إلى أن نلتقي

 إلى أن نلتقي

شعلة سهيل إدريس

كان الدكتور سهيل إدريس صاحب مجلة الآداب شخصية ثقافية متعددة الجوانب. فقد بدأ حياته صحفيًا وقاصًا. عمل في صحيفتي «بيروت» و«بيروت المساء»، وفي مجلة «الصياد»، قبل أن يصدر على التوالي ست مجموعات قصصية هي «أشواق» (1947)، و«نيران وثلوج» (1948) و«كلهن نساء» (1949) و«الدمع المرّ» (1956) و«رحماك يا دمشق» (1965)، و«العراء» (1973). فهو لهذه الجهة أحد أدباء القصة القصيرة في لبنان، وقد ظل يكتبها حتى بعد تأسيس مجلة الآداب في عام 1953، كما يتضح من التواريخ الآنفة لصدورها على التوالي. ومع الوقت جمع الدكتور سهيل إدريس بين القاص والروائي في ذاته الأدبية، إذ أصدر ثلاث روايات نالت شهرة واسعة في زمانها هي «الحي اللاتيني» (1953) و«الخندق الغميق» (1958)، و«أصابعنا التي تحترق» (1962) التي طغت شهرتها على شهرة القصص القصيرة والتي تُذكر الآن أكثر ما تُذكر هذه القصص. على أن القصص والروايات تحمل الكثير من السيرة الذاتية للمؤلف، ويحمل مثل هذه السيرة الذاتية أيضًا، كتابه الأخير الذي صدر قبل رحيله بسنوات قليلة وعنوانه «ذكريات الأدب والحب»، والذي سبّب له متاعب كثيرة نظرًا لصراحته المطلقة في تناول بعض من تناولهم في الكتاب، ومنهم والده بالذات.

على أنه إذا كان لكل أديب آية، فآية سهيل إدريس هي مجلة «الآداب» التي كانت كبرى المجلات الأدبية العربية، وأعظمها شأنًا في النصف الثاني من القرن العشرين. فما أن انطفأت مجلة الرسالة في مصر، لصاحبها أحمد حسن الزيات، في أوائل الخمسينيات، حتى ورثتها «الآداب» وحملت شعلتها النهضوية والتنويرية. وقد لا يبالغ المرء إذا زعم أن العالم العربي شهد ثلاث مجلات أدبية مركزية في القرن العشرين أولاها مجلة «الهلال» لمؤسسها جرجي زيدان، والمستمرة في الصدور حتى اليوم، وثانيتها مجلة «الرسالة» المحتجبة، والثالثة هي «الآداب» التي انطلقت من بيروت، العاصمة الثقافية البارزة في تلك الفترة، وواكبت نهوضًا أدبيًا وقوميًا، ودعت إلى أدب جديد مختلف، ونشرت لأدباء وشعراء ونقاد وقاصّين جدد لم يكونوا معروفين يومها. وإلى «الآداب» يعود فضل مناصرة ما سُمّي يومها بـ«الشعر الجديد»، أو الشعر التفعيلي كما يُسمّى الآن. احتضنت «الآداب» هذا الشعر من بدايته، وعلى صفحاتها ظهرت القصائد الأولى لعدد من رواده مثل بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وعبدالوهاب البياتي وبلند الحيدري ونزار قباني وخليل حاوي وصلاح عبدالصبور وأحمد عبدالمعطي حجازي. وتولّت «دار الآداب» التي انبثقت عن «الآداب» إصدار عدد من الدواوين الأولى لهؤلاء الشعراء. وبذلك فتحت المجلة الطريق أمام نهضة شعرية وأدبية عارمة، ومنحت جوازات مرور لشعراء وأدباء بلا حصر إلى عالم الأدب وعالم الشهرة في آن، إذ كان النشر فيها كافيًا لدخول النادي الأدبي من بابه الواسع.

وإلى «الآداب» يعود الفضل في إرساء قيم وشعارات أدبية وقومية مثل «الالتزام» و«الأصالة» و«المعاصرة» و«الحداثة» و«الحرية»، وكذلك في تحريك سواكن الأدب العربي وإعادة قراءته ومراجعته، والانفتاح على الثقافة الأجنبية. ومن الكرامات التي حققتها «الآداب» أنها كانت الساحة التي التقت فيها أقلام عربية من أقطار المشرق والمغرب على السواء، وحملت مشاعل التنوير، ودعت إلى الفكر القومي.

 

 

جهاد فاضل