أيلول الأسود الأميركي أمــيــركــا... أكــثــر بــطــشــاً... أم أكــثــر عــدلاً؟
أيلول الأسود الأميركي أمــيــركــا... أكــثــر بــطــشــاً... أم أكــثــر عــدلاً؟
حديث الشهر فكرة حتمية صراع الحضارات ليست جديدة ولكن لها بعدها التاريخي في التراث الغربي التي تلح على وجود صدع ثقافي بين هذه الحضارات . كانت فظاعة الجريمة أبشع من أن تصدق, ونحن نعزّي, بكل مشاعرنا وصدق تعاطفنا وعميق أسفنا للشعب الأميركي الصديق, وأسر الضحايا الأبرياء لهذا الحادث المخزي المرفوض من كل إنسان يحترم ضميره ومبادئه ودينه وثقافته وحضارته. وبينما البشرية جمعاء مشدوهة من بشاعة الصدمة أمام أجهزة التلفزيون كانت معظم شبكات التلفزيون الغربية, وعلى رأسها (سي.إن.إن)و(بي.بي.سي) تستضيف رؤساء وزراء إسرائيل بيريز ونتانياهو وباراك وشارون, الذين أفاضوا في الحديث عن خطورة الإرهاب (العربي بالطبع) وكيف هم الضحايا الحقيقيون للإرهاب الدولي (لا ننسى أن اثنين منهم من قادة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية التي ارتكبت أبشع المذابح والإرهاب ضد الفلسطينيين والعرب العزل الأبرياء من المدنيين والعجائز والأطفال: قائمة لا حصر لها بدءاً من دير ياسين وكفر قاسم إلى صبرا وشاتيلا ومجزرة قانا مروراً بمذابح أسرى الحرب المصريين في أعقاب حرب يونيو 67 وإسقاط طائرة الركاب المدنية الليبية في سيناء ومذبحة رأس بيروت ضد زعماء منظمة التحرير الفلسطينية في أوائل السبعينيات, وكانت بقيادة باراك, الذي قاد بعدها مجزرة مختطفي الطائرة الإسرائيلية إلى أوغندا, والحديث يطول عن ذبح آلاف مؤلفة من الأبرياء). ويتصور البعض أن فكرة حتمية صراع الحضارات قد طرحها هنتنجتون لأول مرة في العام 1993 في مجلة Foreign Affairs وطوّرها لاحقاً في كتابه الشهير الذي حمل الاسم نفسه (صدام الحضارات - The clash of civilization) لكن برنارد لويس روّج لها قبله عندما طرحها في مقال بعنوان (جذور الغضب الإسلامي) نشره في مجلة Atlantic Monthly في سبتمبر 1990, وفيه يقول: (ليس هذا أقل من صدام حضارات - قد لا يكون عقلانياً لكنه بالتأكيد رد فعل تاريخي لمنافس قديم لتراثنا اليهودي المسيحي (لاحظوا جيدا تراثنا اليهودي المسيحي هذه), وعلمانيتنا المعاصرة والتوسع العالمي لكليهما). ويؤكد هؤلاء المفكرون حتمية حدوث صراعات ثقافية نتيجة لرفض البعض للعولمة. وهو ما جعل صامويل هنتنجتون يتوقع اندلاع الصراعات عبر (خطوط الصدع الثقافي), أي عند الخطوط التي تتجابه عندها الثقافات المتناقضة. وفي كتابه صدام الحضارات يقول: (إن الحدود السياسية يعاد رسمها للتوافق مع الحدود الثقافية: العرقية والعقائدية والحضارية, فالجماعات الثقافية تحل اليوم محل تكتلات الحرب الباردة, وخطوط الصدع بين الحضارات في سبيلها لأن تصبح الخطوط المركزية للصراع في السياسة الكونية), (ص 125 من الكتاب الصادر عن دار نشر Simon & Schuster في نيويورك 1996). وعند هؤلاء يكمن الخلل في سلوك الدول العربية والإسلامية في بعض السمات والخصائص الثقافية للإسلام, بما في