معرض العربي.. جورج إيناس وادي لاكوانا

معرض العربي.. جورج إيناس وادي لاكوانا

قد لا تكون هذه اللوحة واحدة من قمم تاريخ الفن, ولكنها أفضل مجال لإثارة واحدة من أقدم القضايا في تاريخ اللوحة، والبعض يراها قاطعة في حسم الجدال حول حق الرعاة والزبائن في التدخل في عمل الرسام وفرض آرائهم عليه.

فقد تلقى الرسام الأمريكي جورج إيناس في عام 1855م طلبًا من «شركة الخطوط الحديدية في ديلاوير ولاكوانا» ليرسم لها مبنى مقرها المستدير والمنطقة المحيطة به في لوحة زيتية. فرسم الفنان لوحة لم تنل موافقة الزبون. إذ تضمنت مشهد خط حديدي واحد، في حين أن رئيس الشركة يريد إظهار الخطوط الثلاثة أو الأربعة التي تعتزم الشركة مدها لاحقًا، كما طلب وضع الأحرف الأولى من اسم الشركة على إحدى القاطرات، وأيضًا رسم أربعة قطارات وليس واحدًا، بعبارة أخرى، لقد أراد الزبون تمثيل كل موجودات الشركة في اللوحة.

احتج الفنان أولاً، ولكن، غلبه رب العائلة المحتاج إلى الخمسة والسبعين دولارًا، التي كان سيتقاضاها ثمنًا للعمل، فكانت التسوية بالإبقاء على قطار واحد، ورسم ثلاثة خطوط حديدية أخرى.

إن معظم اللوحات الكبرى والعظيمة في تاريخ الفن، رسمت بعد الأخذ بشروط الزبائن الذين يوصون عليها: كم شخصا سيظهر فيها؟، وكم من الأحمر أو الأزرق يجب استخدامه، ومن يجلس بقرب من، وطول اللوحة وعرضها؟... إلخ. وضمن عقد واضح الشروط، كان الرسام يعتمد على عبقريته في توليف ما هو مطلوب مع خطابه الخاص. يروى أن شركة الخطوط الحديدية وافقت على اللوحة معدلة، وعلقتها في أحد مبانيها لبعض الوقت، قبل أن تبيعها، وفي أواخر عمره، اكتشف الرسام لوحته هذه في متجر للخردة في مكسيكو فاشتراها، وانتقلت من بعده إلى ابنته التي باعتها إلى الثرية الأمريكية هاتلستون روجرز التي تبرعت بها إلى متحف الناشيونال غاليري. فما الذي رفع اللوحة إلى هذا المستوى وجعلها لائقة بهذا المتحف الكبير؟

استنادًا إلى حكم النقاد، فإن ضغط الزبون على الفنان كان له أفضل الأثر على هذه اللوحة، إذ إنه أجبره على رسم «طبيعة منظمة» ومسكونة ومعاصرة، استطاع أن يجمع فيها المبنى والقطار إلى هذه الشجرة الباسقة التي تبدو مستوحاة من أعمال الكلاسيكيين الفرنسيين في القرن الثامن عشر. كما أن الخطوط الحديدية، التي تبدو مدمجة في الطبيعة، ساهمت بدورها في تنظيم هذا المشهد ككل. فاللوحة بهذا القطار وهذه الخطوط فريدة من نوعها. ولو نزعنا الخطوط الحديدية المضافة لوجدنا أنفسنا أمام لوحة عادية جدًا لا تستأهل مكانًا على جدار المتحف. بعبارة أخرى، إنها أفضل من كل اللوحات التي رسمها الفنان نفسه في السنوات الأخيرة من عمره، عندما كان يجلس أمام قطعة قماش بيضاء يضع عليها ما يشاء من دون ضغط الزبائن.

عبود عطية 





جورج إيناس (1825 - 1894) «وادي لاكوانا» (1855)، (86 × 127 سم)، ناشيونال جاليري، واشنطن