في صحة النوم ثلث الحياة محمد يوسف علوان

في صحة النوم ثلث الحياة

لأن النوم مهم بقدر أهمية اليقظة, لأن بين جوانحه, إن صح تصح يقظتنا, فلابد لنا من زيارات متكررة لدهاليز النوم, نكتشف بعض أسراره التي لم يفضها العلم إلا حديثا, ونلتمس العافية في هذا العالم الذي نغلف عليه أجفاننا.

لأنك تنام ثماني ساعات في اليوم, فأنت اذاً تنام ثلث عمرك!, صحيح أن هناك قليلا من الناس ينامون ساعات قليله (كان نابليون ينام ساعتين في الليلة), لكن في المقابل فإن بعض الناس ينامون أيضاعشر ساعات كاملة (كان العالم ألبرت أينشتاين يتمتع بتلك الساعات العشر). لكن السؤال هو: كيف ننام? هل نحن ننام لأننا تعبنا, وما النظام البشري الذي ننام من خلاله?

ساعة لضبط النوم!

البشر جزء من الطبيعة, وكما أن الطبيعة تنام ليلا, وتستيقظ في الفجر, ثم تعود الدورة لتبدأ من جديد فقد خلق الإنسان لينام ليلا ويستيقظ نهارا, ولم يدرك البشر تلك العلاقة الدورية الا أخيرًا, حيث اكتشف أن إيقاعا دائريًا أو دوريًا circadian rhythm يحكم نشاط الإنسان من يقظة ونوم, بل ومن مختلف النشاطات الفسيولوجية الحيوية, وهوتعبير مستمد من الكلمه اللاتينية التي تعني(حولcirca اليوم dies). وفي الثدييات فقد وجد أن هذه الساعة تقع أعلى التصالب البصري (Chiasma opticum) في منطقة تحت المهاد (hypothalamus) وتتركز خلاياه في نواة تسمى نواة ما فوق التصالب (Suprachiasmmatic nucleus SCN) وتدمير هذا المركز في الكائنات الحية يفقد الكائن التحكم كليا في النوم, وهو مركز متواصل بالشبكية عبر ألياف عصبية خاصة, كما يتواصل بالجسم الصنوبري Pineal body لكي يفرز مادة الميلاتونين حين يغيب الضوء في الليل. وهي المادة التي تساعد على النوم وتصل للذروة أثناء الليل.

نحن إذًا أسرى لهذا التأثير الطبيعي للضوء, إنه العلامة التي نضبط بها ساعاتنا الداخلية لنقوم بوظائفنا الحيوية (ويكفي الكائن الحي منها حوالي من 15 إلى 60 دقيقة فقط لكي يتم شحن ساعته طوال اليوم). هناك دلائل كثيرة تؤكد وجود هذا الإيقاع الدوري في خلايا كثيرة داخل الجسم بعيدا عن سيطرة هذه الساعة المركزية أو الساعة الأم (Master clock). فخلايا الكبد تنظم ذاتها مثلا مستجيبة للطعام أكثر من الضوء, كما أن هناك الكثير من الخلايا تتبع الإيقاع الحر(Free running). ولو استطاع شخص ما أن يبتعد عن الأحساس بالزمن وألا يدرك إن كان الوقت ليلا أو نهارا, فإن ساعته الداخلية تقوم بوظائفها في الأغلب معتمدة على أقل كمية من الضوء والصوت وفي غياب أي معلومات عن الزمن يظهر عندنا إيقاع دوري حر الجريان (Free running).

وقامت العالمة البريطانية ماري لوبان بتجربة متميزة, إذ ذهبت إلى النرويج لتدرس اليوم القطبي (حيث لا ليل ولا نهار) وأجرت تجاربها على مجموعتين من البشر, بعد أن قامت بتغيير سري في ساعات أيديهم (بحيث تجري أسرع من المعتاد في المجموعة الأولي وأبطأ من المعتاد في المجموعة الثانية) وقد تغير إيقاع النوم في المجموعتين, ففي المجموعة الأولى تبدل إيقاع النوم إلى إيقاع ليوم من واحد وعشرين ساعة بينما كان الإيقاع في المجموعة الثانية قد تغير ليوم من سبع وعشرين ساعة! (أي أن الساعة الداخلية للبشر تعيد ضبط نفسها, حسب كمية الضوء, لكي تتحكم في طول اليوم!) لكن الوظائف الحيوية الأخرى لم تنخدع, فقد ظلت الوظائف الأخرى تحتفظ بتركيزاتها ليوم من أربع وعشرين ساعة. ولعل هذا التغير في التوقيت هو الذي يدفع بالفرق الرياضية المسافرة من دولة إلى دولة أخرى ومراعاة أن تكيف ساعاتها الداخلية وأن تدرك أن هذا التكيف يستلزم وقتا حتى تعود الوظائف إلى طبيعتها.

