نحن واليابان أحمد عبد السلام

نحن واليابان

قرأت بإعجاب مقال رئيس التحرير د. سليمان إبراهيم العسكري «نحن واليابان.. نظرة عربية جديدة إلى الشرق» المنشور في عدد فبراير 2008، وأتفق معكم على فائدة التعاون مع هذا البلد العملاق في مجال التعليم. غير أن هذا التعاون يحتاج إلي تجاوز عقبة ضخمة اسمها اللغة اليابانية. فالتمكن من هذه اللغة بشكل كافٍ يحتاج إلى الانتظام في الدراسة لسنوات عديدة، ولا يكفي التزود باللغة الانجليزية وحدها. وتشكل صعوبة اللغة اليابانية مشكلة لأصحابها أنفسهم، وتقف خلف ضعف صادراتهم الثقافية والعلمية على الرغم من وفرة الأسماء العظيمة عندهم في كل مجالات الثقافة والعلم. ولهذا فاليابان، كما يقول المفكر «الفن توفلر»: «متخلفة عن الولايات المتحدة في أهم مجال من مجالات التنافس على السلطة والقوة، أي مجال إنتاج ونشر الأفكار والمعلومات والصور الانطباعية».

وتعاني بلاد الشمس المشرقة، قلة الوافدين إليها للدراسة مقارنة بأعداد من يغادرونها للدراسة في الغرب. ولهذا فالاتجاه نحو اليابان يستلزم وجود خطة متكاملة، تعنى أولا بإدخال اللغة اليابانية إلى نظم التعليم العربية، وهذا سيؤدي إلى جعل الدراسة في اليابان منافسة للدراسة في الدول الناطقة بالانجليزية أو الفرنسية، كما سيفيد في تعميق العلاقات الثنائية ويمد جسور فهم الآخر بين العرب واليابانيين على السواء. وسيسعد هذا اليابانيين بالتأكيد، وسيؤكد جدية العرب في الحصول على مساعداتهم الثقافية والعلمية. وليس سرًا أن هناك جدلًا كبيرًا يدور بين الصفوة في اليابان بشأن الدور المفترض الذي يمكن أن يلعبه بلدهم على المستوى العالمي. وتقترح أكثرية تلك الأصوات بأن تركز اليابان على مد تأثيرها الثقافي والعلمي إلى الدول النامية أينما كانت، كما ذكر توفلر.

وبالطبع ليس لنا هنا إلا أن نذكر بأن الاستفادة من العلم الياباني يجب أن تكون انتقائية، وذلك بالتركيز على المجالات التي تتفوق فيها اليابان، مثل الشرائح الإلكترونية والتقنيات الآلية والإنسان الآلي. أما فيما عدا ذلك، فيفتقر نظام التعليم الياباني بشكل لا مجال لإنكاره إلى الجودة العالية التي تتمتع بها السلع الاستهلاكية اليابانية. وفي الواقع فإن هذه الاستراتيجية الانتقالية هي ذاتها التي استخدمتها اليابان لتتشرب العلوم والتقنيات التي تعوزها في فترة الإصلاحات الثورية للإمبراطور ميجي (1868)، والتي أثمرت الموقع الياباني الحالي على خارطة العالم والتاريخ. فقد أرسل الطلبة اليابانيون آنذاك إلى بلدان أوربية بعينها، ليدرسوا العلوم التي تتفوق فيها كل منها على غيرها. وهنا يمكننا أن نلخص ثنائية المعادلة التي مهدت طريق اليابان نحو المستقبل: الإرادة السياسية الصادقة والتخطيط المتكامل للوصول إلى الهدف المحدد جيدا.

أما ما يشدد على البعض، بخصوص الدور المركزي للعامل البشري في تجربة اليابان، أن أهمية الخصائص الفريدة لهذا الشعب، فأعتقد أنه أقل أهمية من أطراف معادلتنا السابقة. وحتي في هذا الجانب لدينا نحن العرب الكثير من الأوجه النفسية والفكرية المشتركة مع اليابانيين. فمن ناحية يتشابه تأثير إرثنا القبلي من نواحيه الاجتماعية والفكرية إلى حد بعيد مع الإرث الاقطاعي الذي يحتل مكانا حصينا في العقلية اليابانية حتى الآن. ولا ننسى الموقع الباهر الذي تصدره الشعر في الثقافتين العربية واليابانية. وإذا لم يكن هذا كافيا، فما بالك بالتعلق بالماضي والتقاليد الذي يتشارك فيه الاثنان. ورغم تشابه معاناة مفكري الشعبين من مرارة أحداث التاريخ السابقة، فإن الأمر لايصل إلى ذروته الدرامية إلا عند اليابانيين. وهذا ما وصفه جابرييل جارسيا ماركيز» ذات مرة في قوله: «الحقيقة أني لم أكن أعرف شيئا يقينيا عن الروائيين اليابانيين،. سوى أنهم سينتهون جميعهم، عاجلا أو آجلا، إلى الانتحار»

 

أحمد عبد السلام