ما تدين به إسبانيا للإسلام

ترجمة: أحمد يماني*

إنني مدين بالعرفان للإسلام لعدة أسباب، أولاً بسبب الميراث الإسباني، لا يمكن أن تكون إسبانيا دون الشعور بأنك مسلم، بأنك تنتمي للإسلام، بأنك واحد من شمال إفريقيا أو من الشرق الأقصى الآسيوي.

وثانيا بسبب مفهوم الشرف والنبالة والذي ظل لقرون العمود الفقري للوجود وللممارسة الحياتية للإسبان وإننا مدينون به، من بين أشياء أخرى كثيرة، للعرب. إن مفهوم النبالة Hidalgula، أي مفهوم أن تكون «ابنًا لصنيع»، ابنًا لأعمالك نفسها، هو مفهوم بعيد كل البعد عن رؤية عالم الفكر الغربي، وصل إلينا عن طريق العرب والمسلمين وهنا امتدت جذوره.

كذلك علي أن أعرب عن امتناني للعالم الإسلامي بسبب مفهوم الجهاد. إن مفهوم الجهاد مهم جدا بالنسبة لشخص مثلي يعرف نفسه، عن حق أو باطل، خيرًا أكان أم شرًا، بأنه محارب؛ لأنه بدءًا من تلك اللحظة التي دخل فيها هذا المفهوم فإن العسكريين تخلوا عن عسكريتهم ليصيروا محاربين؛ إن الفارق جذري وسحيق بين العسكري والمحارب: العسكري يعتاش على الحرب ومن ثم فإنه يثيرها، يخترعها، ينشطها؛ بينما جل ما يحاوله المحارب، بسبب نشاطه في العدالة والقوة والقناعة، أن يتجنب بالضبط آثار الحروب.

في الوقت ذاته، بالتوازي مع إدخال مفهوم الجهاد إلى التاريخ العسكري، هناك «الأوامر العسكرية» هذا المسمى بالغ الإسبانية، هو كذلك التحول من عسكري إلى فارس، إنه أيضا ميراث إسلامي. الأوامر الفروسية، والأوامر العسكرية تأتي مما يسميه المسلمون فيما بينهم بالرباط Ribat، من حيث تأتي بشكل إسباني جميل كلمة Rapida والتي تمثل نوعا من الدير العسكري، دير محاط بالأسوار، وهناك نشأ مفهوم الفروسية، حيث ولدت فكرة الأوامر العسكرية، وسيكون المسيحيون عند ذهابهم إلى بيت المقدس زمن الحروب الصليبية، من يدخلون هناك في علاقات مع العالم العربي ومن يستقبلون هذا المفهوم ويعيدون زرعه في إسبانيا وفي العالم الغربي، لكنه لم يترسخ في أية بقعة مثلما حدث في شبه الجزيرة الإيبيرية.

امتناني كذلك للعالم الإسلامي بسبب الشعر العربي الأندلسي، من سمح، على سبيل المثال، بازدهار شعر جيل 27 دون الذهاب أبعد من ذلك. ما كان ليوجد كل هؤلاء الشعراء الإسبان العظام دون الشعر العربي الأندلسي السالف، الذي لم يكن مكتشفا، لكن مترجمًا ومدروسًا وموضوعًا في مداره من قبل إميليو جارثيا جوميث، وامتناني لكل ما هو رؤية عالم الأندلس.

السيد المستعرب

أعتقد أنه لا يمكنني أن أتحاشى، ما دمنا هنا في إسبانيا، في الجزيرة الإيبيرية في الإمبراطورية الغربية وما دمنا في الأندلس، أن أشير إلى هذه الظاهرة التي ليس لها شبيه في التاريخ الكوني والتي كانها الإسلام في إسبانيا. وأود أن أبدأ مستدعيا شخصية النموذج الأولي للمحارب الإيبيري، استدعاء شخصية رودريجو دياث دي بيبار، السيد El Cid، الذي كما تعرفون جميعا يسمى هكذا باسم عربي وليس قشتاليا، Sidi (سيد). يرجع الفضل في جل ما نعرفه عن السيد إلى التواريخ العربية. السيد الذي اشتهر بأنه الفارس الشجاع القشتالي، الجاذب لإسبانيا عميقة اليهودية - المسيحية، كان، مع ذلك، فردًا دخل التاريخ بفضل العرب. كان العرب من قاموا بذكره وأخذ الإسبان ذكره عن الوقائع العربية. يفتنني شخصيا «السيد» لأنه كان التمثيل للفارس المستعرب (بفتح الراء) mozarabe. عندما كنت أكتب «تاريخ إسبانيا السحرية» قمت بعمل يافطة بالخط الكوفي وعلقتها على باب بيتي حيث كتبت: Fernando Sanchez Drago Al-Muzarab فرناندو سانشيث دراجو المستعرب mozarabe. حسنا، لم أفعل سوى إعادة لما فعله قبل عدة قرون مواطني ومواطنكم رودريجو دياث دي بيبار. ثمة لحظة مأساوية في تاريخ إسبانيا لأنه ربما للمرة الأولى وبخبث متزايد يتم طرح هذا التناقض وهو التراث والانتحال. اللحظة الأولى التي تم فيها بطريقة شديدة المفعولية القطع مع التراث؛ وأعني عهد الملك ألفونسو السادس، الملك الذي تزوج خمس مرات وكلها من أميرات فرنسيات، وغزا طليطلة، الملك الذي تحت حكمه نفي السيد من الأراضي المسيحية وظل فيما بقي له من حياة يحارب في أراضي المورو ويخدم دائما ملوك المورو وليس المسيحيين. لماذا حدث هذا؟ لأنه في فرنسا وإيطاليا، في روما في ذلك العهد لم يكن ممكنًا التسامح مع الهرطقة الكبيرة التي كانت تعني في تلك القرون أن كل الطقوس وكل الشعائر، كل اللغات الكنسية للعالم المسيحي كانت تتم حسب اللغة الغالية galicano أو اللاتينية. هنا، في المقابل، كان لدينا طقس إيبيري بشكل خاص، الطقس المستعرب. خلال حقب عديدة كان ملك فرنسا وبابا روما يضغطان ويضغطان على ملوك ونبلاء وكهان الهيراركية الكنسية الإسبانية كي يتخلوا عن الطقس المستعرب وينضموا للطقس الغالي أو اللاتيني. كان الشعب كله يقاوم، كل النبلاء، كل أعيان المملكة، كل الأساقفة، كل الكرادلة... لكن ألفونسو السادس، في الوقت الذي يحدث فيه هذا، وبالتحديد عام 1064، كان عرضة للضغوط من زوجته حينذاك، دونيا كونستانسا، والتي كانت بورجونية وبدورها عرضة للضغوط من جانب رهبان كلوني. كان هذا عندما دخل الكلونيون إلى شبه الجزيرة الإيبيرية، استولوا على طريق النجوم الذي كان يقود إلى الفينيستر الغربي، أتحدث عن طريق سانتياجو؛ غيروا اتجاه ذلك الطريق وحولوه إلى طريق تجاري سياحي، مبتعدين به عن أماكن القوة، عن مراكز الطاقة الكونية والأرضية التي ميزت ووتدت هذا الطريق.

في عام 1046، قام البابا بإرسال نائب بابوي- أوبو كانديدو Ubo Candido- في مهمة مسعاها توحيد الطقس بأي ثمن. إن الملك ألفونسو السادس، وقد تم الضغط عليه من قبل قرينته الفرنسية والرهبان الكلونيين والبابا وملك فرنسا، قد انتهى به الأمر إلى أن يقف في صف التحول من الطقس المستعرب إلى الطقس اللاتيني، لكن الشعب الإسباني، كما أشرنا منذ قليل، وقف بكامله تقريبا ضد هذا التحول وكذلك كل نبلاء إسبانيا. حينذاك قرر الملك أن يقوم بمسرحية هزلية في طليطلة، أن يدع الأمر للحكم الإلهي. قال إنه سوف يشعل محرقة، في حضور كل أعيان ونبلاء المملكة، وسوف يقوم بإلقام النار كتابًا مستعربًا وآخر لاتينيًا، وأن الكتاب الذي سينجو من الحريق سيكون هو من يفرض نفسه ويبدو أن الكتاب الناجي كان المستعرب ومع ذلك فإن الملك فرض الطقس الغالي، كان ذلك عندما قام الشعب الإسباني بصياغة تلك الجملة القديمة التي تحولت فيما بعد إلى مثل شعبي «alla van leyes do quieren reyes».