نوم الأحلام

اكتشف العالم (يوجين آزرنسكي( أن للعين حركات سريعة عندما يكون الإنسان قد استسلم للنوم لفترات طويلة وأسماها(نوم الحركات السريعة للعين), العيون تتحرك إذًا خلف الجفون. فعند ابتداء النوم تحدث حركات دوران بطيئه للعينين, يليها نوم الحركات السريعة للعينين وذلك مع صعود سلالم النوم. وفي خلال تلك الفترة تتركز أحلامنا.

كم من الوقت ننام?

من المعروف أن الخفافيش تنام عشرين ساعة يوميا, وكذلك يتمتع القنفذ بسبع عشرة ساعة بينما تنام الزرافة ساعتين, أما الخيول والأبقار فإنها تنام من 3-4 ساعات في المتوسط, وقد تنام الأبقار والخيول والماعز واقفة, (وهو نوم جزئي لا يحتوي على النوم ذي الحركات السريعة للعينين). وبشكل عام تقل فترة النوم كلما ازداد حجم الحيوان. يبقى أن يدرك كل منا أن ساعات من نومه يجب ألا تكون كالآخرين, فإذا كنت تنهض من نومك نشيطا ولا تعاني أي تعب بعد خمس ساعات من النوم فأنت طبيعي تماما وبالتالي يجب ألا تقلق, أو تبحث عن حل لزيادة ساعات نومك. وهناك أبحاث مثيرة عن طول فترة النوم وعلاقته بالصحه, إذ أجرى الطبيب الأمريكي دان كريبكه بحثا على مليون شخص في دراسة لجمعية السرطان الأمريكية في سنتي 1959-1960 وكان من عناصر هذا البحث بالصدفة أسئلة عن طول فترة النوم, وعن اضطرابات النوم, وبعد مرور سنوات ست, تمت متابعة الحالات لمعرفة أسباب الوفاة ومعدل الوفيات, وكانت النتيجة الغريبة أن معدل الوفيات كان يزيد مع زيادة عدد ساعات النوم(وكذلك مع نقص عدد ساعات النوم) عن المتوسط العام من 7-8 ساعات في اليوم. وكان أدنى معدل للوفيات عند من ينامون 7-8 ساعات في اليوم. وكان معدل الوفاة أكثر بمرتين ونصف المرة عند من ينامون أقل من أربع ساعات, كما كان معدل الوفيات هو الضعف تقريبا عند من ينامون أكثر من عشر ساعات. وإن كان من المهم ألا نغفل المشاكل التي تؤثر في النوم بشكل مباشر, فهناك الكثير من الضغوط النفسية والعضوية التي تؤثر في النوم.التوسط كان هو الأفضل.

سلالم النوم

كان هانز برجر من رواد تجارب النوم في ألمانيا في العشرينيات من القرن العشرين, حيث اكتشف تموجات المخ المنتظمة التي تتألف من عشر دورات في الثانية وتعرف بموجات ألفا. ويتم الآن تسجيل رسم ثلاثي في دراسات النوم: الأول س ك م ((EEG ويسجل التموجات الكهربية للمخ, وأما س ك ع EOGفهو سجل للتيارات الكهربية الصادرة عن حركات العين , وأما س ك ضEMG فهو سجل للتيارات الكهربية الصادرة عن التوتر العضلي. ويتغير إيقاع ألفا السائدعند اليقظة الي تموجات أصغر وأسرع ثم مع صعود سلالم النوم تتحول إلى تموجات أكبر. هناك إذًا مراحل عدة متتالية للنوم:

المرحلة الأولى للنوم: وهي الفترة التي تعد بوابة النوم أو بدايةالنعاس Drowsy sleep حيث يفقد الشخص وعيه بالمحيط وتختفي موجات اليقظة ألفا. كما يبدأ تناقص التوتر العضلي بالتدريج

المرحلة الثانية: وفيها تظهر مغازل جديدة للنوم وتشمل هذه المرحلة من 45-50% من مدة النوم الكلية. ويتناقص التوتر العضلي. ويختفي الوعي بالمحيط.

المرحلة الثالثة : وهي مرحلة انتقالية للرابعة وفيها تظهر موجات دلتا وتشغل من 3-8%

المرحلة الرابعه: وتشمل من 10-15%من مدة النوم الكلية وهي أكثر الحالات عمقا ويصعب فيها إيقاظ الشخص من نومه. نوم دلتا الحقيقي. وتمثل المراحل الأربعة السابقة من 75-80% من زمن النوم.

المرحلة الخامسة: وهي مرحلة النوم السريع للعينين والمرتبطة بالأحلام وتزداد في الثلث الأخير من النوم وتمثل المرحلة الخامسة حوالي الـ20% الباقية من زمن النوم.

- أي أن هناك مرحلتين أوليتين يكون النوم خلالهما خفيفاً وتبدآن مع بداية النوم. ثم تبدأ مرحلة ثالثة ورابعة: مرحلتا النوم العميق, وهما المرحلتان الأهم لاستعادة الجسم لحيويته, ونقص هاتين المرحلتين من النوم ينتج عنه نوم خفيف ويصاب صاحبه بالتعب

- وبعد حوالي التسعين دقيقة تبدأ مرحلة الأحلام (مرحلة نوم حركة العينين السريعة REMS), وتحدث الأحلام خلال هذه المرحلة, وهي مرحلة مهمة لاستعادة الذهن لنشاطه. والمرور بجميع مراحل النوم الخمسة يعرف بدورة نوم كاملة.

وخلال نوم الإنسان الطبيعي (6-8 ساعات) يمر الإنسان بحوالي 4-6 دورات نوم كاملات كل منها يستغرق حوالي تسعين دقيقة أي أن مراحل النوم تمر بسلالم رباعية من نوم دون حركات العين السريعة يكون مسطحا في مرحلتين ثم عميقا في الثالثة والرابعة يليهاسلم أحادي من حركة العين السريعة, ويلاحظ أن النوم العميق يحدث فقط في الدورتين الأولى والثانية, و زيادة فترة نوم الحركات السريعة للعين في النصف الثاني من الليل هو أمر شائع بالنسبة لأغلب البشر. وعندما يصل الرجل الى سن الخمسين والمرأة للستين فإن نسبة النوم العميق تتضاءل وربما تختفي تماما. لذلك فأنت تلحظ أن كبار السن على الرغم من نومهم لفترات قد تتساوى مع الصغار فإنهم لا ينعمون بنوم عميق ويحتاجون إلى فترة القيلولة دائما لتعزيز شعورهم بالراحة. وأثبتت الدراسات التي أجريت علي الحرمان من النوم النشط (نوم الحركات السريعة للعينين)أنه نوم مهم للبشر وخاصة أثناء فترات النمو (ماركس 1995) وأثبتت الدراسات أن حدوث ذلك في مراحل الحياة الأولى يحدث اضطرابا هائلا في السلوك, وضمور في حجم المخ. (ميرميران 1983). كما يحدث هذا موتا لعدد كبير من الموصلات العصبية (دانتيللي 20004).

