نورالشريف وعلي رزق.. 30 عاما من العزلة.. تحت الأضواء!

نورالشريف وعلي رزق.. 30 عاما من العزلة.. تحت الأضواء!

  • في مصر (سحر) يسمح للمبدع أن يقول كلمته مهما كانت قسوة النظام
  • التمثيل بالنسبة لي علاج, ومتنفس, ومنفذ, لتحقيق رغبات عديدة
  • الكل باستثناء عادل إمام يواجه صعوبات في تحويل أحلامه إلى أفلام

(مثل لعبة المتاهة الشهيرة في صفحات التسلية, هناك طرق عدة كلها خاطيء, كلها يزيد من تعقيد عملية اكتشاف وسبر أغوار الممثل/ النجم الذي احتل لسنوات جاوزت الثلاثين, مربع (الفرادة) في فن التشخيص العربي. ألف قناع شكلتها ملامحه, وألف شخصية تلبسها جهازه العصبي في معاناة إبداعية صاخبة داخليًا, هادئة - هدوء صفحة النهر - ظاهريا, لا تشف أبدًا عن عملية توهج الوعي والذات داخل تلك (الأنا) التي تعكس ألقا لا تخطئه العين, كان سلمته التي قفز متكئًا عليها ذاك السور المرتفع بين متناقضات الزمن والمجتمع والنظرات القاصرة.

مثل لعبة المتاهة الشهيرة, تبدو عملية - أو محاولة - اكتشاف الممثل/ النجم نور الشريف معقدة على الرغم من إحساس أولى خادع بالبساطة تقود الخطى إليه أضواء الفلاشات الصحفية, والعدسات التلفزيونية, وأعمدة النقد السطحي الساذج التي تؤدى إلى مسارب عدة كلها خاطيء, فالنجم الوسيم المجتهد الذي يقطر موهبة, لا تخطئها أعين التلقى على جميع مستوياته, والذي صادف فرصًا استثنائية فتحت آفاقًا مبكرة للنجاح, وإخفاقات كان يمكن بسهولة أن تقصم ظهر غيره, والذي استطاع بالإصرار وحده أن يتجاوز عقبات الفشل والنجاح, لاتكمن مفاتيحه أبدًا في نجوميته, ولا في جوائز (أفضل ممثل) التي جاوز نصيبه منها الـ25 جائزة, (فنور) لا ينتمي إلى عالم النجوم ذي البريق المصنوع, بقدر ما ينتمي إلى ذاته وموهبته التي شهدت طفولته ومراهقته تجليات لها في الرسم والنحت والكرة قبل أن تتكاثف في تجليها الأعظم (التمثيل) وروحًا قلقة عانت في بدايات الوعي صدمة اليتم وانكساره, وعيونا اعترف صاحبها أنه فتحها على الحياة ولا يريد أن يغمضها أبدًا... قام بإجراء هذا الحوار الناقد الفني علي رزق وهو يعمل محررًا بمجلة (الكواكب) المصرية..

  • (تكويني النفسي هو الذي دفعني لاختيار التمثيل لأنه فن الهروب من الواقع, فأنا لا أكون محمد جابر في كل الحالات والأوقات).
    على جدار الذاكرة مازالت نقوش البدايات زاهية الألوان.. حواري السيدة زينب, والطفل محمد جابر الذي كان بارعًا في (تنطيق) الكرة منفردًا?

- ولدت يوم 28 أبريل عام 1946 وتنفست أجواء الحياة الشعبية في حواري السيدة زينب بتكوينها المعماري والبشري, كان البيت الذي نسكنه مكونًا من طابقين الأول للخدمات كما كان مخزنًا لمحل بقالة يملكه لوالدي, ثم عمى فيما بعد, أما الطابق الثاني, فقد كان يحتوي على سبع غرف للنوم وصالة كبيرة ألعب فيها الكرة, عشت طفولتي في الطابق الثاني مع عمى إسماعيل الذي رباني واعتبرته دوما - مثلي الأعلى, - وعمي أمين الذي كان بمنزلة القائد العام للبيت, وأختي عواطف التي شعرت أكثر مني باليتم, وعمتي التي تركت زوجها من أجل تربيتنا, وبنت عمتي, وأولاد عمي الكبير أمين, وكان عدد أفراد الأسرة كبيرًا جدًا, كل ما أذكره عن تلك الفترة أن البيت في الصباح كان يخيم عليه الصمت والرهبة طوال وجود عمي أمين.

وعندما يخرج تدب فيه الحركة والصخب ويرتفع صوت الراديو, وفيما بعد عندما قرأت ثلاثية نجيب محفوظ قبل أن أمثلها وجدت أن عمي أمين أقرب إلى السيد أحمد عبد الجواد (سي السيد) يفطر وحده, وعندما ينتهي من إفطاره ويخرج يبدأ جميع أفراد المنزل في تناول الطعام, وكنت الوحيد المسموح له بالجلوس معه أثناء فطوره حيث تدخل (الطبلية) بالطعام عقب أن يصلي الصبح فينادي علي فأجلس أتناول فطوري في صمت, وحتى الآن لا يمكن أن أنسى طبق (البليلة) الذي كنت أحبه جدا.

بعد خروج عمي كنت ألعب الكرة في الصالة أو أجلس بجوار عمتي, وكنت مغرما بمشاركتها في طحن حبوب البن, فأجلس إلى جوارها لنتبادل مهمة الطحن في طاحونة خشبية صغيرة بينما تقوم هى بخلط البن بالحبهان والتحويجة التي تعطي للقهوة طعمًا خاصًا, وبسببها أحببت القهوة أيضًا وكنت أشربها بنهم حتى منعني الأطباء منها نهائيا منذ سنوات قليلة بعد إصابتي بنوع غريب من الحساسية وعندما كنت أتعب من مشاركة عمتي في الأعمال المنزلية كنت أخرج إلى الحارة لأمارس هواية (التنطيق), بكرة القدم, وهي لعبة فردية تفوقت فيها منذ طفولتي حيث أحرص على ضرب الكرة بقدم واحدة لأعلى, وأظل كذلك لأكثر من ألف مرة من دون أن تلمس الكرة الأرض, وعندما أتعب كنت أمرر الكرة في الهواء بين قدمي وأحد الجدران دون أن تلمس الأرض أيضًا, واشتهرت بهذه اللعبة في الحارة, وكان يسعدني جدًا تشجيع الجيران ونظرات الإعجاب في عيونهم لكنني عندما أعود إلى البيت كانت سعادتي تتبخر بسبب ما أتعرض له من توبيخ, فقد كانت الكرة مصدر إزعاج وقلق. كنت أشعر بالوحدة على الرغم مما تحيطني به عمتي وعمي إسماعيل من رعاية وحنان, ولم أكن أجد سببا لهذا الشعور, وعندما كنت أجلس وحدي كنت أفكر في الحياة التي أعيشها دون أن أدرك الحقيقة.

  • سنعود إلى تلك المشاعر لاحقًا, ولكن دعني أسألك عن لعبة ( التنطيق).. التي ألحظ أنك واصلتها طوال المشوار تقريبا?

- أنا معك.. فمعظم مشواري كنت ألعب منفردًا (بانطق لوحدي), أصدقائي محدودون, انطوائي, نادرًا ما تجدني في تجمع لا يخص العمل, ولن أنكر أنني استفدت من هذه الصفات في عملي, خاصة في السينما حيث يؤدي الممثل الجانب الأكبر من مشاهده للكاميرا (لقطعة من الحديد) في لعبة تشبه كثيرًا (التنطيق) الفردي, وهو بالمناسبة ما يختلف تمامًا عن المسرح.

  • ربما لهذا السبب يصفك النقاد بأنك الممثل الذي لا يتأثر مستواه باختلاف المخرجين أو فريق العمل وأحيانا مستوى العمل الذي يشارك فيه?

