مكتبة الإسكندرية تحتفي بديوان العرب
احتفلت مكتبة الإسكندرية بالتعاون مع وزارة الإعلام الكويتية بمناسبة مرور خمسين عاما على إصدار مجلة العربي بمشاركة نخبة من المثقفين والكتاب والصحافيين والإعلاميين وذلك في أوائل شهر أبريل الماضي، وحضر وزير الإعلام الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح مختلف فعاليات الاحتفالية ليؤكد استمرارية دعم وزارة الإعلام لمجلة العربي ماديا ومعنويا.
شهدت الاحتفالية تنظيم فعاليات وأنشطة من بينها إقامة معرض للصور الفوتوغرافية يضم صورا التقطتها عدسات مصوري مجلة العربي عبر 50 عاما في مختلف الدول العربية والإسلامية والأجنبية، ومعرض للفن التشكيلي للفنانين الكويتيين عبدالوهاب العوضي وغادة الكندري، وحفلة موسيقية على مسرح مكتبة الإسكندرية لفرقة التلفزيون الكويتية التي أطربت الحفل بالأغاني التراثية الكويتية القديمة
البحرية منها والبرية. كما تم تكريم بعض الشخصيات المرموقة، وعرض فيلم تسجيلي قصير لخص مسيرة مجلة العربي في العقود الخمسة الماضية.
اعتراف بدور الكويت الثقافي
واعتبر رئيس التحرير الدكتور سليمان العسكري أن مبادرة مكتبة الإسكندرية بالاحتفال باليوبيل الذهبي لمجلة العربي هو بمنزلة اعتراف بالدور الثقافي الكبير الذي تلعبه دوله الكويت والمتمثل في مجلة العربي وهذا أمر ليس بالجديد على المؤسسات الثقافية العربية وخاصة مكتبة الإسكندرية. ورأى أن «العربي» جاءت لتشكل شبكة جامعة وموحدة لدول العالم العربي إذ استطاعت أن تجمع بين الثقافة الإسلامية القديمة والتراث العربي وتربط حركة النهضة العربية المعاصرة بحركة العلوم العالمية.
وتمنى الدكتور سليمان العسكري أن تكون هذه الاحتفالية بداية تعاون حقيقي بين المؤسسات والجهات الثقافية المختلفة، كي تتمكن من القيام بدورها الثقافي والفكري على أكمل وجه.
بحضور نخبة من المفكرين والكتاب والمبدعين العرب افتتح وزير الإعلام الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح دائرة العمل المستديرة لمناقشة الرؤية المستقبلية لدور مجلة العربي بكلمة شدد فيها على أن نجاح مجلة العربي لم يكن ليتحقق إلا بمساهمة المثقفين المصريين والعرب فيها، مما جعلها منارة للثقافة العربية، وأشار الوزير إلى التحديات الكثيرة التي تواجه العالم العربي وتتمثل في صراع الأديان والحضارات، مطالبا بالقول: «علينا كمثقفين التصدي لتلك التحديات, محافظين على هويتنا, ومستوعبين للتقنيات الحديثة».
تحديد موقف
وأعرب مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين عن سعادته بمشاركة كوكبة كبيرة من المفكرين في المائدة المستديرة التي تستهدف بحث مستقبل مجلة العربي. وأضاف أن هناك من ينادي بصراع الحضارات وحرب الثقافات، وآخرين ينادون بالانفتاح على الآخر، مشيرا إلى أنه مطلوب منا كمثقفين عرب التصدي لكل تلك الدعوات, وأن نحدد مواقفنا منها, وأن نستشرف المستقبل, كي نسهم في صناعته.
وعقب الكلمات الافتتاحية ترأس الدكتور جابر عصفور أعمال المائدة المستديرة وألقى كلمة مختصرة أشاد فيها بصمود مجلة العربي إزاء التحولات الكبيرة التي هزت العالم العربي وحفاظها على الهوية العربية والتاريخ العربي، خاصة تيار العولمة والتحدي المتعلق بنظرة الغرب للعرب والمسلمين.
