العملة العربية الموحدة حلم له واقع مجيد الشرع

العملة العربية الموحدة حلم له واقع

إنه حلم عربي مشروع مهما طال به الأمد.. وهو أمل اقتصادي يجب أن نسعى إليه مهما باعدت بيننا الاختلافات السياسية.

العملة وجمعها عملات لها معنيان من وجهة نظر اقتصادية هما:

المعنى الخاص: ونقصد به وحدة النقد المتداولة في بلد معين مثل الدولار واليورو والدينار والدرهم.

المعنى العام: وهو ما يتعلق بأحكام النقود فإذا ماقلنا عملة نعني بها النقد.

وأي معنى اتخذناه مرشدا للتفسير يصب في صلب الموضوع الذي نحن بصدده.

وتعد النقود من وجهة نظر اقتصادية ومحاسبية معيارا ومقياسا لقيم السلع والخدمات يعبر عنها بوحدات نقدية Coins أما إذا نظرنا إلى النوع فهي عملة Currency.

ومن خلال ذلك لعبت العملة دورا رائدا في التبادل وتسوية الصفقات ومازالت لها أهميتها حاضرا ومستقبلا، وقد سعت الدول إلى أن تكون عملتها ذات شأن ولكن الجانب الاقتصادي والعامل السياسي يحدان من هذا الحلم.

والعملة العربية محل الحلم تتميز عن العملات ألأخرى بأن لها تاريخا مجيدا مهد لها سهولة التوحيد، حيث اهتم علماء المسلمين في وظيفة النقود فمثلا يقول الغزالي (حجة الإسلام محمد الطوسي) في كتابه إحياء الدين الجزء الرابع ص91: «إن الله تعالى خلق الدراهم والدنانير حاكمين بين سائر ألأموال حتى تقدر بهما الأموال».وقد أرخ القرآن الكريم للنقود باعتبارها أداة للتبادل وشخص ماهيتها بقوله تعالى:

وشروه بثمن بخس دراهم معدودة.

ويستفاد من هذه أن الدراهم وحدة نقدية لها صفة التبادل وأشار إلى كيفية التعامل بها على أساس العدد.

كما أشار القرآن الكريم إلى لفظة الدينار في دلالة بأنه أكبر من الدرهم حيث قوله تعالى:

ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا مادمت عليه قائما.

العبادات المالية

وفي التفاتة كريمة يتدرج بنا القرآن الكريم إلى ما يهم الناس في تبادل الصفقات بينهم فيذكر لنا على أساس التصريح وليس التلميح أن هذه العملات النقدية - يعني الدرهم والدينار - لابد أن يكون لهما منشأ للسك أو بمعنى آخر المكون ألأصلي لهما، فأشار إلى الذهب والفضة فيترتب على ذلك أن يكون الدينار مرجعه إلى الذهب والدرهم مرجعه إلى الفضة. وقد فصلت كتب الفقه القيم المختلفة للدينار والدرهم في باب العبادات المالية - التي لسنا بصددها-، ولكن القصد من ذلك أن يكون الذهب والفضة غطاءين نقديين يبعثان على الثقة وطمأنة المتعاملين وهو ما يتماشى مع النظريات الحديثة لمعنى الاحتياطي النقدي.

ويعزز ما ذهبنا إليه قول أبي حيان التوحيدي في كتابه (البحر المحيط ج5 ص412): «أنه من حصل على الذهب والفضة يمكنه الحصول على سائر الأموال وبالتالي يمكنه الحصول على كل حاجاته».

ولعل هذا القول يذكرني بقول في اللغة الإنجليزية لا أتذكر مصدره:

«If you have money you have every thing»

كما أن القرآن الكريم، وتأكيدا على أهمية الذهب والفضة من حيث الوظيفة النقدية التبادلية، أشار في الآيتين الكريمتين الآتيتين إلى هذا المعنى:

إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به .

زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة ومن خلال الدلالات المشار إليها يظهر جليا أن العملة العربية كان لها واقع من التوحيد، وقد قطعت شوطا في هذا المجال. ويروي لنا التاريخ أن هذا التوحيد بصورته الفاعلة تم في عهد الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان حيث أسس دارا لضرب العملة الموحدة سنة (76) للهجرة خالية من الرموز ألأجنبية التي كانت سائدة وسماها دراهم وهي من الفضة وجعل على أحد وجهيها سورة الإخلاص «سورة التوحيد» وكانت تزن (6) دوانق والدانق سدس الدرهم وهي لفظة فارسية (كما ورد ذلك في القاموس المحيط للفيروزبادي -باب القاف - فصل الدال).

