الحياة والحب سيمون دو بوفوار وسارتر

الحياة والحب سيمون دو بوفوار وسارتر

في الرابع عشر من شهر أبريل العام 2006، انقضى عقدان من الزمان على وفاة الأديبة والفيلسوفة والناقدة سيمون دو بوفوار. ويلفت المؤلف هازل رولي نظرنا - بالإضافة إلى احتفائه بمرور عشرين عامًا على وفاتها، وفي كتاب متواضع بسيط - إلى قصة العلاقة، التي لا هي بالسيرة، أو بالدراسة النقدية، التي جمعتها مع الفيلسوف المعروف جان بول سارتر.

لقد عاشا معا، أكثر من نصف قرن من الزمان، لم يحاول الكتاب أن يناقش أي مدونة محفوظة، ولا أي حدث ولا أي فكر، لقد عاشا معا (مات سارتر قبلها بست سنوات) كما لو كانا «اختلسا الزمن»، وهذا هو التعبير الأثير الذي كانت تفضل بوفوار استخدامه، واغتنم المؤلف هذه الروح الجبارة، وهذا الزخم القوي ليخط سطور هذا الكتاب. فلم تتخل بوفوار قط عن إدراك حقيقة أنها وسارتر صنوان رغما عن الموضوعات المتعددة العاطفية والفكرية والمتعذر فصلها التي أوقعا نفسيهما في شراكها.

تألقت بوفوار عندما بلغت الحادية والعشرين في عام 1929، وكانت أصغر طالبة تجتاز امتحان الفلسفة الشفهي، الذي قالت إنه أرهقها كثيرًا في المقررات الدراسية، وعلى الجانب الآخر أحرز سارتر أعلى درجة في العام ذاته، ويعزى هذا إلى أنه قضى أربع سنوات فترة أطول للدراسة ثم عاود دخول الامتحان بعد ذلك.

علاقة غير عادية

في عام 1928، كان لديه استعداد لكي يرتبط بفتاة فاتنة وجذابة ولكن طبقًا لشروطه المخالفة لقواعد السلوك المرعية، حقا كان آسرها ثم أضحى أسيرها، كان يحبها حبا جما، ولكنه سمح للمعجبين بها أن يعبروا لها عن هذا الحب كما يرغبون، وهذا شيء متوقع من سارتر كمبدأ اعتنقه وهو المساواة. كان صعبا على فتاه كانت تتوقع الزواج والأطفال أن تختار سارتر، وبإحساس عميق آثرت العزلة اختيارا، وكان ثمن الاختيار باهظا جدا، كما يراه المؤلف. وليس هناك أدنى شك حول الإخلاص، ومدى الالتزام به الذي قطعه سارتر على نفسه. ومع ذلك، كما شرح المؤلف، كان لهذه العلاقة ضرر نفسي شامل.

سارتر ودو بوفوار ظهرا على مستوى واحد لتبرير المقارنة بين بارعين متحجري القلب في رواية «أخطار العلاقات الغرامية» Les Liaisons Dangereuses.. قاست سيدة صغيرة من الانهيار العصبي، وتحملت - من جراء ذلك - ثلاث عمليات إجهاض حتى تستبقي على «سارتر»، وتنفض عن كاهله عبء الأبوية، وأخيرًا عندما رقّ قلب سارتر، وجدت نفسها كشجرة عقيم، لارجاء منها ولا ثمار!

تلك اللحظات، وأمثالها، أوجدت جفوة بينهما، وجنحت بهما إلى العيش سويا كصديقين ومحبين في القصص، بينما تبارت دور النشر في إماطة اللثام عن الرسائل الخاصة التي توضح أن كلا منهما مصمم على إلحاق الضرر بالآخر، وكانت دو بوفوار المتهمة الأساسية بالجرم، ليس هذا من شك على سبيل المثال، أنها أنزلت الألم لحبيبها الأمريكي الجنسية نلسون الجرين Nelson Algren، وقد أصدرت دور النشر أيضا الخطابات التي أظهرت كيف أن سارتر ودوبوفوار خدعاه بمظهر كاذب وأوهماه بعلاقات أخرى.

وقبل أن يموت الجرين مباشرة، أظهر بعض إيماءات الصدمة في حديث صحفي، قائلا: «هذا شيء مروع». وسيأسف المتخصصون لأن مؤلف هذا الكتاب لديه القليل مما يصرح به بشأن المردود الأدبي للزوجين، وكيف أن أستاذ الفلسفة المتألق في فرنسا إبّان احتلال فرنسا (خلال الحرب العالمية الثانية) كانت علاقته برفيقته هكذا.

تم أسر سارتر وعومل (كأسير حرب) بيد أن تلك المعاملة كانت لطيفة، ثم أطلق سراحه نظرًا لقصور الرؤية في إحدى عينيه وما أن وضعت الحرب أوزارها، حتى تمرّد بلبل الحب مرة أخرى، والتأم شمل الرفيقين، وأجبرا على أن يعملا في حقل التدريس بناء على توصية استثنائية من المفتش العام وكان ليبراليًا ذا أفق واسع.

بعد ذلك، كتب سارترمسرحية «الذباب The Flies»، التي شن فيها هجومًا مهذبًا، على الحكام الدكتاتوريين الألمان متخذًا منحى الأدب الكلاسيكي اليوناني القديم، مخافة أن يرتطم بجنادل آثار النازية، وكتب بعد ذلك واحدة من ألمع مسرحياته ذات الفصل الواحد.

أما آن للمحارب أن يترجل،هكذا قال سارتر، حتى يتم ثلاثيته المشهورة «الطريق إلى الحرية»، وهذه الرواية تناقلتها الألسن في المقاهي، والمطاعم وحتى صالات الرقص.

وبعد ذلك، كتب سارتر المسرحيات التي ساعدته وبوفوار على تقوية مركزيهما كذروة في الأوساط الثقافية الباريسية، وقادتهما إلى أعضاء مفضلين للمقاومة.

قدّم المؤلف كتابه بعناية واجتهاد، وقد صدّره بمقدمة مفعمة بالإثارة إلى حياة مملوءة بالحنق، لكن الرفيقين لايزالان يحظيان بالإعجاب.

إنجازاتهما تنتشر في كل اتجاه، تجعلنا بعد قراءتها واعين لكل ما يخلب اللب، وفوق

كل ذلك، مسرات وفجائيات سارتر، وإن رجع صداه (في مسرحياته) يحتوي على القليل من التجهم.

ويمضي المؤلف قائلاً: «أنا على استعداد لتغيير عقليتي بعد استعادة قراءة Madame Vian»، مدام فيان.

هذا غيض من فيض لحقبة من الثقافة الفرنسية، دامت ستين عامًا ويبدو أننا واقعون أسرى فتنتها وإغرائها.

 

 

هازل رولي 





 





بعد حياة مشتركة الموت يضمهما في قبر واحد