الكويت - البحرين.. تجربة في الديمقراطية.. عبدالله بشارة عبدالله بشارة

الكويت - البحرين.. تجربة في الديمقراطية.. عبدالله بشارة

لقد ساهمت دول الخليج في رفع مستوى التنمية في العالم العربي, من تشييد المدارس إلى بناء السدود. ولكن العطاء الأهم هو الاعتدال والعقلانية, والتحرك دون ثقل الأيديولوجيات.

قبل فترة قريبة كنت في الأردن متحدثًا عن الدور المؤثر لدول الخليج في تحقيق التقارب العربي رسميًا, وشعبيًا, فكريًا, وسياسيًا, وجغرافيًا, عبر التنمية - ممثلة في المساعدات والهبات والتحويلات والدعم والمساندة.

فمن يذهب إلى المغرب يرى ثمرات ذلك الدعم, ومن يقف في الأردن يتعرف على حجم الاستثمارات, وهكذا ساهم الخليج في رفع المستوى وبناء التنمية, وتشييد المدارس والسدود, لكن أهم عطاء هو الاعتدال والعقلانية والتحرك دون ثقل الأيديولوجيات.

وأود هنا الحديث عن تأملات في تجارب الكويت والبحرين الديمقراطية.

سألني دارس أمريكي عن تأثير أحداث البحرين في عام 1956 على الكويت, مشيرًا إلى إفرازات حرب السويس, وإلى المعارضة الشعبية والرسمية لها في العالم العربي, والواقع أن ترابط أحداث البحرين بالكويت تسبق ذلك بكثير, لأن البحرين رائدة انفتاحًا, وأكثر استعدادًا من غيرها لاستقبال التحولات الإقليمية والعالمية, ولتأكيد ذلك كانت بعثات الكويت - بحثًا عن التعليم - تتجه إلى البحرين قبل غيرها. نتحدث الآن عن الحاضر, في البحرين وفي الكويت, فمع البحرين أجد أبرز التطورات في موقعين, الجسر الذي ربطها بالجزيرة, والذي أنهى حصار البحر لها, وبدل - وبتأثير عميق - واقع البحرين. والثاني التوجه الديمقراطي الانفتاحي السياسي والاقتصادي الذي جدد حيوية البحرين سياسيًا واقتصاديًا واجتماعيًا, فكرًا وموقعًا.

ومن رصدنا للتحولات السياسية والاجتماعية في البحرين, فإن هناك ثلاثة متغيرات تسعى البحرين لتحقيقها:

- توفير الاحتياجات الأساسية للإنسان في الحياة كي يعيش دون حرمان, وفي هذا جهد ضخم لا يمكن تجاهله.

- توفير الاحتياجات المتعلقة بالتعليم والعمل وخدمات الصحة والإسكان ومقتضيات الحياة الاجتماعية, وهنا خطوات بارزة تفوق التوقعات وفقًا لإمكانات البحرين.

- توفير بيئة تتيح لممارسة حقوق الإنسان - ضمن مسيرة ديمقراطية, فيها - حرية التعبير مع تكريس حقوق المواطنة في إطار سيادة القانون, والمساواة دون استبداد.

ويمكن القول إن البحرين تقترب كثيرًا من نهج الكويت في تأمين الديمومة لهذه الأهداف.

- وترتكز الحياة في الدولتين على دستور ينظم المسارات وفق مبادئ مستخلصة من التجارب الإنسانية, أبرزها سيادة القانون واحترام آدمية المواطن, وضمان حقوقه في العمل والقول والتنقل والمشاركة في تقرير مصير الوطن.

- وكما نعلم عاشت الكويت في أجواء دستورية, مكّنتها ضوابط الدستور وقواعد التنظيم فيه من النجاح في التجربة بما رسخ فاعلية الدستور وسلامة الاحتكام لمبادئه, لأنه مرفأ السلامة بحياده وموضوعيته وأحكامه, وأن قول الدستور يتفوق على ما عداه.

- ومتانة دستور الكويت تعود إلى أنه موضع إجماع شعبي يلتزم به الجميع, ويحترم الجميع أحكامه, ويوفر الراحة للجميع, لأن منطلقاته المساواة وسيادة القانون وانضباط المسيرة.

- ودون التوافق الشعبي الملتزم بالدستور لا يمكن توفير الاستقرار السياسي ولا التلاحم بين أبناء الوطن, ولا يمكن بناء جبهة داخلية صلبة يتسابق الجميع لحمايتها دون الوفاء التام للدستور.

- ولذلك ليس لدي شخصيًا مخاوف تأتي من الداخل, ربما لدي بعضها من خارج الكويت.

- وألاحظ أن البحرين قرأت تجارب الكويت جيدًا, وربما شخصت آلامها, وجاءت البحرين بصيغة بحرينية تناسب أوضاعها, ولا أعترض على ذلك, لكن الشرط الذي لا غنى عنه, أن تكون تلك الصيغة وليدة إجماع شعبي واقتناع جماعي وتراض يجلب الطمأنينة للبحرين.

- ونحن في الخليج قطعنا أشواطًا في التطور السياسي والاجتماعي, لكننا نعترف بأنه مازال أمامنا الكثير, فجوهر الديمقراطية هو تداول السلطة, واحترام ممارستها, وشفافيتها, وسيادة القانون, والمساواة في المواطنة, وهي ثقافة في الفكر والسلوك, وانضباط في ممارسة الحقوق وفي الوفاء بالمسئوليات.

- وبصراحة لم تحقق الممارسة الديمقراطية في الكويت المستحب ولا المأمول, لأن الشأن السياسي ليس رحيمًا, وإنما أناني وقاس يحركه وفق المصالح.

- وعندما لا توجد أحزاب, ولا تملك الحكومة حزبًا يحميها ويصوت معها في البرلمان, تضطر إلى الاعتماد على النيات الحسنة وعلى فضائل التسامح, والسياسة توفر القليل منها.

- وفي ممارسة الانتخاب وفي غياب الأحزاب, ينتشي المرشح بفضائل القبلية, ويتسلح الآخر بتواصل العائلة, ويهب الثالث بحثًا عن نجدة الطائفة, هذه حقائق لا يمكن إنكارها, عندنا في الكويت الكثير منها, بل ونجد في الانتخابات الفرعية القبلية شيئًا شبيهًا بنظام الـ Primaries في أمريكا - نظام الانتقاء عبر الأبعاد.

- هذه الأجواء أفرزت ما نسميه الاسترغاب - inducement, تسترغب الحكومة عضو البرلمان ليصوت معها, بحثًا عن ضمان لتمرير القوانين, والاسترغاب هو عطاء وخدمة وتسهيلات تمنحها من أجل ضمان المسيرة.

- وبدوره النائب يدرك الحاجة إلى استرضاء الناخب, وإسعاده وتأمين رضاه, ولذلك أفرزت أجواء الكويت ما نسميه الاسترضاء appeasement.

- والحصيلة في نهج الاسترغاب والاسترضاء هي إضعاف القانون والتطاول عليه والاستخفاف بضوابطه.

- ومن هنا استشرت الوساطة, وبدلاً من تكريس النظام, ساد الكويت منهج الواسطة, وهي مخالفة لأصول الدستور, لكنها أنجع آليات العمل, وأضمن آليات الاستمرار.

- وسأقرأ لكم بعض الأقوال في متاعب الواسطة:

- نشرت جريدة (القبس) الكويتية حديثًا للشيخ ثامر جابر الأحمد, نائب رئيس جهاز خدمة المواطن, وذلك في عددها الصادر يوم الأربعاء 22 مارس الماضي: (إن الواسطة أخذت حدها الأقصى وأفرزت الرشوة, وإذا أخذت حدها الأقصى ستعزز الفوضى, وكأننا في تقاطع مروري جميع إشاراته خضراء, ولكن لن يمر إلا الشخص الذي لديه عضلات, وبالتالي نصبح وكأننا في غابة).

