عزيزي القارئ
الـدأب عزيزي القارئ.. إنه أيلول, سبتمبر, الشهر الذي يؤرخ لنسيم الشام الرقيق وهو يبترد قليلاً, مفعماً بعبق وداعات الياسمين, ووداعات زوار الربوع الندية الذين لاذوا بظلال الشام في شهور الصيف, يلتمسون طعوم فاكهتها البكر ويلتمسون حنان ما تفيء به عرائش الكروم وأغصان الشجر. في كل وداع شجن, لكنه في نسيم الخريف الشامي يغدو شجناً يشبه الفرح الرقيق, فرح المسافر بزاد من عذوبة الأيام والأماكن والصحبة, فكأنه وداع على وعد باللقاء. في أعماق الشام ظاهرة عجيبة تتجلى في الطبيعة وفي الناس, اسمها الدأب, فالطبيعة التي تدأب على معاودة الازدهار في مواعيدها رغم تقلبات المناخ, تمنح أبناءها هذه السمة ذاتها. ولعل الدأب الذي تتسم به دورات طبيعة الشام هو ما تطبع به بنيها. وهو دأب نعرفه في هذه المطبوعة التي نعتز بأرقام توزيعها في سوريا, ونعرفه من كم المشاركات الغامرة التي ترد إلينا, سواء خطابات القراء أو مشاركات الكتاب. ولسنا نبالغ إن قلنا إن جزءاً كبيراً جداً من البريد الذي يرد من العالم العربي كله, يأتينا من سوريا. وهي ظاهرة مدهشة, أقل ما يمكن أن تشير إليه هو أن هذه الأمة قارئة, وقارئة بإيجابية, ومن ثم تكون الكتابة فيها وجها آخر لعملة هذه الإيجابية. في شهر نسيم الشام الرقيق هذا, في عددنا هذا, احتفاء خاص بالشام. احتفاء برمز زاهر في قلب الشام هو المسجد الأموي عبر استطلاع "عندما تصلي الأحجار" الذي يستعيد أصداء الماضي ويثمن جهود الحاضر لاستعادة هذا الأثر الجليل لرونقه. واحتفاء برقرقة الشعر في شدو أحد شعرائها الكبار في "نزوات شامية".. واحتفاء برحلة شامية مبدعة استقرت في قلب القص العربي كصاحبة أسلوب فريد في مواجهة "غادة السمان", واحتفاء بمساهمات أقلام شامية لن يخلو منها عدد وفي جوانب عديدة من الفن إلى العلم. ومن دأب الشام, إلى دأب دبي ينقلنا هذا العدد عبر استطلاع "دبي.. دانة لكل الشهور", فهذا الثغر العربي الخليجي الذي كان منسياً منذ عقود قليلة, تحول عبر إصرار ودأب عجيبين من مسئوليه وأهله, إلى مدينة عالمية للتجارة والثقافة. إن من يقارب بين واقعنا وواقع أمم سبقتنا, يكتشف أن الدأب هو الفارق الحاسم بيننا وبين الآخرين. لهذا فإن كل إشراقة دأب في عالمنا العربي, على مستوى الأرض أو الناس, هي جديرة بالاحتفاء والتقدير, وهو واجب سنتشرف دائماً بأدائه. وإلى لقاء متجدد