أرقام محمود المراغي

أرقام

أطفالنا.. مؤشر للتقدم!

من أين يبدأ التقدم؟

البعض يقول: التعليم هو البداية، فالمعرفة هي أداة التقدم، وأول وسائل المعرفة اتساع دائرة التعليم.

آخرون يقولون: بل العلم واكتساب التكنولوجيا، فالوعي بالحاجة إلى التقدم لا يصنع وحده القفزة المنشودة ولا بد من امتلاك الأدوات، وأدوات العصر علوم متقدمة تتمرد على الكثير من الأنماط التي عاشها الإنسان منذ بدء الخليقة. إنها تقدم، وعبر تكنولوجيا متطورة بديلا للمواد الطبيعية التي كنا نظن أنها تحكم اقتصاديات العالم.. بل.. إنها تدخل في تغيير المواصفات البيولوجية للإنسان، وتهجم على ما أسماه علماء من الغرب "خلق خلية حية أو كأس حي"، وهو ما ينكره الدين. وتنقصه كلمة السر "الروح".

فريق ثالث يربط التقدم بالاقتصاد.. بالبناء المادي وليس بالإنسان، بمقدار ما تتسع الثروة تزيد القدرة على امتلاك ناصية التقدم.

المداخل للتقدم كثيرة ومتنوعة.. وأحدها - بالضرورة - لا بد أن يمس دائرة الطفل، فهو البداية، وهو المستقبل.

.. العرب يتقدمون

وقد كان الطفل موضع انتباه دائم، حتى أن الأدبيات العربية القديمة كانت تتحدث عن كيفية صناعة طفل أكثر شجاعة، أو أكثر بلاغة، أو أكثر إخلاصا وإيثارا للذات.

والطفل هو الكائن الأضعف، لذا فهو يلقى رعاية أكثر.. و..مع ذلك، وكما تقول تقارير دولية عديدة إنه وفي الربع الأخير من القرن العشرين.. طفل بائس، مهدد، جائع مشرد، يلقى عسف المعاملة عند الهجرة، كما يلقى حتفه عند الحرب.

في دائرة واحدة هي دائرة الحرب يقول تقرير (وضع الأطفال في العالم عام 1996) والذي أصدرته منظمة الطفولة التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف): إن النزاعات المسلحة تمزق اليوم أكثر من خمسين بلدا.. والبعض منها قد مر عليه بضعة عقود وهو يحارب.. الحرب في أفغانستان أتمت سبعة عشر عاما.. وفي سريلانكا: (11) عاما.. وفي الصومال سبعة أعوام، أما في أنجولا، وفي وقت كتابة التقرير (نهاية 95) فقد أتمت الحرب فيها الثلاثين عاما.

يقول التقرير إن السمة الوحيدة التي تتميز بها حروب اليوم هي أن الأطفال هم الأشد معاناة بسببها.. ففي العقد الماضي تم قتل مليوني طفل، وأصيب بإعاقات عدد يتراوح بين (4 - 5) ملايين طفل، وتشرد اثنا عشر مليونا آخرون.. وعانى مليون طفل بعد أن أصبحوا من اليتامى.. بينما عانى عشرة ملايين الآثار النفسية للحرب.

ويتحدث التقرير عن تجنيد الأطفال (تحت سن 16 سنة) في الأعمال القتالية.. كما يتحدث عن نقص الغذاء والأدوية في فترات القتال حتى أن عدد ضحايا الجوع في إفريقيا يفوق عدد الذين يموتون بالأسلحة النارية في الحروب.. بعشرين ضعفا!

والعرب لا يخرجون بعيدا عن هذه الدائرة.. فإذا كانت الحروب إحدى الكوارث التي يعانيها الأطفال، فها هي الحرب - وطيلة العقد الماضي - قد شملت: الكويت، العراق، لبنان، اليمن، الصومال، فلسطين، السودان.

العرب ليسوا استثناء.. و.. مع ذلك فإن الأرقام حول حالة الطفولة تشير لتقدم هو الأكثر في العالم كله!

