عام يمضي

 عام يمضي

 


ديسمبر هو شهر الوداع لعام مضى, وهو غالباً ما يكون وداعاً حزيناً, تعصف به ريح الشتاء وتبلله قطرات المطر, ولكن خلف هذا الحزن تكمن براعم خضراء تنتظر قدوم ربيع آخر, فالحـياة صـيرورة لا تتوقف, خليط من التلاقي والفرقة, ومن الإحباط والأمل, لذا فإننا نترقب خطوات العام الجديد بعد أن انطوت صفحة عام كان قاسياً علينا وعلى البشرية كلها. لقد اختلف الكثيرون حول بداية هذا القرن الذي نعيش أولى سنواته, ولكن من المؤكد أن بدايته الحقيقية كانت في اليوم الحادي عشر من سبتمبر في هذا العام, بداية جاءت متأخرة عن موعدها بواحد وعشرين شهراً كاملاً,لأن هذا التاريخ يعد علامة فارقة في تاريخ البشرية كما كانت الثورة البلشفية علامة فارقة في بداية القرن الماضي, وقد أدخلتنا مرغمين إلى مرحلة جديدة تحكمها قواعد مختلفة, وقد رأينا, وسوف نرى, آثارها في الأيام المقبلة, ولكن المؤلم في هذه المرحلة أن الحضارة الإسلامية تخرج منها مدانة وقد ارتدت عباءة الإرهاب, وهي تهمة لم تثبتها الأدلة حتى الآن, ولكن الآلة الإعلامية القاهرة في الغرب ظلت تواصل عملها بدأب ودون هوادة حتى جعلتنا ندخل قفص الاتهام رغماً عنا, ونتبارى في الدفاع عن أنفسنا ضد حكم صدر دون أي حيثيات, ودون منطق واضح.

ولعل القنابل التي تهوي على الناس العزل في أفغانستان, وذلك القتل اليومي الذي تمارسه إسرائيل ضد أطفال فلسطين يجعلانا نفيق على الحقيقة المفزعة لذلك العالم غير المتوازن الذي نعيش فيه والذي يفتقد أقل موازين العدالة, فهل من الطبيعي في مثل هذه الظروف أن يتهم الإسلام بالإرهاب, في الوقت الذي يُمارس ضده أبشع أنواع الإرهاب?

إن العربي تقدم في هذا العدد شهادتها على سمو الحضارة الإسلامية من خلال استعراضها لمهنتي الطبيب والصيدلاني اللتين تعتبران من أكثر المهن إنسانية, وتعرض للإسهامات المهمة التي قدمت في هذا المجال, فعلى امتداد هذه السلسلة من المقالات التي يقدمها شيخ المؤرخين نقولا زيادة حول صنّاع الحضارة الإسلامية لم نجد مكانا للإرهابي أو القاتل وسط كل هذه المهن , التي برع العرب فيها لأنها نشأت من أجل أن تجعل حياة الإنسان أكثر إنسانية, وفي السياق نفسه, يحدد المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري موقفنا من الحضارة الغربية, ويحاول أن يجد وسيلة للتعامل معها دون أن تكون هناك مفاضلة بين التبعية والهيمنة. وتمضي بقية صفحات العربي حافلة بقضايا الفكر والأدب والفن والتي تثبت أننا أبناء حضارة قادرة على الفكر والإبداع, وأننا نسعى من أجل إقامة حوار جاد بين الحضارات وليس من أجل تغذية أوار الصراع فيما بينها, لذلك تتجول العربي بين صنوف المعرفة الإنسانية لا تفرق بين شرق وغرب, ولكنها تسعى فقط لتأصيل المعرفة وإعلاء الروح الإنسانية.