وناقش الحضور على مدى ساعتين عشرات المواضيع والقضايا المتعلقة بالمستقبل, من أهمها مستقبل اللغة العربية والتفاعل مع قضايا المرأة وجيل الشباب وتدعيم تيار التفكير العقلاني والتنويري.
استعادة أدب عريق
شهد مسرح مكتبة الإسكندرية الاحتفال الرئيسي باليوبيل الذهبي لمجلة العربي وألقى وزير الإعلام الكويتي الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح كلمة رأى فيها أن وجود كل هذا الحضور العربي في مكتبة الإسكندرية هو: «انتماء للثقافة العربية الموحدة التي تتجسد في وحدة الأبجدية التي تعبر عنا، ووحدة الثقافة التي تضمنا، ووحدة التاريخ الذي يظلنا، ووحدة الجغرافيا التي تسعنا، ووحدة الأمل الذي يحدونا في غد أفضل».
ديوان الرحلة المعاصر
وأضاف: «لقد كانت «العربي» ولاتزال مرآة لهذا التنوع مثلما كانت وستظل صوتنا لتلك الوحدة الثقافية المبدعة، فعلى صفحاتها سافر القراء مع محرريها ومصوريها ليعيدوا اكتشاف بلدانها ومدنهم وقراهم إضافة إلى عاداتهم وتقاليدهم. وفي ألف رحلة ورحلة استعادت العربي مكانة أدب عربي عريق رفيع وهو الرحلات فكانت تسير بدأب على خطي ابن بطوطة وآثار ابن جبير وكلمات ابن فضلان وغيرهم من الرحالة الذين اكتشفوا العالم في زمانهم وجاءت «العربي» لتعيد اكتشاف العالم في زماننا ولتصبح ديوان الرحلة المعاصر في نصف قرن دون منازع».
وفي ختام كلمته أشار الصباح الى أن قراء «العربي» عاشوا مع كتاب المجلة ومفكريها وهم يستعيدون ذكرى أبرز المناضلين وأفضل المفكرين وأهم المبدعين في حياة أمتنا العربية، محاولة من «العربي» لاستعادة الوعي وتكريس لقيم التنوير ودعمها للجهد الكبير الذي أرساه الأوائل وإحياء للأفكار الخالدة التي تقدمت بالأمم ونهضت بأبنائها.
التأصيل مع التجديد
وألقى مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور إسماعيل سراج الدين كلمة أوضح فيها أن مجلة العربي لم تواكب فقط التطور الثقافي في العالم العربي في العقود الخمسة الماضية، بل هي صانعة لهذا التيار الثقافي الكبير الذي نحن جميعا نعتز بالمشاركة في روافده.
وأضاف: نحن نقف عند مفترق طرق ونقول لأنفسنا ولآبائنا وأبنائنا إننا وصلنا في هذه اللحظة من تاريخ الأمـــــة العربية إلى فترة حرجة تحتاج في المقام الأول، إلى تدعيم المفاهيم الثقافية، مفاهيم القيم ومفاهيم التواصل الثقافي عبر الأجيال والاستمرارية الثقافية، مفاهيم التأصيل مع التجديد، لأننا ندخل في مشارف ثورة معرفية لم يكن لها مثيل».
الأيام المحددة للذات
وتساءل سراج الدين: «أي نوع من الثقافة سنصنع في العقود الخمسة المقبلة وأي دور ستقوم به مجلتنا مجلة العربي؟ أي دور أن يمكن لمؤسسات مثل مكتبة الإسكندرية أن تقوم به من أجل هذا الجيل الصاعد من الشباب؟ هذا الجيل لم يعرف تلك الأيام المحددة للذات التي نحن جيل المعارك عشناها وعرفناها، علينا أن نفتح الأبواب ونذلل العقبات ونفسح المجال وندرك أن أبناءنا قادرون على أن يصنعوا المعجزات».
ونرجو لها 50 عاما أخرى من النجاح والنشاط على أكتاف هؤلاء الشباب لتقود حركة ثقافية واسعة النطاق في هذا العالم العربي المتجدد في عالم متغير لنؤكد أننا هنا بإنجازنا الفكري، انجازنا الثقافي الجديد والمتجدد ولسنا فقط هنا بتراثنا من الشعر الجاهلي أو العباسي أو ماأنتجناه في الماضي».
وتحدث نائب رئيس مجلس إدارة مجموعة زين للاتصالات وهي راعية احتفالية مكتبة الإسكندرية الدكتور سعد البراك عن أهمية الدور الاجتماعي الذي يجب على الشركات التجارية الكبرى القيام به في دعم مختلف الجوانب الحياتية ومن بينها الجانب الثقافي، وأوضح البراك أن مجلة العربي حققت باللغة التجارية نجاحا تسويقيا هائلا بانتشارها الواسع، وكشف أن شركة زين تتطلع في خططها المستقبلية إلى دراسة امكانية تصفح مجلة العربي من خلال الهاتف النقال.
وفي ختام كلمته شكر البراك كلا من وزارة الإعلام الكويتية ومكتبة الإسكندرية على إتاحتهما الفرصة لشركة زين للقيام بمسئوليتها الاجتماعية بدعم الثقافة العربية من خلال احتفالية مكتبة الإسكندرية بمجلة العربي.
بعد الانتهاء من مراسم القاء الكلمات الرئيسية، كرمت وزارة الإعلام بدولة الكويت السيدة الفاضلة سوزان مبارك حرم رئيس جمهورية مصر العربية وتسلم درع التكريم نيابة عنها محافظ الإسكندرية اللواء عادل لبيب، كما تم تقديم درع لمكتبة الإسكندرية، وتم أيضًا تكريم كل من الدكتور إسماعيل سراج الدين والدكتور أحمد أبو زيد والدكتور جابر عصفور مدير المركز القومي للترجمة والأمين العام السابق للمجلس الأعلى للثقافة.
«العربي» ديوان الثقافة العربية
وضمن احتفالها بمجلة العربي أصدرت مكتبة الإسكندرية كتابًا تذكاريًا حول مجلة العربي يستعرض مراحل عديدة من تاريخها، والجهد الذي بذلته خلال السنوات الخمسين الماضية، ورؤساء تحريرها الذين هندسوا انجازاتها، وأهم التطورات التي مرت عليها، والموضوعات التي ركزت عليها مثل باب الاستطلاعات الذي أعاد إحياء واحد من أهم فنون الأدب العربي، وهو أدب الرحلة بصورة معاصرة. كما تناول الكتاب أهم الكتاب الذين شاركوا «العربي» قضاياها وطموحاتها. ولم يغفل الكتاب التذكاري الدور الذي لعبتة مجلة العربي الصغير وكتاب العربي وأخيرا المولود الجديد الملحق العلمي.
وفي تقديمه لهذا الكتاب وصف رئيس التحرير الدكتور سليمان العسكري مجلة العربي «بأنها الحلم العربي الذي يدغدغ آمالنا كلما هددنا القنوط، كما أنها الأمل القومي الخالد في أننا أمة واحدة، تجمعنا آمال موحدة وثقافات مشتركة ليس من المحيط إلى الخليج فحسب، بل في كل أصقاع العالم».
