تنويعات على لحن الحياة إبراهيم نمر موسى

تنويعات على لحن الحياة

في شعر شعراء الأرض المحتلة الشباب سنة 1948م

أما قبل .. عندما أسندت إليّ مهمة الكتابة لمجلة العربي عن عشر قصائد لعشرة من شعراء الأرض المحتلة الشباب سنة 1948م، تعبر عن المشهد الشعري هناك شعرت بغبطة وإشفاق على نفسي، فأما الغبطة فتضاهي سعادتي عندما نشرت لي مجلة فصول القاهرية في صيف 1993م، دراسة عن رواية «الحواف» للكاتب الفلسطيني عزت الغزاوي، فحققت بذلك - دون أن تدري - حلمًا كان يراودني منذ دراستي في كلية دار العلوم بالقاهرة، حيث كنا نتابع بشغف أعداد مجلة العربي لما تتميز به من تنوع ثقافي، وترحال دائم دائب لا يعرف الكلل أو الملل في أرجاء المعمورة، ووضع العالم بين يدي القارئ في تقارير ذكية، وصور زاهية، وإخراج راق ينم عن ذوق وإحساس مرهفين بالفن والجمال، فكان يحلو لي أن أشبهها بالسندباد، فأطلق عليها لقب «سندباد الوطن العربي» الذي يسافر بعيدًا في آفاق العالم، ثم يعود إلى أهله محملًا بأصناف الحلي والجواهر، فضلًا عن مهمة «الكشف» وإماطة اللثام عن كثير من عادات الأمم وتقاليدها، وأماكنها المتميزة، وحكاياتها التي تتردد بين جنبات القلوب والعقول، فتعرّف القارئ العربي على أمور ما كان يتسنى له أن يعرفها، ويكتشف من خلالها عالمًا جديدًا، وبذلك أسهم السندباد - مجلة العربي - بمجاهداته الذاتية، وسفراته الموغلة في أعالي البلاد والبحار، أسهم في تشكيل وعي ثقافي لأجيال من شباب الوطن العربي بدرجات متفاوتة منذ الخمسينيات من القرن الماضي حتى اليوم.

وأما الإشفاق على النفس فمرده إلى صعوبة اختيار عشرة شعراء من بين العشرات، وعشر قصائد من بين المئات إن لم يكن الآلاف، ذلك أن المشهد الشعري في فلسطين المحتلة سنة 1948م، زاخر بأصوات شابة تمارس الإبداع الشعري، وفق رؤى متعددة الأشكال والألوان، يصعب حصرها وتصنيفها تصنيفًا جماليًا أو موضوعيًا في مقالة واحدة، فضلًا عن مقالات أو أبحاث عدة،حيث تحضر قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، كما تحضر موضوعات الحب والوطن والمقاومة وغيرها، الممتزجة بشعور الوحدة والحزن والغربة والاغتراب..إلخ.

الاختيار بين الائتلاف والاختلاف

نظرًا لهذا التنوع في الرؤى الإبداعية لدى هؤلاء الشعراء، وبعد استقراء نقدي، وتأمل شعري لأعمال وقصائد أكثر من عشرين شاعرًا، فقد ارتأيت في بداية المطاف، الكشف عن تجليات الوطن، وجماليات الأرض في قصائدهم، للتعبير عن هويتهم العربية في ظل الهيمنة الصهيونية، التي تعمل على نفيهم خارج حدود الزمان والمكان، وبمعنى آخر إزاحتهم خارج حدود التاريخ وتضاريس الجغرافيا، و تأكيد أن الوطن لديهم تشكيل روحي ووجداني وليس مساحة جغرافية فحسب، ولكنني عدلت عن هذا حين وجدت من المناسب أن أطرح رؤية نقدية مختلفة للاختيار تتجاوز الحبكة الكبرى، أو مركزية الموضوعات في أبعادها السياسية، والوطنية، والقومية المعروفة والسائدة عن الشعر الفلسطيني الحديث والمعاصر، لذلك فضّلت أن أتحدث عن موضوع الحياة في هذه المقالة القصيرة، التي تصور عمومية المشهد الشعري في فلسطين المحتلة سنة 1948م.

تقول عبير نصار:

ألم يحن بعد؟
أن نخلع ثوب الكفن
ونضاجع الحياة
لننجب حلمًا طليقًا

وفي المعنى الثاني يقول بشير شلش:

والقلب يصغي دائمًا لحفيف أوراق على صفصافة الحزن
البعيدة
ويرنو بسماء يديه لشرفة حيرى كما وجه القصيدة
ويحث الخطى لأزرق الله المعبأ ياسمينًا وأرغفة

بناء على ما سبق، آمل أن يكون اختيار النصوص الشعرية لتجليات الحياة ونبضها الإنساني، معبّـرًا عن رؤى هؤلاء الشعراء أولًا، وكاشفًا عن المؤتلف لا المختلف، أي عن جانب جديد في أشعارهم متدفق بالحياة والحيوية بكل ما لها وما عليها، إذ مناط الاختيار ارتبط بالموضوع لا بأسلوب التفضيل وأدواته ثانيًا، ومرضيًا لهم وللقراء وللنقاد ثالثًا، وإن كنت أعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك.

