المشهد السينمائي في الكويت

المشهد السينمائي في الكويت

من إنتاج الأفلام الروائية إلى السكون

لا يمكن الزعم بأن هناك إنتاجا سينمائيا في الكويت.. وبالرغم
من أن فيلم (بس يا بحر) للمخرج خالد الصديق قد أنتج في بداية السبعينيات, إلا أن ذلك كان عملا استثنائيا لم يتكرر بذات المستوى.

هناك العديد من الأفلام الروائية والوثائقية التي انتجت على مدى السنوات الثلاثين الماضية, لكنها لا تمثل أعمالا انتاجية متميزة, أو أنها تعبر عن صناعة سينما واعدة في بلد من البلدان النامية في عالمنا الثالث. ومن المؤكد أن محاولات خالد الصديق ومحمد السنعوسي وعبدالرحمن المسلم وعامر الزهير تظل مهمة في مجتمع مازال بعيدا عن التطور الحضاري المواتي لقيام حركة سينمائية جادة.. لاشك في أن هناك معايير وشروطا صارمة لنجاح العمل السينمائي في بلد ما, ومن أهم هذه الشروط هو توافر القدرة على إثبات جدوى النشاط السينمائي وإمكان تحقيق عائد من ذلك النشاط, مثله مثل أي نشاط اقتصادي آخر.

لكن الأهم من ذلك هو الحال الثقافية في البلاد والقدرة على الإبداع بما يمكن من توفير نصوص روائية أو قصصية تساهم في تفعيل الأعمال السينمـــائية. ولا تزال الكويت بعيدة عن مرحلة الإبداع الثقافي, بالرغم من وجود كم لا بأس به من القصص القصيرة, والروايات القصيرة والطويلة, ولكنها لا تشكل قاعدة صلبة لإنتاج ثقافي شامل ومتسق.. وقد يقول قائل ولكن هناك إنتاجا مسرحيا, وإنتاجا تلفزيونيا, على شكل مسلسلات وغيرها, مبنيا على طرح قضايا اجتماعية عديدة, فلماذا يفشل السينمائيون في تحديد تلك القضايا? إن الإجابة عن مثل ذلك التساؤل هي أن السينما غير المسرح وغير التلفزيون, ولا يمكن أن يكون العمل السينمائي متكاملا ومفيدا ما لم يعتمد على عمل ثقافي مؤثر.

الواقع الريعي

وبالرغم من التعليم الذي اتسعت رقعته على مدى سنوات القرن العشرين في الكويت, فإن المستوى الثقافي العام في الكويت مازال متواضعا. ويمكن الوصول إلى مثل هذه النتيجة من خلال متابعة الحوارات في المنتديات وأجهزة الإعلام المتعددة, وما يكتب من مقالات في الصحافة.. ولا تزال المداخلات الثقافية ضحلة المستوى ولا تعبر عن فهم عميق للمواضيع التي يجري الحوار حولها, كما أن القراءات لا تزيد على قراءة الصحف ومقالات الزوايا, أو الكتب ذات المستوى العادي, إن كانت هناك قراءة للكتب.. ولا يستطيع المرء أن يفسر هذه الظاهرة إلا أنها مرآة للواقع الريعي في البلاد والناتج من اقتصاديات النفط على مدى الاعوام الخمسين الماضية.

وإذا أردنا أن نتعرف على واقع السينما في الكويت فيجب ألا نحدد ذلك, فقط, بالإنتاج من الأفلام الوثائقية أو الروائية بل لابد أن يشمل الاهتمام بمشاهدة الأفلام العربية والأجنبية منذ بداية الأربعينيات من القرن العشرين.. كما هو معلوم أن شركة السينما الوطنية تأسست في الكويت في عام 1954 وبدأت ببناء دور العرض منذ ذلك الزمان, وقد كانت سينما الشرقية أول سينما في الكويت, لكن المشاهدة سبقت ذلك حيث كان الكويتيون يشاهدون الأفلام في بيوت الميسورين من القوم, والذين كانوا يستأجرون الأفلام من الوكلاء لمدة ليلة واحدة.. وكان من الأمور الاعتيادية أن نشاهد عددا من أفراد الحي يتجمهرون في أحد البيوت لمشاهدة فيلم عربي, وأحيانا أجنبي, وكانت العروض تبث من ماكينات السينما الـ 16 ملم, في أغلب الأحيان.. ووجد في الكويت هواة للسينما منذ أكثر من سبعين عاما وتابعوا الأفلام أولا فأولا, وأقاموا مكتبات لتلك الأفلام, كما أنهم كانوا يحرصون على قراءة ما يكتب عن السينما في المجلات الفنية منذ ذلك الوقت.

وعندما أقامت شركة السينما دور العرض حظيت دورها برواد من الكويتيين والمقيمين. وكان لاكتشاف النفط وتبدل الأوضاع الاقتصادية دور في تدفق الوافدين للعمل في البلاد, وهؤلاء كانوا يهتمون بمتابعة السينما المنتجة في بلدانهم مثل المصريين والهنود, والذين أخذوا يمثلون أقليات مهمة في المجتمع السكاني في الكويت. ولاشك في أن السينما المصرية مثلت جاذبية للكويتيين والعرب الآخرين في البلاد وأسست ثقافة جديدة, ومكنت المشاهدين من متابعة أوضاع المجتمع المصري بشكل معقول, يضاف إلى ذلك أن تلك السينما جعلت هؤلاء المشاهدين أكثر قدرة على متابعة اللهجة المصرية, والتي أصبحت أكثر اللهجات العربية استساغة في المجتمع الكويتي, بسبب ذلك التفاعل مع السينما المصرية.. من جانب آخر فإن السينما الهندية حظيت بقبول في الأوساط العربية بسبب طرافة الأفلام ومواضيعها, وجدية أفلام هندية أخرى مثل (الأم) والذي تطرق لقضايا اجتماعية ومسائل الصراع الطبقي في الهند.

وأدى ذلك الاهتمام بالسينما إلى بناء دور عرض جديدة خلال سنوات الخمسينيات والستينيات مما وسع من قاعدة الإقبال الجماهيري ومكن من تنويع العروض السينمائية, وتخصصت بعض دور العرض بأفلام من جنسيات محددة.. وكان من الطبيعي أن يشاهد المرء جمهرة من الهنود أو مواطني شبه القارة الهندية في طوابير أمام سينما الفردوس في منطقة الشرق داخل مدينة الكويت من أجل مشاهدة فيلم هندي, أو باكستاني, خصوصا إذا كان الفيلم ذا صيت مهم. كما أن سينما حولي الصيفي, خارج المدينة, كانت تتخصص في الأفلام العربية الخفيفة حيث كان يرتادها الشباب مصطحبين معهم سندويشات الفلافل, في حين تخصصت سينما الأندلس بالأفلام الأمريكية الجادة.

نادي السينما

من أهم التطورات في المشهد السينمائي في الكويت كان تأسيس نادي الكويت للسينما في صيف 1976 عندما قام عدد من المثقفين والعاملين في التلفزيون والمهتمين بالسينما وبعض مخرجي السينما بتأسيس النادي وحصلوا على ترخيص له كجمعية نفع عام من وزارة الشئون الاجتماعية والعمل. وقد بلغ عدد المؤسسين خمسة عشر شخصا من بينهم محمد ناصر السنعوسي ود. محمد غانم الرميحي والشيخ حمد صباح الأحمد الصباح والمرحوم عبدالوهاب السلطان ود. نجم عبدالكريم حمزة, المخرج السينمائي, ومحمد شملان الحساوي, وبدر المضف المخرج السينمائي, وعيسى سابج العصفور, وغازي حمد السلطان, ود. حسن علي الإبراهيم, وسامي أحمد البدر المهندس المعماري, ومحمد خالد الرومي, وعامر ذياب التميمي, كاتب هذا المقال.. ومن أهم أهداف النادي زيادة الاهتمام بالسينما وتطوير التذوق السينمائي وتشجيع المبدعين في مجال السينما وتمكين الهواة من تعزيز قدراتهم الفنية في مجال التصوير والتمثيل والإخراج. وبطبيعة الحال فإن هذا العمل الثقافي لم يتطور على مدى ربع القرن الذي مر على تأسيس النادي بما كان يطمح له المؤسسون, فلم يتمكن نادي الكويت للسينما من إقناع الحكومة بتخصيص مقر له لتمكين أعضائه من ممارسة الهوايات وتعزيز القدرات.. كما أن القدرات الإدارية للأعضاء لم تمكن من زيادة فعاليات النادي في مجالات إنتاج الأفلام أو كتابة السيناريو أو التصوير.

لكن نادي الكويت للسينما تمكن من إحداث نقلة نوعية في التذوق السينمائي, إلى حد ما, فقد عرض, خلال تاريخه, ما يقارب الثمانين مهرجانا سينمائيا مثلت فيها سينمات وطنية متنوعة من الصين إلى الولايات المتحدة مرورا بالسينما الروسية والهنغارية والإيطالية والفرنسية والبريطانية والألمانية والإسبانية والسويسرية والإيرانية والمصرية والعراقية والسورية والمغربية والتونسية والجزائرية وغيرها كثير.. كما تمكن النادي من استضافة ممثلين كبار مثل أنطوني كوين وفينسيا رد غريف وعدد من كبار الممثلين والممثلات العرب مثل نور الشريف ونبيلة عبيد وفردوس عبدالحميد ودريد لحام وغيرهم.

وإذا كانت ظاهرة نادي الكويت للسينما قد مثلت تطويرا ثقافيا مفيدا فإنها لم تستمر بذات الزخم حيث إن عضوية النادي تراجعت من حيث النوع والكم. كما أن العديد من المؤسسين والأعضاء الأولين قد انسحبوا من أنشطة النادي, وجاء أعضاء جدد اهتموا كثيرا بالمشاهدة, دون مراعاة لدور النادي الثقافي, ولذلك تحول النادي إلى نادي فيديو يستعير الأعضاء الأفلام من مكتبته, وأصبح ذلك أهم اعتبارا للعضوية للعديد من هؤلاء الأعضاء الجدد. بطبيعة الحال حاول أعضاء آخرون أن يكرسوا أنشطة ثقافية للنادي, وقرروا استصدار مجلة سينمائية متخصصة, وبالفعل حصل النادي على ترخيص لمجلة (السينما اليوم) وتمكن من إصدار ثلاثة أعداد, ولكن الأوضاع المالية المتواضعة لنادي الكويت للسينما حالت دون الاستمرار في إصدار تلك المجلة. ولاشك في أن أزمة نادي الكويت للسينما هي بالأساس أزمة ثقافية ناتجة عن طبيعة التطورات في المجتمع الريعي في الكويت, حيث لا يوجد اهتمام حقيقي بالثقافة الجادة, والثقافة السينمائية بشكل محدد.. كذلك لا يوجد فهم لدور السينما في معالجة القضايا الإنسانية, وهنا تفهم السينما كمتعة مشاهدة لا أكثر ولا أقل.

صناعة السينما

أما مسألة صناعة السينما في الكويت, فإنني أكرر القول بأنها معقدة ولا يمكن أن نتوقع حدوث تطور في هذا المجال خلال السنوات القادمة. تحتاج السينما إلى توافر عناصر النجاح الاقتصادي, ويجب أن يحظى الفيلم بقدرات على جذب الجمهور لدور السينما لتحقيق إيرادات تمكن من تغطية النفقات, وهي باهظة أحيانا.. من جانب آخر لابد من توافر قضايا ومواضيع تصلح للسينما وتمكن من جذب المشاهدين, ولا يمكن أن يتحقق ذلك لمواضيع محلية لا تجذب سوى أعداد قليلة من المشاهدين داخل الكويت, ناهيك عن خارجها.. هناك أيضا مسألة الرقابة وتشددها في بحث الكثير من المسائل الاجتماعية, مما يعطل عملية الإبداع. وإذا كانت الرقابة قد شوهت الكثير من الأفلام الأمريكية والمصرية التي عرضت في الكويت فكيف سيكون موقفها من أعمال تتعلق بالواقع المحلي? إذن فإن المناخ الاجتماعي والسياسي لا يمكن من تأصيل صناعة سينما ناجحة في البلاد, هذا بصرف النظر عن الجدوى الاقتصادية.. كيف يمكن أن يتفاعل السينمائيون في الكويت مع هذه الحقائق الصعبة? هل عليهم الاستكانة وقبول الأمر الواقع, والعمل بتواضع والتركيز على أفلام قصيرة ووثائقية? دون ريب أن القدرة على إنتاج الأفلام الوثائقية المتخصصة بقضايا ومواضيع محددة أمر مفيد, كما أن إنتاج بعض الأفلام الروائية, وبتكاليف معقولة سيزيد من خبرات العاملين في السينما, ويزيد من أعداد المتخصصين في هذا المجال, لكن يجب التفكير بشكل خلاق من أجل الاستفادة من القدرات المتوافرة بشكل يفيد صناعة السينما العربية, وعلى نطاق أوسع.

إن ما هو ممكن للعاملين في قطاع السينما هو التفاعل مع نظرائهم في الدول العربية الأخرى, والتي قطعت شوطا أطول في مجال السينما, وذلك لتسخير الإمكانات المالية والفنية والبشرية من أجل العمل على إنتاج أفلام عربية ذات مواضيع متنوعة تستطيع جذب الجمهور في مختلف البلدان العربية. ويبدو أن تأسيس شركات سينمائية تهتم بالإنتاج وبناء دور العرض قد يكون مفيدا في هذه المرحلة, حيث تشكو الكثير من الفعاليات السينمائية من الافتقار للتمويل ومحدودية دور العرض.. ومن المفيد أن يتم تأسيس عدد من هذه الشركات لتشجيع المنافسة حيث إن الاحتكار الحكومي والخاص في هذا القطاع لم يمكن من تطوير الجودة, كما أن أفلام المقاولات التي اشتهرت فيها مصر خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين أدت إلى الإسفاف وتخريب الفن السابع. وهكذا فإن قيام العاملين في السينما في الكويت بالتعاون مع العاملين في السينما في مصر وسوريا وبعض دول المغرب العربي يكون أكثر جدوى من التفكير بإنتاج أفلام كويتية لا تلقى قبولاً واسعاً.. كما ان التعاون المنشود سوف يمكنهم من تعزيز قدراتهم الفنية بدلا من تعطيلها وعدم الاستفادة منها.

إرهاصات عامة

يمكن القول إن المشهد السينمائي فــي الكــويت يتطلب فهــما ثقـافيا مرناً ويــجب ألا يقتصر الأمر على الإنتاج فقط بل لابد من توسيع المدارك لتحسين القدرة على التذوق الرفيع للسينما, ويجب الإقرار بأن نادي الكويت للسينما لم يوفق في مثل هذه المهمة.. وكما سبق أن بينت فإن التأثيرات المجتمعية وركود الحالة الثقافية في البلاد عززا التوجهات غير السوية بشأن السينما, سواء كانت تلك المتعلقة بالرفض وفرض الرقابة المتشددة أو تلك التي تدفع عدداً لا بأس به من المشاهدين للتمتع بروية أفلام الحركة والعنف والجنس المبتذلة.. من الصحيح القول إن السينما يجب أن تكون ملكا حرا لصناعها ومن ثم يجب عدم فرض أنماط وأشكال معينة عليهم وعلى إنتاجهم, ولابد أن يترك الأمر لجمهور المشاهدين للحكم على الإنتاج, لكن أيضا, لابد أن يعي هؤلاء السينمائيون أن الفن السابع يجب أن يهدف للارتقاء بالأحوال المجتمعية من خلال متابعة أفلام هادفة ومفيدة تتناول القضايا الإنسانية بشكل مفيد. ومهما يكن من أمر فإن السينما في الكويت تعاني من إرهاصات التخلف الثقافي والفكري في البلاد, وهو تخلف تعاني منه كل البلدان العربية نتيجةطغيان الفكر الشمولي بكل تلاوينه على الحياة العربية.

 

عامر ذياب التميمي

 
 




لقطة من فيلم (عرس الزين)





لقطة للزين في لحظة مؤلمة





العروس كما جسدتها إحدى الممثلات





مشهد لحظة غرق خلال فيضان النيل كما صوره الفيلم





ومشهد آخر لإمام القرية محذرا من العقاب





ولقطة لتجهيز العروس في القرى السودانية للزفاف