رباعية الوداع

 رباعية الوداع

1

تلك أيامُ أقلامٍ أهلِ الغرضْ
وأنا اليومَ في شغُلٍ
لرحيلي إلى خالقي أستعدُّ..
أعدُّ الدقائقَ من لهفتي للقاءِ..
فيا ربُّ:
ما للدقائقِ ليست تُعَدُّ؟!
تَمرُّ بِطاءً ثِقالاً
وأعوامُ عهدِ الشبيبةِ...
كانت عجالاً
فتمضِي سِراعًا... تباعًا!
وكنتُ فتى قرويا
يخافُ المدينةَ
لم يمتلكْ من حُطامِ الحياةِ متاعًا
ولم يعرفِ اليأسَ بعدُ!
أقول لنفسِيَ:
لن أنصُرَ اليومَ ضعفي
على قوتي
فأنا مرتَجَى أُسرتي
وأبو إخوتي
(وأوَدُّ من الدهرِ مالا يودُّ)
وكنتُ أقول لها:
أهوَنُ الأمرِ ما مرَّ...
لكنْ سيأتي الأشدُّ!
كذلك هيأتُها للذي جدَّ عن صدَماتِ الحياةِ
وما يستجدُّ..
لكَمْ كنتُ من محضِ فيضِ الهوى أستعيرُ..
ومن فطرتي
أستمدُّ..
فلم أنخدعْْ في حياتي سوى مرَّتيْنِ..
فتلك الفتاةُ التي:
كنتُ كلَّمتُ عنها المساءَ... فأنصتَ
والعادِلُ المستبدُّ!
وآهٍ.. فلو كانَ ما قد مضَى
يُستعادُ!
وبعضُ الذي مرَّ من عمرِنا
يُستَردُّ!
ولكن قضَى اللهُ ما قد قضاهُ..
وكان الذي لم يكنْ منه بدٌّ..
ولا حوْلَ لي
كي أوافقَ... أو أعترِضْ!

2

تلك أيامُ أقلامِ أهل الغرضْ
هكذا كنتُ في مرضي أتَعلَّلُ منفردًا
كلما عِيلَ صبري
أراقبُ سعْيَ الورَى
وأعارضُ ما كان يجرى
بما قد جرَى:
هل أصابَ القلوبَ العمَى؟
رُبما!
وهل اقتلَعَ الشجرَ الوارفَ الظلِّ
في أرضِنا
بعضُنا؟
ونباتُ المُروءةِ والخيْرِ..
أهلكهُ مُهِلكٌ؟
فليكنْ!
هل تُرى جفَّ نبعُ الأمانةِ؟
هل نضبَ الماءُ في قعْرِ بئرِ الفضيلةِ؟
فلنفترضْ!
لِتكنْ أنتَ: أنتَ..
وقلْ - إن تكلمتَ
- لا ما يشاءونَ..
بل ما تشاءُ..
احترسْ يا «رجاءََُ»..
وإن وَلَغوا في السَّخائم..
أو خاض غيرُكَ في فاحِشٍ
لا تَخُضْ

3

تلك أيام أقلامِ أهلِ الغرضْ
وأنا اليومَ حرٌّ..
كما لم أكن قبلُ قطُّ..
ولكنني لستُ أملِكُ شيئًا
سوى أنني أرقبُ الزبدَ المتدافِعَ
في لُجَّةٍ
وهو يعلو... ويَشتطُّ..
يركبُ ما شاءَ من موجةٍ
يرتقي.. ثم ينحطُّ!
وهو يصيرُ هباءً..
يضيعُ سُدًى
فكأنْ لم يكنْ قطُّ!
مثل بريقٍ زهَا..
وانتهى!
أو كطاقَةِ غزْلٍ
غدتْ - بعد إبْرامِها - تَنتقِضْ!

4

تلك أيامُ أقلامِ أهلِ الغرضْ
تلك أيامُهمْ
تلك أقلامهمْ
وأنا اليومَ لا شأنَ لي
بتفاصيلِ أغراضِهمْ
بتعاليلِ أمراضِهمْ
فأنا محضُ روحٍ قُبِضْ!

 

 

حسن طلب