يقول التقرير السابق إن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا قد استطاعت تخفيض وفيات الأطفال بسرعة تفوق أية منطقة أخرى في العالم النامي. كان ربع الأطفال العرب يموتون قبل سن الخامسة في عام.. 1960 فانخفض الرقم إلى 7% فقط عام 1993.

في نفس الفترة حدث تقدم في منطقة أخرى هي جنوب آسيا، حيث يعاني الأطفال الفقر.. وحيث كانت نسبة الوفاة في عام 1960 هي ذات النسبة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، أي أن طفلا من بين كل أربعة أطفال كان يتوفى قبل الخامسة.. و.. في عام (1993) اختلف المعدل فأصبح طفلا واحدا من كل ثمانية أطفال.. مقابل طفل واحد من بين كل 14 طفلا عربيا.

العرب هم الأكثر تقدما في مجال صحة الطفل والحفاظ عليه.. والمؤشرات بعد ذلك كثيرة.

.. مؤشرات أخرى

الحياة والموت ليسا كل شيء، فهناك فرص الصحة، والتعليم، والترفيه، وخروج البنات للحياة العامة.

و.. وفقا لأرقام المنظمة الدولية فقد زادت معدلات الالتحاق بالمدارس الابتدائية على الضعف بين عامي (1970) و(1990)، وارتفعت معدلات التحاق البنات بالمدارس الابتدائية على (28%) عام.. 1960 إلى (70%) عام 1990.

صحيح أن نسبة الأمية مازالت أعلى بين النساء.. لكن الجيل القادم، والذي تمثل الطفولة نواته الأولى.. سوف يكون شيئا آخر. بطبيعة الحال سوف يثار السؤال: كيف حدث هذا التقدم، والذي شمل ضمن ما شمل ارتفاع متوسط العمر المتوقع للطفل عند مولده حتى تخطى السبعين في بعض البلدان الخليجية كالكويت وتخطى الستين في بلدان أخرى مثل مصر؟

كيف؟

ذلك هو السؤال الذي تجيب عنه عدة عوامل اقتصادية، واجتماعية، وعلمية طبية.

المنطقة في مجملها تعاني الفقر، والفقر أكثر وضوحا في البلدان كثيفة السكان حيث توزع الموارد الطبيعية توزيعا عكسيا خص البلدان قليلة السكان بقسط أكبر، والبلاد كثيفة السكان بقسط أقل.

الفقر هو السائد، ومع ذلك فإنه باستثناء حالات مثل الصومال وموريتانيا فإن كل البلدان، وبدرجات مختلفة، تشهد نوعا من التقدم الاقتصادي.. ونموا في متوسط دخل الفرد، ومستوى معيشته.

العالم يتقدم، ونحن معه.. ليس على جبهة الاقتصاد فقط.. ولكن على جبهة العلم والطب أيضا، وهذا هو العامل الثاني من العوامل التي أدت لتقليل وفيات الأطفال.

لقد تم في نصف القرن الأخير الكثير من التطورات الطبية والاكتشافات التي أدت لاختفاء بعض الأمراض، ومحاصرة أمراض أخرى.. حتى أن نصف العالم الغربي قد تم إعلانه منذ سنوات كمنطقة خالية من شلل الأطفال.

أيضا، فإن هناك أمراضا قليلة الشأن، شديدة الخطر كانت تقضي على الأطفال في سنواتهم الأولى مثل الجفاف.. و.. حين جرى اكتشاف ما يقضي عليه تعدلت نسب الوفاة بشكل جذري.

هناك إذن معدل مرتفع لمؤشرات الصحة، وربما - كما تقول "اليونيسيف" - معدل قياسي في المنطقة العربية.

الأطفال يموتون أقل..
والإنسان يعيش لسنوات أطول.

لكن السؤال: ما هي أحوال هذا الإنسان عندما يعيش، وعندما يطول به العيش؟

أي نوع من الحياة المادية والمعنوية يلقاها؟

والسؤال يحتاج إلى بحث آخر بعيدا عن الطفولة.

وإن كان الأكيد أن هدف المنظمات الدولية من أجل "طفل سعيد عام 2000".. لن يتحقق على الأرض العربية.

أليس كذلك؟!

 

محمود المراغي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات