من المهد إلى العرس.. المرأة الفلسطينية تغزل أزياءها هذايل الحوقل

من المهد إلى العرس.. المرأة الفلسطينية تغزل أزياءها

تعدُّ اللهجات المحلية، والطقوس المتوارثة، والملابس الشعبية، نتاجًا ماديا وملموسا للحضارات الإنسانية، تجسد جميعها مرآة تاريخية وقيمية لثقافة شعب ما. سنكتشف في السطور التالية كيف سعت المرأة الفلسطينية في حيفا أو غزة جاهدة لمقاومة ويلات حرب طال أمدها بكل ما أوتيت من القوة والحكمة، وخير ما يترجم تشبثها بهويتها العربية والإسلامية الأزياء الشعبية.

إطلالة وليد فلسطيني

يسبق ولادة الطفل في التراث الفلسطيني، تجهيز تام لجميع احتياجاته فتنشط الأم بخياطة وحياكة ملابسه بنفسها، ويساهم في ذلك جميع افراد الاسرة الذين يتبرعون بملابسهم القديمة لخلق غطاءات للطفل «كاللفاع» وهو قطعة من القماش يلف به جسم الطفل بما فيه اليدان والرجلان، والكوفية يغطى بها من الخارج. كما تخيط له» القماط» ويأتي كقماش يبلغ طوله المترين وعرضه نصف متر يتوسط اسفل جسم الرضيع وتتقاطع اطرافه عند صدره ثم تربط اطرافه عند رجليه بعد لفهما من الجهة الخلفية.

اعتادت الأم الفلسطينية قديما خياطة الخلق - الحفاضات اليوم - لطفلها حتى بلوغه الأشهر الأولى

وتلعب القيم المتوارثة دورا مهما في زينة الطفل، فترى عادة بعض الخرز الأزرق والتعويذات المكتوبة معلقة بكوفية الرضيع وملابسه لصد العين الحسودة والأرواح الشريرة عنه .

تبلغ المولودة الأنثى سنواتها الأولى لتحظى باهتمام والدتها فتلبسها السروال والمنديل بألوان زاهية وأقمشة مزركشة لتهيئها للمرحلة المقبلة، أما الذكر فتتباهى به في حفل ختانه حيث تلبسه قفطانا من أجود أنواع الأقمشة كالجوخ الأحمر أو الأصفر.

شبت الصبية وصارت حورية

ما إن تصل الفتاة إلى مرحلة البلوغ حتى تميل فطريا إلى العناية بأزيائها . في التراث الفلسطيني يعد الثوب أو الفستان هو القطعة الأكثر أهمية من القطع الأخرى وعادة ما يتكون من الحزام وغطاء الرأس وإضافات اخرى كمالية تختلف مع تغير جغرافية المكان والنشاط الاقتصادي. فالصبية في المناطق الشمالية من الريف تتزين بالفستان المزركش مع سروال أسود طويل كما تحرص على ارتداء الحزام - الزنار- ويكون رفيعا وقصيرا لايزيد طوله على محيط خصرها، ويصنع من قماش الكمخ او الحرير . ويمثل السروال جزءا من ملابس المرأة الفلسطينة بشكل عام الا أن الصبية الصغيرة تحرص على ارتداء السروال المزين، إذ يظهر من تحت الثوب فيخاط من القماش الملون وتزين احيانا اطرافه بنقوشات وكشكشات بسيطة.

ويشكل السروال الطويل جزءا مهما في الزي الفلسطيني في المناطق الزراعية .

بالإضافة إلى غطاء الرأس الذي يعتبر عاملا مشتركا بين الموروثات المادية للثقافة العربية ونجده حاضرا بقوة في الأزياء الشعبية وإن اختلف شكله وتعددت أسماؤه . الوقاة والشطوة والعريقية، غطاءات للرأس يشاع لبسها في مناطق دون أخرى تزين للفتاة بريالات فضية وقطع ذهبية. «العراقية» مثلا غطاء تراثي للصبايا يتكون من طاقية يعلق بها رقعة مطرزة ولفائف من القماش والسلاسل الفضية المزينة بقطع نقدية . ولكن يظل المنديل الملون الاكثر شيوعا بين الفتيات الصغيرات، أما الكبريات فيفضلن ارتداء العصابة الحريرية الخضراء. ولاستكمال زينتهن تلقي الصبية الشال الملون على ظهرها وعادة ما تتفنن بتزيينه بالقطع الذهبية والفضية والتطريزات الملونة تاركة أطرافه سائبة تنسدل على جسدها . للصبية البدوية أزياؤها أيضا، فإن غلب على قماشها اللون الأسود إلا أن العروق المطرزة والرسوم الكثيفة تجملها. وتبقى الوظيفة الرئيسة لملابس الفتيات غير المتزوجات هي ستر أجسادهن فيسيطر عادة التفصيل الفضفاض والتطريزات البسيطة الهادئة الألوان كالبيج على أثوابهن ، ويجسد ثوب بئر السبع الذي تتخذ خيوطه الحريرية المستعملة لونا واحدا وهو الأزرق مثالا لزي الصبية البدوية.

زفوا عروس الدار لابن الجار

في جميع المجتمعات العربية يشكل حفل الزفاف طقسا تراثيا شعبيا، وإن استحدث البعض عادات دخيلة.

وللعروس الفلسطينية ميلاد جديد في عرسها، حيث تجهز، وكأنها مولود جديد، من الملابس الداخلية والخارجية الجديدة، وقطع الذهب والحلي المعدنية. بالكسوة، تبدأ مراسيم الزواج الفلسطينية، ويعدها أهل العريس لعروسه تتكون من أقمشة، حزام حرير أو كمخ، شال حرير، قماش للسراويل بالاضافة إلى الاحذية والمناديل . يكون للخياطة دور رئيسي في مرحلة الخطبة أو الحنا.

أول الأثواب التي تخيطها للعروس ثوب «الملك» يصنع غالبا من الحرير الأحمر أو المقلم بالاحمر ويزين بخطوط ذهبية على القبة، تزين بخمسة أقمار، والبنايق والاكمام، يصاحبه جاكيت صغير بكم قصير يسمى بـ «التقصيرة». ولثوب الملك مكانة في التراث الفلسطيني بالرغم من كلفته العالية فمع الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين اضمحل وجوده واستعيض عنه بثياب اقل كلفة، وبعد توالي الهزائم أيقن الشعب أهميته على اعتبار أن نسيانه وعدم استخدامه يسهم في طمس التراث الشعبي الفلسطيني . حتى أن بعض الأمهات تهدي ابنتها في حفل زفافها ثوبها «الملك»، كما حرصت بعض النسوة قديما على أن يدفن فيه.

في طقس شعبي جميل تزف العروس في ليلة الزواج «الجلوة» وهي تلبس فوق ملابسها العباءة او الجلايا وهو ثوب مطرز او مزين بالبرق او القصب او الحرير يرافق لبس «المردن» الذي يتخذ من اكمامه الواسعة سبب تسميته وعادة مايكون فضفاضا خفيفا، وتحمل على جمل او فرس الى بيت زوجها وما إن تصل حتى تخلع العباءة ويغطى وجهها بمنديل خفيف يضع معه سيف او بندقية يزيله العريس مع المنديل . ان العرس الفلسطيني اشبه مايكون بعرض للازياء حيث تستبدل العروس ملابسها اثناء الحفل اكثر من مرة. بل ويستمر استعراض ملابسها طوال الأسابيع الاولى من عرسها . ومن اشهر فساتين العروس الفلسطينية الزريقي وهو فستان مصنوع من القماش الابيض ضيق ومشدود عند الخصر ويتدرج في الوسع حتى نهايته وله حزام يثبت من الخلف.. تتمايز فتاة البادية الفلسطينية في عرسها بزينة غطاء رأسها المسترسل على جسدها والمرصع بالقطع المعدنية الكبيرة والخرز الملون خافية وجهها وبارزة جمال عينيها بالبرقع. ومن زينة العروس في زفافها الحلي، وتحرص على إظهار أكبر قدر منها للعامة.

إن الهيكل العام لملابس الصبية الفلسطينية المتزوجة حديثا يضفي عليها طابع الإثارة فوضعها الاجتماعي الجديد يسمح لها بإظهار مفاتنها بين النساء بما يتفق وثقافة المجتمع الشعبية.

.. وللمناسبات أزياؤها

للأزياء الشعبية النسائية نصيب الأسد من الزي التراثي الفلسطيني، وتتفنن المرأة الفلسطينية في أزيائها لاستقبال جميع المناسبات السارة منها والمؤلمة، ومنها:

ملابس عودة الغائب

منذ القدم قدر للفلسطينية أن تعاني مآسي الحرب وفقدان أحد أركان الأسرة، وتبقى تترقب عودته مترجمة غيابه بحرمانها من زينتها فتبتعد عن ارتداء الملابس الجميلة والجديدة وتتخلى عن حليها . وما إن يصل إلى الدار تجدها في أبهى طلتها خاصة إذا كان الغائب - الزوج - كما تعلق على سطح بيت الغائب رايات بيضاء وخضراء دلالة على الفرح وعودة الغائب.

أزياء المناسبات الدينية

بعد أداء الحاجة الفلسطينية فريضتها الخامسة، تميل إلى ارتداء الأثواب البسيطة غير المبهرجة مفضلة اللونين الأبيض و الأخضر دليلا على ابتعداها عن زينة الدنيا ومباهجها . أما في عيدي الفطر والأضحى فتحرص على إظهار كامل زينتها بارتداء أثواب تراثية جديدة كثوب المقصب والنول.

أزياء الحداد

من المتعارف عليه في كل المجتمعات أن اللون الأسود هو لون الحداد، وهو اللون الذي تتوشح به الفلسطينية عند وفاة أحد أفرد أسرتها، ماعدا رأسها حيث تحرص على غطائه باللون الأبيض. وفي العقود الماضية كانت المرأة في بعض المناطق الفلسطينية تستعد لمراسيم العزاء فتصبغ أحد أثوابها بلون تختاره لإعلان حدادها على اعتبار أن يوم الغالي يطلع الغالي.

«يابنية ياللي في الشباك طلي وشوفي أفعالنا
وانتي غواكي في اللبس وحنا غوانا سيوفنا»

قد يكون تمسك الفلسطينية بزيها الشعبي اليوم أبلغ من السيف في حماية تراث وحضارة شعب عريق.
-------------------------------
- مصدر الصور كتابان هما الملابس الشعبية الفلسطينية للدكتور شريف كتاعنه (وآخرين) وPolestinian Costome للكاتبة Shelagh Weir

 

هذايل الحوقل 





 





صبية تزهو بحلة عروس بيت لحم





الأحجار والأصداف تزين قبعة الطفل وتحميه من الحسد والأرواح الشريرة ولا يخلو غطاؤه من الخرزة الزرقاء





الأحجار والأصداف تزين قبعة الطفل وتحميه من الحسد والأرواح الشريرة ولا يخلو غطاؤه من الخرزة الزرقاء





هكذا يبدو الوليد بعد تقميطه





تطريزات يدوية متميزة لاتخلو منها الازياء الفلسطينية في الريف والبادية





البرقع وجمال العيون العربية





النقود والقطع المعدنية من أهم اكسسوارات الزينة للمرأة الفلسطينية





الأحجار والأصداف حلي ومجوهرات الفلسطينية





ثوب من بيت جالا يعود إلى القرن الـ 19 الميلادي