- قد يكون في الأمر مبالغة أشكرهم عليها, لكن ثبات المستوى - في رأيي - قد يكون راجعًا لأنني أعمل (شغلي) بحب, بروح الهواية, ولأمتع نفسي أولاً.

  • عفوًا.. أشعر أحيانًا أن الأمرعلاج وليس متعة?

- هو ذاك.. مازال التمثيل بالنسبة لي علاجًا, ومتنفسًا, ومنفذًا لتحقيق رغبات عدة.

  • وبلسما لصدمة كبرى شهدتها سنوات التكوين?

- في طفولتي وتحديدًا في أول يوم في المدرسة, حدثت لي أول صدمة في حياتي - و ترسبت في أعماقي بشكل يجعلني لا أنسى تفاصيلها مهما مرت السنوات, كان يومًا مشهودًا استعدت له الأسرة بالملابس الجديدة, والإعداد النفسي حتى أصبح بالنسبة لي كيوم العيد, استيقظت في الصباح الباكر وارتديت ملابسي بمساعدة عمتي وشقيقتي الكبري عواطف, بعد دقائق كنت بين التلاميذ في فناء مدرسة أحمد بن طولون الابتدائية, وكانت مشاعري مزيجًا من الخوف والسعادة والانبهار, وعندما انتهى طابور الصباح, دخلنا الفصل, بدأ المدرس ينادي على أسماء التلاميذ من ورقة في يده, وكل تلميذ يسمع اسمه يقف ويقول (أفندم).

نادى على اسم (محمد جابر) ولم يرد أحد, فكرر النداء أكثر من مرة دون أن يرد فتوجه ناحيتي في مشهد لا أنساه حتى الآن قائلا-: (أنت مابتردش ليه? مش أنت محمد جابر)?, قلت له: لا أنا اسمي نور إسماعيل فقال لي: أنت من النهارده اسمك محمد جابر, كانت صدمة زلزلت كياني كله من الداخل, جلست مذهولاً تتلاطم داخلي الأسئلة من أكون? ومن هو أبي? وأين يكون? مع نهاية اليوم الدراسي حملت أسئلتي وأحزاني لعمتي, أخذتني في حضنها ثم بدأت تحكي لي الجانب الآخر من الحياة التي كنت أعيشها, عرفت أن عمي إسماعيل يربيني, لأن أبي مات وتركني أنا وأختي عواطف, وأن أمي تعيش في بيت أهلها حسب رغبتها بعد وفاة أبي في عز شبابه, وقالت إن جدي هو الذي أطلق علي اسم نور عند ولادتي, وإن هذه عادة في الأحياء الشعبية أن يكون للشخص الواحد اسمان, أحدهما للدلع والآخر مسجل في الأوراق الرسمية, وقالت لي إن محمد جابر هو نفسه نور, ومع ذلك لم يقض كلامها على الصدمة التي كسرت أشياء كثيرة في داخلي, ولم يلغ (اللخبطة), التي أصابت نفسيتي وعقلي الصغير آنذاك, جربت مرارة الهم والفقد للمرة الأولى في حياتي, ولازمني الإحساس بالحزن والاكتئاب, وسيطرت علي مشاعر العزلة والوحدة

  • لست سياسيًا محترفًا, وأؤمن أن الفنان (حزب ماسك قلم وبيمشي على رجلين) .. هكذا تقول وترى أيضا أن (الصدام هو الأصل في العلاقة بين المثقف والسلطة), أما زلت عند ذات الرأى الذي تبنيته مبكرًا?

- أظن أن الوقت والتاريخ أثبتا لأكثر من مرة, أن الصدام هو الأصل في العلاقة بين الطرفين, ربما اختلف الأمر قليلاً في بدايات حكم عبد الناصر, التي شهدت وفاقًا جزئيًا, وفي رأيي يعود هذا الصدام الأبدي لقناعة لدى السلطة, مفادها أن المثقف يعمل- أو يحاول - على تغيير وعي المواطن, وهو مايسبب رعبًا لتلك الأنظمة, التي لا تعي غالبًا أن الكتاب والقصيدة, الأغنية والفيلم.. لن تغير المجتمع إلا إذا كانت تيارًا متلاحقًا, أما إذا كانت حلمًا فى وجدان فنان فرد, فغالبًا ما يبقى الحال على ماهو عليه, وقد يذهب هذا الفنان ضحية للنظام, وهو ما حدث فى مرحلة عبدالناصر التي شهدت في بدايتها - كما قلت - تأييدًا جماعيًا له من مثقفي عصره, والذين قيّموه بموضوعية بعد رحيله, حتى أولئك الذين اعتقلتهم أجهزته أو منعت أعمالهم.

  • لكن تلك الفترة شهدت العديد من الأعمال الأدبية والفنية ذات التوجهات المستقبلية?

- هل تصدق لو قلت لك إن في مصر سحرًا! وفي أشد اللحظات سوادًا كنت تجد مَن يمرر عملا جريئًا أو فيلمًا طليعيًا, وفي كل وقت كان هناك في قلب النظام شخص ثوري أو فلنقل وطنيًا, فمثلاً عقب النكسة كان سعد الدين وهبة رئيسًا للجنة التظلمات, وهو الذي صرح بعرض مسرحيات عفاريت مصر الجديدة, الفتى مهران, أنا اللي قتلت الوحش وغيرها من الأعمال, التي انتقدت نظام عبد الناصر بقسوة, ربما هي (بركة من ربنا), أو ثقب فى النظام يسمح للمبدع بإبداء رأيه, ولاأنسى عندما كنا نستعد لتقديم (سهرة مع الضحك) - عرض مسرحي قمت ببطولته وشاركت في إنتاجه مع مؤلفه علي سالم - موقفًا كان مدهشًا, فقد كانت هناك تحفظات أو قل تخوفات تجاه العرض, وبالفعل أرسلت الرقابة رئيس مباحث الإسكندرية ليشاهد البروفة الجنرال, ويكتب تقريرًا عن العمل ليتصادف كونه شاعرًا, وبدلاً من كتابة توصية بالمنع كما كانت تنتظر الرقابة إذا به يدافع عن العرض, ونتمكن بالتالي من تقديم (سهرة مع الضحك) في القاهرة والإسكندرية.

  • لكن هذه (الصدف السعيدة) لم تتوافر للكل وقتها?

- بالفعل ظل الصدام قائمًا بين السلطة والمبدعين في عصر عبد الناصر, ووجد الكتّاب والفنانون مخرجهم في الرمز والعودة إلى التاريخ أو التراث, ولا يفوتني هنا أن أسجل مفارقة اكتساب الكتاب لمهارة الصياغة الرمزية وبراعة الاختباء خلف الأقنعة المختلفة في العهد الشمولي ثم تم تقليص حالة الابداع مع ارتفاع سقف الحرية وذوبان الكثير من الخطوط الحمراء, وأظن أننا في حاجة إلى أجيال جديدة من الكتاب تمتلك القدرة - واللياقة - على صياغة فن أكثر جرأة وانفتاحا, وخال فى الوقت نفسه من المباشرة والخطابة, وسيظل - مع ذلك - الصراع قائمًا بين المثقف والسلطة.

  • هل ترى أن هذا الصدام موجود لدينا فقط كعرب أم أنه قائم في العالم الثالث إجمالا?

- بل في العالم كله, وإذا كانت أوربا وأمريكا تخلوان من رقابة تمنع العمل, فهناك قوى قادرة على أن تفلسك, تدمرك, كوستا جافراس - مثلا - عندما صنع فيلم (حنّا:ك) عن الحق العربي الفلسطيني كان هناك من يضع له القنابل في دور العرض, كيفين كوستنر أعطته الأكاديمية جائزة الأوسكار عن فيلمه (الرقص مع الذئاب), ربما من باب التكفير عن الذنب, لكن عندما قدم (جيه أف كيه) الذي دان فيه نائب الرئيس والسي أي إيه, تم إسقاطه جماهيريًا, ولم يمنحوه أي جائزة على الرغم من أنه كان يستحق كل أوسكارات العام, قهر المبدع فيما يبدو تراث عالمي, وربما يكون الفارق فقط في أن هذا القهر في أوربا وأمريكا لا يستطيع أن يمنعك من تقديم عملك, لكنه يحاربه بعد ذلك.

  • ولماذا نراه إذن أقل وطأة?

- بالنسبة للمبدع الحقيقي ليس أقل وطأة, وسأعطيك مثالاً, من أمريكا ذاتها عندما حرمت (المكارثية) الشعب الأمريكي من خيرة مبدعيه تحت دعوى أنهم شيوعيون, كل من تحدث عن العدالة قيل عنه شيوعي, وفي فيلم ساحر لروبرت دي نيرو - لا أتذكر اسمه - ناقش من خلال استدعاء تلك الفترة أزمة المثقف صاحب الضمير المدرك لدوره فى توعية شعبه.

  • الفنان - الممثل تحديدًا أقل عرضة للاصطدام بالسلطة?

- لا.. وسأخبرك لماذا شعرت بهذا, ببساطة لأن الكثير من الفنانين لا يملكون وعيًا سياسيًا, حتى لو قدم بالصدفة أعمالاً ًسياسية مهمة, أنا مثلاً - وأعفني من ذكر الأسماء - اندهشت عندما سمعت من مخرجين رجعيي التفكير صنعوا أجمل أفلامهم الاشتراكية مع القطاع العام, أنهم قدموا هذه الأفلام بالأمر!! المحير في الأمر أنهم قدموا أعمالاً جميلة بجد.

  • وكيف تفسر أنت هذا التناقض?

- أراه مؤشرًا على أن كثيرين يمارسون الفن كحرفة, وكمتعة شخصية بلا ترتيب ذهني, وهي في رأيي ظاهرة خطيرة, خاصة إذا قام النظام أو السلطة باستغلال فنان موهوب ومحبوب, ولكنه مغيب الوعي في ترويج أفكار تخدر الوعى الجماهيري, أفكار ضد العدل وضد الحق, وهو ماجسده فيلم دنماركي اسمه (مفستوفوليس), وفيه اختار الفنان الانتحار عندما علم فى النهاية أنه كان ألعوبة فى يد السلطة.

  • هل تعتقد أن المثقف يمثل خطرًا حقيقيًا على السلطة?

- المثقف يخاطب العقل, لا العاطفة, ونادرًا مايوجد القادر على الجمع بينهما, وبالتالي فإن وصوله للناس والتأثير فيهم ليس سهلاً على الإطلاق, فالذوق العام تمت تربيته على العاطفة نتيجة للأفلام الأمريكية والهندية, ولذلك أعتقد أن اصطدام السلطة بالمثقف, أو اعتقاله ليس ذكاءً على الإطلاق, وأذكر رواية فلسطينية لصديقي جبريل الرجوب - مسئول الشرطة حاليًا - اسمها (الزنزانة 704) أعجبنى فيها رصده لعملية تكوّن الوعي السياسي لشباب عادي غير مسيّس بعد اعتقالهم واحتكاكهم في المعتقل بـ (منظرين) ذوى وعى عال.

سفر الوعى

  • عقب تخرجك في المعهد قلت إنك لا تحتاج لاكثر مما يكفى ثمنا للطعام والكتب ! ترى ماهى المساحة التي تحتلها القراءة في جدول مزدحم لنجم شهير?

- ساعتان على الأقل يوميًا, مهما كانت الضغوط, لأنني مازلت أعتقد أن القراءة هي العمود الفقري لأي مبدع, وكلما ازداد كم قراءاتك اكتشفت أنك أضعت وقتًا من حياتك كان يجب أن تستغله في القراءة.

  • نوعية هذه القراءات?

- مبدئيًا لا أبحث عما يكتب عني, وقراءاتي الصحفية محدودة, إلا إذا كان هناك حدث مهم, وقتها أتابعه في الصحافة مع الإذاعة, وعملي عامل حاسم في تحديد مسار القراءة, فلو كنت أقدم عملاً تاريخيًا, أو ذا طبيعة خاصة اقرأ كثيرًا فيما يقربني من المرحلة التاريخية, أو الطبيعة الخاصة بالعمل, أما إذا كنت مشغولاً بعمل اجتماعي خفيف, وقتها تنفسح آفاق القراءة بلا حدود, اقرأ روايات حديثة من العالم كله, أعشق باولو كويليو, تعرفت عليه في المغرب وأخبرته أن بناتي يحبونه, وأصبحنا أصدقاء من وقتها, وحرصت على لقائه عندما زار القاهرة, واشتريت منه روايته (السيميائي), ومازلت أحلم بتقديمها في عرض مسرحي غنائي كبير تحت سفح الهرم, هناك أيضا أحلام مستغانمي التي كنت أحد أسباب شهرتها عندما تحدثت عنها في حوار لي بإحدى القنوات الفضائية, وقتها لم أكن أعرفها شخصيًا, وقد فوجئت بناشرها يتصل بي شاكرًا, لأن مبيعات رواياتها تضاعفت بعد كلامي عنها, أقرأ أيضا لكتاب جدد, غير مطروقين, هناك مثلاً كاتب عراقي اسمه عارف علوان, حاولت الوصول إليه عبر ناشره الألماني, ولم أتمكن حتى الآن, وهناك روائى فلسطينى درزى اسمه سليمان الناطور, يكتب أعمالا ساحرة عن عرب 48 وكيف يعيشون مع اليهود.

  • تبدو لي أكثر من هاوٍ?

- لست ممن يعتنقون فكرة القراءة المجانية, فهناك دائما تركيز فيما اقرأ, وملاحظات أدوّنها على هوامش الكتاب أو الرواية, ثما أنقلها في كراسات خاصة, لدى منها العشرات, وإذا كان هناك ضرورة أنقل نسخة منها - الملاحظات - على جهاز الكمبيوتر, ولا أقبل التصنيف كـ(هاوي قراءة) لأني لا أفهم كيف يعمل إنسان في مهنة كالتمثيل أو الإخراج عمودها الفقري هو الإنسان دون أن يدرك (يعني إيه بني آدم), وبالتالى لو كان ممثلا فلن يتمكن من التعامل مع أي شخصية ينبغي له تجسيدها, ولن يتمكن من نحت أبعادها, أو إكمال ملامحها, التي قد يكتفي الكاتب بكلمة واحدة عنها, وهنا يتدخل وعيك, وتتدخل قراءاتك لإكمال الصورة.

  • ربما يكشف هذا سر استمرارك وثبات مستواك فى حين يتساقط الآخرون?

- دعنا لا نظلم هؤلاء الآخرين خاصة الجيل الجديد الذي ظهر في ظل سطوة رأسمالية حوّلت الكل إلى عرائس ماريونيت تتحرك كما يريد اللاعب الممسك بخيوطها, ولو فكر أحدهم أن يتجاوز إلى منطقة غير مسموح بها سيقال له اجلس فى البيت.

  • لكنك وجيل الواقعية الجديدة ظهرتم فى وقت صعب أيضا?

- كان صعبًا بالفعل, ولكن كان هناك نظام عام يحكم صناعة السينما, وفي ظل النجاح الضخم لعادل إمام ونادية الجندي أنتجت (زمن حاتم زهران) و(آخر الرجال المحترمين), ووجدت موزعين قبلوا تمويل هذه الأفلام التي كنت أشتغل فيها بدماغي وبروحي, أما الآن فأصنع الفيلم أنا أو غيرى كمقاول الأنفار, وفور الانتهاء منه أسلمه للشركة التي أنتجته لحسابها, ولا تعود لي علاقة به.

  • تتحدث عن صعوبات كنت أعتقد أن نجمًا له اسمك لا يواجهها?

- الكل باستثناء عادل أمام يواجه صعوبات في تحويل أحلامه إلى أفلام, وعندي في درج مكتبي موضوعات مرفوضة انتهت كتابتها منذ ثلاث سنوات, منها مثلا موضوع ضد الخصخصة, وهنا أفتح قوسًا لأسجل أننى ضد الخصخصة العمياء, وضد خصخصة قناة السويس, أو مجمع الألمونيوم, وغيرها من المشروعات/الرموز التي لا يصح وضعها على قائمة الخصخصة, ثم أين ذهبت مليارات ما تم بيعه وخصخصته?! لا أخفيك رعبي من أن تكون ذهبت لتسديد الديون.

وقتها ستكون كارثة, أغلق القوس لأخبرك بأنى توجهت بهذا الموضوع المهم إلى أحد المنتجين فضحك, وقال كيف أنتج مثل هذا الفيلم وأنا مع الخصخصة? فقلت له كان لدي أمل أن تكون أكثر ديمقراطية, وتسمح لي بالتعبير عن رأيي.

  • وعلى الرغم من ذلك اخترت الاستمرار في حين انسحب جيلك بأكمله - تقريبًا إلى التلفزيون, ولديك مشروع مهم لتقديم كتاب ومخرجين جدد في أفلام محدودة التكلفة بنظام الـ 16 مللي?

- لا ألوم من انتقل إلى التلفزيون, وأرى أن ذلك أفضل من أن أجلس في البيت, ويركبني جنون العظمة, أما بالنسبة لتجربة الـ 16 مللي, فدعني أعترف أن حجم المخاطرة فيها محدود, فهناك موزع اتفق بالفعل على بيع هذه الأفلام إلى القنوات الفضائية, وسيربح من ورائها, ومن خلالها أستكمل جزءًا من رسالتي وأقدم سينمائيين جددًا كما سبق وقدمت مخرجين أصبحوا علامات فى تاريخ السينما هم عاطف الطيب, ومحمد خان وسمير سيف.

  • قدمت ايضا من أصبح أحد أساطين السينما التجارية الجديدة?

- مهنتنا قاسية وأرجو أن نكون أكثر رفقا حتى بمن قدم بعض التنازلات من أجل الاستمرار, ومن أجل أن (يعيشوا), ولا تنس أن مخرجًا عظيمًا هو كمال الشيخ مات من الاكتئاب بعد سنوات قضاها بلا عمل, وحسين كمال ظل جالسًا فى منزله سبع سنوات قبل رحيله, لم يرفع أحد خلالها سماعة التليفون ليطلبه في عمل وهو الذي كان ملء السمع والبصر.

نسخْتُ بحُبّي آية َ العِشقِ من قبلي, فأهلُ الهوى جُندي وحكمي على الكُلِّ
وكُلُّ فَتًى يهوى, فإنّي إمَامُهُ, وإنّي بَريءٌ مِن فَتًى سامعِ العَذْلِ
ولي في الهوى عِلْمٌ تَجِلّ صِفاتُهُ, ومنْ لمْ يفقِّههُ الهوى فهوَ في جهلِ
ومنْ لمْ يكنْ في عزَّة ِ النَّفسِ تائهاً بِحُبّ الذي يَهوى فَبَشّرْهُ بالذّلّ


(ابن الفارض)





نور الشريف





 





نور الشريف وهو يتحاور مع علي رزق





الحاج متولي المزواج. العالم الذي يريد قهر الزمن. صبي الكراج الهامشي. العاشق المعذب. المناضل السياسي. كل هذه الأدوار والعشرات غيرها جسدها نور الشريف على الشاشة البيضاء