مهرجان كان... تيارات ومدارس: الفن ضد التجارة

مهرجان كان... تيارات ومدارس: الفن ضد التجارة

شهد مهرجان كان الحادي والخمسين جولة صامتة من الصراع بين الفن والتجارة... فمن الذي انتصر؟

بعد أسبوع واحد من انتهاء الدورة الحادية والخمسين لمهرجان "كان" السينمائي الدولي خرجت مجلة "سكرين انترناشيونال" البريطانية المتخصصة في شئون الصناعة السينمائية، بافتتاحية تنتقد فيها ميل المهرجان صوب الفن على حساب التجارة. وأوردت رؤيتها لنتيجة ذلك فذكرت أن السوق السينمائي هذا العام كان مهمشاً وضعيفاً. وتساءلت لماذا لم يجلب المهرجان مزيداً من الأفلام الأمريكية لعرضها في المسابقة للمساعدة في منح المناسبة قدراً أكبر من التألق ومساعدة السوق السينمائي على تجاوز البرودة التي انتابته.

والمستخلص من هذا النقد هو أن السوق السينمائي. وهو أكبر الأسواق السينمائية الملحقة بمهرجان عالمي، كان ضعيف الحركة والنشاط هذا العام. وهناك مصادر أخرى تؤكد ذلك بما فيها مصادر الموزعين اللبنانيين الذين يؤمونه كل عام والذين وجدوا القليل مما يريدون شراءه، علماً بأن سعر الفيلم هذه الأيام قفز إلى معدل لم يبلغه من قبل، فبتنا نسمع عن أفلام بيعت بـ 50 الف دولار لمنطقة الشرق الأوسط وبـ 75 ألف دولار وبل وصولاً إلى 140 ألف دولار أيضاً.

والذي يبدو هو أن المجلة، التي هي واحدة من ست مجلات سينمائية تصدر أعداداً يومية خلال فترة المهرجان تعتمد فيها ـ وبل قل الهدف منها هو ـ الإعلانات التجارية التي تنشرها شركات الأفلام. وجدت أن نسبة الإعلانات هذا العام، كانت أقل منها في أي عام مضى، بوضع ذلك في الحسبان في مقابل تكلفة الوجود في المهرجان بحجم مؤسسة نشر ليس من الغريب أن تكون "سكرين انترناشيونال" أو غيرها، شعرت ببعض الألم المادي هذا العام.

لكن الحقيقة أن السوق السينمائية في "كان" هذا العام تستلفت الانتباه وإن كان معظم النقاد لا يلتفتون إلى نشاطات السينما على صعيد حركتها التجارية على أساس أنها شأن هم بعيدون عنه. ذلك أن الدورة الأخيرة لمهرجان السينما الأول في العالم، التي انطلقت في الثالث عشر من أيار "مايو" واستمرت حتى الرابع والعشرين منه. شهدت ما يمكن وصفه بجولة جديدة صامتة بين الفن والتجارة في عماد صناعة السينما. ويتبدى ذلك في اختيارات المهرجان للمسابقة حتى مع التسليم بأنها لم تكن يوماً مبنية على إذا ما كانت الأفلام المشتركة في المسابقة ساعية للفوز بالسعفة الذهبية تجارية أم لا.

الإفتتاح

ولعل الفيلم المختار للافتتاح يتضمن الكثير مما يمكن قوله بالنسبة للاستعراض الكبير الذي قام به مهرجان "كان" هذا العام، ليؤكد أنه مناسبة فنية أكثر منها تجارية.

الفيلم هو "ألوان أساسية" " Primary colors " لمايك نيكولز وبطولة جون ترافولتا وإيما تومسون الذي يتناول شخصية مرشح للرئاسة تحفل حياته الخاصة بالفضائح الجنسية وهو لا يزال على بعد قوسين او أدنى من الوصول إلى البيت الأبيض.

وهو فيلم موقوت ليتزامن وفضائح رئيس الجمهورية بيل كلينتون، خصوصاً أن الممثل جون ترافولتا يؤدي كلينتون بحركاته وطريقة نطقه والأحداث تبدو ولو أنها بنيت على أحداث فعلية كتبها واحد عايش الجو الانتخابي على جانبيه، العام جداً والخاص جداً جداً.

عادة ما يكون فيلم الافتتاح تمهيداً لعرض الفيلم تجارياً في البلد الذي يحتضن المهرجان أو في سواه. "ألوان أساسية" سبق له أن باشر عروضه التجارية في الولايات المتحدة حيث حصد إقبالاً متوسطاً. الدعاية التي يحققها كونه افتتح مهرجان "كان" قبيل افتتاحه في الأسواق العالمية، مهمة بلا ريب، لكنها ليست ضمانة لشيء. وهذا ما حدث هذا العام، إذ تم افتتاح "ألوان أساسية في باريس إثر عرضه العالمي الأول في "كان" لكن بإقبال ضعيف جداً على الرغم من كل الهالات الدعائية التي أحيط بها.

هذا لا يؤكد أن السمة الفنية للمهرجان كانت غالبة، بل يؤكد أيضاً أنها لم تكن حاضرة في السنوات القليلة الماضية كحضورها هذا العام، في هذا النطاق، لا ننسى أن فيلم الافتتاح في العام الماضي "المناسبة الخمسون" كانت "العنصر الخامس" الذي لم يكن بعد قد افتتح في أي مكان من العالم، والذي كان إنتاجاً فرنسياً بتكلفة 40 مليون دولار أو يزيد، ناطق بالإنكليزية ومصنوعا بأسلوب هوليوودي صرف وهادف، من خلال موضوعه الخيالي العلمي المليء بتقنيات المؤثرات الخاصة الجديدة، للفوز بأسابيع عرض امريكية ناجحة وطويلة الأمد، وهذاما حدث بالفعل، ولو إلى حين حيث حقق الفيلم من عروضه الأمريكية في الصيف الماضي نحو 90 مليون دولار.

ذلك، وحقيقة نطق العديد من الأفلام الأوربية بالإنجليزية في العام الماضي، كان تغليباً للمعايير التجارية على تلك الفنية. وهذا ما تجنبه المهرجان هذا العام وبإصرار معيداً إلى الذواقة الفن السينمائي إلى الصدارة.

واقعية وطبيعية

حفل الأسبوع الأول بالاكتشافات.

والأهم بينها اشتراك عدد من السينمائيين المتباعدين جغرافياً في تقديم سينما شوارعية بمعناها الواقعي. وقيام آخرين باعتماد مبدأ الكاميرا المحمولة على الكتف وأسلوب التصوير الحر كوسيلة للابتعاد عن أي تماثل بينها وبين السينما المصممة أو المدروسة على أي نحو. سمها سينما مباشرة أو سينما شوارعية أو حتى سينما واقعية. المهم أنها كانت هناك وبقوة خلال الأيام الأولى من المهرجان وعلى نحو لافت للنظر.

أول هذه الأفلام كان "بائعة الورد" للمخرج الكولومبي فيكتور غافيرا "او خفيرا كما ينطقه الأسبان" وهو دراما موجعة تقوم على رصد حياة مجموعة من الأولاد الهائمين في شوارع المدينة يشحذون أو يبيعون الورد أو المخدرات ويدمنون على شم البنزين الأرخص سعراً والآمن أكثر لجهة حمله قانونياً واستخدامه. بائعة الورد المقصودة هي واحدة من بضع فتيات في سنها تعلمت قواعد وسلوك الشارع لأنها ـ كمئات الألوف غيرها ـ ولدت وملعقة العوز هي التي في فمها. هناك فتاة أخرى هاربة من زوجة أبيها وصبي لا يرفع فمه عن استنشاق زجاجة البنزين وأخرى تبحث عن الحب وخامس يبيع المخدرات. وأي شيء آخر، لمن يريد.

القصة ليست هي ما يبني المخرج فيلمه عليه، بل التعرض إلى شخصيات من واقع الحياة أو اذا أردت من قاع ذلك الواقع. وإذ يقرر ذلك فإنه ـ إبداعياً ـ أمام اختيارين: تحقيق فيلم متوج بالقرارات الصناعية "كاميرا على رافعة، الاعتماد على المشاهد المقطعة إلى لقطات الخ..." أو تحقيق فيلم تنزل فيه الكاميرا إلى شخصياتها والى الشارع الذي تقع فيه معظم الأحداث لاغية الغربة والتباعد وموحية بأوجاع المجتمع طبيعياً.

الاختيار الثاني كان في محله وهناك جهد كبير مبذول في إتقان عملية التصاق الفيلم بما يعرضه التصاقاً عضوياً، يسفر عن تحميل المشاهد جزءاً من تلك الآلام الاجتماعية التي يبثها، لكن ذلك على حساب القصة والمعالجة السردية. تستطيع أن تصور عشر ساعات من هذه المادة، لكن إن لم تكن مسيرة على نحو يخدم قصة ما، فإن الفيلم لن يكون ـ على حسنات الاختيار الفني ـ سوى سرد متواصل لقصة لا تنتهي وهذا هو الشعور المنتاب من وراء هذا الفيلم.

الفيلم الثاني في هذا التيار هو "اسمي جو" وهو للبريطاني كن لوتش، ولوتش ليس غريباً على تيار السينما الواقعية، بل مارس هذا التيار، من دون دعوة أحد، منذ السبعينيات وحالياً هو، على نحو طبيعي، في رأس قائمة عدد من المخرجين البريطانيين الذين يعمدون الى تقديم مواضيع اجتماعية صادقة، والتأكيد على صدقها بأساليب فنية تنص على كاميرا تعايش الواقع وتبتعد عن التزييف وتمثيل يجاري ذلك كله ويبدو كما لو ان الممثلين هم أبعد عن أن يكونوا محترفين سابقين.

فيلم كن لوتش الجديد مثالي في هذا النموذج. بطله اسمه جو"بيتر مولان الذي خطف جائزة أفضل ممثل" وهو عاطل عن العمل إلا في نطاق مهمات فردية صغيرة إحداها طرش بيت مشرفة اجتماعية "لويس غودول" مما يؤدي إلى اعجاب متبادل بين رجل لا يملك في الدنيا سوى اسمه، وبين امرأة ليست ثرية انما لديها ـ وكما يقول جو لصديقه ذات يوم مستعرضاً الفوارق الاجتماعية بينه وبينها ـ "وظيفة وحوالة مصرفية آخر الشهر وسيارة ومنزل".

لكن المحيط الاجتماعي الفقير في مدينة جلاسكو، التي تقع فيها أحداث هذا الفيلم البريطاني، والظروف الناتجة عنه كان لابد لها أن تهيمن على العلاقة العاطفية التي بدأت ناجحة بين جو والمشرفة الاجتماعية. فأحد أصدقاء جو مدين لعصابة محلية لتجارة المخدرات بمبلغ من المال صرفه على شراء المخدرات لصديقته "والده ابنه" وهو معرض الآن للضرب المبرح "أو قطع ساقيه" اذا لم يسدد. يقبل جوتسليم شحنتين من المخدرات في سيارة مسروقة مقابل ترك صديقه وشأنه. ويقوم بالمهمة الأولى بالفعل. باقي الأحداث تقع قبل المهمة الثانية، وتشمل اكتشاف المشرفة الاجتماعية لما حدث وقرارها قطع تلك العلاقة مما يدفع بجو إلى العودة لما كان قد نبذه منذ ثمانية أشهر: الإدمان على الشرب.

جو مأسوي؟

بالتأكيد. لكنه جو مطلوب إذا ما أرادت الكاميرا الكشف عن آلام الناس أو حتى إذا ما اكتفت بتسليط الضوء على الواقع الذي يعيش معنا أكثر مما نعيش نحن فيه.

واقعية دنماركية

ثم هناك تلك المدرسة الواقعية المفاجئة التي وردت هذا العام من الدنمارك التي عرضت في المسابقة فيلمان جديدان ينتميان الى مدرسة جديدة "ولا أستطيع أن أقول إنها واعدة" تعرف باسم "قانون الدوغما 95".

أصول هذه المدرسة تعود إلى قيام لفيف من المخرجين بتوقيع ميثاق ينص على انتهاج سبيل سينما خالية من التصنع والتصنيع. هذا لا يعني فقط حمل الكاميرا باليد بدل تثبيتها على رافعة او تحريكها على سكة حديد، بل يعني أموراً أخرى بالغة الأهمية من بينها:

ـ عدم تسجيل الموسيقى لاحقاً، بل تسجل وقت التصوير.

ـ عدم استخدام أي نوع من العدسات الإضافية أو المرشحات أو العاكسات الضوئية.

ـ عدم استخدام الضوء سوى النور الطبيعي.

ـ عدم استخدام التوليف لقطع المشهد الواحد.

ـ عدم وضع المخرج اسمه على نحو منفرد في مقدمة الفيلم.

الفليم وهناك موانع أخرى كلها تصب في كيفية تجنيب الفيلم أي عامل تقني/صناعي طارئ. هذا كله يعني ـ كما رأينا عبر المثالين المقدمين هنا ـ سينما تقوم على التصوير الذي يمكن تسميته بـ "الطبيعي". السينما لا يمكن أن تكون طبيعية أكثر من ذلك. باستثناء ما كانت عليه في مطلع عهدها الصامت. حتى في ذلك الحين هناك حاجات ينفي أهميتها هذا الأسلوب الجديد.

الفيلم الأول هو "الاحتفال" وهو للمخرج توماس فنتربيرغ، أحد الموقعين على ذلك التشريع، ويحتوي على موضوع جيد:

فيما كان الفيلم الثاني هو "الحمقى" للمخرج، المعروف عالمياً، لارس فون تريير، العملان يقومان على أسلوب مشابه نظراً لارتباطهما بقانون الدوغما المذكور، لكن فيلم فنتربيرغ الذي يبدأ مهووساً بالكاميرا ينتهي بأفضل مما بدأ، أما فيلم فون تريير فينجح في كشف عيوب الأسلوب الناتج عن القانون أكثر بكثير من نجاحه في الدفاع عنه.

جمال السينما هي في أنها عبارة عن مدارس مفتوحة لكل اتجاه تعبيري من دون أن يكون أحدها بالضرورة أفضل أو أسوأ من الآخر إلا بمقدار نجاح المخرج في ايصال ما يريد على نحو فني ناجح.

لذا فالفيلم الذي خطف السعفة الذهبية هذا العام، وعنوانه "الأبدية ويوم" مختلف تماماً عن أي من الاتجاهات المذكورة، وينتهي إلى ما يعرف بالسينما المتأهلة التي هناك قلة من التي تمارسها بنجاح، ناهيك عن تلك التي تمارسها مطلقاً. إنه فيلم يوناني "بمشاركة إنتاجية فرنسية" للمخرج ثيو أنجيلوبولوس،

والفيلم تتويج لبحث إنسان عن نفسه بين أتراب الأمس الحزين، والأمل المتمثل في الصبي الذي يبدو كما لا أمل له. دراما رائعة من مخرج كبير يحسن رصف العالم على هواه ولا يتخلى عن حقه في التعبير عن رؤيته الخاصة المستلهمة من واقع اليوم.

فرنسيان من خمسة

إذا ما كان فيلم "ألوان أساسية" قد افتتح المهرجان، فإن الألوان الأساسية التي أرادت الدورة الواحدة والخمسون التعبير عنها هي ألوان العلم الفرنسي. السبب هو في حشد المهرجان لخمسة أفلام فرنسية في المسابقة وهي النسبة الأعلى من الاشتراك بالنسبة لأي بلد داخل المسابقة "هناك نسبة مماثلة من الأفلام الأمريكية إنما خارج المسابقة".

هذه الأفلام بدأت بعمل على قدر كبير من الادعاء والتصنع للمخرج باتريش شارو عنوانه "من يحبني يستقل القطار"، فنان مات "دور محدود للممثل المخضرم جان لوي تريتيان". وفي وصيته أن من يريد التعزية عليه أن يصل إلى المكان بالقطار. هذا يتيح للمخرج جمع شخصيات متناقضة في مكان ضيق واستخدام الكاميرا على نحو تحقيق صحافي بينها، لا الأسلوب ولا الشخصيات ولا القصة فيها ما يستدعي الإعجاب، ربما القبول من أولئك الذين قد يجدون في أي من هذه العناصر ما يستحق الاهتمام. لكن أهم الاشتراكات الفرنسية هو "حياة الحلم لدى الملائكة" وهو الفيلم الأول لمخرج جديد هو أريك زونكا. قصة فتاتين التقتا. واحدة اعتادت التجوال والأخرى اعتادت الاستقرار، لكن المستقرة مكانيا في مكان واحد هي الأقل استقراراً نفسياً فهي تطمح للانتقال مادياً إلى حياة رغيدة وتجد في شاب ثري هذا الأمل. لكن الأولى تدرك أن الشاب لا يحبها ولن يساعدها في تحقيق هذا الحلم. حين لا تقتنع العاشقة بذلك تسوء العلاقة بين الفتاتين، وتنتهي إلى خاتمة مأسوية. دراما جيدة وأسلوب راق في معالجة قصة قد تنقلب في يدي مخرج آخر إلى ميلودراما ثقيلة.

مهرجان الدول

غابت السينما العربية من المسابقة هذا العام "نذكر أن "المصير" ليوسف شاهين مثل مصر والعالم العربي في العام الماضي" كذلك السينمات الهندية والإفريقية ومعظم دول أمريكا اللاتينية ومعظم دول الشرق الأوربية. إنه الغياب الذي يؤثر على "دولية" اللقاء إذا ما أراد المتابع أن يكون دقيقاً. لكن الوجود لم يكن مقصوراً على الدول الأوربية بل كانت هناك اشتراكات ملحوظة من جنوب شرق آسيا وتحديداً من تايوان التي قدمت فيلمين هما "الثقب" للمخرج الشاب تساي مين ليانغ و"زهور شنغهاي" للمخرج المخضرم هاو هساو سيين. الأول أفضل هذين الفيلمين إذ يتضمن موضوعاً نفذ بشكل أسر ولولا كثرة الرمزيات وثقلها لنفذ الى عداد الأعمال الناجحة بالفعل. واشتركت إيطاليا بفيلمين هما "أبريل" لناني موريتي الذي يتحدث بأسلوب شبه تسجيلي عن المخرج ذاته، وقد رزق في ذلك الشهر بمولوده الأول وبحكومة اشتراكية لأول مرة منذ سنوات بعيدة. الثاني هو "الحياة حلوة" لروبرتو بينيني: دراما بخيوط كوميدية حول يهودي يحاول حماية ابنه من الحقيقة المرة خلال الفترة النازية. الاشتراك الرسمي الأمريكي احتوى على ثلاثة أفلام هي "إضاءة" لجون تورتورو و"خوف وازدراء في لاس فيجاس "لتيري غيليام "بريطاني الأصل" و"هنري فول" لهال هارتلي وهذا أفضلها على نحو بعيد، ويتناول دخول رجل اسمه هنري فول على حياة أسرة، وكيف أنه ترك فيها تأثيراً كبيراً عندما اكتشف موهبة شعرية لدى ابن العائلة الشاب سايمون. الأحداث تنتقل من محيط محدود إلى آخر أكبر من دون أن يفقد الفيلم جماليات عناصره الإنتاجية المحدودة.

الاشتراكات العربية

تبعثرت الاشتراكات العربية في تظاهرتين رسميتين كما في ثلاثة عروض تجارية وخاصة خارج نطاق المهرجان.

في قسم "نصف شهر المخرجين" الذي احتفل بمرور 30 سنة على إنشائه تم عرض الفيلم اللبناني ـ الفرنسي "بيروت الغربية" لزياد الدويري. قصة أخرى من واقع الحرب الأهلية تتميز عن سواها بأنها تحمل قدراً كبيراً من المرح والسخرية. قصة ولد يافع يستقبل الحرب بحبور كونها قطعته عن الدراسة وعرفته على الشارع، لكن هدفه الرئيسي هو التعرف على الجنس وهذا ما لا تتيحه الحرب على الرغم من فوضاها. إخراج الدويري البارع يتيح معايشة فعلية لأجواء الحرب، لكن الحوار ضعيف والسيناريو كان يتحمل بعض التعمق المفقود.

في تظاهرة "نظرة ما" عرض المخرج الجزائري كريم تريدة فيلماً صوره في هولندا، بموضوع هولندي صرف لا يمت إلى أي واقع عربي. الفيلم هو "عروس بولندية" ويدور حول رجل ريفي يستقبل ذات يوم امرأة بولندية هاربة من مطارديها. ويتابع المخرج النشوء الهادئ والخفي لقصة حب بظروفها المختلفة. اذا ما كان هذا الفيلم يبرهن شيئاً فعن قدرة مخرج عربي على التعامل بنجاح مع موضوع لا يمت إلى ثقافته بصلة. صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها البرهنة على هذه القدرة، لكنه دائماً ما تنفع في التذكير بموهبة السينمائيين العرب حينما يمنحون الإمكانيات الصحيحة. خارج العروض الرسمية، تم عرض "عروس القمر" للمخرج الطيب الوحيشي، الذي يسرد حياة مجموعة من الشبان يمرون بأكثر من أزمة أهمها أزمة العلاقة بين الأجيال، أي بين كل واحد ووالده أو مرجعه العائلي. وأزمة مستجدة عندما يقدم أحدهم على قتل آخر وإخفاء الجريمة. الفيلم ليس بوليسياً بل لوناً من البحث الاجتماعي الجاد والثمين، عربياً، الذي يجذب الاهتمام إليه، وإن كان تقديره هو الذي يتفاوت بين المستقبلين. لدى الوحيشي الموهبة المطلوبة لإحاطة عمله بكل المزايا الفنية المطلوبة "باستثناء الا أزمة الموسيقية" وتحويل دفة السرد من استعراض قصة إلى استعراض مواقف فيها. يميل إلى ترك الكاميرا حرة في نقل التعبير وينجح في النصف الثاني من حشد المواقف باتجاه إيضاح المأزق الاجتماعي العام. ما يحتاج إليه المخرج هنا كان قدراً من تصور الفيلم سلفاً بناء على كتابة مختلفة للسيناريو لأن الكثير من الوقت يمضي قبل أن يقع الحدث الأول، بالتالي تبدو نصف الساعة الأولى تمهيدية أكثر مما يجب. ولو أن السيناريو كتب على نحو مختلف لتجنب المخرج هذا التطويل غير المقصود. وعرض الجزائري عبدالكريم بهلول فيلمه الجديد "ليلة القدر" الذي لم يتسن لنا مشاهدته لكن وفي اليوم ذاته تم عرض "دانتيلا" للمخرجة المصرية إيناس الدغيدي... ويمكن تلخيص الرأي في هذا الفيلم بكلمة قالها زميل: "إنه أقرب لأن يكون مصنوعاً من الخيش".

 

 

محمد رضا

أعلى الصفحة | الصفحة الرئيسية
اعلانات




بائعة الورد فيلم كولومبي وهو الأول المعروض بين أفلام السينما الشوارعية





من الفيلم اليوناني الأبدية ويوم حائز على السعفة الذهبية





مشهد من الفيلم الدنماركي "الحمقى" لمخرجه لارس فون تريير





من فيلم هنري فول لهال هارتلي.. أمريكا





مشهد من فيلم " من يحبني يستقل القطار"





من فيلم "عروس القمر".. للطيب الوحيشي