المرأة على طوابع البريد

المرأة على طوابع البريد

يشكل طابع البريد خطاباً إيحائياً ويتضمن تعبيراً له دلالات أيديولوجية ومعرفية وثقافية. فهو ليس مجرد هوية بصرية محايدة، كما أنه ليس مجرد أداة تعريف هشة ومختزلة، وبخلاف طبيعته الوظيفية المعهودة كرسم مالي، فإن الصور والرموز والعناوين التي يحملها هي إطار مفتوح على كل الاحتمالات.

وما يعنينا هنا، هو ملاحظة حضور المرأة في الطابع البريدي اللبناني منذ العشرينيات من القرن الماضي وحتى الآن. فهو ليس وليدَ صحوةٍ جنسوية تتماشى مع الموجة السائدة اليوم؛ بل يهدف إلى اعتبار المرأة محوراً أساسياً وفعالاً يؤطر ويترجم التغيرات التي تتوالد من طبيعة الحراك السياسي - الاجتماعي لدى كل الأطراف الأهلية والرسمية على حدّ سواء. ومن وجهة نظر الطوابعية الثيمية thematic philately ، هناك مواضيع أخرى وأساسية مثل حقوق الإنسان عامة وما يتفرع منها مثل حقوق الطفل والعامل والمعوقين وغير ذلك. لكن موضوع المرأة وصورتها، هما برأينا أكثر التصاقاً بهموم المجتمع ومشاغله الأساسية. تُقّدمُ المرأة نفسها في لبنان - وُتقدّمُ من قبل الآخرين - على أنها متحررة ومتمكنة، وذات حضور اجتماعي وثقافي وعلمي متقدم. ومن جهة أخرى، من الواضح أن «السلطة» لم ترها على هذه الشاكلة، ولم تقدم على تكريمها في الطوابع التذكارية، إلا نادراً، وفي أربع مناسبات فقط ! كانت الإشارة الأولى للمرأة اللبنانية على الطابع، كتذكار، في مارس 1960، بمناسبة يومي الأم والطفل؛ تبعتها ذكرى الأمير فخر الدين المعني في خمسة طوابع (1968)، نالت «خاصكية» الأميرة الزوجة نصيبها على طابع وحيد لتكون أول شخصية نسائية تكرم. أما الشخصية الثانية والأخيرة، فكانت الملكة المتوجة عالمياً على عرش الجمال، جورجينا رزق (1974). ولم تحظ المرأة بطابع خاص بها إلا بحلول العام 2002، وبمناسبة «يوم المرأة العربية» في الأول من فبراير.

الدور الوظيفي للمرأة

لم تكرّم المرأة اللبنانية إذن في الطوابع البريدية إلا وظائفيًا، أي كأم أولاً ومن ثمّ كزوجة. ولم تكرم أي شخصية نسائية لبنانية معاصرة ممن تربعن على عروش الثقافة أو التربية أو الفن أو النضال سوى تلك التي حملت تاج الجمال العالمي. ودون التقليل من أهمية هذا الحدث، لكن المجموعة صدرت في العام 1974، بعد ثلاث سنين من تتويج الملكة، يوم كانت دول العالم كله تخطط وتعمل على إصدار طابع «السنة الدولية للمرأة» (1975)! ومن المفارقات أن يكون لبنان واحداً من الدول العربية القليلة التي لم تصدر طابعاً للمناسبة وهي: المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة والمملكة المغربية والجزائر. وفي المقابل، أصدرت كل من سورية ومصر والمملكة الأردنية الهاشمية والبحرين وسلطنة عمان والكويت والعراق واليمن وموريتانيا وتونس والسودان طوابع جميلة للمناسبة، اتسم أغلبها بالرمزية الشديدة، التي تمحورت حول اللوجو، الذي اعتمد رسمياً للمناسبة. فلا ندري حقيقة إن كان الأمر قلة تخطيط من قبل الإدارة المعنية أم أنه ببساطة متناهية تقصير فاضح، حدث عشية الحرب الأهلية! ولا يمكننا الإذعان بأن الحرب الأهلية هي السبب في هذا التقصير الحاصل في موضوع «السنة الدولية للمرأة» إن من ناحية التخطيط المسبق، أو من ناحية الولادة الفعلية للطابع. كما أنه بالحقيقة تقصير ينسحب على كل الأطراف المعنية، بما في ذلك فعالية النخب والقوى النسوية ومن يساندها ويتابع آليات عملها. فهي لم تستطع فرض أبسط الأمور. أو لعلها متواطئة، بشكل سلبي، بالسكوت أو بالتهاون، عمّا آلت أليه «المرأة» كموضوع أو عنوان على الطابع التذكاري.

قُدّم لنا الطابع التكريمي للمرأة العربية (2002) بحلة تشكيلية فنية تتصف بجمالية معبرة من عناصر أربعة لكل منها رمزيته ومدلولاته. ست خطوات مقسمة بين اليمين واليسار لعلها ترمز إلى قضبان؛ أما لونها الأسود فيذكر بالفولاذ وهو الحديد الشديد الصلابة. وفي وسط الصورة، بين الخطوط/ القضبان، وباللون الأسود إياه، ثمّة تشكيل حروفي رحب لكلمة «المرأة»: تبدو «الألف» متوازية مع الخطوط، لكنها لا تلبث أن تميل لتصاحب «اللام» نحو أفق مغاير. أما باقي حروف الكلمة «مرأة»، والتي نراها كوحدة تشكيلية موحدة فتتحرك عبر خطوط مرنة في أبعاد مثلثة مضفيةً عليها سمة الشخصنة. وهناك على مدى الطابع، أفق مفتوح يتمثّل باللون الأزرق الذي تتخلله غيوم لطيفة بيضاء، واللونان معاً يرمزان إلى السماء في دلالة بديهية للمستقبل. وباللون الأبيض تصدّر العنوان متنَ الطابع متخذاً حيزاً وسطياً متناغماً، وعبر ثلاثة مستويات متدرجة في الحجم.

وفي يوليو 2007 ، أصدرت وزارة الاتصالات - مشكورة - طابعين بريديين جديدين لمناسبة مرور 50 عاماً على مهرجانات بعلبك؛ يمثل أحدهما ثلاث سيدات لبنانيات هن: إيميه كتانة وسلوى السعيد ومي عريضة، وهن رئيستان سابقتان ورئيسة حالية لمهرجانات بعلبك. ما من شك في أن الخطوة لافتة جداً، إذ إن لبنان لا يخلو ألبتة من سيدات عملن جاهدات من أجل لبنان.

التشكيل الفني

يستوجب التشكيل الفني، في الحيز الطوابعي اللبناني، قراءة متأنية لموضوعنا متخطين العناوين والمناسبات. وتنبؤنا هذه القراءة السريعة أن حضور المرأة/ الرمز تمثل بنتائج مغايرة بعض الشيء وأقل سلبية. فعلى مستوى الصورة/الجرافيك، نسجل أن الرمز الجنسوي قد غاب في الطابع في فترتي الانتداب الفرنسي والجمهورية الأولى (1924-1943). ولم تظهر المرأة في أي من الـ 45 إصداراً. أما في فترة الجمهورية الثانية (1943- 1988)، والتي تعتبر الفترة الذهبية للطابع، ورد الرمز الجنسوي في 21 موضعاً إضافة لما عرضنا له: إصداران استنبط الرمز فيهما من الميثولوجيا، وتحديداً أوربا وقصة اختطافها. وثمانية إصدارات متعلقة بالطفولة والرياضة والكشاف. وأحد عشر إصداراً، حيث كان كل إصدار لمناسبة مختلفة وضمن عناوين متعددة مثل الحِرَف اللبنانية والأزياء والفنانين. كما كانت هناك عناوين مثل: الشهر السياحي والصليب الأحمر والمهرجانات واليونيسيف وحقوق الإنسان وغيرها. ومنذ قيام الجمهورية الثالثة (1990- 2004 )، وردت المرأة/ الرمز مرة واحدة على الطابع التذكاري لمجزرة قانا، كأم منكوبة بالإضافة إلى طابع «يوم المراة العربية».

المجتمع والسلطة

إن العملية التوليدية العائدة إنتاج الطابع ومكوناته ومناسباته المستقاة من آليات التفاعل الحاصل بين المجتمع والسلطة قد تبدلت وتأثرت بدورها بمفاعيل التطور الاجتماعي والسياسي الذي أضفى ظلاله على التشكيل الفني للطابع اللبناني بالدرجة الأولى، أسوة بمختلف الطوابع؛ وعلى الثيمية الطوابعية في درجة متأخرة؛ فأتت الطوابع على شاكلة هذا الأفق الثقافي ومتماثلة به. وإن بدا أن الجانب السلطوي طاغ في الطوابعية اللبنانية، ولا يعكس الدينامية الاجتماعية، فمردّ ذلك للصفة المحافظة للإدارة المعنية ولقلة الإصدارات.

وتكمن المفارقة الكبيرة والهائلة هنا في المواجهة التي تقوم بين صورة الطابع «التقليدية»، في أذهاننا، وما هو اليوم حقيقة وحاصل في العديد من دول العالم. لقد انعكس التغير الناتج عن التطور الاجتماعي - السياسي والأدوار المتقاطعة بين الدولة وشعبها على أغلب «منتجاتها». فتساقطت صفة القولبة الجامدة المعممة عن الطابع كونه أداة رسمية معتمدة لتقديم رؤى الدولة ونخبها ونقلها من المحلية إلى العالمية. وعالمياً استطاع هذا الطابع أن يتفلّت من احتكار الدولة التي تفاعلت إيجابياً وعمدت مع النخب المتعددة الاختصاصات، وعبر عملية متوازنة معقدة، لتظهير وإنتاج مختلف الرموز «الثقافي» منها و«الوطني» و«الاجتماعي». أما عربياً، وتحديداً في لبنان، فلا يزال الطابع البريدي يجاهد ويتوق إلى ملامسة المعايير العالمية في هذا المجال.

وبالتركيز على موضوع المرأة، فمن الممتع استعراض الموضوع من زاوية أوسع. ونسأل هنا، هل كان لبنان في مرتبة تفاضلية وبالمقارنة مع أيٍ من البلاد العربية في الشأن الأنثوي، وتحديداً، في الإرث الطوابعي، وفي أية فترات وبأي تشكيل ورموز وعناوين؟ وفي المحصِّلة فالأمر يتعلق بتأويل خاص يستند في إنجازه إلى العناصر التي يوفرها هذا المميز مع كل إحالاته المباشرة وغير المباشرة. إنها قراءة في المدلولات التي تحملها رموز حياتنا اليومية بما فيها الطابع البريدي، وقراءة أيضا لطريقة تفاعلنا مع هذه الرموز التي تقدّمُ لنا في حلة فنية منمنمة ساحرة، وتفعل فعل السحر لدى المتلقي بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية أو معطياته الثقافية.

 

 

هدى طالب سراج 





 





حرف لبنانية.. يوم المرأة العربية





أزياء لبنانية .. ملكة جمال الكون لعام 1974 جورجينا رزق .. الأميرة خاصكية زوجة الأمير فخر الدين المعني