وأشار العسكري الى أن لمصر مكانة مرموقة في العربي: « فهي التي أنجبت أول رؤساء تحريرها، وهو الراحل العلامة الدكتور أحمد زكي، الذي أرسى قواعد منارة العربي الثقافية، كما أنها وهبت العربي ثاني رؤساء تحريرها الراحل المبدع المرموق أحمد بهاء الدين الذي واصل مسيرة تألقها، فضلا عن مساهمات عشرات من مثقفيها التنويريين في نسيجها المطرز بآيات الإبداع، والفكر، والفن. وهي المكانة نفسها التي تكنها العربي للبلدان العربية قاطبة وكانت قد دعت في مستهل أعدادها إلى التعريف بأعضاء الجسد الواحد: «اعرف وطنك أيها العربي». وأوضح العسكري في موضع آخر: «وجد القارئ لمجلة العربي نفسه مع المجاهدين في الجزائر، والمناضلين في فلسطين، وصناع الحضارة في بلاد الرافدين، وعلى ضفاف النيل، وحماة الإسلام في قلب الجزيرة العربية، وشهود العمارة غير التقليدية في اليمن، والراعين للشواطئ الأجمل على ضفاف المتوسط من هنا حتى بلاد المغرب العربي».
وفي الختام بين العسكري أن صدور هذا الكتاب التذكاري عن مكتبة الإسكندرية له أكثر من دلالة فهو يعني - في المقام الأول - اضطلاع المكتبة بدورها التنويري الذي آلته على نفسها، بالعمل على مد جسور الثقافة الإنسانية بين الشعوب. إنه التجرد الثقافي لصرح يدعو للعلم، وينادي بالتنوع، ويشارك بالتقدم، ويساهم في التنمية.
وضمن سياق التقديم نفسه رأى الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية أن مجلة العربي استطاعت أن تملأ فراغا لم يكن ظاهرا، لكنه كان ملموسا في الساحة الثقافية والأدبية في الوطن العربي، حيث خرجت العربي من الكويت لتدعم الوحدة الثقافية في الوطن العربي، تساند العمل العربي المشترك، موضحًا أن صدور مجلة العربي في هذا التوقيت يعبر بكل وضوح عن عروبة وانتماء الكويت العربي، كما يمثل تأكيدا على الرغبة الأصيلة في الانتماء إلى محيطه العربي، ومن ثم الانتماء للحلم العربي لتعاضد الإخوة وتآزر الأشقاء العرب, بحثا عن مكان جدير بالعرب في ظل عالم جديد مليء بالتغيرات والتقلبات.
وكان سراج الدين قد أشار إلى أن النظر إلى واقع الثقافة العربية يكاد يصيب الإنسان بشيء من ضبابية الرؤية، وتشوش الأفكار، ذلك أن الكثير من مجلاتنا - إلا القليل - قد خرجت عن إطار «هدفها التثقيفي والمعرفي» لكن بقيت مجلة العربي وعدد من المجلات الثقافية العربية تقدم المعرفة، والفكر، والعلم، والأدب في صورة رائعة، مضيفا أنه: لا توجد مجلة ثقافية في وطننا العربي، استطاعت أن تستمر بنفس قوة أدائها الثقافي والمعرفي منذ نشأتها وحتى بلوغها يوبيلها الذهبي مثل مجلة العربي وعدد قليل من المجلات الثقافية العربية.
الوفد المشارك بالاحتفالية من الكويت
رئيس مركز البحوث والدراسات الكويتية الدكتور عبدالله الغنيم، الأستاذ سعود عبدالعزيز البابطين رئيس مجلس أمناء جائزة سعود عبدالعزيز البابطين الشعرية، الأديبة ليلى العثمان، الشاعر الدكتور خالد الشايجي ممثل رابطة الأدباء الكويتية، أستاذة اللغة العربية بجامعة الكويت الدكتورة نورية الرومي، الكاتب الصحفي خليل حيدر، رئيس جمعية الفنون التشكيلية عبد الرسول سلمان، مندوب وكالة الأنباء الكويتية عبدالله الفريح، الفنان التشكيلي ورسام الكاريكاتير عبدالوهاب العوضي. ومن مجلة العربي: سليمان حيدر، حسين لاري، محمد أشكناني، إبراهيم المليفي.