عودة إلى عصر البالونات

عودة إلى عصر البالونات

أدى اكتشاف غاز الهيدروجين الأخف وزنا من الهواء في أواخر القرن الثامن عشر أى حوالى عام 1766 ميلادية إلى قيام العالم البريطانى الشهير هنرى كافنديش بإجراء تجاربه على البالونات وكانت أول عهدها عبارة عن كيس مملوء بالغاز يتدلى من أسفله سلة لركوب الشخص الطائر ، ولصعود البالون إلى الأعلى كان على الشخص الطائر أن يقوم بإلغاء أكياس الرمل التي يحملها معه فيخف الوزن ، ويرتفع البالون إلى الأعلى ، عندها يصبح البالون رحمة الهواء واتجاه الريح ولا يمكن التحكم في طيرانه ، وعند الهبوط يقوم الشخص الراكب بفتح صمام للسماح لبعض الغاز بالإفلات ، فيبدأ البالون تدريجيا بالهبوط .

الذعر ينتاب القرويين

فى 27 أغسطس عام 1773م قام الفرنسى " جاك ألكسندر شارلز " " كان معلما للكيمياء " بإطلاق بالون من صنعه قطره 12 مترا مملوء بغاز الهيدروجين من ميدان تشام دى مارس بالعاصمة الفرنسية باريس ، من دون ركاب ولكنه وضع به كتلة وزنها 20 رطلا ، وارتفع البالون بنجاح ماكثا في الجو مدة 45 دقيقة تقريبا وقطع البالون مسافة 25 كليوا مترا متجها إلى قرية في ضاحية " جونيس " بالقرب من باريس ، ثم بدأ ينزل هناك رويدا رويدا ، وقد كان هذا شيئا غريبا بالنسبة للأهالى الذين دب الذعر والخوف والهلع في قلوبهم منه ، وحينما أستقر البالون لعبت الصدف دورا كبيرا في مجال علم الطيران- مثله في ذلك مث معظم الاكتشافات والاختراعات العلمية التي كانت وليدة المصادفة . وكم من مرة سمعنا أو قرأنا عن عالم من العلماء توصل إلى اختراع عظيم عن طريق المصادفة بينما كان يقوم بتجاربه أو أبحاثه في مجال آخر.

ففى فرنسا ، وبالتحديد في منطقة " أنوناى " القريبة من مدينة " ليون " كان هناك اثنين من عمال مصانع الورق وهما الأخوان " جوزيف وايتان " مونجو لفييه " Montoglfier " " صاحبا مكتبة متواضعة في مدينة أفنيون الجنوبية " اللذان يرجع لهما الفصل في تطبيق العمل على البالونات فقد لاحظا أثنا عملهما بان قصاصت الورق ترتفع لأعلى مع الدخان المتصاعد من احتراق مخلفات المصنع ، فعرفا أن الهواء الساخن تقل كثافته وبالتالى يرتفع لأعلى وقد استفادا من مشاهدتهما تلك القصاصات الورقية المتطايرة مع الدخان في إجراء التجارب على هذه الظاهرة ففى عام 1782م قام الأخوان مونجو لفييه بإجراء تجربة بأن صمما علبة من الورق مفتوحة من أسفل ثم أشعلا النار من تحتها فإذا الحجرة ، ثم أخذ الأخوان مونجو لفييه يكرران التجربة على عليه أكبر حجما وقد نجحت جميع تجاربهما .

بعد نجاح تلك التجارب قام الأخوان مونجو لفييه بتجارب أخرى مستخدمين بالونات بأحجام أكبر ، فقد قام بصنع بالون كروى الشكل مصنوع من الحرير ومفتوح من أسفله ، وقطره اثنا عشر مترا ، وكان يعتبر أول بالون قادر على حمل وزن مكافئ لوزن الإنسان في الهواء حيث قاما بوضع كمية من القش والقطن في أسفله وفى 23 أبريل عام 1983م أجريا تجربتهما في الهواء الطلق ، حيث قاما بإشعال نار كمصدر للحرارة لتسخين الهواء وتقليل كثافته عن الهواء المحيط به ، فارتفع البالون ووصل إلى ارتفاع ألف قدم وهبط البالون بنجاح على بعد 915 متراً من نقطة انطلاقه .

وفى 4 يونيو عام 1873م قام الأخوان موتجو لفييه بإجراء تجرة أخرى ، وفى ساحة كوردولييه في مدينة أنونانى الفرنسية ، وأمام حشد كبير من الجماهير ، جهزا بألونا مصنوعا من القماش الرقيق وملونا باللونين الأحمر والأزرق وقطره أحد عشر متراً ، ونجحت التجربة وارتفع البالون إلى ستة آلاف قدم لمدة عشر دقائق وسقط بعد ذلك في نقطة تبعد عن الساحة مسافة كليو مترين . وقد لفتت التجربة نظر الأكاديمية العلمية الفرنسية التي غيرت موقفها السلبى السابق " في شهر مايو عام 1782م أعلنت الأكاديمية الفرنسية بلسان العالم الفلكى المشهور الوقراتسولا لاند " أن التحليق في الفضاء بلسان العالم الفلكى المشهور الوقراتسوا لاند " أن التحليق في الفضاء حلم خرافى علمية لا مجال إلى تحفيفه ، وكتب يقول . سوف لن يتمكن الإنسان أبدا من أن يحلق في الهواء ، فقد تأكد لنا بطريق العلم أن الأمر مستحيل " ودعت الأكاديمية الأخوين مونجو لبيه لزيارة باريس مقدمة لهما العون لمواصلة تجاربهما . وكذلك قدم لهما الملك الفرنسى لويس السادس عشر مساعدة مالية .

بعد دعوتهما إلى باريس أمر الملك لويس السادس عشر الأخوين مونجو لفييه باقامة عرض خاص في حدائق سراى فرماى لتجربة بالونهم . فقام الأخوان لفييه بصنع بالون ضخم خاص قطره 13 مترا مملوء بالهواء الساخن ومربوط به سلة واسعة على شكل حوض ومعلقة أسفل البالون . وفى التاسع عشر من سبتمبر عام 1783م وأمام الملك لويس السادس عشر والملكة مارى أنطوانيت ، وضعا في السلة خروفا بطة وديكا وطار البالون وارتفع حتى وصل إلى 1700 قدم ، ومكث في الجو ثمانى دقائق قطع خلالها مسافة أكثر من كيلومترين ونصف . ولقد نجحت تلك التجربة تماما ، وتعتبر هذه التجربة الأولى من نوعها في عالم الطيران لأنها اشتملت على كائنات حية . هذا ولم يكتف الأخوان " مونجو لفييه " بتلك التجربة بل باشر ببناء بالون آخر ليحمل هذه المرة رجلا في الهواء ، وزودا البالون بفرن خاص لتزويده بمصدر حرارى لتسخين الهواء لتحقيق طيران مستمر . واستغرق إعداد البالون شهرين وأجريا عدة تجارب ، والبالون مقيد إلى الأرض ، فوجدا أن التجربة ناجحة . وكان قطر البالون 23 مترا ومثبت في أسفله سلة . بعد تجارب الأخوين مونجولفييه ظهر الاطمئنان على الإنسان من ناحية سلامة الصعود والارتفاع إلى الأعلى محددة على الأقل . فقام الشاب " جان فرانسوا بيلاتردوروزييه " في 15 أكتوبر عام 1783م بالصعود إلى البالون المعبأ بالهواء الساخن وطار البالون وارتفع إلى علو أربعة وثمانين قدما فقط حيث كان البالون مربوطا بالأرض بحب طوله 84 قدما حتى لا يجرفه التيار .

بعد تلك التجربة أحس دوروزييه بثقة كبيرة وبأمان فقرر محاولة الطيرات ببالون غير مربوط بالأرض ، وقام بعد شهر وأسبوع من تجربته الأولى ، وبالتحديد في يوم 21 نوفمبر عام 1783م وتحت رعاية الملك الفرنسى لويس السادس عشر وملكة فرنسا وإمام حشد كبير من الجمهور يقدر بأكثر من ألفى مشاهد ، وفى أحدى حدائق باريس قام عالم التاريه الشاب " جان فرانسوا بيلاتر دوروزييه " ومعه متطوع آخر هو مركيزا أرلاند بالصعود إلى السلة المزينة بالأعلام والمثبتة في أسفل البالون الذي قام بصنعه " اتيان مونجولفييه " مستخدما الهواء الساخن ، ورفعت المراسى وبدأ البالون بالصعود بسرعة كبيرة ، وطار البالون في الهواء بنجاح ساحق في تمام الساعة الواحدة وخمسين دقيقة ظهرا ، وارتفع إلى 1500 قدم لمدة خمسة وعشرين دقيقة ، وقطع ثمانية كليو مترات ونصف الكيلو من نقطة إطلاقه وهبط بسلام وبهذه التجربة حاز كل من دوروزييه ومركز أرلاند الشرف كأول شخصين يحلقان في الهواء بواسطة مركبة جوية.

هواء ساخن يطير

ولم يأت عام 1784م حتى أصبح مغامرة الصعود إلى السماء بواسطة البالون متعة مأمونة العواقب ، وبدأ البالون ينتشر وينتقل إلى أورب . ففى 25 فبراير عام 1784م استطاع الإيطالى " بون أندريانى " الإقلاع من إحدى ضواحى ميلانو الإيطالية بواسطة بالون من صنعه مستخدما الهواء الساخن وتمت تجربته بنجاح.

ونظرا للثقة الزائدة والاطمئنان إلى نجاح التحليق بالبالون بدأت المرأة من دون خوف من المشاركة في تجارب التحليق بالبلون ففى 20 مايو عام 1784م استطاعت كل من المركيزة دى مونتاليرت والكونتيسة دى بوديناس والكونتيسة مونتالبرت والسيدة دى لاجار القيام بنجاح برحلة بواسطة بالون يستخدم الهواء الساخن .

بعد ذلك وصلت صناعة وتجربة البالون إلى إنجلترا حيث قام الاسكتلندى " جيمس بيكر " بتاريخ 25 أغسطس عام 1784م بتجربة بالون مستخدما الهواء الساخن ، ولقد تمت التجربة بنجاح في منطقة أدنبرة.

وفى 16 أكتوبر عام 1784م قام " جان بلانشارد " بتجربة على بالون بعد أن ثبت مروحة ست ريش في سلة البالون وزودهابتروس لإدارتها يدويا لكى يتحكم في سرعة وتوجيه البالون ولكن تجربته فشلت . وبعد ذلك كثرت التجارب على البالونات ولم يكتف بغاز الهيدروجين ، بل استخدمت فيها غازات أخرى .

ومن أشهر التجارب التي أجريت في ذلاك الوقت التجربة التي أجراها المهندس الفرنسى " جان فرانسوا بلا تشارد " مع زميله الأمريكى " جيفريز " والتي استطاعا من خلالها عبور المانش بنجاح لأول مرة بواسطة بالونهما في عام 1785م . وجان فرانسوا بلانشارد يعتبر من قائدى البالونات المشهورن . فلقد قام بالطيران بواسطة البالون في أورباكلها تقريبا .

هذا ولم يصل البالون إلى الولايات المتحدة الأمريكية إلا بعد عشر سنوات من ظهوره حيث قام جان بلاتشارد بأول رحلة بالبالون في أمريكا بتاريخ 9 يناير عام 1793م ، محققا أول طيران في أمريكا ، وهبط سالما بعد أن مكث في الجو مدة 46 دقيقة . وقد شاهد تلك التجربة الرئيس الأمريكى جورج واشنطن.

المستكشفون يقفزون

قامت الجمعية الجغرافية الأهلية الأمريكية مؤسسة سلاح طيران الجيش الأمريكى يصنع بالون ضخم أطلق عليه اسم " المستكشف " وأطلق البالون وبه ثلاثة ملاحين بتاريخ 28 يوليو عام 1934م ، ولقد حلق البالون ضاربا رقما قياسيا في الارتفاع حيث وصل إلى علو قدره 60613 قدما ، ولكن الملاحين الثلاثة اضطروا لرتك البالون وقفزوا بواسطة المظلات " البراشوت " بسبب حدوث تمزق في جدران البالون .

وفى 5 أكتوبر عام 1976م قام الأمريكى " أدبوست " بمحاولة لعبور الفضى " سيلفر فوكس " مستخدما غاز الهليوم وقد انطلق البالون من منطقة " ميلبويدج " ليقوم بأطول رحلة بالونية عرفها الإنسان واستطاع الأمريكى أدبوست التحليق لمدة مائة وسبع ساعات " 107 ساعة " و 37 دقيقة قاطعا مسافة 2740 ميلا ، ولكن الحظ لم يساعده لتكملة الرحلة حيث إن الرياح المعاكسة في قلب المحيط اضطرته أن يهبط ببالونه في البحر على مسافة 200 ميل من جزر الآزور.

ويمكننا القول إنه بارتفاع البلونات في الجو ، أصبح حلم الإنسان حقيقة واقعة حيث أمكن حمل الإنسان في الجو ، ولكن كل التجارب السابقة كانت على البالونات المملوءة بغازات أخف وزنا من وزن الهواء ، غير أن مشكلة ما هو أثقل من الهواء ظلت قائمة في ذلك الوقت ولم تتقدم.

 

 

علي محمد الفودري

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات