العرب: 80 عاماً مع «الأوسكار»!.. أحمد رأفت بهجت
العرب: 80 عاماً مع «الأوسكار»!.. أحمد رأفت بهجت
منذ 80 عاما ومع بداية توزيع جوائز أكاديمية علوم وفنون الصور المتحركة الشهيرة بالأوسكار، تردد اسم العرب مع جائزة لم تتكرر بعد ذلك، وهى جائزة أحسن مخرج لفيلم كوميدى, وكانت من نصيب المخرج لويس مايلستون عن إخراجه لفيلم صامت بعنوان «الفارسان العربيان» 1927 إنتاج المليونير الأمريكى الشهير هوارد هيوز. وخلال السنوات التالية استمر العرب يظهرون من وقت لآخر فى توزيعات الأوسكار, سواء كفنانين أو فنيين أتيح لهم فرصة الفوز أو الترشيح للجائزة, أو كشخصيات داخل موضوعات الأفلام المرشحة أو الفائزة فى الفروع السينمائية المختلفة. ورغبتنا فى إلقاء الضوء على الفنانين والفنيين العرب الذين حققوا الفوز أو الترشيح للأوسكار, لا يعني أن هؤلاء قد حققوا أي أهداف ملموسة لمصلحة العرب على المستويين الإنسانى أو السياسى في السينما الأمريكية أو الأوربية. وهذا أمر طبيعى فلم تكن هناك إمكانية لتحقيق ذلك حتى على مستوى قضاياهم الشخصية فى بلدان المهجر أو بعيدا عن التوجهات المهيمنة على تلك الصناعة. يضاف إلى ذلك أن معظمهم كان ينتمى إلى الجيل الثانى أو الثالث من المهاجرين العرب فى أمريكا الشمالية والجنوبية. وغالبا ماكانوا نتاج زيجات بين عرب وأمريكيين. ومع ذلك يحسب لهؤلاء أن أفلامهم التى فازت أو رشحت للأوسكار لم تتعرض للعرب داخل أمريكا أو خارجها بالسلب أو الايجاب إلا فيما ندر. وهذا فى حد ذاته يعد انجازا إيجابيا! لو قارناه بأفلام أخرى شارك فيها بعض السينمائيين العرب من المهاجرين الجدد وعادت بالضرر على القضايا العربية. وفى جميع الأحوال سنجد أن أصحاب الأصول العربية يتعرضون جميعا لتجاهل حقيقى من قبل القوائم الأمريكية التى تسعى إلى تصنيف المرشحين أو الفائزين حسب أصولهم العرقية لتاكيد سماحة وعدم عنصرية اللجان الأمريكية. فنجد قوائم للسود والآسيويين (من أصول يابانية وهندية وصينية وكمبودية وإيرانية.. إلخ) واللاتينيين, دون أي ذكر حقيقى لأصحاب الأصول العربية. لن نوغل من جانبنا فى التفاصيل الفنية لأفلام هؤلاء ولكن يهمنا التأكيد على أنها لم تؤسس على مدركات معروفة سلفا ويمكن التنبؤ بها. كما أنها شملت فروعا سينمائة مختلفة. فهناك «اميل كورى Emile kuri» وهو مصمم ديكور شهير حاز جائزة الأوسكار مرتين عن فيلمين هما: «الوارثة» 1949 «20 ألف فرسخ تحت الماء» 1954. كما رشح للجائزة ست مرات أخرى عن أفلام مهمة منها: «كاري» 1952 «مارى بوبينز» 1965, «رونالد شويرى Ronald Schwary» وهو منتج فاز فيلمه «أناس عاديون» بجائزة أحسن فيلم عام 1980 . ورشح فيلمه « قصة جندى «للجائزة نفسها عام 1984، كما رشحت أفلامه «عطر امراة» «توتسى» «لقاء جو بلاك» لجوائز أوسكار متنوعة. فريد موراى إبراهام F.murray Abraham ممثل حاز جائزة أفضل ممثل عن دور سالييرى فى فيلم «أماديوس» 1984, «كالى خورى callie khourie» مخرجة وكاتبة سيناريو حازت جائزة أحسن سيناريو أصلى لفيلم «ثيلما ولويز» إخراج ريدلى سكوت, «بول جبارا Paul Jabara» موسيقى حاز أوسكار أحسن أغنية عن فيلم «شكرا للرب إنه يوم الجمعة». «وليام بيتر بلاتى William Peter Blatty» مخرج ومؤلف وكاتب سيناريو فيلم «طارد الأرواح الشريرة» 1973 الذى رشح لعشر جوائز أوسكار وفاز باثنتين منهما، جائزة أحسن سيناريو. «ستيفن نافع Steven Naifeh» مؤلف وناشر كتاب «جاكسون بولاك: بطولة قومية» الذى تم إعداده إلى فيلم سينمائى بعنوان «بولوك 2».. الذى رشح لجائزتى أوسكار وحصل على جائزة احسن ممثلة مساعدة ويعد أول فيلم من إخراج الممثل أيد هاريس. المهاجرون العرب والسينما ويشاء المهاجرون العرب الجدد الى الولايات المتحدة وأوربا خلال النصف الثانى من القرن العشرين أن يقلبوا معهم الأوضاع، فانجازاتهم قوية وملموسة بل واحيانا جذرية. ولكن ردود الافعال تجاهها تأتى متباينة وخاصة من قبل الأوسكار.فالمصرى عمر الشريف يرشح لجائزة أفضل ممثل مساعد عن دور الشريف على فى «لورانس العرب» أول أدواره فى السينما الأمريكية. بينما يفشل فى الترشيح لجائزة أفضل ممثل عن دور «دكتور زيفاجو» رغم أنه أفضل الادوار التى مثلها فى أمريكا على الاطلاق. والمصرى «أحمد فؤاد سعيد» يحصل على جائزة الاوسكار للانجاز التقنى عن تصميمه سلسلة «سينى موبيل cinemobile», وهى سيارات تشمل جميع لوازم التصوير الخارجى والتحميض والمونتاج وتنقلها ممكن إلى مواقع التصوير المختلفة. وجاء انتشارها لينقذ السينما الأمريكية من حالة كساد فرضها نظام الاستوديوهات هناك. ومع ذلك لم يستطع الاستمرار فى هوليوود ويقرر العودة إلى المنطقة العربية بعد تجارب ومضايقات محبطة. ثم يأتى «ماريو قصار و Mario kassar» (مواليد بيروت 1951) ليصبح واحدا من اكثر منتجى هوليوود ابداعا وربحا ورشحت الأكاديمية الأمريكية فيلمه «شابلن» لثلاث جوائز أوسكار ولكن دون أن يحصل على أى منها. الشيء نفسه حدث مع مصطفى العقاد (مواليد سورية 1930). فقد رشح فيلمه الضخم «الرسالة» لجائزة أوسكار واحدة لأفضل موسيقى وفشل فى الحصول عليها. كما أن فيلمه التالي «أسد الصحراء» 1981 تجاهلته ترشيحات الأوسكار تماما على الرغم من تميزه الإنتاجى والفنى. وأخيرًا يأتى المليونير المصرى «محمد الفايد» وابنه الراحل دودي ليحققا ما لم يحققه أي عربي حتى الآن فى مجال الأوسكار. فقد شاركا فى إنتاج فيلمى «عربات النار» 1981، «سائق مسز ديزى « 1999 فرشح الاول لسبع جوائز وفاز بأربع منها جائزة أفضل فيلم. أما الثانى فرشح لتسع جوائز وفاز بأربع منها أيضا جائزة أحسن فيلم! لم يكن فوز فيلمى الفايد بتلك الجوائز حلما به عدم اتساق الحلم ولا منطقيته. ولكنه كان بكل المقاييس يعكس رسالة واقعية من رجل أعمال عالمى التوجه إلى من يهمه الأمر من المهيمنين على حركة المال والاعمال فى أوربا وأمريكا. وتوضح أحداث الفيلمين مانرمى إليه. فالفيلم الأول «عربات النار» يصور مسيرة عداء يهودى يفوز بالميدالية الذهبية فى الأولمبياد خلال العشرينيات فى ظل استعلاء صهيوني يحدده مدربه: «ليس أمامك اى فرصة للتراجع تقدم واعملها من أجل إسرائيل مادام اليهود يتميزون بكل هذا الثبات وعدم التغيير فإنني أعتقد فعلا انهم شعب الله المختار»! أما الفيلم الثانى «سائق مسز ديزى» فيجسد العلاقة الإنسانية الحميمة بين الأرملة اليهودية العجوز مسز ديزى وسائقها الزنجى فى إحدى ولايات الجنوب مابين عامى (1948 - 1973) وفيها تظهر الأرملة اليهودية باعتبارها النفس الحر الوحيد وسط مجتمع عنصرى بغيض. ولكن بعيدا عن السينما الأمريكية والأفلام الناطقة بالإنجليزية برز من خلال جائزة الاوسكار لأفضل «فيلم أجنبى» اثنان من المخرجين العرب وهما الجزائرى «رشيد بو شارب» الذى رشح للجائزة مرتين عن فيلمى: «غبار الحياة » 1984، «أيام المجد» «2006» والفلسطينى «هانى أبو أسعد» عن فيلم «الجنة الآن» 2005 مما يعنى أنهما تجاوزا التجاهل الذى واجهته من قبل أفلام لسينمائيين عرب كبار مع هذه الجائزة. ربما يرجع ذلك إلى أن الموضوعات التى تعاملا معها يلتقى بعضها مع اهتمامات الجهات الغربية التى شاركت فى إنتاج هذه الأفلام. فالفيلم الاول يتناول مشاكل الصبية الذين أفرزتهم العلاقات العاطفية بين الفيتناميات والجنود الأمريكيين خلال حرب فيتنام. بينما يتناول الفيلم الثانى دور الجنود الجزائريين فى الجيش الفرنسى خلال الحرب العالمية الثانية.ويأتى الفيلم الأخير ليطرح رؤية متحفظة تجاه المقاومة الاستشهادية ضد إسرائيل. (رشحت إسرائيل لهذه الجائزة سبع مرات!) العرب بين التاريخ والحرب والملاحظ أن الأفلام الحربية التى دارت أحداثها على الاراضى العربيه هى التى دشنت وأسست لمعظم الأفلام التى ظهرت على قوائم الأوسكار خاصة فى الفروع الرئيسية (أفضل فيلم, أفضل مخرج، أفضل سيناريو) وفيها يبدو العرب كشعوب تعيش فى سبات عميق. ليس لها أى مساهمات فى الحضارة الإنسانية وحتى لو ظهروا كشعوب لها تاريخ فهو أيضا تاريخ سلبى يجعلها فى أكثر الاحوال تفاؤلا المعادل البدائى للعدو الالمانى سواء خلال الحرب العالمية الأولى أو الثانية. ومن البديهي ان الأفلام الفائزة أو المرشحة للجائزة مابين العقدين الثانى والرابع من القرن العشرين تصبح ضبابية الأبعاد بالنسبة لنا، مادام لم يتح لنا مشاهدة معظمها. ونتيجة لذلك فإنه لا يمكن تناولها بالتحليل إلا بأكثر الطرق حذرا. ومنها تفاصيل أحداثها ومدى ارتباطها بأنماط أو اتجاهات طغت على فترة إنتاجها. وما كتب عنها من وجهات نظر مختلفة، ودلالات حتمية تصوير بعضها على الأراضى العربية، وغير ذلك من المؤشرات. كان فيلم «الفارسان العربيان» هو الفيلم الأول فى تاريخ الأوسكار الذى يربط بين العرب وحروب الغرب من خلال قصة جنديين أمريكيين فى منطقة جحر الثعالب بالجبهة الغربية خلال الحرب العالمية الأولى، أحدهما العقل والثانى العضلات، يأسران بواسطة الجنود الالمان، ولكنهما ينجحان فى الهرب من معسكر الاعتقال. وبعد مغامرات ضاحكة بين الثلوج ثم القطارات والسفن يكتشفان أنهما فى منطقة للقبائل العربية وفى أسر أكثر ضراوة عليهما الإفلات منه والاضطلاع بدورهما الحضارى فى انقاذ الأميرة العربية «ميرزا» من أسر التقاليد والصراعات القبلية. ويأتى فيلم «الطريق إلى مراكش» المرشح لجائزة أحسن سيناريو أصلى عام 1942 ليقدم صيغة كوميدية شبيهة. تربط بين العرب والحرب ولكن بصورة غير مباشرة. فالفيلم تدور أحداثه فى أجواء القبائل العربية حول مغامرات اثنين من رجال الاستعرض الأمريكيين (بوب هوب وبنج كروسبى) تم بيعهما في سوق العبيد بعد أن غرقا بالقرب من السواحل العربية فى شمال إفريقيا، يعيشان الصراع بين الأميرة الجميلة «شاليمار» وشيخ القبيلة اللص متحجر القلب مولاى قاسم (انتونى كوين). فهى تحاول الزواج من أحدهما بينما يحاول قاسم التخلص منهما لينفرد بها. يرى الناقد الأمريكى دينيس شوارتيز أن قفشات الفيلم الضاحكة تنحو تجاه تملق الجمهوريين على حساب الديمقراطيين، وأن ظهور مذيعين من إنجلترا والصين وروسيا والفلبين وهم يعلقون على أحداث الحرب العالمية الثانية من خلال مايحدث للأمريكيين فى الصحراء العربية، يعزز أفكارا ورؤى ربما لا يمكن للمتلقى غير الأمريكى أن ينظمها داخل مفاهيمه الخاصة وتعطى للفيلم أهمية تجعله يتنافس على جائزة السيناريو الأفضل. أفلام الحرب وتستحوذ أفلام الحرب التى تدور فى المنطقة العربية «على جائزة أفضل فيلم» مع أفلام مثل: «كازابلانكا» 1942 «لورانس العرب» 1963 «باتون» 1970. «المريض الإنجليزى» 1996. ولكن بينما تلعب دورا هامشيا فى فيلم «كازابلانكا» نجدها تتسيد أحداث «لورانس العرب» الذى يرصد صفحات من الثورة العربية ضد الاتراك فى الجزيرة العربية، محصلتها أن الضابط الإنجليزى لورانس كان قائدا عظيما وشجاعا، وكان مبعوثا للعناية الإلهية لتخليص العرب من الاستعمار العثمانى. وهو الذى قاد ثورتهم وحقق لهم النصر فى معارك العقبة ودمشق رغم خلافاتهم ورؤية بعضهم للحرب باعتبارها وسيلة للسلب والنهب والغنائم. حاز الفيلم 7 جوائز اوسكار: احسن فيلم. مخرج. تصوير. اخراج فنى. صوت. موسيقى. مونتاج. ويحاول فيلم «باتون» تجسيد الملامح الشخصية والعسكرية للجنرال الأمريكى جورج س. باتون خلال الحرب العالمية الثانية لتأكيد مفهوم رمزى يرى أن تكوين هذا القائد استمر لآلاف السنين ويعكس أكثر ملامح الحضارة سلبية فهو مهما بلغ من التدين ومهما أخلص فى ظاهره للقيم الحضارية الموروثة مثل الحرية والواجب والعدالة والشرف والإيثار فإنه لا يجد مفرا من تقمص هذه القيم من منطلق تاريخ الحروب وغريزة القتال عبر العصور. وعندما يلتقى بالشخصية العربية فى الفيلم سيراها من منظور تاريخ قرطاجة فى شمال إفريقيا. فبعد مشهد تبدو فيه النساء العربيات وكأنهن حيوانات أو طيور جارحة وهن يجردن أشلاء جنود الحلفاء فى تونس من ملابسهم ويسرقن حاجياتهم بعد غارة جوية مباغته من النازى. هنا يأتى باتون ليستعيد صورا من تاريخ المنطقة نفسها منذ مئات السنين: «فى هذا المكان كان القرطاجيون يدافعون عن المدينة أمام ثلاث فصائل رومانية، قاتلت بشجاعة ولكنهم لم يتمكنوا من المقاومة فكانت المذبحة، النسوة العربيات أخذن ملابسهم وبقى الجنود عراة فى الشمس منذ ألفى عام لقد كنت هناك!!» كلمات تسلب العرب أصالتهم وتقاليدهم عبر العصور ويتردد صداها فى أكثر من مشهد داخل الفيلم. حاز الفيلم 7 جوائز اوسكار: أحسن فيلم، مخرج، ممثل، قصة وسيناريو كتب للشاشة مباشرة، إدارة فنية وديكور، مونتاج، موسيقى، ويرفع فيلم «المريض الإنجليزى» شعار تحطيم الحدود بين الأجناس والأديان، ويدعو إلى نبذ الأنانية بين البشر، ولكنه مع ذلك يقع فى المحظور ويكشف عن عنصرية لا نلمسها فى الرواية المأخوذ عنها والتى تروى من خلال شخصية مصرية تختفى من المعالجة السينمائية. ومع ذلك فالفيلم حافل بالشخصيات المصرية والعربية ولكن فى إطار مقارناتها بالجنسيات الأخرى. فبينما نرى - على سبيل المثال - بطلة الفيلم الممرضة «هانا» توزع القبلات فى مرح وتساعد زميلاتها ماديا وتلقى بنفسها وبارادتها الحرة فى دوامة الخوف والمعاناة والوحدة من أجل مساندة الكونت المجرى «الماظة» المشوه نتيجة حروق قاتلة وتصر على الإبقاء على حياتة لانها تؤمن برسالتها كممرضة. هذا النوذج الإنسانى النادر يقابله ممرضة أخرى ولكن من نوع مختلف. ممرضة عربية مسلمة تعمل فى المعسكر الألمانى فى ليبيا تظهر فى ملابسها البيضاء وقد تحولت إلى جلاد بارد الأعصاب. تنفذ الأوامر الالمانية بقطع اصبع من يد رجل مخابرات كندى كعقاب له على عدم اعترافه باسماء أعوانه. وهى مهمة تؤديها مع تعليق من القائد الالمانى يشير فيه إلى أنها مسلمة وعقاب من يزنى معها هو قطع اليد، مما يوحى بأن المهمة عادية بالنسبة لها وتدخل فى صميم تقاليدها العربية والإسلامية، حصل الفيلم على 9 جوائز اوسكار: أفضل فيلم، مخرج، ممثلة مساعدة، تصوير، مونتاج، موسيقى تصويرية، ديكو، تصميم أزياء، صوت، والجوائز التي حصلت عليها أفلام مثل «لورانس»، «باتون»، «المريض الإنجليزى» لا يمكن أن نقلل من قيمة من حصلوا عليها، لأنها بكل المقاييس أفلام جيدة الصنع، وتقف خلفها مواهب نادرة وإمكانات باهرة، ومؤهلة لإدراك أهمية التكامل الفنى لعناصرها المختلفة، وربما لذلك يصبح تأثيرها على المتلقى فى كل أرجاء العالم مثيرا للقلق، وفى هذه الحالة نصبح نحن من أولى ضحاياه! ولكن من جانب آخر احتضن الأوسكار أفلاما غير مؤهلة للترشيح أو الفوز لان الاتجاه الغالب عليها كان يحصر رؤيتة فى الممارسة الدعائية ذات الطابع التجارى الفج. والذى يجعل السخرية