ونشرت صحيفة الوطن الكويتية في عددها الصادر في اليوم نفسه - الأربعاء 22 مارس - ما يلي:

(زار أحد النواب صباح أمس (الثلاثاء) مكتب مسئول في إحدى الوزارات طالبًا ترقية تسعة موظفين إلى درجة مراقبين في الوزارة بمختلف قطاعاتها وذلك استعدادًا لانتخابات عام 2007).

وفي استطلاع قدمته صحيفة (الوطن في عددها الصادر يوم الخميس - 23 مارس - تقول الصحيفة كحصيلة للاستطلاع: (إن المواطنين يرون أن النواب يكرسون الواسطة بدلاً من محاربتها, وأنهم أول من ينتهك القانون, دافعين باستخدام السلطة التشريعية لسلاح الاستجواب ضد الوزير في حال عدم تمرير معاملاتهم, بينما يقول بعض النواب إن مسئولية تفشي الواسطة يتقاسمها جميع الأطراف في الدولة).

قال النائب خالد العدوة: (إن الوزير لا يمكنه رفض وساطة نائب خوفًا من استجواب أو خسارة علاقة), بينما يقول النائب صالح عاشور: (إنه لا يخجل من الاعتراف أن الواسطة فوق القانون أحيانًا بل إن القانون يكرسها).

ومن هذه المفاهيم جاءت ممارسة تقديم المقترحات الشعبوية, وتدليل المواطن وإغراقه بسخاء دولة الرفاه.

وإذا كانت الكويت قادرة - لأسباب مادية - على هضم الاسترغاب والاسترضاء, هل يمكن للبحرين أن تسمح بتعاظم هذه المفاهيم المؤذية للفكر الديمقراطي?

جاءت هذه التشوهات لحاجة الحكم لبرلمان متفاهم لضمان نجاح القوانين, ولأن الحكم لا يملك القاعدة البرلمانية الضامنة للنجاح, يلجأ إلى الإغراء.

والمرشح يلجأ أيضًا إلى إغراء الناخب بخدمات على حساب القانون, ومن هنا جاء ما يسمى في المصطلح الكويتي (نواب الخدمات).

والعطايا هي من كيس الدولة, وعلى حسابها, وعلى حساب انضباطها, والواسطة هدامة, إجهاض لهيبة القانون, وازدراء للكفاءة, وتفريخ للإحباط, ورفض لحقوق التفوق, واستخفاف بمبدأ المساواة, وهي عدو العصرنة.

ما العلاج?

التحدي, كيف تحقق الحكومة أغلبية برلمانية دون وجود الأحزاب? لا أعتقد إمكان تحقيق ذلك.

هل يمكن قيام الأحزاب? أخشى في هذا الفصل من الحياة السياسية, من التشظي والتشرذم, لأن تمام البناء الديمقراطي يحتاج إلى مستوى من التسامح والنضج الفكري والثقافي.

العلاج يتحقق بتبدلات راديكالية لم تتهيأ أجواء الكويت لها.

والخلاصة أن دستور الكويت وفر لها القوة الداخلية لكنه أدخلها في سخونة سياسية دائمة.

ماذا عن البحرين?

اختارت البحرين إطارًا ربما يبعد عنها وحش الواسطة, لأن الخزائن لا تسمح بالغرف المتواصل, لكنها لن تسلم من السخونة السياسية الدائمة التي تعيشها الكويت, لأن المنظومة الديمقراطية المتكاملة التي تزيل السخونة وتوفر الأغلبية - غائبة في كلتا الحالتين, وستظل غائبة عن المسرح الخليجي السياسي لفترة مستقبلية طويلة. ولهذا علينا إتقان فنون العيش في حرارة دائمة.

ومع ذلك, فإن نجاح تجربة الكويت يفيد تجارب البحرين, وإخفاقات البحرين تترك تأثيرات في الكويت.

 

عبدالله بشارة




كانت الكويت دائما مرفأ للسلامة بحيادها وموضوعيتها في كل القضايا العربية





تعيش البحرين الآن صيغة هي وليدة لإجماع شعبي واقتناع جماعي وتراض يجلب الطمأنينة





الدستور هو محك تعامل المواطن مع حكومته في الكويت





مازالت دول الخليج تبحث عن منظمومة ديمقراطية متكاملة