ذلك عدم توافق الإسلام مع أفكار فلسفية غربية أساسية, مثل الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان. يقول هنتنجتون: إن الاختلاف بين الحضارات هو الذي يولّد الحرب. ويركز هؤلاء على تاريخ الصراعات الدموية بدءاً من الفتح العربي للأندلس, ويذهبون إلى أن العالم الإسلامي بأكمله - والذي يضم مليار نسمة ويمتلك ثروات طبيعية هائلة وصواريخ بعيدة المدى وقادر على التسلح النووي والكيميائي والبكتريولوجي - يمكن أن يصبح منافساً خطراً يهدد المصالح الغربية. وإذا كان هناك الكثير من الأسباب التي تدعو أيّاً من الطرفين, العربي الإسلامي والغربي المسيحي, للارتياب في الطرف الآخر, فإن مصدرها لا يعود إلى عدم التوافق الحضاري, وإلا لكانت العلاقات بين الدول الغربية وجميع الدول الإسلامية علاقات عداء وتصادم, بل يعود للمصالح والتوازنات الدولية والتوزيع غير العادل للثروة في العالم. والحقيقة التي لا تقبل الشك أن هذه المصالح والتوازنات الدولية هي التي جعلت الولايات المتحدة تقود وتموّل الهجوم الأشد ضراوة ضد نظام الحكم الأفغاني الموالي للاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان في مطلع الثمانينيات, والذي ولَّد في النهاية (طالبان) و (بن لادن) و (عمر عبدالرحمن) وغيرهم ممن تضعهم أميركا اليوم في قوائم الإرهابيين. فالقضية ببساطة هي نزاع بين مَن يملكون الثروة والقوة وبين من لا يملكونها, بين من يسيطرون على مصير العالم وأولئك الخاضعين للسيطرة, بين ثقافتين تريد إحداهما إلغاء الأخرى من طريقها. وضعت نهاية الحرب الباردة الولايات المتحدة في أزمة مع ذاتها, وأستشهد هنا بأحد غلاة المدافعين عن (الحضارة الغربية) وهو صامويل هنتنجتون, ففي مقال له نشره في عدد مارس 1999 من مجلة Foreign Affairs بعنوان (القوة العظمى الوحيدة The lonely super power) يقول فيه: (فخلال السنوات القليلة الماضية حاولت الولايات المتحدة الأميركية.. أن تقوم منفردة بما يلي: الضغط على الدول الأخرى لتبني القيم والممارسات الأميركية... والحيلولة دون أن تحوز الدول الأخرى القدرات العسكرية التي يمكن أن تجابه التفوّق الأميركي التقليدي, وفرض تعميم القانون الأميركي في المجتمعات الأخرى, وتصنيف الدول وفقاً لدرجة تمسكها بالمعايير الأميركية حول حقوق الإنسان والمخدرات والإرهاب وانتشار الأسلحة النووية, وأخيراً الحرية الدينية, وفرض عقوبات على الدول التي لا تلتزم بالمعايير الأميركية حول هذه المسائل, وتعزيز المصالح الأميركية تحت شعارات التجارة الحرة والأسواق المفتوحة, ورسم سياسات صندوق النقد الدولي لخدمة هذه المصالح بالذات, والتدخل في النزاعات المحلية التي ليس لها فيها إلا مصلحة مباشرة محدودة نسبياً, وإكراه الدول الأخرى على تبني سياسات اقتصادية واجتماعية تعود بالفائدة على المصالح الاقتصادية الأميركية, وترويج مبيعات الأسلحة الأميركية في الخارج فيما تحاول منع بيع أسلحة غربية مماثلة لدول أخرى, وطرد أمين عام للأمم المتحدة وفرض تعيين خليفته, وتوسيع الناتو ليضم بولندا والمجر