وتجدر الإشارة في هذا المقام، إلى أن الشاعر الفلسطيني غسان زقطان في تقديمه لمختارات شعراء من الضفة الغربية وفلسطين المحتلة سنة 1948م، وحقهم في الظهور، قال: «لقد حكمت مركزية الموضوع الفلسطيني قراءة النص المكتوب في فلسطين، ضمن اقتراحات ومرجعيات حددتها رغبة السياسي وشروطه، وضمن هذا المنظور، كان يتم دائمًا تهميش وإقصاء ما لا يقترب أو ينسجم مع هذه القراءة وهذه الشروط، بحيث تراكم الهامش، وتمدد ونما خارج الإعلام، وتكرّس في ممرات غير مطروقة وقليلة الإضاءة، حتى بدا أنه يتحول إلى أكثرية، أكثرية الهامش.. وإلى ذلك الهامش تنتمي هذه النماذج الشعرية الشابة». ومهما يكن من أمر هذا «الهامش» الذي أطلقت عليه «المختلف»، لأنه يحمل رؤية تتجاوز حدود السائد، وتيار الشعر وسياقه العام، فإنني أضع هذه القصائد أمام النقاد لتقييم هذه الظاهرة ذات الحضور البارز في المشهد الفلسطيني سنة 1948م، وإن لم تكن هي المشهد كله، لينظروا في بناء قصائدهم، وأساليب تعبيرهم، ولغتهم، وصورهم، وموضوعاتهم...إلخ. وسأحاول في هذه المقالة نقل القصيدة التي يتم تحليلها كاملة غير مجزوءة ما أمكنني ذلك.

عبير نصّار
آن الأوان

ألم يحن بعد؟
أن نخلع ثوب الكفن
ونضاجع الحياة
لننجب حلمًا طليقًا
يستيقظ على وسادة الواقع
حتى متى
سنفتخر بالدمع؟
والغنيمة هزيمة!
شكوى بلا جدوى
وكأن أجيال الماضي
لم يحملوا جواز سفر
ألم يحن الكلام
أن يحل محل ضمير مستتر؟
وللفعل أن تظهر حركته!
حتى متى سنصف الحالة كموضوع إنشاء؟
والحل لا محل له من الإعراب؟
ألم يحن لأقلامنا أن تفيض رحيقًا
على صفحات التاريخ؟
ولأفكارنا أن تحلق
أم أن ذلك أسطورة؟
حتى متى
سنبقى نتنفس بدون شهيق وزفير
ونفسح تكرارًا؟
حلولًا سطحية كسقف بلا جدران
بدأت نهايتنا وانتهت بأيدينا
آن للفعل أن تظهر حركته
آن آن آن..

يتبدّى من الأسطر الشعرية قلق الذات الشاعرة، واستبطانها لأعماقها ومكنوناتها النفسية، في الوقت الذي تتوجه فيه إلى الخارج من خلال السؤال الذي يقضّ مضجعها «ألم يحن بعد؟»، وذلك بعد أن امتلأ الداخل بالرفض والتمرد، ولم يعد بمقدورها كتمانه أكثر مما فعلت، لأنه يضغط على عصب القلب، ولا بد «للمكبوت من فيضان»، وبهذا يشكّل الاستفهام بؤرة تتحلّق حولها الدلالات الباطنية والخارجية، تعبيرًا عن ثورة الذات، ورغبتها في البوح، ورفضها الانغلاق والموت، والإقبال على حياة مفعمة بالحب والحلم الطليق «نضاجع الحياة».

سامي مهنا
هو الحب يخطو حافيًا

يطالع صمتي كتاب النسيم
فيطلع ورد
على شرفة من غيوم
هي الأرض، قال الصبًاح
قرأت سطور القرنفل
في وجنتي الحبيبة عند المساء
انتظارًا لقبلة
يقول الحفيف:
سراب من الغيم يمطر قطنًا
وشجرة عيد تعيد الطفولة
وفستان ورد
يبدّل ثوب الشتاء،
على الأرض تمشي السماء
ربيع من السحر يلقي
القصيدة لونًا:
على مسمع الصبح
وجه الندى
ذكريات الأيائل
بوح الجداول
ظل الفراش
وطعم المساء
هو الحب
يخطو
على وردة
حافيًا

تنبني القصيدة على ثلاثة محاور أساسية، يتمثل أولها في المطلع أو حسن الابتداء، حيث نلج إلى صمت يقرأ صفحة كتاب النسيم، فيؤدي إلى انبثاق الحياة من باطن الأرض، وبذلك يحطم «الصمت» شبكة الإشارات المسبقة في بعدها الواقعي، ويصبح شفرة حرة متغلغلة في أصل الأشياء، كما يتسرب الماء في جذوع الأشجار بحركة غير مرئية، لكنها تثمر نتائج مرئية في يناعة الأشجار وخضرتها، أو بمعنى آخر يتحول «الصمت» أسطورة من أساطير العالم القديم الدالة على الخصب والتجدد وانبعاث الطبيعة من مواتها، وفي هذا المقام يتسلّم المحور الثاني «الطبيعة» فعل السرد، لينقلنا إلى عالم يفوح بالجمال، ويموج بغيم ممطر في أجواء رومانسية حالمة، تبهج عين الرائي وروحه، يلعب الاستمتاع بالحياة دورًا رئيسيًا فيها، وتأخذ الصورة الشعرية المستمدة من عناصر الطبيعة دورها المركزي، لاعتمادها على «التشخيص» الذي يبث الحياة في الجماد، و"تؤنسن" مظاهر الطبيعة المختلفة لتسد مسد الذات الشاعرة في مستهل القصيدة، التي بدأت بـ «بالصمت»، فيصبح كل شيء في الطبيعة ناطقًا باسمها، فتضج بالكون الحياة لنسمع قول الصباح، ونسترق السمع لحفيف الأشجار، وبوح الجداول، ونعاين تبدّل وجه الشتاء، ونرى مشي السماء على الأرض في عالم ربيعي ساحر.

وينتهي الشاعر في المحور الثالث بمفارقة جارحة - في ما أعتقد- حين يتجاوز عن نشوة الحياة والمبالغة في وصف جمالها، واستقصاء مظاهر الطبيعة، ليفجؤنا ويصدمنا بجملة مباغتة «حب يخطو على وردة حافيًا»، وهذا التعبير يحمل في ثناياه دلالات مؤلمة إن لم تكن مأساوية.

بشير شلش
وحيدًا... وأذهب في ضوء النهار

وحيدًا، وأذهب في ضوء النهار
ماذا لو انتظرته هنا على دوالي العتبة
صديقي الذي لا أراه إلا بوهج الحواس. صديقي
الذي ينسل مني ويأتي إليّ على حين غرّة. وفوق
ملابسه نوارس وصوار وغيوم متعبة
ماذا لو انتظرته هنا، على عنب العتبة
يقاسمني غرفتي وشمس النهار وربطة عنقي
خزانتنا واحدة. أصابعنا عشر أصابع ترتعش معًا
كعشر سنابل في غمر حنطة متربة
ماذا لو انتظرته هنا، على نبيذ العتبة
سوف يجيء ويحتسي قهوتي معي، يعد فناجيني
ينبهني، ثلاثة فناجين مثلمة في أوانيك القديمة
ويحب امرأتي معي، ويحرس ظهري من الشوك وعطر النساء الحيارى
ويقاسمني فرشتي، فرشاة أسناني، وكلماتي المسهبة
عن المرأة الشقية وليل النبيذ ووجع تفاحتي المعشوشبه
وحيدًا، وأذهب في ضوء النهار كجناح عصفور، فليأت
إذًا، ولينتظر عودتي. وليغف قليلًا إلى أن أعود
يرتب ملابسنا في الخزانة، ويغفو، إذا شاء، حتى أعود،
على الكنبة
صديقي الذي لا أراه إلا بوهج الحواس كأنه عطيًة أو هبة

تبدأ هذه القصيدة من حيث انتهت قصيدة «هو الحب يخطو حافيًا»، إذ تركت الذات الشاعرة تجتر آلامها الفردية والإنسانية، حيث تسطع في قصيدة بشير شلش شمس الواقع المر، وحقيقة الحياة المغلّفة بضباب السعادة، فيبرز دال الوحدة «وحيدًا» في مستهلها للدلالة على فضاء العالم المتسع، الذي يتصاغر فيه الإنسان كحبة رمل، أو تذوب فيه الذات الشاعرة كنقطة بعيدة لا تحدّها حدود، وتعاني من الغربة، ولكن سرعان ما تفتح منافذ الخلاص والأمل بـ «الانتظار» المتكرر أربع مرات في جسد النص، إذ «على الشعراء أن يتعلموا درس (ييتس) بأن الحياة مأساوية، ولكن إذا أصبحت فاجعة بالنسبة إليهم فسيصبحون شعراء كسيحين».

وعندما نصل إلى خاتمة القصيدة نجد الأمل قد تحقق بوهج الحواس «حدْسًا»، مصحوبًا بتعلّق من رضا «كأنه عطيّة أو هبة» إلهية. وهكذا تكون القصيدة قد تجاوزت حدود الواقع للانفتاح على عوالم الحواس الموغلة في الخيال اللامتناهي، الذي يشكّل حلًا مؤقتًا للوحدة، ويبقى مع ذلك حلًا طوباويًا مجلوبًا من خارج الذات، ولا يتحقق حضوره بفعلها العملي على أرض الواقع.

أيمن إغبارية
قصائد تنتظر الصيف

السنبلة زرقاء.. والجوف أخضر
سنبلة.........
تفتح لساقها جرحًا في لساني
تشق حلقي
وتمد ظلًها فوق كلامي
لها يكتمل موتي
لها ينتهي حزني
بين ريح العزلة وأوراقي
هيأتها، في الليل بيادرًا
لحصيدها واختناقي
أينعت دموعي..
خلف الغيم الكتوم
وباح بسمائها مدايا
دمي يهب على دمي
وجهات الروح لطلعتها مرايا
هذا الوقت منجلك
هذا الصيف موعدك
وبذورك.. خضراء خضراء
هذا الكشف صيفك
هذا العشق شمسك،
وبذورك.. خضراء خضراء
إلهي.. سنبلة.. إلهي
كم انتظرت دقيقها
وكم دارت طواحيني..
.. كم دارت طواحيني..

يحضر دال «السنبلة» في سياق القصيدة متجاوزًا محمولاته الدلالية على الخير والعطاء، ومحطّمًا شبكة العلاقات الإشارية في بعدها الواقعي، ويدخل في علاقات دلالية جديدة متعددة الأبعاد، فتكون السنبلة سكينًا يجرح اللسان / الكلام، ويشق الحلق - الحياة، ويضع الذات الشاعرة وكلامها في الظل / الهامش..إلخ، ويستمر هذا التدرج حتى نصل إلى الحزن، والاختناق، ونزف الدماء، لينتهي المشهد الشعري بحضور الموت، وانعدام الحياة، وانسداد الأفق الإنساني، فتحاول الذات الشاعرة التخلص من هذا كله باستعادة الحياة عن طريق «الانتظار» المتكرر مرتين، وكأن الانتظار لدى شعراء الأرض المحتلة سنة 1948م، بغض النظر عن السابق واللاحق، وإن كنت أرجح أسبقية أيمن إغبارية على بشير شلش، يشكّل ظاهرة فنية، وسفينة نجاة من مأساوية اللحظة الحياتية التي تعيشها الذات الشاعرة

غادة شافعي
درج لا يصل

الخريف سيوغل في القميص المشروخ
وينسى في أكمامه
رائحة ضباب يابس
وأنت ستخلع عنك
رمل الأمكنة التي سكنت خرائبك
وانطفأت..
إلى أن غطى الشمع أصابعك
وستعدو إلى النافذة الأخرى
تفتحها على الريح التي تطحن الأبواب
والأيدي التي طرقتها ذات غياب
لتوقظ مطرًا في الجدران
يرفّ
كما لو أنه ريش قطفه النسيان.
ما الذي سترفعه من شموع ذائبة
لتغطي به شرخًا في الغمام؟
ما الذي ستذرفه في الهواء
من عواء مطحون
لتهدئ فيك ذئبًا لا ينام؟
الخريف سيقطع أخشابك اليابسة
ليهيئ للغابة حرائق ملونة
أو ينحت من فمها الطويل
طبولًا تدق غيابك
وأنت سترقص حولك
محاطًا بحفيف انهمارك الأول
وبينما يتسلق الظل أشجارًا أخرى
تهبط أنت درجًا
لا
يصل.

تتوجه الدلالة في هذه القصيدة إلى حياة العشق، بكل ما يحمل من احتمالات ودلالات تستجيب لنداء العاطفة والغريزة، ونستدل على ذلك بحديث الذات الشاعرة عن الخريف الذي "سيوغل في القميص المشروخ"، ومن "عواء مطحون لتهدئ فيك ذئبًا لا ينام"، وهكذا يستطيع الخريف صنع حياة إنسانية كاملة، على الرغم من دلالاته على الجدب والجفاف وموات الطبيعة، فكأنه يقطع أخشابًا بيد، ويوقظ مطرًا يحيي رغبات الإنسان، وحرائق نفسه الكامنة بيد أخرى، لكن الحبيب لا يستطيع إلى ذلك وصولا لقطف ثمار الحبيبة التي تهيأت للنضج، وبذلك يصطدم بأفق مسدود- درج لا يوصله إلى بغيته.

رانية إرشيد
لحن واحد لا يكفي لتقليم فوهة الفراغ

تدندنك الموسيقى بروعتها،
فأكون رقصتها،
وتكون أصابعك العازفة..
.. وما من نغم يسمع.
أتكئ زرقتك لتوصلني
إلى اشتعال لون الصخب..
تتراقص مهووسًا من تبعثر عزفك المنفصل،
فتبصر يقظتك - غثيانك
على صدى عزف
لا يشبه إيقاع أصابعك، لكنه
لك بعتمة عزفك..
ن
ز
ف
ك
تمر متراقصًا بين سرة الحياة وسير خطاك؛
لا تتمهل قليلًا
لتلقي بالعسل إلى غواية الماء.
تتبعـه
ليتراقص جسدك على موسيقى شبقة
تجعلك خلف هاوياتي
... أو بعدها
أشبه بعزف مشطور
أصفر داكن،
على صدر صفحته دندنات قلقة،
و... عازف شاحب
يأتيه إيقاع السفر كدندنة قطرة الماء
الهاربة من هول سقوطها.
وأكثر:
كيف يعزف الحلم.. بعيدًا
عن ملكوت النوم؟
ربما يباغت رنين الهاتف يميني
أمد يدي لأقطف الكلام
من بين رمل الآذان الفارغة.
كلام.. أشبه بتراقص ذاكرة الأصابع
على الأسطر..
وفي الهامش؛
أحرف اسمي..
هل من معنى لألحان أحرفه؟
تذكرت الآن لملمتي
كحزمة اختفاء ترتعش بصمت
ياء ندائي المكسورة..
سر جناحين لحلم مسروق.
وبعد..
لحن واحد لا يكفي لتقليم فوهة الفراغ،
فأغسل يدي من عناء العزف
أحايل الإيقاع وأنسى موسيقاه.

إذا كان الحبيب لم يستطع الوصول، وانغلق دونه الأفق الإنساني في قصيدة غادة شافعي، فإن رانية إرشيد / الذات الشاعرة تعيد فتحه على مصراعيه مع الحبيب في رقصة رومانسية على أنغام موسيقى شبقية، بين سرّة الحياة وسير الخطا، تتقارب فيها الأجساد والأرواح بهوس اللقاء، ويشتعل فيها لون الصخب، لكن النغم الموسيقي سرعان ما يتحول حركة درامية ملتاعة تقطع نياط القلوب، فتطل الإشارة غير اللغوية برأسها في خضم اقتطاف اللذة، وذلك بتقطيع أوصال كلمة "نزفك"، وكتابتها بحروف رأسية لينفرد كل حرف بسطر شعري، مما يجعل بياض الصفحة- فضاء العالم أكثر اتساعًا، ويشكّل في الوقت نفسه معادلًا موضوعيًا دالًا على التمزق والانفصام المكاني باتجاه / خلف هاوية لا قرار لها، كما يعادل العزف الموسيقي نفسه هذه الحالة فيصبح مشطورًا بانشطارهما، فتتناثر الدوال الشعرية بقصدية دالة في جسد النص للتعبير عن ذلك، مثل: «أصفر داكن-دندنات قلقة-عازف شاحب... إلخ»، وذلك لتعميق الإحساس بمحنة الحبيبين.

وتنتهي القصيدة بانكسار النداء، وسرقة الحلم، ولكن الذات الشاعرة على الرغم من ذلك تحاول لملمة ذاتها كما فعلت إيزيس في الأسطورة الفرعونية، حين قامت بجمع أشلاء أوزيريس، وأعادته إلى الحياة من جديد، فتقرر أن اللحن الواحد سرعان ما يتلاشى ويزول، لذلك يجب أن تملك ألحانًا عدة / حلولًا عدة، حتى إذا ما سرق أحدها، كان في جعبتها آخر، وهكذا تستمر الألحان / الحياة، فلا تنقطع رقصاتها الإيقاعية المفعمة بحب الحياة والتمسك بها.

مروان مخّول
عبرت...وتترك ما يلي

ناخ الجمال بحمله
في لحظة
عبرت تلملم ( ظبية
بشرية) لهفي.
سبحانها.. جذابة تلك
الغريبة في هبوب الفل، من
أنثى تمر.
تتراقص الحسرات في
نفسي، إذا يمضي غدي؛
تاريخه المغرور لن يحظى بها.
سأدرب الأيام.. أجلد
حظها، علّي أن أفوز ولو
لبعض الإثم من عبراتها.
ها أنت بي، تتمايلين
على حبال الحس مثل
فراشة بلغت.
حشاشة.. روحي بهذا الدور
من فيلم الغزل.
دعست خطاك
على طلوع الروح تمهيدًا
لمشي القلب
كالجندي... في عسكر.
سبحانها راحت فتاة الجن
تدري أن في أصنامنا
بمرورها- كسرت حجر.

تتجاوز هذه القصيدة دلالات القصائد السابقة، لتعبّر فيها الذات الشاعرة دون مواربة عن رغبتها في قطف ثمار الظبية / الأنثى المقدّسة، وهذا يجعلها تكتسب في رأي محمد جمال باروت خصائص المعنى، بالمدلول اللاهوتي للكلمة، فهي ماهية حسية ميتافيزيقية، مجردة، ومنـزهة، ومتعالية عن كل وصف رغم كل أوصافها.

سامر خير
بصحتكم!

كان جدي ينام
ليفسر أحلامه
( لم يكن ليفكر بالكهرباء
.. كان يملأ مصباحه بدم الزيت
كي تنبض النار)
.. يا جدنا لم ننم
وملأنا مصابيحنا
بالرياح!
الرياح تهب على بعضها
في المدينة.
لا نار في كابل المدفأة
لا سماء
تحت أقدامنا.
لا أثر
إلا للدماء
لا شجر
للفواكه
إلا العلب
لا عجب
في زمان الحضارة
والقتل
دون سبب
ياصديقي
فنتف كلامك
واجعل يدًا
من جناح!
تجلس الشمس في ظلها
والدخان يرف
على رئة من رماد
.. يتأخر عن موجة الباص
يسأل: ما الساعة الآن؟
تلميذة خبأت قلبها في الحقيبة
أو مرأة لا تغطي الثياب نزيف عناقيدها
ثم يدخل أقرب مقهى
ويرفع كأس البلاد!

يجدل الشاعر في سياق القصيدة ثلاثة محاور رئيسية في ضفيرة واحدة، كل واحد فيها يؤدي إلى الآخر في علاقة عضوية محكمة الدلالة. يتمثّل الأول في توظيف الأجواء الشعبية القصصية، المعتمدة على راوٍ يبدأ بفعل السرد «كان»، الذي يشير إلى أسلوب الحكاية الشعبية «كان يا ما كان»، وهو أسلوب يتجه نحو «الرؤيا» المعبّـرة عن جزء من التاريخ الشفاهي القديم، المختـزن في الذاكرة الشعبية، ويعبّـر في الوقت نفسه عن تاريخ شخصي، يبيّن علاقة الذات الشاعر/ الراوي بالجد / المروي عنه، وهي علاقة اتحاد وتكامل، ويتضح هذا في قوله "يا جدنا لم ننم - وملأنا مصابيحنا...إلخ".

لكن سرعان ما تتغير هذه العلاقة وتتحول إلى علاقة تضاد، لأن الجد ينام ليحلم، وهم ليسوا كذلك. وإذا كان الجد يملأ مصباحه بدم الزيت، فإنهم يملؤون مصابيحهم بالرياح، وما بين الاتحاد والتضاد تبرز درامية الحياة والقتل في زمان الحضارة، وهذا يشكّل المحور الثاني بكل تجلياته وأبعاده المأساوية، بحيث تتغير سيرورة الحياة، ونواميس الكون «فتجلس الشمس في ظلها»، أما الدخان «فيرف على رئة من رماد»، وفي خضم هذا المشهد الدرامي يبرز المحور الثالث متجليًا في تلميذة تنفصل عن الخارج وتتأمل ذاتها، حيث خبّـأت ذاتها / قلبها في حقيبة، أو امرأة تفيض تضاريسها عن ثيابها، وعدم الاكتراث بما حولها، ثم ينتهي المشهد بالكشف عن «دجل» السياسة ورجالها، أولئك الذين يرفعون كؤوسهم في صحة البلاد التي تنـزف دمًا. وهكذا ينغلق المشهد على تباين صارخ بين شخصيات متناقضة تعج بها الحياة، ورؤى متباينة في التوجه والاهتمام.

نوال نفّاع
أجنحة

منذ أعوام
أضبط طيورًا مهاجرة تحت جلدي
أسرابًا
تضيع الجهات في كل خريف
وتسافر في دمي
تأكل قمح الروح
وتعشش بين أضلعي
تشرب ماء الأحلام المؤجلة
وتشرب فرحي
تفرغ جيوبي السرية
من وجهك
ومن رسائلي
منذ أعوام
أبتاع أغلى التذاكر
وأسافر إلى أوهام مجرّحة
أرتب فراغي في الحقائب
وأرتب موتي في أجنحة

تستجيب القصيدة لعمق الصراع الإنساني بين الذات الشاعرة والطيور المهاجرة، التي تقيم تحت جلدها أسرابًا، ويتأكد تبعًا لذلك تغيّـر نواميس الكون التي ذكرت شيئًا عنها سابقًا في قصيدة الشاعر سامر خير، ولكنها في سياق هذه القصيدة تأتي بصيغة أخرى تعبّـر عن الجهات الأربع «تضيع الجهات في كل خريف»، ويأتي هذا التضييع من قِبـل كائن آخر غير الإنسان، يتمثل في الطيور، وبهذا تكتمل دائرة الصراع الوجودي للإنسان والطيور على حدٍ سواء، مما يؤدي بالذات الشاعرة إلى رفض العالم، والرغبة في مغادرته، وهي في هذا السياق كطائر «الفينيق» في جانب من جوانبه، الذي يحضّـر محرقته بعد أن يشيخ، ويتحول جسده رمادا، ثم يخرج من هذا الرماد أتم ما يكون شبابًا وجمالًا؛ للدلالة على الخصب والنهوض من الموت، لكن الذات الشاعرة تكتفي بالمرحلة الأولى التي تحضّر فيها محرقتها وتحترق، دون تحقق المرحلة الثانية للخروج من الرماد، وهذا يوحي بعمق المحنة الإنسانية التي تعاني منها، أو الهروب من الحياة دون مواجهة مشاقها، والرغبة في مغادرتها بالموت.

صالح حبيب
ذات يوم

ها أنا خارج عن طقوسي، من الشرب والتبغ والحب،
قررت في آخر الأمر ألا أزور سعالي صباحًا..
وألا أماهق ألعوبة القهوة الباردة.
لن أكون سديدًا ولن ألعن الأرض، لن أتمنى بشيرًا لأي أحد.
لن أزج صلاتي كسيف بيوم الأحد.
سوف أبكي على نكتة أضحكتني وأضحك من موت أي صديق
وأهزأ
من توم وجيري ومن كل طفل تراقص فوق رؤوس أصابعه
كالملاك،
وأرفع
أرفع
أرفع صورتي الخالدة.

إن هذه «الفنتازيا» الشعرية بعمقها الدلالي، وانحيازها إلى تصوير تمزق الإنسان وتمرده على عاداته اليومية، وسلوكه النفسي، إن لم يكن على حياته كلها، تنبئ عن حدوث أمر جلل، جعل الذات الشاعرة تنسحب من المجتمع وعاداته، وتعلي من صورة ذاتها الخالدة شأن أصحاب السلطان وما أدراك من هم، بكل ما يحمله ذلك من استوحاد نفسي، يشبه حالة «هاملت» في مسرحية شكسبير الشهيرة، لأن التمزق ناتج من معاناة فردية، تعبّـر في صورة من صورها الضمنية عن حالة الجماعة في «عدم لعن الأرض» أو في «موت صديق»، وهذا كله يجعل القصيدة مفارقة كبيرة، يختلف ظاهرها عن باطنها، على نمط دعوة الجواهري في إحدى قصائده الشعب الجائع إلى النوم، أو إشادة إبراهيم طوقان بالانتداب البريطاني على فلسطين في قصيدة «أيها الأقوياء».

أمـا بعــد

فإنني أستطيع أن أرصد ثلاث ظواهر فنية وموضوعية، بعد قراءة النصوص الشعرية، وبعض دواوين شعراء الأرض المحتلة سنة 1948م، كالآتي:

1- الشعور المفعم بالحياة، فقد شكّل ذلك ظاهرة واضحة المعالم والقسمات، تعبّـر عن رؤيتهم للإنسان والكون، ومحاولتهم التعبير عن أسباب الشقاء التي تكتنف نفوسهم القابضة على جمرة الحياة، وهي - غالبًا - مشوبة بإحساس عنيف للإقبال عليها في غير تحفظ أحيانًا، تتحول فيه القصيدة إلى كشف عن أعماق النفس، أو أبعاد الأزمة النفسية، التي تنم عن ذاتها بنفثات حارة العواطف، وتعلن حمى الكلام على سجادة بلا خطايا، أو على صدر لا تضمده بشاشة النسيان، أو كما تقول عبير نصّار:

من لم يستطع
قرع بوابة الحياة
فكيف يستطيع
الدخول منها

لكن هذه المشاعر لا تخلو من إحساس عميق بالحزن والاغتراب في بعض أشعارهم؛ لعدم تحقق أحلامهم وطموحاتهم، وبخاصة في مجتمع متحرر ظاهريًا، لكنه يحمل في ذاته تمييزًا دينيًا، واجتماعيًا، وسياسيًا، أي أنه يحمل في ذاته متناقضات ضد أطراف محددة في داخله، مما أدى إلى بروز ذلك في أشعارهم، حيث مزجوا بين نِعم الحياة ومظاهرها، واستلاب الوطن وأهله، وفي هذا المعنى يقول سلمان مصالحة:

من لي بأصحاب على جنب الطريق
تركتهم. لم يرجعوا
يومًا إلى أوطانهم. لم يسمعوا
أني بأشواقي اختبأت ولفني
من ذكرهم سبب على عنقي
فلا أسطيع أنساهم، ولا
يرجون تسريحي إلى بلد
في الذكريات سيقبع

2- الحزن والوحدة: ويتشكّل هذا في تصوير الشعراء ما يلاقونه في حياتهم من مصاعب، فيكون ذلك سببًا لانسحابهم من الحياة، لكن الحزن في إطاره الواقعي المجرد يعبّـر عن الذات، التي تراها في أكثر الحالات قانطة مستسلمة لمصيرها الفاجع.

أما الوحدة، فبالرغم من إحساس الشعراء الفاجع بالوحدة، لتخلي القريب والبعيد عنهم، وعن قضيتهم الوطنية، أو تهميشهم كمجتمع مدني من قبل الإخوة، فإنهم في الغالب قد انطووا على أنفسهم، ورغب بعضهم بالموت وسعى إليه، كما أن بعضهم لم ينطو على نفسه، ولم تكن وحدته وحدة الحالم، بل كانت وحدة المدرك لمقومات الحياة، الطامح للحرية والعدل والمساواة.

3- قصيدة النثر: يعدُّ الشاعر الفلسطيني توفيق صايغ أول من أصدر مجموعة شعرية على نهج قصيدة النثر، سماها " ثلاثون قصيدة" سنة 1954م، ثم تلاه جبرا إبراهيم جبرا سنة 1959م، ثم تبناها مجموعة من الشعراء النقاد تنظيرًا وتطبيقًا، ومنهم: محمد الماغوط، وأدونيس، وأنسي الحاج وغيرهم، مما أدى إلى شيوعها في الأوساط الشعرية العربية، وقد وصفها الشاعر الفلسطيني عز الدين المناصرة، بأنها جنس كتابي خنثى، أي أنها جنس ثالث يحمل صفات الشعر والنثر، إذ لا مسوغ لتسميتها شعرًا أو نثرًا بل كتابة خنثى، وذلك لأنها ذات إيقاع نثري، وتخلو من الانتظام التكراري.، ووصفها محمود درويش بأنها «ليست شعرًا»، ورأى أحمد عبدالمعطي حجازي فيها «شعرًا ناقصًا».

وقد مارس الكتابة في هذا الجنس الشعري كثير من أعلام الشعراء في الوطن العربي في بعض دواوينهم الشعرية، حتى من رفضها منهم مثل: درويش والمناصرة، وإن غلب على أكثرهم شعر التفعيلة، وقد أفاد كثير من الشعراء الشباب في الأرض المحتلة سنة 1948م من هذا التيار المتحرر من الوزن والقافية، في رفض التقاليد الشعرية لأسباب تتعلق - في ما أعتقد- بحركية التعبير، فتكون أسهل للتعبير الشعوري المتدفق عن مكنوناتهم النفسية من دون قيود، وغير ذلك من أسباب لا مجال لاستقصائها هنا.

وصفوة القول: لقد تبيّن بعد تحليل النصوص الشعرية أن الحياة زاخرة في نصوص الشعراء باللذة والوجع الإنساني، وأنها شيء زائل فعليهم أن يعبوا من ملذاتها قبل أن تنطفئ وتتلاشى، كما حاولوا امتلاكها بمضاجعتها أو الاستمتاع بجمالها، حتى إذا انسلّت من بين أصابعهم ارتكسوا على ذواتهم منطوين، يجترّون حسرة الفقد، وألم الفراق، وحزن الوداع، دون أن يبذلوا جهدًا ما في استعادتها، وهذا أمر عجب لا يخلو من غرابة!، باستثناء التوسل بالحلم، والانتظار، والدعاء، وهي حلول طوباوية مجلوبة من خارج نطاق الذات، وغير مستندة إلى مقومات الواقع، وقد اتضح هذا في سياق تحليل النصوص الشعرية سابقًا، وفي هذا المقام ينبع سؤال مهم مفاده: إذا كان هؤلاء الشعراء يمتلكون رغبة جامحة نحو الحياة، فلماذا لا يمتلكون الرغبة نفسها في مواجهة واقعهم؟!. وبمعنى آخر إذا كان الشاعر مقبلًا على الحياة إلى هذه الدرجة، فلماذا يدعها تدبر بهذه السهولة؟!. والإجابة عن هذا السؤال ستبقى معلقة إلى حين، على الرغم مما تدل عليه نصوصهم الشعرية المختارة، فليس من الحصافة النقدية، ولا من الرصانة العقلية أن نقطع بذلك إلا بعد تأمل أكثر عمقًا، واستقصاء أكثر دقة لأعمالهم الشعرية مجتمعة، لاستخلاص نتائج صائبة نقديًا.
------------------------------
تجدر الإشارة في خاتمة هذه المقالة أن أبيّـن عن مصادري التي استقيت منها أشعار هؤلاء الشعراء، وهي ثلاثة مصادر رئيسية، الأول: بعض دواوينهم الشعرية التي عثرت عليها بشق الأنفس، والثاني: بعض أعداد مجلة «مشارف» الشهرية التي تصدر في القدس وحيفا، والثالث: من كتاب موسوعة الشعراء في فلسطين المحتلة سنة 1948م، التي يقوم بإعدادها وتحريرها الشاعر محمد حلمي الريشة، وتضم بين دفتيها سيرًا ذاتية لأكثر من أربعين شاعرًا، وقصائد شعرية اختارها الشعراء بأنفسهم، وقد غمرني المحرر بكرمه وفضله حين وضع بين يدي نسخة كاملة من مخطوطة الكتاب، وقد بيّن الأسباب التي دعته إلى جمع أشعارهم في مقدمة الموسوعة بقوله: ثمة تقصير واضح بخصوص تبني المشهد الثقافي في الجزء الفلسطيني المحتل سنة 1948م، من قبل المؤسسة الثقافية الرسمية وغيرها، في اجتذاب الطاقة الإبداعية، وتركها عرضة للتهميش والإهمال، وإذا كانت الحواجز المصطنعة تحول دون التواصل الجغرافي، فإننا بهذا العمل نضيء ونجمع ونعيد المشهد الجزئي إلى كليته.


إبراهيم نمر موسى