كما أمر هذا الخليفة ومن باب التقيد بهذه العملة والرقابة عليها بمعاقبة من يخالف ذلك خارج دار الضرب المعتمدة.

وقد استمرت العملة الموحدة بالمواصفات التي اشرنا إليها طيلة العهد الأموي، وبداية العهد العباسي إلا أن العهد الأخير أبدل بسورة ألإخلاص سورًا أخرى:

قل لا أسألكم عليه أجرًا إلا المودة في القربى.

واستمرت العملة الموحدة في العهد العثماني ولكن أبدلت بعملة ورقية وكانت تسمى «القائمة» وتدوولت لمدة (23) عاما وتعرضت لهزات في الثقة ثم عاد العمل بها.

إن التنظير الذي أسلفناه يؤسس إلى عودة حميدة لواقع الجهود التي بذلت لوحدة النقد العربية، وأن نستلهم منها الهمم في تعضيد التكامل الاقتصادي للدول العربية التي باتت تترنح في مسيرتها الاقتصادية، رغم المقومات السليمة لاقتصاد متكامل، ولعل ما يشير إلى التفاؤل الحذر مبادرات دول الخليج العربي في السعي لتوحيد عملتها وأن يكون لها كيان سياسي واقتصادي على غرار الاتحاد الأوربي الذي أدرك هيمنة الدولار فأبدل بتلك الهيمنة اليورو الذي تخطى العقبات وتجاوزها بأن يحقق مكانة مرموقة للعملة الأوربية الموحدة.

ولعل قمة المنامة التي عقدت في نهاية - ديسمبر - 2000 رأت أهمية اختصار المراحل الزمنية وخاصة بإقامة سوق خليجية مشتركة مما يعني تعزيز النظرة لعملة موحدة تشكل أهم أركان السوق المقترحة حيث أقر المسئولون في هذه الدول نتيجة للاجتماعات اللاحقة بأن إصدار العملة الموحدة سيكون في سنة 2010 ولكن هذا الحلم الذي جسده واقع ملموس كما أسلفنا تحدده متطلبات العصر التي تفرض أطرها في ظل تقنية المعلومات والتي يمكن تلخيصها بما يلي:

1- تقريب السياسات المالية والنقدية في هذه الدول.
2- توحيد سعر الفائدة والخصم في إطار سياسة مصرفية موحدة.
3- إنشاء بنك مركزي خليجي موحد يعني بالرقابة والسيطرة على العملة الموحدة.

بالإضافة إلى ما ذكر سابقًا فإن أهمية الغطاء الذي يمكن تبنيه للعملة الموعودة هو أمر لا يمكن تجاهله وهل يبقى الارتباط بالدولار كما هو عليه الآن في دول الخليج مصدرًا لهذا الغطاء؟ أم يمكن التفكير بتحرير العملة الموحدة من هذا الغطاء وإيجاد غطاء مناسب حسب مستجدات الأوضاع، مثل العودة للذهب أو اعتبار النفط العربي كغطاء جديد للعملة المرتقب، باعتبار هذا النفط يشكل معدنا لا يقل أهمية عن الذهب ويؤهله لهذا المنصب الاحتياطيات الضخمة التي تملكها الدول العربية.

إن التوقعات الاقتصادية المنظورة للحلم الذي نحن بصدده تولد فوائد جمة من العملة الموحدة كما يقول أحد الباحثين (الدكتور جواد العناني - جريدة الحياة 8 / 5 / 2006) ومنها ما يلي:

1 - تقليل الحاجة إلى الاحتفاظ بمبالغ كبيرة من احتياطيات العملات الأجنبية.
2 - تحقيق أرباح وفيرة ناجمة عن الفرق بين قيمة العملة الجديدة وكلفة طباعتها، خصوصا إذا تمكنت الدول المعنية من إقناع الكثيرين بالاحتفاظ بتلك العملة لأغراض التداول والادخار خارج منطقة الخليج.
3 - ستصبح دول الخليج كتلة اقتصادية ذات وزن في العالم.

كما أن موضوع تسمية العملة الموحدة له شأن آخر. ولعل المقترح الذي نرتئيه أن يكون الدينار وأجزاؤه الدراهم هي محل اعتبار، لأنه يحقق الحلم الذي كان له واقع وفق أسس مدروسة.

 

مجيد الشرع