نظرة نقدية لمسيرة الأمم المتحدة سامي منصور

نظرة نقدية لمسيرة الأمم المتحدة

الحقيقة أن الأمم المتحدة ولدت - 1945- مشوهة نتيجة إصرار الدول الغربية الثلاث - الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا - على مجموعة مواد جعلت ميثاق المنظمة وقفة بالزمن أو محاولة إيقاف الزمن، ولما كان الزمن لا يتوقف فإن الصدام وقع بين متغيرات المجتمع الدولي وجمود الميثاق في بعض مواده. فالمادة الثانية من الميثاق تنص في فقرتها الأولى على مبدأ المساواة في السيادة بين جميع أعضائها ولكن مواد الميثاق بعد ذلك تناقضت مع هذه المادة وهو ما جعل المنظمة تفتقد إلى أهم عناصرها وهو الديمقراطية، فالمادة 23 أعطت لخمس دول عضوية دائمة في مجلس الأمن ولها وحدها حق الفيتو، وقد جعلت المادة رقم 24 مجلس الأمن هو صاحب القرار في المنظمة بينما الجمعية العامة التي تضم كل دول العالم لا تملك غير التوصيات. بل لقد وصل الأمر إلى حد أن المادة رقم 12 تعطي مجلس الأمن سلطة منع الجمعية العامة من مناقشة أي قضية لمجرد أنه يناقشها..!

وقد أظهرت المسيرة أن الأمم المتحدة اصطدمت بمتغيرات جوهرية دون قدرة على مواجهتها وأبرز هذه المتغيرات:

1 - يوم مولد المنظمة - يونيو - لم يكن العصر الذري قد بدأ لأن أول قنبلة ذرية ألقيت على هيروشيما في شهر أغسطس.. وهو ما فتح الباب على عصر يختلف تماما عن سوابقه.

2 - الأمم المتحدة بدأت وعضويتها 51 دولة معظمها من الغرب وهي اليوم 185 دولة معظمها من الدول النامية. وهو أيضا تغير درامي في العضوية.

3 - كانت اليابان وألمانيا وإيطاليا هي الدول المعادية وفق المادة رقم 53 من الميثاق في يوم إنشاء المنظمة والتي تقول إن الدول المعادية هي أي دولة كانت في الحرب العالمية الثانية من أعداء أي دولة موقعة على هذا الميثاق. والأمر اليوم لا يحتاج إلى تعليق..!

4 - والمسألة ليست في نصوص الميثاق ولكنها في الهدف والمسيرة. فأهم أهداف الأمم المتحدة وفق مقدمة الميثاق هو منع الحرب. وتقول المقدمة "نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال القادمة من ويلات الحروب التي من خلال جيل واحد جلبت على الإنسان مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف" ونجد - مع الأسف - أن الحروب لم تتوقف إلا إذا كان المقصود هو منع الحرب في أوربا..!

وكان واضحا خلال المسيرة أن أهم عيوب الأمم المتحدة هو في هيكلها التنظيمي المقلوب من خلال حق الفيتو للدول الخمس. وقد جرت محاولة لتصحيح الوضع وذلك بجعل الجمعية العامة هي مركز الثقل حتى دون تعديل الميثاق، وتجمع عمالقة العالم في ذلك الوقت وهو عام 1960 في دورة الجمعية العامة مثل الرئيس جمال عبدالناصر و نهرو و تيتو مع خروشوف. وكادت المحاولة أن تنجح فعلا ولكن أصحاب المصالح في عجز الأمم المتحدة والمحافظة على دورهم وامتيازاتهم كانت حركتهم أعنف حتى وصلت إلى اغتيال داج همرشولد سكرتير عام الأمم المتحدة وهو الدبلوماسي الذي وقف بكل قواه لتحقيق الحلم البشري في أن تكون الأمم المتحدة هي مظلة الضعيف قبل القوي وهي الدرع الذي يمنع القوي عن الضعيف. ودفع الرجل حياته ثمنا واستوعبت الدول الغربية الدرس الذي كانت خلاصته أن تعيين سكرتير عام من إحدى دول الغرب يجعله ساعيا لإثبات ذاته أمام دول الجنوب لأنه بحكم الثقافة والانتماء ليس في حاجة لإثبات ذاته للغرب الذي هو منه، ووافقت على أن يكون السكرتير العام من دول الجنوب وبالتالي تنقلب الآية ويصبح عليه إثبات ذاته للغرب وليس للجنوب..! وهكذا كانت تجربة السكرتير العام منذ اغتيال داج همرشولد حتى الآن.

وقد كان الاحتفال بالعيد الوطني للأمم المتحدة فرصة لإعادة النظر وفرصة للتصحيح. وكانت كلمات رؤساء الوفود تجسيدا لذلك حتى خطاب كلينتون الرئيس الأمريكي مع خطاب الرئيس الفرنسي ورئيس وزراء بريطانيا وكان الرأي الغالب هو توسيع عضوية مجلس الأمن وزيادة عدد الدول الدائمة بحيث تدخل فيها أعداء الأمس وهما ألمانيا واليابان. ومع الأسف فإن ذلك لن يحل مشكلة الأمم المتحدة.

فالقضية ليست في عدد الدول التي تملك حق الفيتو بحيث يناقش زيادتها أو تخفيضها ولكنها في حق الفيتو ذاته بل وفي امتلاك الولايات المتحدة بالذات حق الفيتو - إذ إن الحكومة الأمريكية وحدها استخدمت هذا الحق بنسبة 91% من عدد مرات استخدامه وحدها بينما نجد الدول الأربع الأخرى استخدمت النسبة الباقية وهي 9%. ولذلك فإن توسيع عدد الدول صاحبة الفيتو لن يضيف شيئا على صلب القضية.

وإذا كان من المبالغة القول إن الأمم المتحدة تحولت مع الزمن لتصبح إحدى أدوات السياسة الأمريكية فإنه أيضا من المبالغة تصور إمكان إخراج المنظمة الدولية من دائرة السيطرة الأمريكية..!

قرارات خاطئة

ولذلك نجد أن المنظمة الدولية وقعت في خطأ إصدار قرارات لا تتفق والقوانين الدولية وشرعيتها الوحيدة ليست لصدورها من الأمم المتحدة التي لا تملك بكل تشكيلاتها اختفاء الشرعية على خطأ ولكنها القوة التي وراء القرار. وإذا كان أبرز مثالين من العالم العربي فإن الأمثلة كثيرة والإشارة إليها تكفي.

فالأمم المتحدة في ثالث أعوامها قامت بإعطاء فلسطين لليهود وقيل يومها "إن من لا يملك أعطى لمن لا يستحق..!"

والأمم المتحدة طالبت ليبيا بتسليم اثنين من مواطنيها للمحاكمة في دولة أخرى. وهو أمر غير مسبوق ومخالف لكل الأوضاع القانونية في العالم، وذلك بعيدا عن صحة الاتهام أو عدم وجوده فتلك ليست القضية. ثم هناك قرار تقسيم البوسنة بدلا من الدفاع عن وحدة أراضيها وانتقلت القضية من سلطة الأمم المتحدة إلى سلطة حلف الأطلنطي أمام المجتمع الدولي..!

بل إن أبرز ما أنجزته المنظمة وهو إعلان حقوق الإنسان تحول إلى أداة لتغيير أو معاقبة الأنظمة التي تختلف مع الحكومة الأمريكية، وتقرير الأمم المتحدة يناقش حقوق الإنسان في دول العالم إلا في دول معينة وكأنها فوق العالم ومنها على سبيل المثال الولايات المتحدة نفسها والتي تتحدث صحفها عن الكثير من انتهاك حقوق الإنسان سواء كان أسود أو امرأة.

وتبقى حقيقة أن تعديل ميثاق الأمم المتحدة دون موافقة الدول الخمس هو أمر مستحيل بل وإمكان ضغط هذه الدول لمنع توفير نسبة الثلثين هو أمر ممكن ووارد في ظل الوضع الدولي الحالي. فالمادة رقم 108 تنص على عدة صعوبات أو عقبات لتعديل الميثاق وهي حسب نص المادة:

أ - موافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة على التعديل.
ب - تصديق ثلثي الدول الأعضاء الموافقين.
ج - لا بد أن يكون الأعضاء الدائمون الخمسة بين الثلثين.

أكثر من هذا فإن المادة 109 تنص على أنه لعقد مؤتمر دولي لتعديل الميثاق فلا بد من موافقة ثلثي أعضاء الأمم المتحدة على عقد المؤتمر وأن تكون الدول الخمس الدائمة ضمن هذه الدول الموافقة. هكذا يبدو الأمر مستحيلا. والقول إن الدبلوماسية هي فن الممكن فإن ذلك الممكن المطروح للتعديل لا يحل مشكلة الدول الصغيرة أو النامية أو دول الجنوب التي كان يطلق عليها خطأ العالم الثالث.

 

سامي منصور

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات