ما يستطيع العرب فعله محمد جابر الأنصاري

ما يستطيع العرب فعله

في اللحظة التاريخية الراهنة - وبنظرة واقعية - لا تبدو الفرص متاحة أمام العرب في المدى القريب لتحقيق إنجازات سياسية أو اقتصادية مباشرة تتناسب وحجم تطلعاتهم. وكل ما هو مأمول: أن يرمموا ما تصدع، ويتجنبوا الأسوأ، وألا يسمحوا لعقليات المغامرة والمكابرة، أو الجمود واللا مسئولية أن تجلب لهم المزيد من الكوارث. وذلك إلى أن يغيروا ما بأنفسهم، وما بواقعهم، ويعرفوا كيف يجب أن يتعاطوا عمليا وإيجابيا مع حقائق العالم والعصر وما تتطلبه هذه الحقائق من التزام مسئول بالعمل المنتج وبالسلوك المتحضر في مختلف جوانب الحياة.

ولكن العرب، في اللحظة التاريخية الراهنة، ومن واقع المعاناة، والتجارب المريرة، والمتغيرات المنبهة، يمكنهم إذا أحسنوا الرؤية وصدقوا العزم أن يحققوا نهضة فكرية وثورة معرفية تنويرية جديدة تصل ما انقطع من مسارات نهضتهم المبكرة في مطلع العصر الحديث، وهي النهضة التنويرية المفترى عليها التي حققت إنجازات لا تنكر في الفكر والواقع برغم قصورها، والتي تتعرض اليوم لمحاولات طمس وتشويه لحقيقة مقاصدها وتوجهات إعلامها.

فلا بد إذن من استئناف مسيرة النهضة الفكرية، بإعطاء تلك المحاولة النهضوية الرائدة حقها والانطلاق منها دون إفراط أو تفريط. فلا شيئ يبدأ من فراغ، ولا بد من تراكم متصل لتحقيق الانعطاف النوعي، والثورة الأصيلة هي التي تعرف كيف تبني فوق ما سبق من بناء، أما الهدم فلن ينتج غير ما نحن فيه.

ولا يمكن أن تحقق الأمم أي نوع من الصحوة في واقعها، إلا إذا بدأت بصحوة معرفية عقلية تحليلية ونقدية، لذاتها أولا ولماضيها وحاضرها ولحقائق عالمها وعصرها ثانيا. فلا صحوة بلا عقل، ولا صحوة بلا معرفة حقيقية للذات. ومنذ أن تيقظ العقل الإنساني ومقولة (اعرف نفسك) تتصدر اهتماماته وهي مقولة تنطبق على الأفراد انطباقها على الأمم خاصة تلك التي تجد صعوبة في مواجهة حقائق ذاتها بموضوعية وشجاعة.

وإذا كانت القوى المعادية لهذه الأمة تستطيع الحيلولة بينها وبين العديد من تطلعاتها، فمن المحال على هذه القوى منعها من إحداث الصحوة المعرفية العقلية المنشودة، لأنه لا يمكن حبس معاناة أمة وفكرها في إطار المعاهدات والأسواق والتكتلات المفروضة إذا قرر أبناؤها التفكير المخلص الحر، والبحث الصادق من أجل حقيقة الخلاص. بل إن هذا كله يستدعي مثل هذا الرد التاريخي إن كان للتطبيع الثقافي المطروح أن يوقف حيث يتوجب أن يقف.

من هنا فإن اللحظة التاريخية الراهنة هي لحظة إعادة النظر واجتراح الصحوة المعرفية اللازمة، لإحداث الصحوة الحضارية الشاملة، من خلال بلورة المشروع الحضاري العربي. الإسلامي القادر على الإنجاز والفعل، والذي لا بد منه إن أريد للمباديء النظرية العامة أن تتحول إلى واقع ملموس في حياة الأمة ولا تبقى معلقة في عالم المجردات البعيدة تعمق حالة اليأس من إمكان تحقيقها. وجميع العوامل الماثلة من حالة الأزمة العربية الشاملة إلى تحدي المتغيرات العالمية الكاسحة تحتم مثل هذه المراجعة الفكرية الجذرية إذا استطاع الوعي العربي تجاوز البكائيات والإحباط من ناحية، وخطاب التشدد غير العقلاني والأدلجات المثالية من ناحية ثانية.

مسئولية المثقفين

على المثقفين والمفكرين العرب اغتنام هذه الفرصة التاريخية وعدم تضييعها. لا بد من العودة إلى طرح الأسئلة الأساسية، في مختلف جوانب الفكر والحياة، وصولا إلى تحقيق الاختراق المعرفي للذات وللواقع وللآخر، ذلك الاختراق الكفيل وحده بتوليد المشروع الحضاري المنشود، وبالتأسيس لبناء جديد.

إن هذا الاختراق المعرفي ليس ترفا فكريا لأنه وحده الكفيل أيضا بتوليد وعي عربي شامل في مستوى الأحداث.

فقد أثبتت دروس الكوارث الأخيرة أن الوعي العربي السائد قابل للتزييف بسهولة، وغير محصن ضد منزلقات الاستهواء والاستغلال، سواء خوطب بشعارات اليمين واليسار، أو بشعارات التراث والحداثة، وما لم يحصن هذا الوعي بتأسيس معرفي للذات وللواقع وللآخر، فإنه لن يستحق صفة الوعي على الإطلاق.

وللأمانة فإن مدارس الفكر العربي الحديث وتياراته، لم ينقصها تعمق نظري في الأفكار والفلسفات التي اطلعت عليها واقتبست منها، ولكن المشكلة أن هذا الفكر بقي في معظمه مرانا ذهنيا فوقيا يركب الأفكار والتنظيرات المجردة، ثم يعيد تركيبها وترتيبها أو قلبها حسب مقتضيات الظروف، دون أن يولي كبير اهتمام لمدى علاقة هذه الأفكار بالواقع وبالوقائع والحقائق المتعلقة بها أو المتجهة للتعاطي والتعامل معها، أي ذلك الواقع المرتبط عضويا بخصوصية الذات العربية الجماعية ماضيا وحاضرا.

فالغائبان الكبيران في صميم الفكر العربي هما الذات والواقع: خصوصية الذات الجماعية للأمة، والواقع بما هو تاريخ وحاضر لتلك الذات بمعناها الحضاري الشامل.

إن صورة ذلك الواقع لا تكاد تبين خلف واجهات الأبنية التنظيرية والأيديولوجية لفكرنا العربي الحديث. وذلك ما جعل منها أبنية كارتونية في ساعة الحقيقة، ساعة المواجهة الساخنة مع الحقائق على أرضية الواقع الصلب.

"المعرفة" بين العقل والفكر

لا يستطيع العقل أن ينتج فكرا إذا لم يجد غذاءه الكافي من المعرفة. ففي مثلث العقل. الفكر. المعرفة، تمثل المادة المعرفية قاعدة المثلث، وما لم تتوافر هذه المادة أمام العقل فلن ينتج من فكر غير تصوراته وتخميناته الذاتية، وذلك ما ينتجه العقل العربي من فكر عربي معاصر في الغالب. وليس مصادفة أن الغالب على الثقافة العربية الحديثة الأدب والشعر والتراثيات والأيديولوجيات السياسية، مقابل ضمورها في المعرفة العلمية وفي العلوم الاجتماعية. ذلك أن الجانب الشعوري والرغائبي والتأملي البحت في فكرنا العربي. وهو جانبه المتضخم. لم يستند إلى القاعدة اللازمة من البحث المعرفي في جوانب الواقع العربي ماضيا وحاضرا وذلك ما جعل منه تركيبا ذهنيا يفتقد قنوات التواصل مع الواقع تأثرا وتأثيرا.

ومن تجارب عديدة مع الوعي العربي السائد، يمكننا التأكد من أن هذا الوعي العام في مجمله مازال غير قادر على التمييز بين التشخيص الوصفي الموضوعي للحالة وبين الحكم القيمي أو الذاتي عليها. فالخطاب في عرف هذا الوعي إما مديح أو هجاء، تعظيم أو تحقير أما الوصف من حيث هو تشخيص موضوعي لا يعبر عن الرغائب وإنما عن الوقائع فحظه من القبول، قليل وضئيل خاصة إذا اقترب من الذات. غير أن النهضات الحقيقية في حياة الأمم لا تبدأ إلا بثورة معرفية علمية موجهة - قبل كل شيء - إلى فهم الذات (الذات الجماعية للأمة) وإعادة اكتشافها ونقدها، وإن العجز عن تحقيق هذه الثورة العلمية النقدية يساوي التخبط المزمن في المأزق العربي الراهن، حيث يعاني العرب التباسا خطيرا في الوعي بين التصور والواقع، وبين الأيديولوجيا الحقيقية، والرغبة والإمكان، وباختصار: بين ما هو كائن.. وما يجب أن يكون.

الحقيقة فوق الأيديولوجيا

ولقد ظلت الحركات والتيارات العربية على اختلافها تقدم الأيديولوجيا على الحقيقة، بل وتلوي أعناق الحقائق في سبيل تأكيد أيديولوجيا الأزمة المزمنة!.. وكثير من نتاج الفكر العربي يدخل في هذا الباب.

غير أن الأيديولوجيا الفاعلة في الواقع، والمغيرة إياه، هي تلك الأيديولوجيا التي تمثل ثمرة ثورة معرفية علمية تسبقها وتمهد لها.. وليس صحيحا أنه لا ثقافة بلا أيديولوجية، وإنما الصحيح أنه لا أيديولوجية فاعلة ومتماسكة دون ثورة ثقافية معرفية تتقدمها.. وتقودها.. وتقربها من أفق الحقيقة، بقدر ما يستطيع الوعي الإنساني الاقتراب من الحقيقة.. وبقدر ما تستطيع الأيديولوجية الإنسانية، بالتالي، التلاؤم مع تلك الحقيقة والالتزام الخلاق بها.

باختصار شديد، سأحاول حسب تصوري إيجاز أهم عناصر ومكونات هذه القضية المؤرقة لنا جميعا. وذلك بطرح السؤال التالي الذي أرى أنه سؤال الأسئلة في اللحظة العربية الراهنة.. السؤال: كيف نبدأ عصر تنوير عربي جديدا ونصحح المسار الراهن المتأزم للثقافة العربية في علاقتها بواقع المجتمع والعصر واحتياجات الأمة؟ باعتبار أن النهضات الكبرى الفاصلة في تاريخ الأمم لا بد أن تبدأ بعصر كهذا، راجيا ألا يكون هذا الإيجاز مخلا بما أريد قوله.. معتمدا على حسن تفهم القارئ الكريم لهذه الطروحات الوجيزة.

أولا: لابد من إعادة النظر في الأسس والمنطلقات والمسارات العامة للأمة. وتغدو هذه المسألة أكثر من ضرورية في أزمان النكبات والتراجعات المزمنة. أمم وحضارات ودول عدة لم تستطع تجنب الانهيار لأنها لم تملك فضيلة الرغبة في إعادة النظر في منطلقاتها في الوقت المناسب. وعندما داهمتها الأحداث اضطرت لذلك بعد فوات الأوان الذي بدأ يفوتنا نحن العرب ما لم نبادر إلى سرعة تحرك الفكر لطرح الأسئلة الضرورية والجوهرية بشأن أسس حياتنا. لنزحزح عبء الأجوبة الجاهزة المكرورة ولنبدأ بطرح الأسئلة الكبرى والضرورية التي تطرحها أية نهضة أصيلة.. لنبدأ بطرح الأسئلة ونسمح بها ولا نخشاها.. حتى لو لم تكن لدينا إجابات جاهزة.. فأسئلة النهضات الجديدة شرطها ألا تكون لها إجابات جاهزة.. لكنها بطبيعتها حافزة على إجابات مقبلة تغير التاريخ. فلنتحرر ولو قليلا من عبء الأجوبة الجاهزة الكثيرة.. التي تملأ رءوسنا وتمنع عنها النور والهواء، ولنستنشق هواء جديدا.. لنبدأ بطرح الأسئلة لكن بعد أن نعرف كيف نطرحها وإلى أية أعماق فينا نوجهها. فإن نعش في غابة مفتوحة من الأسئلة الحائرة خير من أن نبقى في حصن من الأجوبة العقيمة المكابرة.. وغني عن البيان أن طرح أسئلة كهذه يحتاج إلى مناخ أهم مقوماته حرية الرأي، وسعة الصدر، ومرونة الفكر، والرغبة في الحوار، واحترام الرأي الآخر.. وهي وصفات نكررها كثيرا في خطابنا العربي الراهن.. لكن لا أعلم متى سنطبقها، فنحن أمة مازالت تعاني ازدواجية كبرى بين الكلام والفعل، وهذه الازدواجية، من أكبر عوائق النهضات الأصيلة في حياة الأمم لأن هذه النهضات لا تسلم قيادها لمن لا يحترم مقاله فعله ولا ينسجم فعله مع مقاله كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون

ثانيا: وتبدأ عصور التنوير بالنظر إلى التراث والحياة والعصر بمنظار جديد وبعين الدهشة البكر. بلا وسطاء،وشراح، وهوامش، بعد تقديم كل الاحترام للشراح وهوامشهم. تبدأ بإعطاء الماضي والتراث لونا جديدا وبعدا جديدا، وعمقا جديدا.. فتنطلق الأمة بتراثها شابة من جديد. هكذا بدأت النهضة العربية الإسلامية في صدر الإسلام، هكذا بدأت النهضة الأوربية في عصرها، وهكذا أوشكت النهضة العربية الحديثة أن تنطلق في جيل الرواد قبل أن تجهض. في كل تنوير أصيل نهضوي تم التحرر من الوسطاء والأوصياء. الفكريين والشراح والهوامش وحلت النظرة البكر المبدعة محل التلقي والتلقين، فالتراث لا يفسر بالتراث اللاحق والأصل لا يفسر بالفرع والدين لا يفسر بالمذهب، لكنه يفسر برؤية الإنسان الجديد المعاصر واحتياجاته لذلك التراث الأصلي في مصادره الأولى، كما أن العصر وقضاياه لا يؤخذ كما هو لدى المعاصرين الآخرين، لكنه يؤخذ حسب المنظار والمعيار المستقل للإنسان المتلقي. هكذا تلقى الإنسان الأوربي في بدايات نهضته العصر الحضاري الإسلامي المتقدم عليه واستفاد منه دون أن يفقد هويته الأوربية وهي حقيقة جديرة بتأملنا العميق، إذ كيف يخشى علينا من المؤثرات الأوربية بينما امتصت أوربا. النهضة الكثير من عناصر حضارتنا الإسلامية، دون أن تتأسلم، فلماذا يخشى علينا أن نتغرب؟ وبالمثل، وهكذا من قبل، تلقى المسلمون الأوائل جديد الآخرين من أهل الحضارات القديمة دون أن يفقدوا إسلامهم. هكذا تتلقى اليابان اليوم العصر الحديث وتزداد يابانية في الوقت ذاته. إذن التراث والعصر حقيقتان لا يمكن إلغاؤهما.لكن يمكن إلغاء عبودية الإنسان العربي المعاصر لهما معا، بنظرته إليهما نظرة ناقدة مستقلة، يكون هو معيارها، دون أن تختفي شخصيته خلف صيغ التوفيق المتهافتة بينهما كما هو طابع الفكر العربي والثقافة العربية في كثير من الجوانب.

ثالثا: لا تؤسس نهضات جديدة على جزئيات ومدارس فرعية وموجات عابرة في المعرفة ينشرها هواة ثقافة. إنه من المحال تأسيس نهضة ثقافية جديدة على تفرعات المذاهب الفنية وجزئيات المدارس الفكرية والأدبية سواء كانت هذه الجزئيات والفروع مستقاة من الخارج المعاصر، أو من الداخل التاريخي. لا بد من تخطي ثقافة الموجات المؤقتة العابرة المتلاشية كزبد البحر باستشراف واستيعاب الأصول المعرفية الرئيسية في التراث وفي العصر، وهضمها وتمثلها بالكامل، ثم الانتقال، لمن شاء الاختصاص إلى تفرعاتها وجزئياتها، ولكن بعد التمكن من أصولها أولا وقبل كل شيء.

فبين مرحلة وأخرى في ثقافتنا الحديثة، وحسب المتغيرات الخارجية والمتقلبات الداخلية، تطل علينا موجات مؤقتة متباينة ومتضاربة من المدارس والاتجاهات وأكاد أقول التقليعات والأزياء الفكرية في الصالونات الغربية.. أو في أوساطنا الداخلية.

في فترة: موجة الواقعية الاشتراكية.. في فترة تالية: موجة الوجودية السارترية، في فترة ثالثة: موجة السريالية واللا معقول والغموض والتكعيبية والدادية.. في فترة رابعة: موجة البنيوية واللسانية وهكذا.

هذه كلها تطورات فرعية تالية متأخرة في سياق الحضارة الأوربية جاءت في وقتها التاريخي هناك كإفرازات طبيعية أو عوارض مرضية.. لكن ماذا أفدنا نحن منها؟ وماذا بقي لنا منها بعد هذا الانشغال بها عن قضايانا اللصيقة بنا والأكثر إلحاحا؟.

هذه تفرعات لأصول كبرى صدرت عنها.. فهل تمكنا من تلك الأصول قبل فروعها.. هل تعمقنا جدلية هيجل قبل قراءة الترجمة العربية الركيكة للمادية الجدلية؟ هل تعمقنا وجودية نيتشه وهيدجر قبل متابعة السلوكيات والروايات الوجودية لسيمون دي بوفوار في الحي اللاتيني بباريس. هل قرأنا وتعمقنا (ثروة الأمم) لآدم سميث ومدارس الفكر الليبرالي الأخرى، قبل الإعجاب بالمظاهر السطحية والاستهلاكية للرأسمالية والاقتصاد الحر؟ هذه المظاهر التي تتهالك المجتمعات العربية، غنيها وفقيرها، على قشورها دون تنبه لجذورها وشروطها المعرفية والمجتمعية والحضارية.

الأصول.. لتخطي الأصولية!

وبالنسبة لمصادر التراث هل تعرفنا بصورة متعمقة أصول القرآن الكريم والسنة الصحيحة، قبل الدخول في التفريعات والمذاهب الفقهية والكلامية التالية؟ وهل تعرفنا إلى المعتزلة بشكل حميم قبل نشر الفكر الأشعري المتفرع عنهم؟ ل تمثلنا الكندي والفارابي وابن سينا وغيرهم من الفلاسفة الإسلاميين قبل الدخول في ردود الغزالي عليهم؟ أقصد هل عبرنا إلى الينابيع قبل الروافد، وإلى المتقدم المتأصل قبل المتأخر المتفرع.

هذه الأطروحة الثالثة إذن نوجزها بالقول: لا بد لعصر تنوير جديد من تجاوز ثقافة الموجات العابرة إلى ثقافة الأصول الفاعلة في قضايا العصر، أو في مسائل التراث لنؤسس نحن أصولنا الجديدة. وعلينا التنبه إلى أن الأصولية السائدة حاليا. إن صحت تسميتها بهذا الاسم. هي أصولية المتأخر المتفرع لا أصولية التأسيس والابتكار والانطلاق. فلا بد إذن من الأصول لتخطي الأصولية.

هذه مجموعة مفاهيم فكرية أساسية وجوهرية نرى أن ثقافتنا العربية مطالبة بالتوقف أمامها في اللحظة التاريخية الراهنة، إن أرادت أن تكون عاملا فاعلا في استنهاض الأمة من جديد في هذا العصر الذي لا يتساهل مع الثقافات المتجمدة وغير القادرة على مراجعة ذاتها وتشخيصها ونقدها.

 

محمد جابر الأنصاري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات