتعبير عن رؤيته للعالم والإنسان وقد التزم الفن الإسلامي بمبادئ اصطلاحية تنظم العلاقة القائمة بين الأشياء وتعيد صياغتها داخل المساحة التشكيلية انطلاقا من مفاهيم جمالية خاصة، لم يكن أهمها تمثيل العالم المرئي أو محاكاته، بل تفسيره والتعبير عنه بأشكال مجردة». فهل هناك علاقة أو اعتبار لذلك عند عبدالوهاب العوضي، على الرغم من أنه لا ينكر أهمية التراث؟!

في حديثه لمجلة الطليعة عام 1998 يقول: «التراث لغتنا الأولى وأبجديتنا الخالدة التي نعتز بها والاهتمام بالتراث هو التعطش لمعرفة الماضي مهما كانت إمكاناته، إنني أحاول الاطلاع دائما على التراث والاهتمام به».

وإن كان للون في التصوير الحديث دور فاعل، فإنه في التجريد له أهمية قصوى ومباشرة للفنان الحديث أكثر من الفنان التقليدي، فاستعمال اللون يكون استعمالا جماليًا وفنيًا بحتًا، نجده بشكل واضح في أعمال موندريان وكاندينسكي وبول كلي وماتيس وغيرهم.

وعند العوضي كان اللون أكثر مظاهر التصوير في أعماله أهمية وتجلى بشكل رائع في معرضه الأخير، ينتقل من الألوان الساخنة (الأحمر والبرتقالي والبني...) إلى الألوان الباردة (الأزرق والأخضر...) يعطي مساحاته وأشكاله حركة نحو الداخل، وأوجد إيهاما بالمسافة في الفضاء بتحكمه في قوة اللون، كما انسجمت درجاته اللونية وكان عامل إحساس بالحركة، أما إن تضاربت فهي تحمل للمتلقي تأثيرا رمزيا ما أو تعبيرًا مقصودًا بعينه.

لقد سجلت لوحة الفنان عبدالوهاب العوضي التجريدية الأخيرة نضجًا وانفلاتا معلنة اختمار تجربته التشكيلية.

-----------------------------

قفي، تسلُ عنكِ النفسُ بالخطة التيتُطِيلِينَ تَخويفي بها، ووعِيدي
فقد طالما من غيرِ شكوى قبيحةٍ رضينا بحكمٍ منكِ غير سديدِ


جميل بثينة

 

 

يحيى سويلم 




 





العوضي - رسم مصاحب





الاستاذ عبد العزيز حسين يفتتح معرض عبد الوهاب العوضي في معرضه الأول عام 1993





 





العوضي - يناير 2008 - اكريلك 130 × 193 سم





العوضي - يناير 2008 - اكريلك 130 × 193 سم





العوضي - يناير 2008 - اكريلك 130 × 193 سم





العوضي - يناير 2008 - اكريلك 130 × 193 سم





ليبوف بوبوفا بناء لوني 1920 - زيت على قماش





العوضي - المدينة العربية





آدم حنين - المنزل الاخضر 1987 صبغ على بردي 720 × 720 سم





العوضي - الوان مائية وحبر صيني