والتلفيق والدعاوى العنصرية مجالا للإبداع الفنى بعد أن يجرده من الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية. ولعل فيلم «غزاة تابوت العهد» 1981 يعد نموذجا لهذه النوعية بعد أن رشح لعشر جوائز فى فروع: أفضل فيلم، مخرج، تصوير، موسيقى، إخراج فنى، صوت، مونتاج، مؤثرات مرئية، مؤثرات صوتية، مونتاج. (وفاز فى العناصر الست الاخيرة). أفلام دعائية يختلق المخرج ستيفن سبيلبيرج فى فيلمه «غزاة تابوت العهد» شخصية عالم آثار يدعى د.انديانا جونز يعمل مدرسا فى جامعة شيكاغو. يسعى بناء على طلب من المخابرات الأمريكية إلى البحث فى مدينة تانيس المصرية القديمة عن «تابوت العهد» وهو الصندوق الذى كان يحمل به اليهود «الوصايا العشر» ويرجع سبب اختفائه من القدس إلى فرعون مصرى غزا المدينة واستولى عليه وخبأه فى غرفة سرية فى تانيس غطتها الرمال بعاصفة رملية استمرت عاما كاملا. ومع بزوغ النازية أصبح هتلر على يقين بأن من يعثر على التابوت يستطيع السيطرة على العالم. وهكذا يتكرر ربط النازية بكل ما تحمل من ذكريات الدمار والخراب بالمصريين. وهو ربط نمطى شديد الافتعال، خاصة عندما ينعزلون عن أى فعل حضارى، وبجوار حشود من عمال الحفر بعضهم يستسلم لأسيادهم الألمان والبعض الآخر للأمريكان، لن نرى سوى العملاء والقتلة واللصوص وسط أجواء من التخلف والانحطاط. من معاد القول أن تلك الأنماط العربية التى احتلت الأفلام الحربية, يتكرر ظهورها فى مختلف الأشكال السينمائية وخاصة الأفلام التاريخية التى استحوذت على الجوائز الرئيسية للأوسكار, وكان معظمها يركز على صراعات خلفيتها عصر الإمبراطورية الرومانية, لم تأت بجديد فى أسلوب تقديمها للشخصية العربية، فهو دعائى عتيق، ولا يمل صانعوها من تكراره: مرب خيول يتصف بالخبث والشراهة فى «بن هور» 1959 (فاز بـ 11 جائزة أوسكار منها جائزة أفضل ممثل مساعد لهية جريفيث عن دور مربى (الخيول العربى). تاجر العبيد فى «سبارتاكوس» 1965. (فاز بـأربع جوائز اوسكار) «المصارع» 2... (فاز بـخمس جوائز اوسكار). جميعها كائنات تسعى الى جنى أطايب وقطف امتيازات بأقذر الطرق وأحطها. وغالبا ماهم عملاء للقوى الباطشة المعادية لأبطال هذه الافلام. تلك مجرد نماذج من الأفلام التى صنعها العرب أو صنعت عنهم وكان للأوسكار فضل ترسيخها فى تاريخ السينما العالمية. هناك نماذج أخرى كثيرة ولكنها فى إطار الصورة نفسها، التى لن تتوقف مادامت تفتقر إلى الثقل السياسى سواء كاقلية داخل الولايات المتحدة وأوربا أو كشعوب محاصرة بالمشاكل، بل ربما تزداد الصورة قتامة خاصة عندما نعلم أن معظم الأفلام التى أشرنا إليها تم تصويرها على الأراضى العربية، مما يعنى أننا قدمنا مقابل حفنة دولارات مصداقية للزيف الذى تقدمه تلك الأفلام. فالأرض أرضنا، والرعاع الذين خلف البطل هم أبناؤنا، واللغة التى تتردد فى عمق الصورة هى العربية!!.
جميل بثينة
|