والجمهورية التشيكية حصراً دون غيرها, وتصنيف بعض الدول في خانة الدول الشريرة واستبعادها من المؤسسات الدولية لأنها تأبى الخضوع لرغبات الولايات المتحدة...). ويضيف هنتنجتون: (كانت الولايات المتحدة في لحظة الاستقطاب الأحادي في نهاية الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفييتي قادرة غالباً على إملاء إرادتها على الدول الأخرى. بيد أن هذه اللحظة قد فاتت, والأداتان الرئيسيتان من أدوات القسر اللتان تحاول الولايات المتحدة استخدامهما هما العقوبات الاقتصادية والتدخل العسكري. وتؤتي العقوبات ثمارها عندما تساندها الدول الأخرى, ولكن هذا الأمر في تراجع مستمر... أما أعمال التدخل العسكري الأكثر خطورة فينبغي أن تتوافر فيها ثلاثة شروط: أن تكون شرعية من خلال منظمة دولية ما... وأن تتطلب مشاركة القوات الحليفة.. وألا تسبب خسائر أميركية شديدة). ولكي نستوعب معنى أن يخسر الأميركيون في الهجوم على نيويورك وواشنطن أكثر من ستة آلاف قتيل يكفي أن نعلم أن أميركا خسرت في تدخلاتها في غرينادا 19 قتيلا, وفي بنما 23 قتيلا, وفي الدومينيكان عام 65-66 , 27 قتيلا, وفي الغارة على ليبيا قتيلين فقط, وفي الصومال 29 قتيلاً, وفي حرب تحرير الكويت 147 قتيلاً (أكثر من نصفهم بنيران صديقة عن طريق الخطأ), وبينما خسرت الدول الأعضاء في حلف الناتو مئات من أفراد قواتها في العمليات العسكرية التي خاضتها في البوسنة , لم تفقد الولايات المتحدة سوى طائرة واحدة من طراز إف 16 وأنقذ طيارها. ويعدد جون جنتري أسباب هذه (العقدة) الأميركية, ويذكر منها التركة المركبة للحرب الفيتنامية, بما في ذلك الخوف الشديد من تحمل خسائر بشرية كبيرة في قضية خاسرة (خسرت الولايات المتحدة في حرب فيتنام 58418 قتيلا, و304000 مصاب). وفقدان الصبر على الصعيد الوطني نتيجة للإيمان المبالغ فيه بالعظمة الأميركية, الأمر الذي يجعل الأميركيين يتوقعون دائماً مكاسب سريعة ومضمونة وبلا عناء كبير. ويضاف إلى ذلك التجربة الأميركية في عملية عاصفة الصحراء, التي تحقق فيها نصر حاسم بالحد الأدنى من الخسائر, بما في ذلك مبالغة البنتاغون في تصوير القدرات السحرية للأسلحة الذكية. وهناك أيضاً إيمان واضعي الاستراتيجية العسكرية الأميركية بنظرية (المطرقة الثقيلة الساحقة) المتماشية مع نظرية وزير الدفاع الأميركي الأسبق كاسبر واينبرجر, الداعية إلى استخدام قوات عسكرية كثيفة القدر لتحقيق أهداف محدودة وواضحة. وهو أسلوب ثبت نجاحه في غرينادا وبنما وعملية عاصفة الصحراء, في مواجهة خصوم ضعاف, حيث يكون النصر سريعاً والخسائر في حدها الأدنى. ويضيف جون جنتري إلى ذلك إفراط الأميركيين في تضخيم المكانة الرفيعة التي خلعوها على أنفسهم فيقول: (يبدو أن العقل الجمعي الأميركي يتصورـ بعد أن انتصرنا في الحرب الباردة ثم في عاصفة الصحراء ـ أنه أصبح من حقنا أن نحوز الاحترام والإجلال العالمي. ثم ألسنا القوة العظمى الوحيدة في العالم? وعندما تختفي الواجبات, بما في ذلك واجب التضحية بالدماء, يصبح ذلك الحق امتيازات سطحية). هنا, لا بد من التذكير بأن أهم الأسباب الأساسية لتوليد هذا الحجم من العداء ضد أميركا بين الشعوب العربية والإسلامية هو (المسألة الفلسطينية), فالغرب وأميركا بشكل خاص لم يضعوا في اعتبارهم ـ وهم يدعمون السياسة الإسرائيلية ـ حجم التأثير الديني للقدس وفلسطين, فهي بالنسبة للمسلمين أراض مقدسة وحقوق مغتصبة, وإن ذلك التأييد الغربي عموماً, والأميركي في السنوات الأخيرة خصوصاً, أعطى لإسرائيل الحرية المطلقة للتعامل مع الشعب الفلسطيني المقهور, والشعوب العربية الأخرى, فاستخدمت هذه الحرية استخداما منفلتاً, واخترقت كل القيم الإنسانية وحقوق الإنسان, وحرية الشعوب وزاولت أبشع أنواع القهر والعنف المسلح ضد الفلسطينيين المطالبين بأبسط الحقوق المعترف بها لهم من قبل المجتمع الدولي, مما ولّد يأساً صارخاً لدى تلك الشعوب ضد أميركا التي تقف بكل قواها وإمكاناتها داعمة لإسرائيل ومتناسية القيم الإنسانية والأخلاقية التي تنادي بها أميركا دائما. وهنا, أستشهد لتأكيد هذه الحقيقة بقول الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون, صانع السياسات الأميركية الخارجية على مدار سنوات طويلة, وذلك من كتابه (الفرصة السانحة). يقول: (يتسبب الصراع العربي ـ الإسرائيلي في تسميم علاقاتنا بالعالم الإسلامي, ويقلل من قدراتنا على التعاون مع الدول المعتدلة المتعاطفة مع الغرب. إن احتلال إسرائيل للأرض العربية (يقصد عام 67) ـ أضف إلى ذلك سوء معاملتها للشعب الفلسطيني ـ يوطد أقدام الرجعيين والأصوليين المتطرفين, كما ينقص من قدر المعتدلين ـ أمثال الرئيس مبارك في مصر ـ, وينادي جميع المسلمين بالحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني, وينظرون إلى (الانتفاضة) كحركة قومية للمقاومة المسلحة, وليست عمليات إرهابية. وبينما ينتقد الكثيرون الموقف الشائن لرؤساء منظمة التحرير الفلسطينية في تأييدها لاعتداء صدام حسين على الكويت, إلا أنهم لم ـ ولن ـ يتوقفوا عن الدفاع عن الحق الفلسطيني...). إن ما حدث في نيويورك وواشنطن في 11 سبتمبر هو ببساطة أن أحدهم تجرّأ ووجّه لطمة قوية ومفاجئة وخاطفة للمارد الأمريكي, وهي لطمة لاتشكل خطراً حقيقياً على عافية المارد لكنها أثرت بلاشك في هيبته المعنوية وسمعته العالمية باعتباره قوة لا تقهر. ويسلم الجميع بأنه ليس أمام المارد المعتدى عليه سوى الرد, ولا نرى أحداً في العالم يقف ضد حقه في الرد وبالقوة نفسها, فلا يمكن لعاقل أن يدافع عما حدث, من خطف للطائرات وذبح الأبرياء بالسكاكين, ثم قتل أكثر من ستة آلاف مدني بهذه الصورة الوحشية, ناهيك عن التدمير المادي الذي حدث, لكن الأمر الذي يثير مخاوف الكثيرين ـ حتى في أوربا الغربية ـ أن العالم بأسره يقف الآن أمام مفترق طرق تاريخي سوف تتحدد صورته بناء على الطريقة التي ستعالج بها الولايات المتحدة هذه الكارثة, والتي على أساسها سيتحدد مستقبل البشرية على المدى المنظور, وهذا يمس ليس فقط دول العالم الثالث والدول العربية والإسلامية, وإنما أيضاً الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ذاتها. وينبغي