إنها لحظة دراماتيكية في تاريخ إسبانيا وهي كذلك لأن المعرفة القديمة وكل تراث الشعوب البدائية الإيبيرية كان محفوظًا في مخطوطات كتبت بالخط المستعرب أو القوطي الجرماني. بعد خمسين عاما وعندما مات الجيل الذي كان باستطاعته قراءة وفهم تلك الخطوط، نتجت قطيعة مع كل تلك المعرفة التراثية، لم يكن أحد بقادر على قراءة تلك المخطوطات. عمليا، كما لو كانت إسبانيا تبدأ دون أي تراث، دون أصل ودون أية سيرة ذاتية؛ كانت تبدأ تتعلم المشي. كانت المرة الأولى التي نضطر فيها للتخلي عن اللاوعي الجمعي، وستأتي مرات أخرى بيد فرنسا وإيطاليا وتلك التي تسمى أوربا في ذلك الوقت «أوربا التجار».

كذلك في تلك اللحظة عندما قرر السيد فارس قشتالة العظيم - الفارس الشجاع لإسبانيا الواسعة، الفارس المستعرب كما قد كانه - أن ينفي نفسه وأن يظل فيما تبقى له من أيام يحارب في أراضي المسلمين لمصلحة بعض الملوك؛ عاد فقط لينضم إلى القوات القشتالية عندما حدث الإنزال الثاني لجنود يوسف المرابطي في شبه الجزيرة الإيبيرية حينئذ تدخل في معركة الزلاقة Sagrajas إلى جانب بعض ملوك الطوائف، لأن ما كان يمثله وصول المرابطين، لا أكثر ولا أقل مع احترام المسافة الزمنية، هو ما نسميه اليوم بالأصولية.

مدرسة مترجمي طليطلة

اللحظة الأخرى التي علي أن أستحضرها هنا في معرض الحديث عن الإسلام الإسباني هي لحظة مدرسة المترجمين بطليطلة. كما تعرفون جميعًا فإن هذه المدرسة حازت لحظتين كبيرتين، الأولى في القرن الثاني عشر تحت حكم الملك ألفونسو السابع والثانية في منتصف القرن الثالث عشر تحت حكم ألفونسو العاشر الحكيم. يضحكني كثيرًا عندما أسمع إذا ما كان على إسبانيا أن تكون حاضرة في أوربا أم لا، في أي أوربا على إسبانيا أن تكون حاضرة؟ في أوربا التجار، في أوربا التي تستحيل إلى قلعة متوحشة من عدم التضامن بالنسبة للكائنات الإنسانية، بالنسبة لباقي العالم؟ في أوربا ماستريشت أم أوربا بيتهوفن، أوربا مايكل أنجلو أم أوربا ليوناردو، في أوربا بيلاسكيث أم في أوربا ثربانتس؟ في أوربا هذه التي تعنينا في الحقيقة ليس علينا الدخول فيها لأننا قمنا بذلك بالفعل، أوربا هذه وجدت بفضل شبه الجزيرة الإيبيرية، وجدت، بالأحرى، بفضل مدرسة المترجمين بطليطلة، بالنسبة لي كانت اللحظة المشرقة في تاريخ إسبانيا. خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر كان هناك حكماء يهود ومسلمون ومسيحيون في تجانس تام وفي توازن كامل وفي توافق مطلق يجلسون معا، مستغلين تلك الأجواء من التسامح والتي لم تعد أبدًا إلى الظهور في هذه البلاد ويقومون بالترجمة إلى اللاتينية، وأحيانا إلى اللغات الرومانية، كل كلاسيكيات الفكر اليهودي والعربي حيث كان يلوذ أفلاطون وأفلوطين وأرسطو وكل الفكر الإغريقي اللاتيني الذي نسيته أوربا؛ استعاد مترجمو مدرسة طليطلة هذه النصوص وألحقوها عبر اللاتينية بالأوربي الخشن وهذا ما سيسمح، بمرور الزمن، بإعطاء أصل للبزوغ الكبير لعصر النهضة وبعد ذلك البزوغ الكبير للقوميات الأوربية.

ما كانت لتوجد أوربا دون مدرسة المترجمين بطليطلة ولذلك فإنه من المضحك، على هذا المستوى، أن يتم الحديث عن الحاجة للاندماج في أوربا. بفضل مدرسة طليطلة فقد نجت من المجهولية أفكار رجال مثل عبد العزيز وكوستا بن لوقا والفرجان وابن سينا وابن رشد وابن ميمون وابن جبيرول وأبي الحسن بن ليفي وابن مسرة، وبالتحديد نجوا من المحرقة التي نشبت في الحال.

