استدراكات بنيوية (1)

استدراكات بنيوية (1)

في أواخر عام 1999 اشتبكت مع المرحوم عبد العزيز حمودة ( 1937 - 2006م ) في معركة نقدية، ترددت أصداؤها على امتداد العالم العربي. وقد عنف كلانا بأخيه، ولعلي كنت حادًا في عباراتي بسبب كثرة الأخطاء التى وجدتها فى الكتاب. وقد أطلق صديقى العزيز جمال الغيطانى «معركة نهاية القرن» على المقالات التي لم تقتصر على ما كتبته أنا وما كتبه حمودة، رحمه الله، فقد أسهم فيها العديد من نقاد الأدب العربي على اختلاف أجيالهم. ومرت السنوات العديدة، وعادت صداقتي السابقة مع عبد العزيز حمودة إلى مجراها الطبيعي، فقد كنا في الأصل أبناء كلية واحدة، ينتسب هو الذي تخرج قبلي بثلاث سنوات ( 1962 ) إلى قسم اللغة الإنجليزية، وأنتسب أنا إلى قسم اللغة العربية بتقاليده العلمية الصارمة التي أرساها طه حسين، والتي لا أزال أسعى إلى الحفاظ عليها.

وأظن أن دافع المراجعة الدائمة هو الذي دفعني إلى إعادة النقد في مقالات هذه المعركة، وإعادة النظر في كتاب عبد العزيز حمودة «المرايا المحدبة» الصادر عن سلسلة عالم المعرفة في الكويت. الغريب أني، بعدما دخلت في معركة نقدية حول الكتاب وكتبت عنه أكثر من مرة، وبعد كل هذه السنوات، لاحظت أن هناك العديد من السلبيات التي لا أعرف هل نسيتها لكثرة سلبيات الكتاب، ربما لسهو مني، ومؤكد لعدم اطلاعي على مراجع لم أعرفها إلا بعد انتهاء هذه المعركة. وبعد تردد لم يطل، قررت أن أكتب هذه الاستدراكات لما أراه فيها من فائدة للقراء المهتمين بالنقد الأدبي من ناحية أولى، والأجيال الجديدة من شباب الثقافة من ناحية ثانية. وذلك دعما للتقاليد المنهجية التي لا أزال أنتسب إليها من ناحية أخيرة. وغير خافٍ على جامعيِّ أن روح العلم التي نحاول أن نغرسها في الأجيال الجديدة هي أمانة عقلية وتنحية للأهواء واستقصاء للتفاصيل. ورحم الله عبد العزيز حمودة صديقي الذي سبقني إلى دار العدل، وأستأذن روحه في استكمال ملاحظاتي حول كتابه «المرايا المحدبة».

خطأ العنوان

يقول حمودة في «المرايا المحدبة» (ص95) ما نصه: «إن رولان بارت يذهب إلى حد نقد نقده السابق وأفكاره المبكرة في مداعبة نقدية واضحة في The pleasures of the text وRoland Barthes». وهذا كلام نصيبه من الدقة محدود لأبعد حد، ذلك لأن كتابي رولان بارت (1915-1980) المشار إليهما باللغة الإنجليزية - وإن انتسب كلاهما إلى المرحلة ما بعد البنيوية - لا ينطويان على نقد سابق وأفكار مبكرة في مداعبة نقدية واضحة، فالكتاب الأول ( الذي صدر بالفرنسية سنة 1973) هو تداعيات نقدية حرة حول ثنائية «اللذة/المتعة» من حيث علاقتها بمفهوم النص الذي أصبح متلهبا، فعلا لازما ( بالمعني النحوي ) من أفعال اللذة التي لا تجاوز نفسها، من حيث ما تنطوي عليه من السرية والإشباع والتحقق الجنسي.

وينبغي ألا يفوتنا تصويب خطأ عنوان الكتاب في الهجاء الإفرنجي، فالكلمة الأولى في العنوان ليست في صيغة الجمع pleasures وإنما بصيغة المفرد pleasure) La Plaisir) والفارق بين الصيغتين في حالة رولان بارت كبير، فالحديث في الكتاب عن «اللذة» بألف لام التعريف من حيث هي حالة اكتفاء استثنائي، حضور فريد مكتمل الوجود، انتشاء تغتني به كل الحواس ويتم تدمير أشكال الإيديولوجيات القمعية. ولذلك يقول بارت في كتابه: «ما إن يُنْبَس، في مكان ما، بكلمة عن لذة النص، حتى يكون دركيان (شُرْطيّان) على أهبة الانقضاض عليك: الدركيُّ السياسي، ودركي التحليل النفسي: بوصف اللذة تفاهة / أو ذنبا، فإنها تكون إما عاطلة وإما غير مجدية، وإما فكرة طبقية أو وهما». ولمزيد من الفائدة تمت ترجمة هذا الكتاب الصغير الحجم المكثف الدلالة إلى اللغة العربية ونشر عن «دار توبقال» للصديق محمد بنيس بالمغرب سنة 1988 بواسطة فؤاد صفا والحسين سبحان اللذين اعتمدت ترجمتهما في الاستشهاد السابق.

مرآة ذاتية للوعي

والخطأ الذي وقع في عنوان الكتاب الثاني باللغة الإنجليزية أكبر، فالكتاب صدر بالفرنسية سنة 1975 تحت عنوان Roland Barthes Par Roland Barthes أي «رولان بارت من خلال رولان بارت» وترجم إلى الإنجليزية سنة 1977 تحت عنوان «Roland Barthes by Roland Barthes» أي «رولان بارت بواسطة رولان بارت». وسواء ترجمنا الأداة الفرنسية «Par» على أنها «بواسطة» أو «من خلال» أو حتى «بقلم» فالدائرة الدلالية واحدة من حيث إشارتها إلى موضوع من خلال ذات أو بواسطة ذات أو بقلمها في التجاوب الدلالي الذي يصل بين كتاب «Roland Barthes Par Roland Barthes» وكتابه الآخر القديم الذي صدر سنة 1954 «Michalet Par lui-mém». والمقصود في النهاية هو نوع من الاستخدام الإيحائي لرمزية المرآة الذاتية للوعي، حيث يجتلي رولان بارت ملامح من حياته وأفكاره واهتماماته في مرآة وعيه الذاتي، فهو الذات الناظرة والموضوع المنظور إليه، ومن هنا معنى «رولان بارت بواسطة رولان بارت» في الترجمة الإنجليزية، وكذلك في الأصل الفرنسي، حيث تشير الأداة «Par» إلى دائرة المعنى نفسه للتأمل الذاتي. ولذلك، فإن إطلاق اسم رولان بارت، وحده، على الكتاب وجعله، وحده، عنوانا له يدخل في باب الخطأ الكاشف. وعلى كل فالكتاب نوع فريد من أنواع السيرة الذاتية لناقد يطلق العنان لخواطره الحرة، متشظية، في موضوعات لا رابط بينها من حيث الظاهر على الأقل، ابتداء من صور العائلة، حيث العلاقة الوثيقة بالأم التي كان لها أكبر الأثر في الشخصية، مرورًا بالنصوص الإبداعية التي نقدها بارت أو شغلته، وانتهاء بالمفاهيم النقدية التي غدت أدوات تفجير لتداعيات حرة حول اهتمامات بارت وهواجسه. وما له دلالة خاصة عند علماء التحليل النفسي أن الكتاب يبدأ بصورة تفترش الصفحة الأولى كلها لوالدة بارت التي ظل متعلقا بها حتى النهاية.

ويشبه عدم دقة النص السابق في كتاب حمودة ما سبق أن ذكره في الفصل الأول، ولا أنص عليه هنا إلا على سبيل لفت الانتباه إلى صورة رولان بارت في كتاب حمودة فحسب، خصوصا حين يصف نقاد الحداثة الغربية ( ؟ !) ومنهم رولان بارت بأنهم «يتصرفون في حقيقة الأمر وكأن النص النقدي أصبح غاية في حد ذاته وليس وسيلة لإضاءة النص. حدث هذا في دراسة رولان بارت الشهيرة لقصة بلزاك، وهي الدراسة المنشورة بعنوان z / s و(كذا!) التي أصبحت مثيرة للاهتمام في حد ذاتها، بل إنها قادرة على الإمتاع المستقل عن مباهج نص بلزاك نفسه». ودع عنك ارتباك الأسلوب وضعف الأداء اللغوي. فالأهم هو عدم دقة هذا الكلام، فدراسة z / s واحدة من روائع رولان بارت النقدية، وقد أصبحت نموذجا يحتذى في التحليل النقدي الكاشف، خصوصا من حيث الشفرات الأساسية الخمس (التأويلية، الدلالية، الرمزية، الحدث، الإشارة) التي مايز بينها بارت في تحليل شبكة علاقات قصة بلزاك التي نقلها تحليله النقدي من أفق «نص القراءة» الكلاسيكي إلى «نص الكتابة». ونص القراءة - عند بارت - هو النص الساكن الذي يقرأ نفسه بنفسه، ويدعم نظرة جامدة إلى الواقع وهيكلا ثابتا من القيم التي تخطاها الزمن. أما نص الكتابة فهو النص الذي يفرض علينا أن ننظر إلى طبيعة اللغة نفسها، ويورطنا في نشاط نعيد فيه خلق عالم النص مبرزين تعدد الدلالة ومراوغة المعنى في حركة النص. ومنذ أن أصدر بارت كتابه سنة 1970 ، ومنهج الكتاب يشغل أذهان أجيال من النقاد الشارحين من زاوية بلاغة القراءة وآلياتها، وذلك من الزاوية التي يكشف بها نقد بارت عن أبعاد لم تكن مكشوفة في النص. ولذلك فلا معنى للحديث عن أن دراسة بارت في كتابه «أصبحت مثيرة للاهتمام في حد ذاتها بل إنها قادرة على الإمتاع المستقل عن مباهج نص بلزاك نفسه» ، والقيمة الأولى لهذه الدراسة خصوصا هي القدرة على إنطاق ما لم ينطق من قبل في النص. أما نصوص التفكيك النقدية المتأخرة التي يمكن أن تجعل من النص نصا أدبيا في ذاته، فتلك قصة أخرى بقية تفاصيلها في كتاب فنسنت ب. ليتش عن «النقد التفكيكي».

خطأ تاريخي

ونقرأ في «المرايا المحدبة» (ص144) ما نصه: «بدأ التفكيك في فرنسا على يد «رولان بارت» الذي يرتبط بالمشروع التفكيكي أكثر من ارتباطه بالمشروع البنيوي». وذلك كلام بعيد عن الواقع التاريخي، فتحول بارت من البنيوية إلى التفكيك جاء بعد ثورة الطلاب في فرنسا، خلال أحداث مايو - يونيو 1968 ، حين تمردوا على الأنساق الجامدة، ابتداء من النسق السياسي وانتهاء بالنسق الأدبي النقدي للبنيوية، الأمر الذي أدى إلى انهيار حكم ديجول واستقالته بعد قليل، وسقوط البنيوية وتعديل موقف أهم المتحمسين لها، وعلى رأسهم رولان بارت. وإذا كان البعض - من مؤرخي البنيوية في الغرب - يعد كتابه z/ s الصادر سنة 1970 نقطة التحول عن البنيوية، فإن جاك ديريدا الأب الفلسفي للتفكيك في العالم كله أصدر ثلاثة من أهم كتبه التأسيسية قبل ذلك، تحديدا سنة 1967 التي نشر فيها كتابه «الصوت والظاهرة» (عن الفيلسوف هوسيرل) و«عن علم الكتابة» وعن «الكتابة والاختلاف». هذه واحدة، أما الثانية فهمي أن الكتب التي كان رولان بارت قد نشرها حتى ذلك التاريخ لم تفارق النزوع البنيوي الخالص. يستوي في ذلك أن نتحدث عن الكتب والدراسات الباكرة ( مثل : «درجة صفر الكتابة» سنة 1953«أسطوريات» سنة 1957) أو اللاحقة ( مثل : «عن راسين» سنة 1963، «مبادئ السميولوجيا» سنة 1964). والأطرف من ذلك أن بارت نشر سنة 1966 دراسته الشهيرة «مقدمة إلى التحليل البنيوي للحكاية» التي ظلت الإطار المرجعي الأول في التحليل البنيوي لسنوات كثيرة، ونشر سنة 1967( أي السنة نفسها التي نشر فيها ديريدا ثلاثة من أهم كتبه، كتابه البنيوي الخالص «نسق الزي» ( الموضة ). ويعني ذلك كله أنه من الخطأ البين أن نقول «بدأ التفكيك في فرنسا على يد رولان بارت». وأفدح من ذلك الخطأ في القول بأن رولان بارت «يرتبط بالمشروع التفكيكي أكثر من ارتباطه بالمشروع البنيوي». واعكسْ تصب كما يقول النحاة، فرولان بارت ظل أشهر نقاد البنيوية في العالم كله، منذ أن فجر كتابه «عن راسين» سنة 1963 أعنف معركة نقدية للقرن العشرين في فرنسا، ومنذ أن خرج بارت من هذه المعركة بكتابه الحجاجي والدفاعي عن نقده البنيوي الجديد «النقد والحقيقة» سنة 1966 قبل عام واحد فحسب من نشر ديريدا كتبه الأساسية. ولماذا نذهب بعيدا ونحصي الكتب، وننسى المؤتمر الذي أعلنت فيه التفكيكية رسميا في الولايات المتحدة للمرة الأولى. وكان ذلك في المواجهة الطريفة التي حدثت بين كل من رولان بارت وتلميذه تزفيتان تودوروف بوصفهما ممثلي البنيوية من ناحية وجاك ديريدا بوصفه ممثلا لنزعة التفكيك التي عبرت عن نفسها بحسم في مواجهتهما ومواجهة من ينتسبون للبنيوية مثلهما من ناحية أخرى. وكان ذلك في المؤتمر الذي عقدته جامعة هوبكنز من 18-21 أكتوبر سنة 1966 ونشر، بعد ذلك بعنوان «جدال بنيوي». وقد ألقى رولان بارت بحثه البنيوي الخالص: «الكتابة فعل لازم» كما ألقى تودوروف بحثا مماثلا في الاتجاه النقدي بعنوان «اللغة والأدب». وألقى ديريدا بقنبلته «البنية/العلامة واللعب في خطاب العلوم الإنسانية». إذن، فالصواب هو القول - على العكس من كلام حمودة - بأن بنيوية النقد الأدبي بدأت في فرنسا على يد رولان بارت الذي لم يتحول عن البنيوية، ويقترب - أقول يقترب - من التفكيكية إلا بعد أحداث مايو - يونيو 1968 في فرنسا من ناحية، وتأثير جماعة «Tel Quel» من ناحية ثانية، وذيوع كتابات ديريدا الطالعة بقوة من ناحية أخيرة.

بنيوية النار في الهشيم

ونقرأ في كتاب حمودة عن دخول البنيوية إلى الولايات المتحدة (ص 76) ما نصه: «لقد كانت تلك التركيبة الثقافية للعقل الأمريكي وراء ذلك الاستقبال الفاتر للبنيوية في الولايات المتحدة، إذ إنهم يعتبرون أن آراء البنيويين حول اللغة على وجه التحديد هي جبرية تماثل جبرية الماركسية التي يرفضها العقل الأمريكي». وذلك كلام عارٍ من الدقة لأسباب متعددة، أولها وأبسطها أن البنيوية لم تستقبل في الولايات المتحدة استقبالا فاترا، بل على النقيض من ذلك سرت في ممارسات النقد الأدبي الأمريكي سريان النار في الهشيم. وقد رأيت بعيني واشتركت بنفسي في الجدال البنيوي الواسع الذي كان بمنزلة حمي بنيوية عامة أو هوس بنيوي عام في الولايات المتحدة طوال سنوات المد البنيوي التي استمرت طوال السبعينيات الأمريكية على أقل تقدير. وقد كتبت عن ذلك تحت عنوان «ذكريات بنيوية» في كتابي «نظريات معاصرة» (طبعة دار المدى - دمشق سنة 1998).

ثانيًا: بعيدًا عن الذكريات، فإن تتبع حركة ترجمة كتب البنيوية الفرنسية إلى اللغة الإنجليزية في الولايات المتحدة ينقض ذلك الزعم على الفور، ويمكن مراجعة هذه القوائم في أي كتاب يتحدث عن الاستقبال الأمريكي للبنيوية، وكتاب آرت بيرمان الذي اعتمد عليه حمودة اعتمادا كبيرا يكفي في هذا الجانب ويزيد.

ثالثًا: ساعد على الاستقبال الإيجابي للبنيوية الفرنسية في الولايات المتحدة أنها لم تكن غريبة تماما على المناخ الذي أشاعه النقد الجديد الأنجلو سكسوني، خصوصا في مبادئه التي لم تنقضها البنيوية بل طوّرتها في إطار مشروعها العلمي القائم على النموذج المنهجي لعلم اللغة عند دي سوسير. والدليل البسيط على ذلك كتاب بعض النقاد الأمريكيين الذين يعدهم آرت بيرمان (الذي اعتمد عليه حمودة كثيرا كثيرا) بمنزلة حلقة الوصل - أو مرحلة التحول - ما بين النقد الجديد والبنيوية. وعلى رأس هؤلاء بالقطع الناقد الكندي الأصل نورثروب فراي (1912-1991) صاحب كتاب «تشريح النقد» الذي صدر سنة 1957. وكان علامة دالة إلى حد كبير، سواء بإلحاحه على أنه إذا كان للنقد الأدبي وجود فلابد من أن يكون فحصا للأدب من خلال إطار فكري ينتج عن استعراض استقرائي للحقل الأدبي، أو تأكيده أن الأدب ليس ركاما أو حشدا من الأعمال المتجمعة بل نظام من الكلام يشبه نظام الطبيعة الذي يكمن خلف العلوم الطبيعية.

رابعا: ولولا ذلك ما قام النقاد في الولايات المتحدة بعملية «أمركة» للبنيوية الفرنسية، كما لو كان لسان حالهم يقول: هذه بضاعتنا رُدَّتْ إلينا. ودليل ذلك مبذول في دلالة السؤال الذي يبدأ به العدد الخاص بالبنيوية في مجلة الدراسات الفرنسية بجامعة «ييل» الأمريكية. والعدد من تحرير جاك إهرمان سنة 1966. وأول ما فيه السؤال: إلى أي مدى يمكن أن نعد البنيوية ظاهرة ثقافية فرنسية؟ وتبدأ الإجابة غير المباشرة بالقوائم الببليوجرافية التي تختتم العدد مؤكدة أن العالم لم ينتظر الفرنسيين ليكتشفوا البنيوية. أما الإجابة المباشرة فتبرز الإسهامات الأمريكية السابقة على البنيوية الفرنسية، الإسهامات التي تشكلت داخل تقاليد أنجلو أمريكية طويلة. وتكتمل الإجابة بالدراسة المطولة التي تفتتح العدد، وهي دراسة جيفري هارتمان عن «البنيوية: المغامرة الأنجلو-أمريكية» التي أخذ يعدد فيها أصول البنيوية في الثقافة الأنجلو-أمريكية، كما لو كان يقول: إننا الأصل في تلك البنيوية التي نقلها الفرنسيون، فتأمل!

أما مسألة التماثل بين الجبرية البنيوية والجبرية الماركسية التي يرفضها العقل الأمريكي، فإن التماثل المشار إليه في هذه التسوية لا يعوّل عليه ما ظل في دائرة الإطلاق التعميمي المطلق. وعلاقة الماركسية بالثقافة الأمريكية أكثر تعقيدا من اختزالها على هذا النحو. ومن الأفضل لقائل هذا الكلام معاودة قراءة آرت بيرمان «من النقد الجديد إلى التفكيك» وهو عن «استقبال» البنيوية وما بعدها في الوعي الأمريكي، وأهم من ذلك أنه يؤصِّل العلاقة بين «العقل الأمريكي» واليسار على نحو يعين على المزيد من الدقة.

خطأ بالإسم

ونقرأ (ص 72) ما نصه: «بالرغم من صحة رأي «كروزويل» في مجمله فيما يتعلق بالاستقبال الفاتر للبنيوية في أمريكا... إلخ». وذلك كلام عارٍ من الدقة بدوره. وأبدأ بلفت الانتباه إلى الخطأ في اسم صاحبة المرجع المشار إليه، وهي إديث كيرزويل Kurzweil (وليس كروزويل) فالاسم من أصل ألماني. هذه واحدة، أما الثانية فكتاب السيدة كيرزويل «عصر البنيوية» لا يقول ما يشير إليه الاقتباس السابق على الاستقبال الفاتر للبنيوية في الولايات المتحدة، وإنما يتحدث عن المغايرة بين العقلية الأمريكية والعقلية الفرنسية في باب آخر لا علاقة له بفتور الاستقبال على النحو الذي تظهره «المرايا المحدبة» لحمودة. ولعليّ في حاجة إلى التنبيه على أن الترجمة العربية التي اعتمدها حمودة، ونقل عنها في غير المراد من نصوصها، هي ترجمة جابر عصفور.

------------------------------------------

أيها الصديق الذي أحتاجُ الى ذراعَيْهِ في وقت ضَعْفي
وإلى ثباته في وقت انهياري
كل ما حولي عروضٌ مسرحيَّةْ
والأبطالُ الذين طالما صفَّقتُ لهم
لم يكونوا أكثر من ظاهرةٍ صَوْتيَّةْ..
ونُمُورٍ من وَرَقْ..
يا سيِّدي يا الذي دوماً يعيدُ ترتيبَ أيَّامي
وتشكيلَ أنوثتي..
أريد أن أتكئ على حنان كَلِماتِكْ
حتى لا أبقى في العَرَاءْ
وأريدُ أن أدخلَ في شرايينِ يَدَيكْ
حتى لا أظلَّ في المنفى

سعاد الصباح

 

جابر عصفور