أن نؤكد هنا أن ما يجري ليس ولادة لنظام عالمي جديد, وإنما هو أحد الانفجارات الأخيرة للعالم القديم الذي عرفناه طويلاً. فالحروب الأهلية, والصراعات العرقية والدينية تعصف بالعالم غير الأوربي وتحوله إلى شظايا وأشلاء, وباستثناء الولايات المتحدة واليابان وأوربا الغربية, يبدو أن العالم يتجه بإيقاع متسارع نحو مزيد من التجزئة والتشرنق والانكفاء على الذات بالمعنى الضيق للكلمة. فمعظم جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق تعاني من حروب انفصالية أو مذهبية, وتشيكوسلوفاكيا ويوغسلافيا تفككتا إلى دويلات عرقية أوطائفية أو قومية, وبينما تحولت الصومال إلى ثماني مناطق شبه مستقلة, فإن نيران الحرب الأهلية والحركات الانفصالية تهدد الكثير من بلدان القارة السمراء. ويجري إفهام الكثير من الشعوب أن نصيبها من الكعكة سيكون أكبر إذا لم تقتسمها مع آخرين. فما الذي إذن يفسر أن الشعوب التي كانت قادرة على التعايش مع بعضها البعض على مدى فترات طويلة من الزمن, وتحملت ضغوط الجغرافيا وتقلبات التاريخ, اكتشفت فجأة عجزها عن العيش معاً? إن النظام العالمي الجديد ـ كما نراه ـ لا يمكنه أن ينشأ على أساس القوة الاقتصادية والعسكرية لقوة واحدة فقط, وتستطيع أن تدير العالم منفردة, وتجارب التاريخ تؤكد هذا بدءاً بالدولة الرومانية وانتهاء بالخلافة الإسلامية, ومن أجل ذلك يتعين وجود تلك القيم المهمة التي يمكنها توحيد وليس تفريق العالم كله - خاصة في عالم قربت بينه المخترعات الحديثة ـ وقبل كل شيء التقريب بين الدول الغنية والدول الفقيرة, وفتح حوارات بين الثقافات جميعها تؤدي إلى مزيد من معرفة الآخر والتفاهم معه للعيش المشترك على أرض بدأت تضيق بسكانها المتكاثرين. وعليه فوضع الولايات المتحدة الأميركية في العالم اليوم كقوة عظمى خارقة ووحيدة سوف يتحدد ليس بناء على مصادر القوة الاقتصادية والعسكرية التي تملكها, وإنما بناء على قدرتها على أن تثبت فعلياً لدول وشعوب العالم أن القيم الغربية والأميركية لا تتناقض مع القيم الثقافية الحضارية لتلك الشعوب والدول, وأنها تملك من القدرة على حماية العدل والحرية في مختلف أرجاء المعمورة. إن فكرة قيادة دولة واحدة للعالم روحياً وسياسياً واقتصادياً لا تستدعي لذاتها المعارضة, فتطورات الأحداث خلال العقد الأخير أثبتت بما لا يدع مجالاً للشك أن شعوب العالم أجمع تقدر أصالتها وقيمها الروحية والثقافية. والحقيقة أن العالم يمكنه ـ بل ويجب ـ أن يكون واحداً وغير مجزأ, لكنه يجب ألا يكون ـ ولن يكون ـ نموذجاً واحداً ونمطاً واحداً, وغير ذلك يعني أن يكف عن كونه عالماً لأناس مختلفين ومتنوعين حيث إن كل شعب وكل إنسان فريد وغير متكرر. ويجب ألا ننسى أن ذلك الجزء المنسي من العالم يضم أكثر من مائة بلد, ويعيش فيه أكثر من ثلثي سكان الكوكب الأرضي. والكثير منها, مثل الهند والصين والبلدان العربية والإسلامية, يمتلك ثقافة وتقاليد تمتد لآلاف السنين, وجـعلها جمـيعا على شكل ونمط واحد ليس فقط مستحيلاً, وإنما أيضاً ليس منطقياً ولاأخلاقياً.
|