وقد يطرأ سؤال حول هل من الممكن أن ندرب أنفسنا على تخفيض عدد ساعات نومنا? ففي عام 1999 قام علماء في جامعة شيكاغو بقيادة أيف فان كوتر بتجربة على مجموعة صغيرة من الشباب بجعلهم ينامون لأربع ساعات فقط لمدة ستة عشر يوما. وكانت النتيجة زيادة في نسبة السكر تشبه ما يحدث للمرضي في المراحل التي تسبق مرض السكر, كما وجد ارتفاع في هرمون الكورتيزون, ونقص في مادة اللبتين وهي من المواد الحيوية في الجسم. كما ازداد معدل السمنة. وفي دراسة لجامعة بطرسبورج-كلية الطب عام 1980 ثبت أن ضعف النوم والحرمان منه عند كبار السن يؤدي إلى الوفاة المبكرة. وفي جامعة هارفارد أثبت باحثون علاقة بين الحرمان من النوم وبعض الأمراض مثل ارتفاع ضغط الدم والأزمات القلبية وحتى نسب حدوث الأورام السرطانية. فالذين لا ينامون جيدا يفرز في أجسامهم هرمونات ترفع الضغط الدموي والسكر وكذلك تزيد العمليات التي تؤدي الى التهابات في جدران الأوعية الدموية الدقيقة, هي أمور تؤدي بالضرورة لارتفاع جديد في ضغط الدم. والعمال الذين يعملون ليلا ويتعرضون للضوء ينقص في أجسامهم هرمون الميلاتونين الذي يساعد على النوم ويقاوم السرطان. وقد أجاب عن السؤال نفسه فريق عمل من الباحثين في أمريكا (لآفرن جونسون حيث استطاع أن يغير متوسط ساعات نوم عدد من الأشخاص حوالي أكثر من ساعة يوميا-, ربما كانت مفيدة لبعض الناس, إلا أن الأمر يحتاج في العادة الى تدرج بطيء (نصف ساعة يمكن اكتسابها كل عشرين يوما!).

وقد يكون من المدهش أن نعلم أن حرمان بعض مرضى الاكتئاب من النوم يفيدهم في العلاج من المرض, (إذ ثبت أن المريض الذي يمكن إيقاظه طوال الليل في نشاط مناسب لحالته من قراءة مثلا أو مشاهدة للتلفاز أو قضاء وقت ممتع مع الأصدقاء, تتحسن حالته ببلوغ الساعات الأولى من صباح اليوم التالي. وقد تظل حالته جيدة ليوم كامل أو أكثر!). إلا أن الحرمان الشديدمن النوم يؤدي إلى نقص المناعة وعدم التحكم في درجة حرارة الجسم, وزيادة ضغطه وتدهور حالته الصحية بشكل عام.

كيف تجعل نومك أسهل?

1- لأن الدراسات أثبتت وجود مسارات خاصة بالضوء (منفصلة عن تلك الخاصة بالرؤية) لكي يدرك مخ الإنسان إن كان الوقت ليلا أو نهارا, ولكي تشعر إذًا برغبة في النوم يجب أن تخفض من تلك الرسائل الضوئية, بإطفاء الأضواء أو استعمال الستائر المناسبة. -احترم ساعتك الداخلية, بأن تجعل لنفسك موعدا منتظما تخلد فيه للنوم.

2- الجلوس قبل النوم بنصف ساعة بعيدا عن أي عمل أو أجهزة كمبيوتر, أو أي أعمال مثيرة. أي الاسترخاء.

3- إذا لم تشعر برغبة في النوم خلال نصف ساعة عليك بالنهوض وعمل أي مجهود خفيف.

4- لا تستعمل الفراش لغير النوم لكي يرتبط الفراش بالنوم فقط.

5- تجنب المنبهات مثل القهوة والشاي والكافيين.

6- تجنب الوجبات الثقيلة في المساء.

7- تجنب المجهود العضلي العنيف لأربع ساعات قبل النوم. وكذلك الضغوط النفسية الشديدة.

وثبتْ تَستقربُ النجم مجالا وتهادتْ تسحبُ الذيلَ اختيالا
وحِيالي غادةٌ تلعب في شعرها المائجِ غُنجًا ودلالا
طلعةٌ ريّا وشيءٌ باهرٌ أجمالٌ ? جَلَّ أن يسمى جمالا
فتبسمتُ لها فابتسمتْ وأجالتْ فيَّ ألحاظًا كُسالى


(عمر أبو ريشة)

 

محمد يوسف علوان 





الإنسان منذ ولادته في حاجة إلى كمية كافية للنوم لا تقل من خمس إلى ثماني ساعات. وتقول الدراسات إن معدل الوفاة يزداد كلما قلت فترة النوم





تقل مرحلة النوم العميق كلما تقدم الإنسان في العمر




a