التصوف الإسباني

الطريق الثالث للولوج في الإسلام الإسباني هو التصوف. إن ميجيل أسين بلاثيوس، المستعرب الكبير وأبو القومية العربية تقريبًا، بالمعنى الحسن للكلمة، يتحدث عن جيئة وذهاب الفكر الديني، الفكر الصوفي من المسيحية إلى المسيحية، كان يعني بذلك كيف استقبل كبار المتصوفة في إسبانيا، عند مرور الإسلام بمصر وبلاد أخرى في شمال إفريقيا ودخوله في علاقة مع آباء الصحراء ورجال الإسكندرية والمسيحيين الأقباط، الرسالة الأولية للمسيح، ثم نقلوها للإسلام وبعد ذلك من الإسلام، من ابن مسرة وابن عربي، من بعض كبار متصوفة الإسلام الإسباني، فقد رد ثانية إلى المسيحية. ما كان ليوجد خوان دي لا كروث (القديس يوحنا الصليبي) ولا تريسا دي خيسوس (تريزا اليسوعية)، ما كان ليوجد ميجيل دي مولينوس ولا الإشراقيون ولا الساكنون ولا المهجورون، دون سبق «مجانين الله» أولئك، طوال قرون حكم ملوك الطوائف. كانت استعادة للصوفية القادمة من المسيحية، لكنها كانت عالمية، لأن اللغة الوحيدة العالمية الموجودة على ظهر البسيطة هي لغة المتصوفة. يتحدث المتصوفة اللغة نفسها في كل مكان. تحول الجنوب الإسباني إلى شعلة، شعلة من الإيمان والورع والجنون الصوفي الرفيع... ألمريا، إشبيلية، قرطبة، مورسية، ماريده كانت أماكن شبيهة بمدينة بنارس على نهر الجانج، كانت أماكن عامرة بالدراويش والهائمين والمتنسكين وقديسي الفلاة والفقراء والجورو، باختصار «مجانين الله».

ابن مسرة وابن عربي ابنا إسبانيا

علي أن أذكر اسم ابن مسرة والذي كان يدعى «إمبادوقليس الجديد»، حلقة سلسلة ضائعة بين الإسلام والتراث الهرمسي الأفلاطوني الجديد والمسيحية. علي أن أذكر كذلك، وإن لم يكن مسلمًا لكنه تقريبًا كان يبدو مسلمًا، اسم رايموند لول، الرجل الذي تعلم العربية في زمن لم يكن يخطر ببال أحد أن يفعلها، وذهب إلى «أرض الكفار»، إلى سورية وفلسطين ومصر وإثيوبيا وموريتانيا وتخلى عن نتف لحيته في بونا جراء حشد غاضب من الناس وكان على وشك أن يعدم بلا محاكمة في بجاية وأسلم الروح في رحلته الثالثة إلى بجاية حيث مات مرجومًا بالحجارة. رايموند لوليو، هو واحد من حلقات السلسلة المفقودة تلك بين التفكير في القرنالوسطي وتفكير عصر النهضة، بين الهرمسية السكندرية والصوفية المسيحية والإسلامية.

محيي الدين ابن عربي واحد من كبار الإسبان على مر العصور. ولد في مدينة مورسية عام 1165، حياته إعادة إنتاج لحياة ابن مسرة ولوليو وحياة بريثيليانو، حوالي سبعة أو ثمانية قرون من قبله. صوفيون أحرار، صوفيون كانوا يسافرون محاطين بالنساء، صوفيون لم يزدروا أبدًا أيًا من متع الحياة، صوفيون «يساريون».

كتب ابن عربي كتابين: الفتوحات والفصوص (فصوص الحكم)، عمليا هما كتابان مجهولان في إسبانيا، بلده، ومع ذلك هما من أعلى المبيعات في جميع أنحاء العالم الإسلامي.

أظهر آسين بلاثيوس بشكل تام, ولا يسعني هنا سوى أن أذكر ما قاله، كيف أن لغة المتصوفة المسيحيين من الكوميديا الإلهية لدانتي حتى تريسا دي خيسوس وخوان دي لاكروث وميجيل مولينوس ما هي إلا نسخ لتصوف ابن مسرة وابن عربي وكتاب «زوهار» وهو، كما تعرفون، الكتاب الأساسي للقابالا.

سوف أقرأ سريعًا بعض السطور التي كنت قد كتبتها عن قصد في كتابي «جارجوريس وهابيديس» حيث أشرت إلى تطابق المناهج والمفردات والمذاهب حتى الصور البلاغية المقترحة في فترات تاريخية مختلفة من قبل دراويش الأندلس ورهبان قشتالة «ضيق الروح واتساعها، فراغها وعريها، رموز النهار والليل المظلم، استعارة الحجاب والمرآة، البرق المفاجئ، والذرات التي تطفو فوق أشعة الشمس، المياه المجلوبة من جوف الأرض وكذلك اللعبة الطموحة للانخطاف والنشوة، مميزة بين الوعي البسيط وفناء الروح الأصلي في الله، تنكشف ميراثات متراكبة للعرقين معا وثمرة مشتركة، في الحقيقة، لشجرة إلى حد ما منعزلة، وعلى أية حال أكثر علوا (المذاهب المعلنة من قبل آباء الصحراء في الرهبانية غير المختزلة للمسيحية الشرقية)».

سوف أهجر الآن هذا النهج للولوج إلى الإسلام عبر ما هو إيبيري وسوف أقصد قليلاً إلى الحاضر، حيث إن موضوع هذه الندوات هو «الإسلام في مواجهة النظام العالمي الجديد».

في هذه اللحظات ذكر الإسلام أو محمد أو القرآن إنما يساوي، عمليا، الحديث عن «الأصولية»؛ ويخلط معظم الناس وكذلك الرأي العام إجمالاً بين الإسلام والأصولية. ما الأصولية؟ الأصولية هي التطبيق الحرفي للكتب المقدسة، وبديهي أن كل الكتابات المقدسة، مسيحية كانت أم هندوسية أم إسلامية، إنما تستخدم لغة رمزية وليست واقعية. وكي نفهم بعضنا بعضا، فإن الأمر شبيه مثلا بقراءة قصيدة لعمر الخيام، الذي كان يتغنى بالخمر في قصائده، في رباعياته، سوف نتصور أن عمر الخيام كان سكيرا دون الانتباه إلى أن الخمر هي استعارة للنشوة الصوفية والتي هي الهدف الأساسي لكل المتصوفة كالخيام.

الأصولية

ولكن إذا كنا نعيش عصرا من الأصولية في كل مكان. أي ظلم هائل في مماهاة «الأصولية» مع صورة المسلم، لدينا أصولية مسيحية فظيعة ووحشية تعبر عن نفسها في تلك الجملة التي تعلمها كثير منا في المدارس «لا نجاة خارج الكنيسة». لدينا أصولية يهودية والتي تجعل اليهود يعتقدون أنه لمجرد أنهم عاشوا منذ ألفي عام في الأراضي المقدسة، فلسطين - أو إسرائيل، لنسمها كما نشاء، فإن ذلك لا يعطيهم الحق في أن يعيشوا هناك أو أن يحكموا تلك الأراضي بشكل حصري. أصولية يسارية، المساواتية... ما المساواتية إلا شكل من أشكال الأصولية. هل هناك ما هو أكثر ظلما من «المساواتية» التي تقوم على جعل الكائنات الإنسانية متساوية دون التوقف أمام الفعل البديهي لأي شخص ليست لديه غشاوة على عينيه, إننا كائنات لا تتكرر ولا يوجد شخصان متماثلان على وجه الأرض. أصولية أمريكية، واحدة من أسوأ الأصوليات، أصولية كلينتون والنظام العالمي الجديد، أصولية أولئك الذين يدعون بحق تحولهم، عبر التكنولوجيا والتسليح، إلى شرطي العالم. أصولية «العجل الذهبي»، السوق، الاستهلاك: أصولية الاقتصاد, وكل هذه الأصوليات، في النهاية، تصب في أسوأ الأصوليات: الأصولية اليهودية المسيحية.
----------------------------
* شاعر ومترجم من مصر.

--------------------------------------

ها أنت ترجع مثل سيفٍ متعبٍ
لتنامَ في قلب الكويت أخيراً
يا أيها النسر المضرَّج بالأسى
كم كنتَ في الزمن الرديء صبورًا
كسَرَتْكَ أنباء الكويت ومن رأى
جبلاً بكل شموخِه مقهورًا
ما كان يمكن أن تعيش لكي ترى
باب العرينِ مخلّعاً.. مكسورًا

سعاد الصباح