عزيزي القارئ المحرر

عزيزي القارئ

القصة

عزيزي القاريء..

ثمة أسئلة باتت مكررة، لكن هناك ملابسات تجعل من إعادة طرحها نوعا من التشبث بالبديهيات، في زمن تتآكل فيه البديهيات، وبسرعة مفزعة لأجيال مازالت فاعلة في حياتنا وإن لم تعتد بعد ذلك الإيقاع الإلكتروني لأنماط الحياة السائدة في هذا الربع الأخير من قرننا العشرين. وسؤال عن حاضر ومستقبل القصة القصيرة في عالمنا العربي قد يبدو سؤالا مثقلا بالغبار والإملال، لكننا إذا طرحناه في إطار ضرورة الإمساك بالنبض الإنساني المهدد بالاكتساح أمام ضوضاء التقنيات الحديثة، لصار السؤال حيويا برغم كل ما يعلق به من شجن. فثمة أشياء نتركها تفر أمام هجمات الآلية والتقنية الكاسحة، وما ينبغي لها أن تفر، على الأقل حتى تكون عائقا، ولو رقيقا، أمام مخاطر الغلو التقني على وجدان الإنسان، بل وجوده نفسه إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ذلك الاحتمال الذي لم يعد بعيدا بأن يقضي المخلوق الاصطناعي على صانعه لو أسلم له الإنسان كل مقاليد الأمور. وحديث الحرب الرقمية لم يعد نوعا من الخيال العلمي، بل صار واقعا يتم تجهيزه في تكتم شديد في بعض أركان "العالم المتقدم".

لقد قيل إن الأدب هو سجل المشاعر، الإنسانية، وتبدو القصة القصيرة في هذا الإطار بمنزلة "كشف حساب مختصر" لهذه المشاعر، وهو ليس ككشف حساب البنوك الآلية في هذه الأيام، بل هو نوع من الإيجاز الذي يختزن الكثير ويوحي بالكثير، لأنه يتعلق بالمشاعر التي ربما يمر وقت طويل جدا دون أن تستطيع الآلة - أي آلة - ولو مجرد الوقوف على حافة حافتها.

وكم نحن في حاجة إلى مزيد من هذه المشاعر الإنسانية، فلعلها زادنا الممكن في مواجهة عالم يبدو لنا خارجا عن السيطرة، لقلة ما نملكه من أدوات هذا العالم. ولعل تشبثنا بنبضات قلوبنا الإنسانية يمنحنا القوة على اقتحام دنيا الإلكترونيات والكروموسمات وغيرها بقلب جديد، قلب جديد.

سجلات المشاعر الإنسانية لم تكف ولن تكف عن الامتلاء، وما تنشره آلاف الصفحات من جرائدنا العربية ومجلاتنا وكتبنا، بل وصفحات جرائد ومجلات وكتب العالم (المتقدم) نفسه، تقول إن الأدب سيبقى ما دامت المشاعر، أي مادام الإنسان. ومن هنا - عزيزي القاريء - يأتي احتفاؤنا بالقصة القصيرة بمنزلة إجابة عن ذلك السؤال عن حاضر ومستقبل هذا الفن الموجز العظيم. ولعل دعوتنا إلى إقامة مسابقة لهذا الفن تكون جزءا من هذا الاحتفاء. كما أن هذا العدد الذي ننشر فيه باقة كبيرة من القصص العربية قدمت إلينا من بلدان عربية عديدة، تكون تأكيدا على مضمون إجابتنا عن السؤال الذي نعيد طرحه. ولعلنا لا نكون في حاجة إلى تأكيد القول بأن أفضل أنساق الكتابة، أيا كان موضوع الكتابة، هو ما يأخذ بتقنيات القص، سردا وتشويقا وبحثا عن "لحظة التنوير". وهذا المنطق يحكم اختيارنا لكثير من مواد هذا العدد، وكل عدد. وإلى "لحظة تنوير".. تتجدد.

 

المحرر

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات