الاستهلاك.. رهان من؟! أحمد محمد المؤذن

   الاستهلاك.. رهان من؟!

قرأت في مجلة العربي حديث الشهر - تأريخ النزعة الاستهلاكية، للدكتور سليمان إبراهيم العسكري في العدد 588 نوفمبر 2007م، وهذه مداخلة متواضعة أقول فيها:

إن أكثر ما يميزنا نحن البشر، رغباتنا اللانهائية في الحصول على السلع والخدمات في عصر لافت لم يعد يقدس قيمًا مثل «القناعة كنز لا يفنى»، فهوس الاستهلاك يطارد الإنسان المعاصر في مختلف القنوات الإعلامية ولم يترك وسيلة إلا وطرقها لكي يبلغ رسالته الملحّة والتي تبحث عن زبائن محتملين وتروج لهم الكذب الإعلامي المخادع بدءًا من كريمات إزالة التجاعيد إلى الأحزمة الرياضية التي تحارب الشحوم إلى آخر تلك المنتجات التي تطاردنا بلا هوادة!

النمط الاستهلاكي المعاصر يرتكز على مقولة «اشتر اليوم وادفع غدًا»، هذا الأسلوب العولمي القادم من ثقافة الغرب، يزج بنا في حمى الاستهلاك حتى دونما حاجة حقيقية إلى السلعة المستهدفة. فالشكر لك عزيزي الدكتور سليمان على إثارة هذا الموضوع المهم، حيث يحضرني الآن بهذا الشأن ما حصل في منتصف عام 2007م من تفجر أزمة الأحذية الصينية مع سوق الاتحاد الأوربي واتهام المجموعة الأوربية للماكينة الصينية العملاقة بإغراق أسواقها بالأحذية الرخيصة، وما تخلفه من أضرار اقتصادية يتكبدها الاقتصاد الأوربي.

هذا مثال بسيط على الحروب الاقتصادية التي تنشأ في عالم اليوم، جراء استشراء ثقافة الاستهلاك والصراع على الأسواق العالمية المتخمة بالسلع والبضائع، حيث من الأهمية بمكان للمنتجين البحث الدائم عن أسواق جديدة لدفع عجلة الاستهلاك إلى أقصى حدودها، حدًا بلغ الاستعانة بالدراسات العلمية المأجورة لترويج الكاكاو أو القهوة أو أي شيء آخر يرتبط بإمبراطوريات إنتاجية ضخة لا تستثني المتاجرة بالسلاح واستثمار الحروب!

وهو ما تلعبه اليوم الدول العظمى في محاولة منها لترويج تكنولوجياتها العسكرية، حيث توهم دول العالم الثالث بأعداء وهميين، أو تشغل بشكل غير مباشر صراعات مسلحة لتبيع الأفرقاء بضاعتها!

فالمهم من ناحية المنتج أن يجد لسلعه منفذًا للتصريف يقوي من اقتصاده، حتى لو كان هذا ينافي الروح الأخلاقية ويتعاكس مع قيم كبرى كحقوق الإنسان. هنا تمامًا أبرز إشكاليات الاستهلاك التي تخص الحكومات وطبيعة القرار السياسي و«البرغماتية» البحتة التي لا تقيم وزنًا للإنسان، حيث تصنفه كرقم في بورصة الجشع المعولم! ونحن كعرب وسط هذه التغيرات في حاجة ملحة إلى تفكيك ودراسة الثقافة الاستهلاكية من مخلتلف أوجهها، فالسباق الحضاري يشهد منافسة ضارية ونحن على أرصفة البدايات الهامشية نُتخم أنفسنا بما يُنتج «الآخر» حيث لا نضيف من إبداعاتنا للعالم المعاصر، حتى أضحينا نستورد كل شيء من الغذاء إلى السلاح حتى الأفكار والنظريات، وغرقنا في جنون الاستهلاك بلا حساب وتهاونت أنظمتنا الحاكمة في التخطيط للمستقبل فأصبحنا في نهاية السلم الحضاري.

 

أحمد محمد المؤذن