عنف.. لكل الأعمار

عنف.. لكل الأعمار

تتكاثر أسئلة الأهل حول تأثير مشاهد العنف التي يشهدها أطفالهم على شاشة التلفزيون، أو التي ينخرطون فيها عبر ألعاب الفيديو. ويجيب علماء النفس عن كثير من أسئلتهم، لكن المفاجأة في حدود الإجابات التي توصل إليها علماء النفس عبر دراساتهم المختلفة للموضوع، تتجلى في أن التأثير لا يتوقف على الأطفال في سن معينة، بل يتخطاه ليشمل البالغين، من أعمار مختلفة!

تقول عالمة النفس «جوديث فان» في كتابها «التلفزيون ونمو الطفل» الذي ترجمه عز الدين جميل عطية، إنه قد لوحظ أن الطفل عندما يزداد مستوى إثارته بواسطة مشاهد العنف التلفزيوني فإن لعبه تصبح أكثر أهمية له. وقد لاحظ الباحث جوزفسون أن الأطفال العدوانيين يظهرون عدوانا أكثر من غيرهم بعد مشاهدتهم للعنف التلفزيوني، وبخاصة عندما يتعرضون لمواقف مثيرة مسببة للعدوان، أي عند استفزازهم أو إهانتهم مثلا، وهم يختلفون في هذا عن الأطفال غير العدوانيين الذين يميلون إلى قمع سلوكهم العدواني حيث يتسمون بانخفاض في مستوى عدوانهم.

وفي هذا الاتجاه أجرى الباحث سيلفيرن ويلامسون دراسة عن آثار ألعاب الفيديو المتصفة بالعنف على العدوان، وافترض أن تعريض الأطفال من سن 4 إلى 6 سنوات لألعاب الفيديو المتصفة بالعنف يؤدي إلى ازدياد العدوان لديهم، ولم يجد الباحثون أي اختلاف بين ألعاب الفيديو والتلفزيون في هذا الصدد، فكان الأطفال أكثر عدوانية، سواء بعد ممارستهم لألعاب الفيديو الخاصة بالعنف أو تعرضهم لمشاهد العنف التلفزيوني، وتشبه هذه النتائج السلوك الذي يعقب كثرة مشاهدة الأطفال للعنف في أفلام الكارتون بالتلفزيون.

ويتنوع مستوى الإثارة مع طبيعة نوع الألعاب، ويحدث هذا مثلا فيما إذا كان الفرد يلعب ضد شخص آخر بدلا من اللعب ضد الآلة نفسها، وفيما إذا كانت الألعاب يمكن استخدامها لموازنة مستويات الإثارة، أي انخفاض الدافع نحو العنف وهو ما يعرف بالتنفيس الانفعالي.

من المدرسة وحتى الجامعة!

وفي تقرير متعمق لخمس وثلاثين دراسة بحثية أجريت على 4612 شخصًا كانت أعمارهم تقل عن 18 سنة، تأيد الفرض الذي يفيد بأن التعرض لألعاب الفيديو خطر على الأطفال والمراهقين بمن في ذلك الأفراد الذين هم في سن المرحلة الجامعية. وقد تحول المراهقون ذوو الميول العدوانية إلى أشخاص يحبون العنف والقتال بعد أن مارسوا ألعاب الفيديو الخاصة بالعنف فترة من الزمن، وكان ميلهم إلى العراك والتحدي أضعاف زملائهم الذين لم يمارسوا هذه الألعاب. وقد ارتبط التعرض لمشاهد العنف سواء في ألعاب الفيديو أو في التلفزيون وفي كل من الجنسين سلبيا بالسلوك المقبول اجتماعيا، كما ارتبط هذا التعرض إيجابيا بالتهيؤ المعرفي العدواني الذي هو العامل الرئيسي الخاص بالآثار طويلة الأمد لمشاهد العنف، وارتبط التعرض لمشاهد العنف كذلك إيجابيا بالإثارة الفسيولوجية التي تصحب الرغبة في العدوان.

كما وجد الباحث أندرسون ودل أن ألعاب الفيديو الخاصة بالعنف ترتبط إيجابيا بالسلوك العدواني والجنوح وبخاصة عند الأفراد ذوي الشخصيات العدوانية من الرجال، كما ارتبط الوقت المستغرق في ممارسة ألعاب الفيديو سلبا بالتحصيل الدراسي. أي أنه كلما ازدادت ساعات ممارسة ألعاب الفيديو انخفض مستوى التحصيل الدراسي عند التلميذ، كما أن هذا يؤدي أيضا إلى أن تصبح هذه الألعاب أكثر خطورة في توليد العنف عند الأطفال من مشاهد العنف في السينما والتلفزيون، وبخاصة كلما كان العنف في ألعاب الفيديو مجسما ومشابها للواقع!

ويرى دارسو الموضوع أن هناك آثارا عدوانية تتولد عند اللاعبين سواء كانت ألعابهم لفترات قصيرة أو طويلة، فهذه الألعاب تعلم النشء أن الحلول المتسمة بالعنف هي أفضل الحلول للمشكلات وهذا أثر معرفي لهذه الألعاب، فهي على المدى القصير قد تفجر الأفكار العدوانية عند الفرد، أما على المدى الطويل فهي تشكل عنده مايعرف بالقائمة المعرفية للأداءات والتصرفات العدوانية التي توجهه نحو العنف في مواقف الصراع. وقد لاحظ الباحثون أن استمرار التعرض لمضمون وسائل الإعلام ذات الطابع العدواني يؤدي إلى مايعرف بـ «التكوينات العقلية العدوانية» مما يزيد من عداء الفرد وكراهيته للآخرين. وقد نبه الباحث جريفسز إلى أن الأولاد الذين يفضلون ألعاب الفيديو الخاصة بالعنف ربما يكونون ذوي طابع عدواني، وبخاصة أنه قد اتضح هذا في بعض الدراسات حيث قدرهم زملاؤهم بأنهم أكثر عدوانية من غيرهم. وعموما فإن التعرض المتكرر لهذه الألعاب يؤدي إلى آثار سلبية خبيثة طويلة الأمد، وإطلاق الشخص لردود أفعاله العدوانية، وعدم إمكانه منعها أو كفها. كما تشير بعض الدلائل إلى ازدياد حجم الأثر الناتج عن هذه الألعاب مع ازدياد السن، فليس هناك انخفاض في هذا الأثر مع ازدياد السن كما يتوقع البعض. لهذا ينبغي أن ننظر لهذه «الألعاب» ليس كمجرد ألعاب، بل مدارس يدخلها الصغار وبعض الكبار برغبتهم، وموافقة ذويهم أو على الأقل عدم ممانعتهم، لكنهم يتخرجون منها على نحو مغاير لما بدأوا به. وهذا مجرد عرض لبعض من المشكلة، بهدف الإضاءة، وإعمال التفكير. والاستمرار في البحث.