محور خاص: الفياجرا

محور خاص: الفياجرا

هل هى ثالثة الأثافى؟

سطوة الإعلام صارت تضع الناس في حيرة ، خاصة فيما يتعلق بالأمور المهمة من حياتهم وهل هناك أهم من الصحة لدى الإنسان ؟ أين الحقيقة وأين المبالغة فيما يطرح على الناس ويتعلق بصحة نفوسهم وأبدانهم ؟ لنتذكر " البروزاك " الذي قيل إنه أسطورة الابتهاج النفسى ولنتذكر " الميلاتونين " الذي قدم كأكسير للشباب الدائم. وها هو دواء " الفياجرا " الذي يروج له الآن كمعجزة تبعث الحياة في عشق الأجساد البالية إنه ثالث دواء غربى يطرح على الناس وسط ضجة إعلامية هائلة . ولقد تصدت العربي بالبحث في حقيقة الدواءين السابقين ، وها هى تفعل مع هذا الدواء الثالث الفياجرا.

ماذا عن الحبة الزرقاء؟

هل هي لعبة تجارية؟ أم إشارة إلى قفزات متطورة في البحث العلمي الطبي؟ أم هي هذا وذاك معاً؟

حين يخرج دواء جديد يمس أمراً حيويا من أمور الإنسان، كالحفاظ على الشباب أو القدرات الجسدية أو الجنسية، تثور حوله ضجة إعلامية كبرى تمتد من مؤيد متحمس يغالي في الدفاع عنه، إلى مشكك مرتاب يسير التساؤلات والظنون، إلى معارض يبلغ في التشكيك فيه إلى حد الطعن والتكذيب.

فما أن أعلنت إدارة الأغذية والأدوية الأمريكية F.D.A في السابع والعشرين من شهر "مارس" 1998 موافقتها على استعمال دواء "فياجرا" في علاج العجز الجنسي "العنانة" حتى انطلق عشرات الألوف من الرجال في أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية، لشراء هذا الدواء وارتفع سعر أسهم الشركة المصنعة إلى أكثر من الضعف، فقد طرحته في الأسواق بسعر يتراوح ما بين 8- 9 دولارات للحبة الواحدة، إلا أن بعض الصيدليات في وسط نيويورك لا تتردد في طلب 16 دولارا للحبة الواحدة. وأصبحت حبوب فياجرا خلال أسابيع أسرع الأدوية مبيعاً في التاريخ. ومنذ ذلك الحين، ووسائل الإعلام تتناقل أخبار هذا الدواء وتثير حوله زوبعة عارمة، وانتقلت هذه الحمى إلى بلادنا العربية، وأصبح الدواء يباع في السوق السوداء بأسعار خيالية، رغم تحذير السلطات الصحية من تناول هذا الدواء قبل أن تصدر تلك السلطات رأيها فيه.

فما حقيقة الأمر؟ وهل الفياجرا فعال ومأمون؟ أم أن هناك ضربا من الدعاية والتهويل؟

رغم وجود أكثر من عشرين دراسة علمية على الفياجرا فإننا كنا ننتظر مقالا رئيسيا من طرف محايد في مجلة طبية موثوقة. وقد تم ذلك في الرابع عشر من شهر مايو 1998 حين نشرت مجلة New England Journal of Medicine مقالاً رئيسياً كتبه الدكتور "روبرت يوتيجر" علق فيه على دراسة حول الفياجرا نشرت في نفس العدد. وكانت تلك الدراسة تتألف من قسمين. ففي القسم الأول أعطي 532 رجلاً مصاباً بالعجز الجنسي "العنانة" حبوب الفياجرا "بجرعة 25 أو 100 ملجم"، أو حبوباً وهمية قبل ساعة من المعاشرة الزوجية، على ألا تؤخذ أكثر من حبة واحدة في اليوم.

واستمرت تلك الدراسة الذي شمل 329 رجلاً آخر مصاباً بالعنانة، فقد أعطي هؤلاء حبوب الفياجرا بحرية تراوحت بين 50- 100 ملجم تبعاً للاستجابة والتحمل.

وقد أظهرت الدراستان أن الفياجرا دواء فعال في علاج العناية، حيث حسن من العجز الجنسي في 69% من الحالات.

