تاريخ صحيفة «التايمز»

تاريخ صحيفة «التايمز»

لماذا يريد المرء أن يقرأ سبعمائة صفحة إضافية عن شركة تابعة صغيرة تجلب خسارة لشركة متعددة الجنسيات عملاقة؟

- والإجابة عن ذلك هي لأن هذه الشركة التابعة لم تكن سوى «جريدة»، والجرائد مختلفة. فلمدة تطول زهاء قرن خسر أناس أثرياء كثيرًا من أموالهم في نشر الجرائد وذلك في مقابل مجد غير ملموس وإشباع ذاتي.

ولا توجد جريدة أغلى سعرًا من التايمز The Times، تلك الجريدة التي تُعد إعلانًا قبليًا لمؤسسة بريطانية، ولم ينفق أحد نقودًا أكثر في نشر تلك الصحيفة أكثر من مؤسسة استرالية مناوئة تدعى روبرت ميردوخ Rupert Murdoch، ومالكها السابق لورد طومسون Thomson، الكندي الأصل قد استحوذ عليها من مالكها السابق، استورز Astors، والذي لاحظ أن ضياع النقود على جريدة التايمز كان يُعد أعظم ميزة شخصية له طيلة حياته. وهؤلاء الرجال لم يكونوا رجال أعمال، بل أنصار للإمبرياليين. ولقد اشترى ميردوخ الجريدة سنة 1981 بعد دراسة متقمصًا ثوب الشجاعة، بالرغم من أن جريدتي «الصن» و«نيوز أوف ذا وورلد» قد جلبتا له أرباحًا، ولكن بعد مخاض عسير. وعند بيعه «التايمز»، في ذلك الوقت، وبنفس كسيرة آملاً أن يثير حنق أعدائه ويرفع هامته ويخفف من غلواء صورته كإنسان خشن الطباع. ولم يكن من المنظور أن يحقق ربحًا عندما حصل على شراء هذه الجريدة ذات الحالة المتدهورة.

لقد تلقى طومسون خمسين عرضًا، ولم يكن أحدها يشف عن القيمة السلبية للجريدة.

ولم يكن لمالك معاد لهذه المؤسسة أن يشتري التايمز أو الصنداي تايمز ثم يقوم بإغلاقهما، ولكن ميردوخ لم يفعل ذلك، ويوجد ستة مجلدات رسمية بتاريخ «التايمز» منذ ولادتها في الأول من يناير 1785 وكانت بمنزلة لسان حال الطبقة الحاكمة في بريطانيا، وغطى المجلد السابع ملكية ميردوخ التي امتدت منذ 1979 إلى 2002، لقد كان مجلدًا طويلاً، كما أن ميردوخ أبى إلا أن يجول ما بين سيرة الجريدة الداخلية وتاريخها السياسي والاجتماعي الموجز إبّان نشاطها في بريطانيا.

ولم يضن ستوسارد في حكمه على الأفراد، فبعضهم يتعلق بالاعتماد على الذات في محاوراتهم مع الصحفيين كمصدر لا يرقى إليه شك - ولم أذهب أبدًا لتغطية حرب الخليج لاقتناعي بأنها حرب لاأخلاقية في ضرب المدنيين بالقنابل - ولكن لم يقصد بهذا الكتاب إطراء أو مديحًا. لقد كان حقًا مثار ذكريات لصراعات عاصفة بين شخصيات داخل الجريدة وأحداث هوجاء خارجها.

عمل ميردوخ. على أن يتربع على قمة الجريدة وهذا ما لم يفعله أي مالك سابق.

وقد احترم التحرير المنزه على الأقل بعد رحيل إيفانز، عندما آزرت جون ميجور كزعيم للمحافظين حينما كان لا يدري من هو؟ ولكن اهتمامه (ميردوخ) بالاستراتيجية وحالة السوق كان اهتمامًا منقطع النظير ويصوّره ستيوارت على أنه شخص يستهويه المرء أكثر من أن يعمل معه، حيث كان أحيانًا متقلب المزاج غير مستقر على حال وأحيانًا غير عادل، ولكنه مع ذلك، استطاع أم يقبل الجريدة من وهدتها. ولم يتوان أن يعمل لهذا, وكانت النتيجة الأولى أن تمكّن، فليت ستريت Fleet St. من الاستثمار بقوة في توسع هذه الجريدة، والنتيجة الثانية زيادة معدل توزيعها وفي أوائل التسعينيات من القرن الماضي كان ميردوخ على شفير الإفلاس مما جعله يُقلّص حجم العمالة بنسبة 10 % لخفض التكاليف، ويرفع سعر الجريدة بنسبة 50 % على ثمنها، ويوقف أي ترقيات، ولعلها هي المرة الوحيدة منذ قيام الحرب التي يزيد فيها ثمن الجريدة، وفي منتصف هذا العقد ومع نهاية الكساد الإعلاني أصبح ميردوخ في وضع آمن، وانغمس في معركة حامية الوطيس لرفع مبيعاته ولاسيما مع صحيفة التلجراف. ولقد سلك اللورد طومسون المنوال نفسه في منتصف الستينيات من القرن الماضي حينما قام ببيع الجريدة بربع تكلفة الإنتاج، فلقد كانت أحيانًا المبيعات مرتفعة كما كانت الخسائر فلكية في الوقت نفسه. ولقد تكلفت حرب الأسعار 45 مليون جنيه استرليني، ولكن ميردوخ احتفظ بأعصابه، أو على الأقل احتفظ بـ«الصنداي تايمز».

وقد اخترقت الجريدة حاجز نصف المليون نسخة توزيعًا وشقت العنان إلى السبعمائة ألف نسخة، ويسأل ستيوارت بجرأة يُحسد عليها. هل سيسكت ميردوخ وستوسارد صوت التايمز للإبقاء على حجم مبيعاتها المرتفع؟ إن عرض الصحيفة ومحتوياتها قد تم تبسيطها بوضوح، وفيما بعد ظهرت الصحيفة في حجم صغير (التابلويد)، وقد استهوت الصحيفة في حجمها الجديد الكثير من القرّاء، واقتفى ميردوخ خطى صحيفة (الفايننشيال تايمز) بالرغم من تعرضه لبعض الخسائر المادية. وفي حقبة التسعينيات اهتمت الصحيفة بالأخبار المحلية، وتنامت - أيضًا - الأخبار العالمية، واتسع مجال ونوعية الكتابة الرصينة، وكذا تغطية الشئون الاجتماعية والمالية والثقافية. وأصبحت التايمز صحيفة متميزة، وكان ثمن الحفاظ على هذا المستوى جدُّ باهظ، ومن الواضح أن القراء لم يعودوا إلى الشكوى.

وازداد معدل توزيع الصحيفة بشكل غير مسبوق، وبمزيد من التيه اعتز الرجال الأثرياء بمثل هذه الصفقات التي دفع الكثير من أجلها.

جراهام ستيوارت 





ميردوخ مالك جريدة التايمز وهو يتصفح أحد أعدادها





الصفحة الأولى من العدد الأول للتايمز وكانت تحمل اسما مختلفا هو الديلي