ثلاثون رجلًا يواجهون الموت (قصة قصيرة)

ثلاثون رجلًا يواجهون الموت (قصة قصيرة)

اندفع عدد من الرجال خارج بيوتهم. استندوا إلى الجدران الجانبية للبيوت، وأخذوا يتقيأون. أحصاهم رجل كان يمر مصادفة وتوقف، وجد عددهم يقترب من الثلاثين. صف طويل من البيوت على جانب الحارة، ونسوة يصرخن ويلطمن الوجوه. قال الرجل: هو السماد الكيماوي. سقطوا سهوًا على العيش أو أي طعام آخر. هز رأسه مؤكدًا ما يقول ومضى. الرجال الثلاثون المستندون إلى الجدار يعتصرون بطونهم ويتأوهون، وكثير من القطط وقفت بالقرب منهم تهز ذيولها وتنظر.

قالت امرأة رجل من المرضى:
المستشفى مافيش غيره.

واندفعت ثلاث نسوة يقترضن الحمير من البيوت بامتداد الحارة جمعوا أكثر من ثلاثين حمارًا. انتقوا القوي منها الذي يشبه «البغل» وردوا الباقي. تأكدن من ثبات البرادع فوقها، وحملن الرجال المرضى، ووضعنهم عليها. تدلت سيقان وأذرع المرضى من الجانبين، وكان القيء يسيل من أفواههم.

اكتشفت امرأة أن رجلها من غير سروال، صاحت بالرجال أن ينتظروا. جرت إلى داخل البيت وعادت بسروال نظيف، ساعدها الرجال في إدخاله بين ساقيه. تحركت الحمير في طابور مزدوج، يهرول على جانبيه رجلان يحمل كل منهما عصًا صغيرة ويمنعونها من الاحتكاك بالجدران. المستشفى خارج البلدة. ما إن وصلوا حتى أخلى الممرضون عنبرًا واسعًا، ونقلوا المرضى به إلى عنابر أخرى.

حملوا المرضى القادمين على نقالات، شطفوا أفواههم وخلعوا جلابيبهم المتسخة. وأخذوهم في طابور إلى دورة المياه وغسلوا معداتهم وأرقدوهم في السرير.

النسوة في الحارة لم يصبرن. يذهبن ويأتين أمام البيوت. قالت واحدة منهن:

يعني نسيبهم وحدهم؟

وحانعمل إيه؟

نبص عليهم.

ويسمحوا لنا في المستشفى؟

ليه لأ.

جلابيبهن مهلهلة، وأقدامهن حافية. قالت امرأة وقد خمنت ما يدور في رؤوسهن:

احنا في زنقة.

هي وصلت إننا نستلف الهدوم؟

وفيها إيه. الناس لبعض.

تطوعت امرأتان للمرور على بيوت الحارة. عادتا بكومة من الجلابيب. تجمعن في بيت واحدة منهن. تنتقي كل امرأة ما يناسبها.

قالت امرأة: ونروح حافيين؟

لأ. شكلها وحش.

هرعت المرأتان اللتان تطوعتا من قبل لجمع الجلابيب إلى البيوت وعادتا ترافقهما نسوة أخريات يحملن شيكارتين ممتلئتين بالشباشب. وأخذت كل امرأة الشبشب الذي يناسب مقاسها.

قالت امرأة: ونروح ماشيين؟

والسكة طويلة.

اندفعت أربعة منهن إلى الحواري المجاورة، يستلفن ثلاثين حمارًا. وانطلقن في طابور مزدوج وسيقانهن تتشبث بالبرادع. وصلن إلى المستشفى، ووقفن مترددات بمدخل العنبر الواسع، وأحكمن الطرحة حول رؤوسهن.

وقفت كل منهن أمام سرير رجلها يبكين في صمت. وجوههن شاحبة وأنفاسهن لاهثة.

جلسن على حافة السرير يخفضن عرقهن بفوط وجدنها بجوار رؤوسهم.

وهدأ العنبر أخيرًا.

----------------------------------
* كاتب من مصر.

 

محمد البساطي*