وعلق الدكتور "يوتيجر" في نهاية مقاله الرئيسي بالقول:

"إن الخوف كل الخوف هو أن يلجأ البعض إلى استعمال ذلك الدواء دون استشارة أي طبيب، ودون إجراء أية فحوصات طبية للتأكد من سبب العنانة. كما أن هناك مخاوف من أن عددا من الرجال الذين لا يعانون من أي عجز جنسي يمكن أن يستعمل هذا الدواء بدافع من الشراهة الجنسية، وفي ذلك من المخاطر ما لم يكن في الحسبان".

والحقيقة أن الفياجرا لا يعيد الشباب كما يتصور البعض، وإذا ثبتت فعاليته في علاج العنانة فليس معنى هذا أن ينطلق الرجال وراء شهواتهم، ناسين أن الحياة الزوجية هي سكينة ومودة ورحمة فبل كل شيء!!

اكتشاف وتأثيرات

الفياجرا دواء جديد على شكل حبوب. واسمه العلمي "سيلد نافيل" Sildenafil وقد اكتشف هذا الدواء مصادفة عندما فشل في استخدامه في علاج الذبجة الصدرية، فقد لاحظ المرضى الذين تناولوه تحسنا في عجزهم الجنسي.

وتعمل هذه الحبوب على كبح إفراز إنزيم معين يساهم في تكريس العجز الجنسي.

وتعمل هذه الحبوب على كبح إفراز إنزيم معين يساهم في تكريس العجز الجنسي. وهذا الإنزيم يدمر مادة تدعى "جي. إم. بي"، والتي تساعد على إرخاء العضلات الملساء في العضو الذكري مما يزيد في اندفاع الدم عبره.

والفياجرا يمتص بسرعة، ويصل إلى أعلى مستوى له في الدم خلال ساعة من تناوله عن طريق الفم. ويستمر تأثيره ما بين 3- 5 ساعات. ولا يعمل الفياجرا ما لم تكن هناك إثارة جسدية طبيعية، وذلك على العكس من الحقن المستخدمة موضعياً.

وقد استخدم دواء الفياجرا في عدد من الدراسات التي شملت أكثر من 3000 رجل تراوحت أعمارهم ما بين 19- 87 سنة. واستمرت تلك الدراسات ما بين 3- 6 أشهر. وكان هؤلاء المرضى مصابين بالعناية الناجمة عن أسباب عضوية أو نفسية أو الاثنين معاً.

وقد أشارت تلك الدراسات إلى فعالية الفياجرا عند حوالي 70% من المرضى بالمقارنة مع 20% ممن أعطوا دواء وهميا أثناء تلك الدراسات. أما الجرعات التي استخدمت فكانت 25 أو 50 أو 100 ملجم.

وقد أعطيت حبة الفياجرا قبل ساعة من المعاشرة الزوجية.

وكانت الجرعة القصوى المستخدمة في الدراسات 100 ملجم. وحذرت الشركة المصنعة من استخدامه أكثر من مرة واحدة في اليوم.

وترافق استعمال حبوب الفياجرا ببعض التأثيرات الجانبية، وكان أكثرها شيوعاً: الصداع والتوهج "بسبب توسيع الأوعية الدموية". واضطراب في رؤية الألوان، واحتقان الأنف.

وقد حدث الصداع عند 15.8% ممن استخدموا حبوب الفياجرا، وتوهج الوجه عند 10.5%، وعسر الهضم عند 6.5%، أما احتقان الأنف فشوهد عند 4.2%، كما حدث اضطراب عابر في البصر وخاصة في تمييز الألوان عند 2.7% من المرضى. وقد يسبب تداول حبوب الفياجرا هبوطاً في ضغط الدم مما يؤدي إلى الإغماء.

وينبغي التأكيد أولاً على عدم استعمال أي دواء دون استشارة الطبيب. والحقيقة أننا لانعرف الوقت الحاضر كل الحالات التي يحذر فيها من استخدام الفياجرا، ولكننا نعلم بالتأكيد أنه لا يجوز تعاطيه عند مرضى القلب الذين يتناولون مركبات النتيرات "مثل الأيزورديل والأيزومو وأشباهما" فقد يسبب ذلك هبوطاً شديداً في ضغط الدم. ولابد من تقييم حالة القلب قبل استخدام هذا الدواء خاصة عند المرضى المصابين بنقص التروية القلبية أو جلطة القلب. ويحذر أيضاً من استخدامه عند المصابين بقرحة المعدة الحادة، والأمراض التي تترافق بالاستعداد للنزف.

ولا يعرف الآن فيما إذا كان استخدام الفياجرا مع الأدوية الأخرى التي تعالج العجز الجنسي قد يؤدي إلى أية مضاعفات أم لا.

وباختصار فإننا لا نعلم ما إذا كان هذا الدواء سيؤدي إلى مشاكل طبية أخرى باستعماله لفترة طويلة أم لا، ولا نعلم كل حقائقه وملابساته. ولهذا تبحث السلطات الصحية في البلاد العربية في الوقت الراهن أمر هذا الدواء قبل أن تخرج بتوصيات محددة بشأنه، وقد منعت تلك السلطات استخدامه أو بيعه في الصيدليات قبل إصدار رأيها فيه، وفقاً لضوابط خاصة تحمي المستهلك في بلادنا العربية من استخدام دواء قبل ثبوت فعاليته وخلوه من المحاذير والأخطار. ولهجة تحذير شديدة نقولها لأولئك الأسوياء الذين يريدون المغامرة في الشهوات دون إدراك ما يمكن أن يعقب ذلك من محاذير.

مشكلة عالمية

وإذا كانت تلك الضجة قد أثيرت حول هذا الدواء، فإن ذلك يعود أساساً إلى أن العجز الجنسي مشكلة عالمية تصيب حوالي مائة مليون شخص في العالم. ويقدر الباحثون أن 30 مليونا من الأمريكيين مصابون بالعنانة. وفي حين يشكو منها 39% من الأمريكيين في الأربعين من العمر، فإن تلك النسبة ترتفع إلى 67% عند من هم في السبعين من أعمارهم.

أما في بريطانيا وفرنسا فتقدر الدراسات أن 30- 40% من الرجال فوق الأربعين مصابون بالعنانة، ويقدر الباحثون أن أقل من 10% من المصابين في الغرب يستشيرون الطبيب طلباً للعلاج.

وتصنف أسباب العنانة إلى ثلاثة أصناف:

1- الأسباب العضوية: وسببها أمراض عصبية أو هرمونية أو وعائية.

2- الأسباب النفسية : كالإرهاق الجسدي والنفسي والمشاكل النفسية التي تحيط بالإنسان، والقلق والاكتئاب والهمود النفسي وغيرها.

3- الأسباب " العضوية / النفسية " المشتركة .

وفي معظم الحالات تنجم العنانة عن مزيج من الأسباب العضوية والنفسية. والحقيقة أن تصلب الشرايين مسئول عن 40% من حالات العناية عند الرجال فوق الخمسين من العمر. فهي شائعة عند المصابين بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب. كما تحدث عند 28- 59 % " حسب الدراسات " من مرضى السكر. أما الامراض المزمنة الأخرى التي تترافق العناية فهي : الفشل الكلوي المزمن، والفشل الكبدي ، والتصلب اللويحي ، ومرض الزهايمر، والتهاب القصبات الهوائية المزمن، والأمراض النفسية كالهمود والاكتئاب وغيرها. كما قد يحدث العجز الجنسي في حالات أخرى تصيب الحوض مثل العمليات الجراحية لاستئصال البروستات، او رضوض الحوض أو المعالجة الشعاعية ، وكذا الأمر في أذيات النخاع الشوكي في أسفل الظهر.

ولا شك في أن تدخين السجائر وشرب الخمور يمكن أن يسبب العجز الجنسي. كما أن هناك عددا من الأدوية التي قد تسبب العنانة كتلك المستخدمة في علاج ارتفاع ضغط الدم ، والأدوية المضادة للاكتئاب ، وبعض أدوية القرحة، أو الهرمونات ، وبعض الأدوية المستخدمة في علاج التهابات المفاصل والمسكنات والمهدئات.

البحث عن شفاء

منذ أمد طويل والإنسان يفتش عن علاج للعجز الجنسي ، ويبحث عن دواء مثالي . والدواء المثالي هو الذي يكون فعالا، خاليا من التأثيرات الجانبية، سهل الاستعمال ورخيص الثمن. وما زال الأطباء يطمحون إلى الوصول إلى مثل ذلك الدواء .

والحقيقة أن علاج العجز الجنسي يتطلب صبرا من المريض وحكمة ودراية من الطبيب المعالج.

فكثير من الحالات ذات المنشأ النفسي لا تحتاج إلى دواء بقدر حاجتها إلى ما يزيل تلك الأسباب من قلق وأوهام. ولعل ما يبعث في النفس من طمأنينة الإيمان والاستقرار النفسي والعائلي ما يزيل تلك الأعراض دون الحاجة إلى الدواء . وقديما اعتمد الإنسان على النباتات والأعشاب في علاج العنانة، وأدرك اهمية الزنجبيل والهليون والجنسنج في هذا المجال، ويمكن لفيتامين E والزنك القيام ببعض الدور شريطة استشارة الطبيب . ولا شك أن اتباع الوسائل الطبيعية في العنانة النفسية المنشأ هو افضل سبيل.

ولكن هناك حالات تحتاج إلى علاج طبي، ولا بد في كل الأحوال من استاشرة الطبيب الأخصائي الذي ينتقى الأخصائي الذي ينتقى الخيار الأفضل ، وهناك عدد من الأدوية التي استخدمت في علاج العنانة، ومنها اليوهمبين الذي استخدم لقرن من الزمن، وهناك أدوية أخرى كالترازادول والبروستجلاندين EI وغيرهما. كما أن هناك الحقن الموضعية وتلك التي تعطى عبر الجلد.

وأخيراً يأتي الفياجرا في تلك الضجة العارمة، فهل سيثبت هذا الدواء فعاليته عندما يستخدمه عدد أكبر من المرضى. وهل سيكون مأمونا بالاستعمال المديد.

هذا ما سوف نعلمه بالتأكيد في السنوات القليلة القادمة.

الفياجرا
صدمة ثقافية أم صرعة علمية؟
من وجهة نظر متحفظة، حيث الشك في بعض الأحيان فضيلة، يتناول هذا المقال الفياجراً من زاوية الروح والثقافة والعلم أيضاً.

لا يعُد تصريح إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية لشركة فايزر للدوائيات، في 27 مارس 1998م بطرح مركب سترات السلدينافيل في الأسواق تحت المسمى التجاري "فياجرا" كعلاج مؤقت ـ "أي يلزم تعاطيه في كل مرة تنشأ فيها حاجة له"، وعرضي "أي يخفي الأعراض دون اعتبار لمسببات الأمراض، أو يزيل العرض ولا يداوي المرض" لضعف الباءة "وهو الاصطلاح العربي المؤدب لضعف المقدرة الجنسيةـ بأمر ذي بال بما يستدعي المقال.

فالأمر لا يعدو دواء يضاف إلى قائمة الأدوية، ومنتج تقدر له الكفاءة الاقتصادية وتحسب أرباحه وخسائره في نهاية العام المالي.

أما الجديد فهو هذا الطوفان الهائل من الموجات الإعلامية عبر الأثير بالكلمة المسموعة والمرئية، وفي الصحافة بالكلمة المكتوبة والمرسومة وفي الجلسات الخاصة، الذي نتج عن هذا المنتج.

ولنا أن نتساءل ما السبب؟.. أو ما الأسباب؟

هل يكمن السبب في الصدمة الثقافية التي أصابت ثقافات تعتبر الحديث في الجنس أو مناقشة أموره من المحرمات؟ إطلاقا. "فقط الحديث والمناقشة".

لعل في هذا التعليل بعضا من الحقيقة، فهناك كتاب عنوانه "الكاما سوترا لفاتسيايانا" يبدو أنه كتب في الهند ما بين القرنين الأول والرابع.

وعلى الرغم من أنه تُرجم عدة مرات فإن رتشارد بارتون وأربوثنوت أوردا في مقدمة ترجمتهما التي صدرت عام 1963م تعبيرا عن تقديرهما لشجاعة شركة "شارلز سكلتون" لما خاضته من حرب طويلة مع الجمارك للتصريح بدخول الكتاب إلى المملكة المتحدة، وأضافا مزيدا من التقدير لمن أقدم على مخاطرة نشره "ونحجم عن ذكره منعا لدعم رواجه".

إذن فليس الجديد في أن هناك من يتناول ضعف الباءة، ولكن الجديد هو في مواقفنا منه.

تاريخ طويل للحذر

ويبدو أن ترجمة أحمد سليمان الشهير بابن كمال "مع حذف الألقاب" المتوفى سنة 940 هـ بإشارة السلطان سليم الموسوم "رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه" مقتبسة إلى حد كبير مما سبق ذكره، وإن كان المعد قد أشار في التقديم إلى أنه قد جمعه من الكتب المصنفة في الباه ككتاب "الباه" للنحلي، وكتاب "العرش والعرائس" للجاحظ، وكتاب "القيان" لابن حاجب النعمان، وكتاب "الإيضاح في أسرار النكاح" وكتاب "اللذة" لابن السمسماني.

ومرة أخرى يتحفظ المعد ـ رغم جرأته ـ ويكتب مبرئا نفسه "ولم أقصد بتأليفه كثرة الفساد ولا طلب الإثم ولا إعانة المتمتع الذي يرتكب المعاصي ويستحل ما حرم الله تعالى، بل قصدت به إعانة من قصرت شهوته عن بلوغ أمنيته في الحلال الذي هو سبب لعمارة الدنيا بكثرة النسل لقوله عليه الصلاة والسلام: "تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة".

ولا يتوقف الحذر على ما كتب من قبل، فحتى في كتاب صدر عام 1992م حمل عنوان "الموسوعة النفسية الجنسية" يدافع المؤلف بأن هناك أناساً "يرفضون الخوض أصلا في الحديث فيما يسمى التربية الجنسية، بحسب ظنهم أن تعليم الأطفال حول الجنس يفتح أذهانهم لما لا ينبغي أن ندفعهم إلى التفكير فيه، باعتبار الجنس من المحرمات، حتى في أحط الثقافات وأكثرها بدائية، فمسائل الجنس والنكاح والزواج والولادة ينبغي أن تصان من التطفل، وألا يعيها إلا الكبار في أوقات معينة من العمر، وكلما اقتضت الحاجة إلى أن يتعرف البالغ عليها بحسب حاجته".

وإن كنا لا نتفق مع الكاتب في أن هناك ثقافات منحطة وثقافات راقية ـ وهذا موضوع له مجال آخر، إلا أن أي ثقافة مهما كان مدى التحلل والانحلال والتفسخ بها لا يمكن أن تنادي بتعليم الجنس للأطفال في وقت لا يعلمون عنه شيئا، ولما يعمل جهازهم التناسلي، مما يجعل ما نقدمه من مفاهيم عبارة عن تجريد يزيد في الخيال وينمي في التخيلات. ونوافق تماما مع ما تورده الموسوعة من أن الجنس مسألة حيوية لها دورها في تكوين الشخصية وفي التفاعل الاجتماعي، ولذلك لم يترك الجنس للأفراد يصوغون علاقاته وفق هواهم، وكانت ـ ونأمل أن تبقى ـ للجنس قيم وتقاليد تحد من الخروج على ما يتعارف الناس بشأنه، وتصنع من تراكماتها تراثاً ثقافيا يميز المجتمعات عن بعضها البعض، ورغم التباين فيها تتسم جميعاً بأنها قيم وتقاليد، ولا يوجد المجتمع الذي يخلو منها أو الذي يستطيع أن يستغني عنها.

وإن كان هذا السبب يبرر إلى حد بعيد ذلك الرواج منقطع النظير في عالم التجارة عامة، وفي تجارة الدواء خاصة، فإن الرواج في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها يلفت الأنظار ويستدعي الانتباه، لذا قد يثار التساؤل عن دور شبكة الاتصال العالمية في هذا الأمر.

فقد يكمن السبب في أن العالم في عصر التبادل المعلوماتي قد تخطى الحدود الجغرافية، وأزال الحواجز السياسية بين الدول، وتوفر شبكات الاتصال كل ما هو ممنوع، والممنوع مرغوب.

ردود فعل

يقودنا هذا التطرق إلى موضوع إعادة ترسيخ القيم في عالم تكتسحه العولمة، ويسيطر على اقتصاده الكوكبة، ولا تحد من حديثه في اتصال حدود. ماذا لو كانت بعض مواقع الشبكة تقدم أساليب مبتكرة ـ وميسرة ـ لتصنيع المخدرات وإعداد المهلوسات؟

كما قد يعود السبب إلى ردود الفعل الجماهيرية لبعض الإنجازات الطبية مثل الاستنساخ، أو المنتجات الدوائية الغريبة مثل الميلاتونين، مما أكد الاتكال على الدواء حتى في أخص الخصوصيات، وهي تجربة سبق للعالم أن مارسها وعايشها عقب اكتشاف المضادات الحيوية، وبعيد الكشف عن الفيتامينات.

فالطب الدوائي كوسيلة للاستشفاء يتراوح بين الرفض المطلق والقبول الكامل، أو في البحث عن البدائل.

أما في المقابل، فهناك من يبحث عن السعادة ـ وهو شعور داخلي في منتهى الخصوصية، في قرص دواء. ومن يفرط في الطعام ويريد من الطب أن يقيه السمنة، وحبذا دون أن يتطلب ذلك منه مجهوداً، وهناك من يعرض عن الطعام ويريد من الطب أن يكسوه لحما، وحبذا دون أن يبذل الجهد في طلب الطعام. وهنا لنا أن نتساءل: هل ضعف الباءة مرض يستدعي الدواء؟

الباءة في لسان العرب مثل الباعة، والباء ـ النكاح، وسُمي النكاح باء، وباء من المباءة لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن من أهله، كما يتبوأ من داره. قال المراجز يصف الحمار والأتن:

يعرس أبكاراً بها وعنا

أكرم عرس، باءة إذ أعرسا

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" أراد بالباءة النكاح والتزويج.

ويتفق القدماء والمحدثون على أن الغاية هي العلاقة التناسلية أي الحمل والإنجاب وتكوين الأسرة، وأن الوسيلة هي الجماع الذي يجب أن يقوم على أساس التفاهم المشترك والحب المتبادل وينمو إلى التوافق، وأن ضعف الباءة ليس من الأمراض العضوية التي تشكل أولوية في الاهتمامات الدوائية، خاصة وتبلغ أسبابه النفسية نسبة عالية من حالات الإصابة. إذن فهل هي محاولة دوائية للتغلب على الأسباب النفسية لظاهرة ضعف الباءة خوفا من تفشيها أو الكشف عنها أو التطرق إليها؟ فالضياع والكبت والحرمان وفقدان الهوية ظواهر أنتجها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وخوفا من فقدان النوع البشري، ومن تفشي البدائل في العنف والرفض والتطرف لجأت كبرى شركات الأدوية إلى طرح مسكنات مؤقتة، وعلاجات تخفي الأعراض، وتعالج النتائج دون البحث في الأسباب.

ولنا أن نتساءل: إذا كانت شركات الأدوية تتمتع باحترام عالمي أكيد وقوي ومتين ومحمي بشتى طرق الحماية لمنتجاتها، بحجة أن الكشف عن الدواء يتكلف الكثير من استثمارات البحوث، فهل فرض علينا أن ندعم بحوثا تسعى إلى علاج الباءة وإشاعة السعادة للناس والبشر كالبروزاك وتنحيف البدن وتنعيم البشرة؟ أم لنا أن نوجه مواردنا ـ على شحها ـ إلى علاج البلهارسيا والربو وأمراض القلب والشرايين.. والقائمة تطول وتمتد؟

كما أن لنا أن نتساءل ونتعجب من السرعة المذهلة التي أقرت بها إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية هذا الدواء، واعتمدته في خلال خمسة أشهر من وقت تقديمه ـ أي في غضون مائة يوم عمل فقط لاغير، وتأثيراته أكثر تشعباً وتداخلاً عما قيل؟!

آليات

ودون تكرار ما سبقنا فيه من كتبوا عن "لفياجرا" نستعرض ما يقلق في هذا العقار ولنبدأ من البداية:

يعتمد ورود الدم إلى الأعضاء التناسلية على ارتخاء العضلات البيضاء "أو تسمى الملساء ـ لأنها غير مخططة، أو اللا إرادية ـ لأن تنبيهها لا يتم بالوعي والإرادة، أو الحشوية ـ لأنها غير مرتبطة بالهيكل العظمي" غالبا "ومقترنة بالأحشاء".

وينتج هذا الارتخاء من تحرر أكسيد النيتريك موضعياً. وبعد تحرره ينشط أحد الإنزيمات الحلقية الذي يسمى إنزيم التحلق الجوانيليتي.

والإنزيمات هي مواد تفرزها الخلايا الحية، وتعمل في الجسم عمل العامل المساعد في الكيمياء، أي أنها تساعد في إتمام العمليات الحيوية، أو تزيد من سرعتها، دون أن تدخل في نواتج هذه العمليات.

وهكذا فإن إنزيم التحلق الجوانيليتي ينشط العملية الكيميائية الحيوية التي ينتج في نهايتها زيادة معدلات مركب أحادي فوسفات الجوانوسين المسئول عن ارتخاء العضلات البيضاء وزيادة اندفاع الدم إلى هذه الأعضاء.

وعلى هذا تتلخص الخطوات العملية فيما يلي:

منبه، يؤدي إلى تحرر أكسيد النيتريك، والذي ينبه أكسيد النيتريك هو إنزيم التحلق الجوانيليتي، وبالتالي تزيد معدلات مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي، وبناء عليه ترتخي العضلات البيضاء ثم يزيد اندفاع الدم.

ولكي تعود الأمور مرة أخرى لطبيعتها، تبدأ المرحلة العكسية في إفراز الإنزيم الفسفوري ثنائي الإستري "من النوع الخامس"، وهذا يقوم بدوره بتكسير مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي "الناتج في الخطوة الثالثة في الشرح السابق"، ويتوقف ارتخاء العضلات البيضاء، ويعود اندفاع الدم إلى طبيعته.

وتستدعي حالة الاتزان في الدورات الحلقية بالجسم وجود المنشط والمثبط، والمنبه والكابح في اتزان تستدعيه حالة الجسم العامة، ويتفق مع قدراته، وتفرض مكناته الحيوية عموماً.

مخاطر تثير الخاطر

لذا، ومما سبق، فإنه من الخطورة بمكان ينال أن أحد الأعضاء من المنبهات ما لا يتفق وكفاءة ونفسية بقية الأعضاء.

ومما يثير الخاطر أن المركب الذي يستهدفه هذا العقار ـ أي الإنزيم الفسفـوري ثنـائي الإسـتري ـ مركب متعدد الأنواع، فيوقف العقار تأثير الإنزيم، لذلك لا يتكسر مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي ويتراكم تأثير أكسيد النيتريك ولا تستكمل المعادلة العكسية، أي في الخلاصة فإن العقار لا ينشط المعادلة في الاتجاه الإيجابي بل يمنع الاتجاه السلبي، أي لا ينشط البناء بل يوقف الهدم.

ولكن:

الإنزيم الفسفوري ثنائي الإسـتري كما قلنا من عدة أنواع منها نوع مسئول عن قابلية القلب للتقلص "النوع الثالث"، ومنها نوع آخر له دور ـ لما يتم استيعابه ـ في تمييز اللونين الأزرق والأخضر في شبكية العين "النوع السادس" ولو أن هناك ادعاء بأن "الفياجرا" له خاصية انتقائية، إلا أن وجود حالات ظهرت بها هذه الأعراض الجانبية ينفي هذا الإدعاء، أو على الأقل يخضعه لعوامل الاختلافات الفردية، ويطرح الثقة في فاعلية العقار، ويقلل من مصداقيته.

ومما يثير المخاطر أيضاً أن المركب بعد تعاطيه عن طريق الفم يفرز كنواتج أيضية "نواتج تمثيله غذائيا" في البراز بنسبة 80% من الجرعة التي تم تعاطيها، و13% في البول، وتخرج نسبة أقل من واحد من ألف بالمائة مع المني بعد 90 دقيقة من تعاطيه والسؤال الخطير ـ وما تأثيرها؟

إن هذه النسبة التي قد يظن البعض عن جهالة أنها ضئيلة ولا أثر لها، لا جدال لها أثر كبير، خـاصة لو حسبنا نسبة الأثر والمستجيب، فهنا لدينا خلايا مفردة تحمل نصف عدد الكروموسومات ولها استجابة لم تتطرق إليها بحوث الدواء، لأنه لم يكن في الحسبان أن تتطرق الصناعات الدوائية إلى مثل هذا المجال.

 

 

مصطفى محمود حلمي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات