أولياء الشرق البعيد.. رواية تاريخية حول كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو

أولياء الشرق البعيد.. رواية تاريخية حول كيفية انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو

يضيء هذا الكتاب بعض المناطق المعتمة في التاريخ الإسلامي المجهول، فهو يجيب بسخاء عن سؤال محوري، وهو: كيف انتشر الإسلام في أرخبيل الملايو ؟ يجيب بأسلوب روائي ممتع تمتزج فيه المعلومة التاريخية مع الوصف الدقيق لمسار الأحداث والشخصيات، ففي حين أنصب الانشغال البحثي التاريخي على العديد من الدول والمدن الإسلامية التي كان العمل العسكري هو الباب الذي دخل منه الإسلام واللغة العربية إليها، تمكن بعض التجار والدعاة من تحقيق معجزة صامتة لم يسبق لأي فاتح مسلم أن فعلها، وهاهي اليوم إندونيسيا خير شاهد فهي أكثر بقاع الإسلام التي تعج بملايين المسلمين.

تعود قصة انتشار الإسلام في أرخبيل الملايو الى أرومة عربية تعود إلى أهل البيت الكريم، ويفتخر بهم سكان جزر الأرخبيل الذين يسمونهم «والي سونغو» أي الأولياء التسعة وهم من يلقبهم مؤلف الكتاب بأولياء الشرق البعيد الذين يعتبر جدهم الأول جمال الدين الحسيني أول من نشر الإسلام في جنوب شرق آسيا بالدعوة الصالحة وبالقدوة الحسنة ومن دون استعمال القوة والكتاب صادر عن مكتبة دار طلاس، ويقع في عشرة فصول.

القصة الأسطورة

في العام 218هـ/838م قرر الإمام أحمد بن عيسى الملقب بالمهاجر مغادرة البصرة في عهد المقتدر بالله العباسي، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية في المدينة بفعل ثورة القرامطة، وأحمد هو ابن عيسى الرومي ابن محمد النقيب ابن علي العريضي ابن جعفر الصادق ابن محمد الباقر ابن علي زين العابدين ابن الحسين ابن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد توجه أحمد بن عيسى إلى حضرموت عن طريق الشام واستقر هناك في قرية صغيرة تدعى الهجرين، ويشاء القدر أن يهاجر احد أحفاد أحمد بن عيسى ويدعى عبد الملك بن علوي من حضرموت إلى كوجرات بالهند، حيث استطاع أن يقيم علاقة قوية مع سلطان حيدر أباد، ناصر الدين الذي قرب عبد الملك منه وجعله من خلصائه بعدما عرف بنسبه الشريف المتصل بأهل البيت، وخلع عليه لقب الأمير، وخلف الأمير عبد الله أباه عبد الملك بعد وفاته في نقابة الطالبيين في الهند، كما تزوج من ابنة سلطان مدينة «نصر أباد» عظمت خان وصار لقبه منذ ذلك الوقت الإمام عبد الله آل عظمت خان، وبعد وفاة عبد الله تسلم ابنه احمد رئاسة النقابة وتغير في عهده لقب رئيس الطالبيين من الأمام إلى السيد.

ويكرر القدر مشيئته بأن يهاجر الابن الأصغر للسيد أحمد وهو جمال الدين الحسيني من الهند إلى جزيرة جاوا الإندونيسية مروًرا بجمقا (كمبوديا) والفلبين، حيث استقر فيها مع أولاده إبراهيم أسمارا وعلي نور العلم وبركات، وانخرطوا في الحياة الفكرية والسياسية لهذه الجزيرة البعيدة التي تحكمها إمبراطورية هندوسية مرهوبة الجانب تدعى بإمبراطورية «ماجافاهيت».

ويبدو أن إقامة جمال الدين الحسيني وأولاده في كمبوديا قد ساعدتهم على الاستقرار في جاوا من حيث لا يحتسبون، إذ شاءت الأقدار أن يتزوج إبراهيم أسمارا، عندما كان في كمبوديا، من أميرة اسمها جندا وولان من عائلة الإمبراطور الكمبودي الهندوسي جايا فارمان السابع ورزق منها بولدين هما علي واسحق، والأميرة جندا وولان هي شقيقة زوجة كيرتا ناغارا إمبراطور البلاد الجاوية الجديدة التي تدين بالهندوسية أيضا، وساهمت صلة القرابة هذه في فتح الأبواب أمام القادمين العرب الجدد الذين شرعوا بحرية كاملة في الدعوة إلى الإسلام في جزيرة جاوا.

قيام الممالك الإسلامية

مرت بضعة عقود من الزمان وانهارت إمبراطورية ماجا فاهيت في جاوا ونشأت مكانها سلطنتان إسلاميتان هما سلطنة بانتن وسلطنة ديماك، وتبعتها إمبراطورية سريفيجيا البوذية التي انهارت في سومطرة لتقوم مكانها سلطنات إسلامية ذاع اسمها في التاريخ مثل آتشيه وملقا وجوهور وسمودرا باساي، وتزامن مع تلك التحولات ظهور سلطنة بروناي وسلطنة تريننغانو (ماليزيا) الإسلاميتين.

يعتمد المؤرخون الغربيون الملاحظات التي دونها الرحالة ماركو بولو أساسا لتأريخ بداية أسلمة أرخبيل الملايو، حيث سجل هذا الرحالة انه في طريق عودته من الصين إلى أوربا في العام 1292م رست المركب التي كانت تقله في ميناء فيرلاق شمال سومطرة، ووصف ماركو بولو هذا الميناء كمنطقة محاصرة في محيط غير إسلامي، ولكن هذا الوصف يتناقض مع المعلومات المؤكدة التي تشير إلى أن آتشيه التي تقع شمال غرب فيرلاق كانت قد دخلت الإسلام في العقد الأول من القرن الثالث عشر، أي قبل زيارة ماركو بولو لفيرلاق بنحو ثمانين عاما، ويشهد على ذلك وجود شاهدة قبر للسلطان سليمان بن عبد الله ابن البشر تحمل تاريخ 1211م.

كما أن شاهدة قبر السلطان الملك الصالح سلطان سمودرا المعروفة أكثر باسم باساي تحمل تاريخ 1279م.

آتشيه ودورها في نشر الإسلام

تقع آتشيه في أقصى شمال جزيرة سومطرة قاعدة التجارة الإسلامية في جنوب شرق آسيا في القرن 16م، ولقد لعبت دورًا مهمًا في نشر الإسلام في أرخبيل الملايو، وأول سلطان مسلم لباساي، وهي مجموعة مدن تجارية إلى جانب آتشيه، كان الملك الصالح مؤسس الحضارة الإسلامية في عالم الملايو.

ومن سامودرا باساي انتقل الإسلام إلى «تريننغانو» المعروفة اليوم باسم ماليزيا وذلك في القرن 14م . ومن أهم سلاطين آتشيه علي مغيث شاه الذي وحد السلطنة ( 1520م )، وعلاء الدين رعايت شاه القهار (1539م - 1571م) وسلسلة من السلطانات النساء أشهرهن تاج العالم ( 1641م - 1675م).

برزت سلطنة ملقا بروزًا قويًا مع بدايات القرن الخامس عشر حيث زارها في العام 1409م القائد الصيني البحري المسلم الأدميرال تشينغ هو وعقد معها تحالفًا عسكريًا ضد سيام.

مقاومة الغزو البرتغالي

مع اقتراب أساطيل البرتغال من ملقا 1509م طلب سلطانها محمود شاه مساعدة السلطان العثماني سليمان الأول الذي أمر قائد القوات البحرية العثمانية في البحر الأحمر الأميرال سليمان الريس بالتوجه فورا إلى ملقا على رأس تسع عشرة سفينة حربية، ولكن المدد العثماني وصل متأخرا بعد أيام قليلة من سقوط ملقا بيد البرتغاليين في العام 1511م. وتسلمت سلطنة آتشيه قيادة الحرب ضد البرتغاليين الذين لحقهم الهولنديون الذين احتلوا بدورهم ملقا في عام 1642م، وهو ما أدى إلى هروب علمائها إلى الجزر الإندونيسية مثل سلاويسي وجزر الملوك وكاليمنتان وبروناي والفلبين، وهناك نجحوا في نشر الإسلام بسرعة مذهلة لا تتعدى عدة عقود من الزمن.

واشتهر اسم الشيخ يوسف المقاسري ( 1626م - 1699م) الذي قاد ثورة قوية ضد الهولنديين فنفوه إلى سريلانكا ومنها إلى جنوب إفريقيا حيث مات هناك . واستمرت الثورات ضد الهولنديين ومنها ما عرف بحرب جاوا التي دامت من 1828م إلى 1830م، واستمر الإسلام يلعب دورًا أيديولوجيًا مقاومًا محوريًا في كل الحركات السياسية الإندونيسية ضد الاحتلال الأجنبي.

العلاقات العربية - الآسيوية

لم تحظ العلاقات العربية والإسلامية مع آسيا بكثير من الدراسة والبحث والتوثيق، وخاصة كيفية انتشار الدين الإسلامي في تلك المناطق، والعلاقات السياسية مع الدولة الإسلامية بمختلف مراحلها، وبعض ما وصل منها كان يعود الفضل فيه إلى ما دون في سجلات بعض تلك الدول الآسيوية، فأول اتصال دبلوماسي حدث مبكرا في صدر الإسلام بين الخليفة الراشد عثمان بن عفان والصين، حيث ورد في تاريخ السلالة الحاكمة للصين في سنة 31هـ/651م أن قصر تانغ استقبل سفيرا من بلاد «تاشيه»، وهو المصطلح الذي يطلقه الصينيون على العرب، وبعدها بأربع سنوات عاد القصر لاستقبال سفير آخر ذكرته المصادر الصينية بأنه «تان سي موني» أي أمير المؤمنين.

وقد أرسلت الدولة الأموية سبع عشرة سفارة إلى عاصمة الصين، وأجرى القائد العسكري قتيبة بن مسلم الباهلي مفاوضات مع إمبراطور الصين للدخول إلى بلاده سلما، وأرسل العباسيون خمس عشرة سفارة إلى الصين، وأمد الخليفة العباسي الثاني أبو جعفر المنصور إمبراطور الصين بأربعة آلاف فارس لقمع تمرد ضابط يدعى لوشان.

ولا يعرف أن قائد البحرية الصينية في عهد أسرة مينغ عام 1400م كان مسلما من أصل عربي ويدعى الحاج جهان، وقد اعتاد الصينيون على لفظ اسمه بـ «تشينغ هو» ولقبوه بــ «سان بو تاي جهان» أي الحصن الكبير في بلاط مينغ.

لقاء التاريخ بالعصر

يضمّ هذا الكتاب الصادر حديثا في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، تحت عنوان لقاء التاريخ بالعصر، مجموعة دراسات للدكتور محمد جابر الأنصاري، تتمحور حول ابن خلدون وفكره، وفلسفته الاجتماعية والتاريخية، في محاولة لتصويب بعض ما شاع عنه من أفكار مغلوطة، ولإعادة بسط مفاهيم كثيرة لا تصلح لزماننا الراهن.

من ذلك ما يذكره د. محمد جابر الأنصاري في دراسة له في الكتاب حول توفيق ابن خلدون بين العصبية، أو القومية، والدين.

يرى الأنصاري أن عبارة العصبية في مصطلح ابن خلدون تعني الرابطة الاجتماعية الطبيعية التي تجمع بين مجموعة متجانسة من البشر بصلة الولاء، وتدفعهم جميعًا إلى الحركة والفعل والبناء والدفاع عن النفس ضد العدوان.

وقد اكتشف ابن خلدون دور الرابطة القومية في التاريخ، كما اكتشف دورها الحيوي في نشر الرسالات الدينية بخاصة، من خلال طرحه لمفهوم العصبية كمحرك تاريخي. والعصبية، إذا تجاوزنا مفهومها الجاهلي، هي تعبير لغوي صريح يتناسب وصراحة عالم التاريخ والاجتماع في وصفه للطبائع البشرية الواقعية حيث يكون التعصب، أي الحماسة القومية والولاء الشديد للرابطة الجامعة بين الوحدات الاجتماعية من قبائل وشعوب وأمم.

يرى الأنصاري أننا لو تتبعنا إشارات ابن خلدون إلى مفهوم العصبية في مختلف المواضع بمقدمته لما خامرنا الشك في أنه يتحدث عن الرابطة القومية بمعناها الحديث الذي ينسبونه إلى علماء أوربا وحدهم، ويتحدث عنه بعض مفكرينا على أنه من الأفكار المستوردة. وقد استطاع ابن خلدون أن يجمع ويوفق بين إيمانه الديني الراسخ وعلمه الديني الواسع وبين أفكاره العلمية الاجتماعية التقدمية في العامل القومي والعامل الاقتصادي ونحوهم، دون أن يجد أن أحدهما ينقض أو يخالف الآخر. فلماذا يتوهم السلفيون اليوم أنهم نقيض التقدميين؟ ولماذا يضع التقدميون أنفسهم في مناقضة السلفيين؟ وهذا ابن خلدون الفقيه الديني والمفكر العلمي يقف جسرًا متينًا واصلاً بين الضفتين، ومن عمق التراث العربي - الإسلامي وعلى ذروة من ذراه الشاهقة؟.

الصراع بين التيارين الديني والعلماني

عن دار البيروني للطباعة والنشر في بيروت صدر كتاب جديد للدكتور محمد كامل ضاهر بعنوان الصراع بين التيارين الديني والعلماني في الفكر العربي الحديث والمعاصر.

كيف ينهض العرب من واقعهم المتخلف ويدخلون إلى فضاء العصر الحديث وحضارته العلمية دون أن يفقدوا شخصيتهم ويفرّطوا بتراثهم؟

هذا هو السؤال المحوري الذي طرحه المفكرون العرب على أنفسهم على مدى القرنين الأخيرين، وحاولوا الإجابة عنه. لكن الأجوبة جاءت متباينة، عاكسة عمق الاختلاف والتناقض بين الاتجاهات الدينية والعلمانية حول هذا الموضوع الذي كثيرًا ما يتخذ مظهر الصراع الدموي بين الفريقين نظرًا لضخامة المأزق الذي يعيشه الإنسان العربي، ونتيجة الخلل الفادح في البنى التحتية والفوقية للمجتمع العربي المعاصر. فالتطورات العلمية الحديثة المذهلة والمتلاحقة قلبت كل المقاييس المعرفية التقليدية وغيّرت المفاهيم والقيم التي تتحكم بمصائر شعوب العالم ومجتمعاته. وقد وعى المفكرون العرب هذه الحقيقة، فحاول بعضهم وضع أسس عقلانية لنهضة المجتمع العربي وتأقلمه مع تطورات العصر وعلومه ومع تجارب الغرب وثقافته. لكن فريقًا آخر منهم ادعى أن الاستعانة بتجارب الغرب ومفاهيمه للتطور لن تنقذ المجتمع العربي من مآسي التخلف والانحطاط، وإن المفتاح الحقيقي للخلاص يكمن فقط في تطبيق مبادئ الشريعة لبناء مجتمع عربي إسلامي يحاكي مثالية المجتمع الذي أنشأه الرسول وصحابته في قلب الصحراء منذ أربعة عشر قرنًا. وقد حاول فريق ثالث الوقوف في الوسط بين الاتجاهين مدعيًا أن بالإمكان الاستعانة بعلوم الغرب وحضارته لبناء مجتمع إسلامي متطور دون المساس بجوهر تعاليم الإسلام لأنها لا تعادي العلم والتقدم.

يعرض هذا الكتاب للدكتور محمد كامل ضاهر أمهات الأفكار حول هذه المشكلة منذ ظهورها مع محمد علي والطهطاوي في النصف الأول من القرن التاسع عشر حتى محاولة حلها التي اتخذت أكثر من شكل في زماننا الراهن.

 

 

بشار الجعفري