الفياجرا: صدمة ثقافية أم صرعة علمية؟

الفياجرا: صدمة ثقافية أم صرعة علمية؟

من وجهة نظر متحفظة، حيث الشك في بعض الأحيان فضيلة، يتناول هذا المقال الفياجراً من زاوية الروح والثقافة والعلم أيضاً.

لا يعُد تصريح إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية لشركة فايزر للدوائيات، في 27 مارس 1998م بطرح مركب سترات السلدينافيل في الأسواق تحت المسمى التجاري "فياجرا" كعلاج مؤقت ـ "أي يلزم تعاطيه في كل مرة تنشأ فيها حاجة له"، وعرضي "أي يخفي الأعراض دون اعتبار لمسببات الأمراض، أو يزيل العرض ولا يداوي المرض" لضعف الباءة "وهو الاصطلاح العربي المؤدب لضعف المقدرة الجنسيةـ بأمر ذي بال بما يستدعي المقال.

فالأمر لا يعدو دواء يضاف إلى قائمة الأدوية، ومنتج تقدر له الكفاءة الاقتصادية وتحسب أرباحه وخسائره في نهاية العام المالي.

أما الجديد فهو هذا الطوفان الهائل من الموجات الإعلامية عبر الأثير بالكلمة المسموعة والمرئية، وفي الصحافة بالكلمة المكتوبة والمرسومة وفي الجلسات الخاصة، الذي نتج عن هذا المنتج.

ولنا أن نتساءل ما السبب؟.. أو ما الأسباب؟

هل يكمن السبب في الصدمة الثقافية التي أصابت ثقافات تعتبر الحديث في الجنس أو مناقشة أموره من المحرمات؟ إطلاقا. "فقط الحديث والمناقشة".

لعل في هذا التعليل بعضا من الحقيقة، فهناك كتاب عنوانه "الكاما سوترا لفاتسيايانا" يبدو أنه كتب في الهند ما بين القرنين الأول والرابع.

وعلى الرغم من أنه تُرجم عدة مرات فإن رتشارد بارتون وأربوثنوت أوردا في مقدمة ترجمتهما التي صدرت عام 1963م تعبيرا عن تقديرهما لشجاعة شركة "شارلز سكلتون" لما خاضته من حرب طويلة مع الجمارك للتصريح بدخول الكتاب إلى المملكة المتحدة، وأضافا مزيدا من التقدير لمن أقدم على مخاطرة نشره "ونحجم عن ذكره منعا لدعم رواجه".

إذن فليس الجديد في أن هناك من يتناول ضعف الباءة، ولكن الجديد هو في مواقفنا منه.

تاريخ طويل للحذر

ويبدو أن ترجمة أحمد سليمان الشهير بابن كمال "مع حذف الألقاب" المتوفى سنة 940 هـ بإشارة السلطان سليم الموسوم "رجوع الشيخ إلى صباه في القوة على الباه" مقتبسة إلى حد كبير مما سبق ذكره، وإن كان المعد قد أشار في التقديم إلى أنه قد جمعه من الكتب المصنفة في الباه ككتاب "الباه" للنحلي، وكتاب "العرش والعرائس" للجاحظ، وكتاب "القيان" لابن حاجب النعمان، وكتاب "الإيضاح في أسرار النكاح" وكتاب "اللذة" لابن السمسماني.

ومرة أخرى يتحفظ المعد ـ رغم جرأته ـ ويكتب مبرئا نفسه "ولم أقصد بتأليفه كثرة الفساد ولا طلب الإثم ولا إعانة المتمتع الذي يرتكب المعاصي ويستحل ما حرم الله تعالى، بل قصدت به إعانة من قصرت شهوته عن بلوغ أمنيته في الحلال الذي هو سبب لعمارة الدنيا بكثرة النسل لقوله عليه الصلاة والسلام: "تناكحوا تناسلوا فإني أباهي بكم الأمم يوم القيامة".

ولا يتوقف الحذر على ما كتب من قبل، فحتى في كتاب صدر عام 1992م حمل عنوان "الموسوعة النفسية الجنسية" يدافع المؤلف بأن هناك أناساً "يرفضون الخوض أصلا في الحديث فيما يسمى التربية الجنسية، بحسب ظنهم أن تعليم الأطفال حول الجنس يفتح أذهانهم لما لا ينبغي أن ندفعهم إلى التفكير فيه، باعتبار الجنس من المحرمات، حتى في أحط الثقافات وأكثرها بدائية، فمسائل الجنس والنكاح والزواج والولادة ينبغي أن تصان من التطفل، وألا يعيها إلا الكبار في أوقات معينة من العمر، وكلما اقتضت الحاجة إلى أن يتعرف البالغ عليها بحسب حاجته".

وإن كنا لا نتفق مع الكاتب في أن هناك ثقافات منحطة وثقافات راقية ـ وهذا موضوع له مجال آخر، إلا أن أي ثقافة مهما كان مدى التحلل والانحلال والتفسخ بها لا يمكن أن تنادي بتعليم الجنس للأطفال في وقت لا يعلمون عنه شيئا، ولما يعمل جهازهم التناسلي، مما يجعل ما نقدمه من مفاهيم عبارة عن تجريد يزيد في الخيال وينمي في التخيلات. ونوافق تماما مع ما تورده الموسوعة من أن الجنس مسألة حيوية لها دورها في تكوين الشخصية وفي التفاعل الاجتماعي، ولذلك لم يترك الجنس للأفراد يصوغون علاقاته وفق هواهم، وكانت ـ ونأمل أن تبقى ـ للجنس قيم وتقاليد تحد من الخروج على ما يتعارف الناس بشأنه، وتصنع من تراكماتها تراثاً ثقافيا يميز المجتمعات عن بعضها البعض، ورغم التباين فيها تتسم جميعاً بأنها قيم وتقاليد، ولا يوجد المجتمع الذي يخلو منها أو الذي يستطيع أن يستغني عنها.

وإن كان هذا السبب يبرر إلى حد بعيد ذلك الرواج منقطع النظير في عالم التجارة عامة، وفي تجارة الدواء خاصة، فإن الرواج في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها يلفت الأنظار ويستدعي الانتباه، لذا قد يثار التساؤل عن دور شبكة الاتصال العالمية في هذا الأمر.

فقد يكمن السبب في أن العالم في عصر التبادل المعلوماتي قد تخطى الحدود الجغرافية، وأزال الحواجز السياسية بين الدول، وتوفر شبكات الاتصال كل ما هو ممنوع، والممنوع مرغوب.

ردود فعل

يقودنا هذا التطرق إلى موضوع إعادة ترسيخ القيم في عالم تكتسحه العولمة، ويسيطر على اقتصاده الكوكبة، ولا تحد من حديثه في اتصال حدود. ماذا لو كانت بعض مواقع الشبكة تقدم أساليب مبتكرة ـ وميسرة ـ لتصنيع المخدرات وإعداد المهلوسات؟

كما قد يعود السبب إلى ردود الفعل الجماهيرية لبعض الإنجازات الطبية مثل الاستنساخ، أو المنتجات الدوائية الغريبة مثل الميلاتونين، مما أكد الاتكال على الدواء حتى في أخص الخصوصيات، وهي تجربة سبق للعالم أن مارسها وعايشها عقب اكتشاف المضادات الحيوية، وبعيد الكشف عن الفيتامينات.

فالطب الدوائي كوسيلة للاستشفاء يتراوح بين الرفض المطلق والقبول الكامل، أو في البحث عن البدائل.

أما في المقابل، فهناك من يبحث عن السعادة ـ وهو شعور داخلي في منتهى الخصوصية، في قرص دواء. ومن يفرط في الطعام ويريد من الطب أن يقيه السمنة، وحبذا دون أن يتطلب ذلك منه مجهوداً، وهناك من يعرض عن الطعام ويريد من الطب أن يكسوه لحما، وحبذا دون أن يبذل الجهد في طلب الطعام. وهنا لنا أن نتساءل: هل ضعف الباءة مرض يستدعي الدواء؟

الباءة في لسان العرب مثل الباعة، والباء ـ النكاح، وسُمي النكاح باء، وباء من المباءة لأن الرجل يتبوأ من أهله أي يستمكن من أهله، كما يتبوأ من داره. قال المراجز يصف الحمار والأتن:

يعرس أبكاراً بها وعنا

أكرم عرس، باءة إذ أعرسا

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من استطاع منكم الباءة، فليتزوج، ومن لم يستطع، فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" أراد بالباءة النكاح والتزويج.

ويتفق القدماء والمحدثون على أن الغاية هي العلاقة التناسلية أي الحمل والإنجاب وتكوين الأسرة، وأن الوسيلة هي الجماع الذي يجب أن يقوم على أساس التفاهم المشترك والحب المتبادل وينمو إلى التوافق، وأن ضعف الباءة ليس من الأمراض العضوية التي تشكل أولوية في الاهتمامات الدوائية، خاصة وتبلغ أسبابه النفسية نسبة عالية من حالات الإصابة. إذن فهل هي محاولة دوائية للتغلب على الأسباب النفسية لظاهرة ضعف الباءة خوفا من تفشيها أو الكشف عنها أو التطرق إليها؟ فالضياع والكبت والحرمان وفقدان الهوية ظواهر أنتجها النظام الاقتصادي العالمي الجديد، وخوفا من فقدان النوع البشري، ومن تفشي البدائل في العنف والرفض والتطرف لجأت كبرى شركات الأدوية إلى طرح مسكنات مؤقتة، وعلاجات تخفي الأعراض، وتعالج النتائج دون البحث في الأسباب.

ولنا أن نتساءل: إذا كانت شركات الأدوية تتمتع باحترام عالمي أكيد وقوي ومتين ومحمي بشتى طرق الحماية لمنتجاتها، بحجة أن الكشف عن الدواء يتكلف الكثير من استثمارات البحوث، فهل فرض علينا أن ندعم بحوثا تسعى إلى علاج الباءة وإشاعة السعادة للناس والبشر كالبروزاك وتنحيف البدن وتنعيم البشرة؟ أم لنا أن نوجه مواردنا ـ على شحها ـ إلى علاج البلهارسيا والربو وأمراض القلب والشرايين.. والقائمة تطول وتمتد؟

كما أن لنا أن نتساءل ونتعجب من السرعة المذهلة التي أقرت بها إدارة الغذاء والدواء بالولايات المتحدة الأمريكية هذا الدواء، واعتمدته في خلال خمسة أشهر من وقت تقديمه ـ أي في غضون مائة يوم عمل فقط لاغير، وتأثيراته أكثر تشعباً وتداخلاً عما قيل؟!

آليات

ودون تكرار ما سبقنا فيه من كتبوا عن "لفياجرا" نستعرض ما يقلق في هذا العقار ولنبدأ من البداية:

يعتمد ورود الدم إلى الأعضاء التناسلية على ارتخاء العضلات البيضاء "أو تسمى الملساء ـ لأنها غير مخططة، أو اللا إرادية ـ لأن تنبيهها لا يتم بالوعي والإرادة، أو الحشوية ـ لأنها غير مرتبطة بالهيكل العظمي" غالبا "ومقترنة بالأحشاء".

وينتج هذا الارتخاء من تحرر أكسيد النيتريك موضعياً. وبعد تحرره ينشط أحد الإنزيمات الحلقية الذي يسمى إنزيم التحلق الجوانيليتي.

والإنزيمات هي مواد تفرزها الخلايا الحية، وتعمل في الجسم عمل العامل المساعد في الكيمياء، أي أنها تساعد في إتمام العمليات الحيوية، أو تزيد من سرعتها، دون أن تدخل في نواتج هذه العمليات.

وهكذا فإن إنزيم التحلق الجوانيليتي ينشط العملية الكيميائية الحيوية التي ينتج في نهايتها زيادة معدلات مركب أحادي فوسفات الجوانوسين المسئول عن ارتخاء العضلات البيضاء وزيادة اندفاع الدم إلى هذه الأعضاء.

وعلى هذا تتلخص الخطوات العملية فيما يلي:

منبه، يؤدي إلى تحرر أكسيد النيتريك، والذي ينبه أكسيد النيتريك هو إنزيم التحلق الجوانيليتي، وبالتالي تزيد معدلات مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي، وبناء عليه ترتخي العضلات البيضاء ثم يزيد اندفاع الدم.

ولكي تعود الأمور مرة أخرى لطبيعتها، تبدأ المرحلة العكسية في إفراز الإنزيم الفسفوري ثنائي الإستري "من النوع الخامس"، وهذا يقوم بدوره بتكسير مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي "الناتج في الخطوة الثالثة في الشرح السابق"، ويتوقف ارتخاء العضلات البيضاء، ويعود اندفاع الدم إلى طبيعته.

وتستدعي حالة الاتزان في الدورات الحلقية بالجسم وجود المنشط والمثبط، والمنبه والكابح في اتزان تستدعيه حالة الجسم العامة، ويتفق مع قدراته، وتفرض مكناته الحيوية عموماً.

مخاطر تثير الخاطر

لذا، ومما سبق، فإنه من الخطورة بمكان ينال أن أحد الأعضاء من المنبهات ما لا يتفق وكفاءة ونفسية بقية الأعضاء.

ومما يثير الخاطر أن المركب الذي يستهدفه هذا العقار ـ أي الإنزيم الفسفـوري ثنـائي الإسـتري ـ مركب متعدد الأنواع، فيوقف العقار تأثير الإنزيم، لذلك لا يتكسر مركب أحادي فوسفات الجوانوسين الحلقي ويتراكم تأثير أكسيد النيتريك ولا تستكمل المعادلة العكسية، أي في الخلاصة فإن العقار لا ينشط المعادلة في الاتجاه الإيجابي بل يمنع الاتجاه السلبي، أي لا ينشط البناء بل يوقف الهدم.

ولكن:

الإنزيم الفسفوري ثنائي الإسـتري كما قلنا من عدة أنواع منها نوع مسئول عن قابلية القلب للتقلص "النوع الثالث"، ومنها نوع آخر له دور ـ لما يتم استيعابه ـ في تمييز اللونين الأزرق والأخضر في شبكية العين "النوع السادس" ولو أن هناك ادعاء بأن "الفياجرا" له خاصية انتقائية، إلا أن وجود حالات ظهرت بها هذه الأعراض الجانبية ينفي هذا الإدعاء، أو على الأقل يخضعه لعوامل الاختلافات الفردية، ويطرح الثقة في فاعلية العقار، ويقلل من مصداقيته.

ومما يثير المخاطر أيضاً أن المركب بعد تعاطيه عن طريق الفم يفرز كنواتج أيضية "نواتج تمثيله غذائيا" في البراز بنسبة 80% من الجرعة التي تم تعاطيها، و13% في البول، وتخرج نسبة أقل من واحد من ألف بالمائة مع المني بعد 90 دقيقة من تعاطيه والسؤال الخطير ـ وما تأثيرها؟

إن هذه النسبة التي قد يظن البعض عن جهالة أنها ضئيلة ولا أثر لها، لا جدال لها أثر كبير، خـاصة لو حسبنا نسبة الأثر والمستجيب، فهنا لدينا خلايا مفردة تحمل نصف عدد الكروموسومات ولها استجابة لم تتطرق إليها بحوث الدواء، لأنه لم يكن في الحسبان أن تتطرق الصناعات الدوائية إلى مثل هذا المجال.

 

 

مصطفى محمود حلمي

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات