المعرفة بين الرقمي والمطبوع.. د. سليمان إبراهيم العسكري

المعرفة بين الرقمي والمطبوع.. د. سليمان إبراهيم العسكري

  • انقطاع اثنين من كوابل الاتصالات الناقلة لخدمة الإنترنت فتح عيوننا على أننا نعيش في عصر مختلف، تلعب فيه المعرفة الرقمية دورًا يصعب تجاهله
  • دراسة أمريكية تتوصل إلى أن الشباب هم أكثر مَن يلجأ إلى المكتبات والكتب، عندما يريدون الحصول على معلومات موثوقة تتعلق بمستقبلهم
  • هزة تعطّل الإنترنت ينبغي أن تدفعنا للاهتمام بتطوير وتأمين هذه الخدمة، لا تجاهلها، فهي ظهير جيد للمعرفة المطبوعة، ولغة غالبة في المستقبل

أحدث انقطاع اثنين من «الكوابل» البحرية للاتصالات الدولية، وحركة الإنترنت هزة رجّت الشرق الأوسط، والمنطقة العربية خصوصًا، وامتدت تأثيراتها حتى شبه القارة الهندية، فقد اكتشف الجميع أننا نعيش حقًا في عالم مختلف تلعب فيه الاتصالات وخدمة الإنترنت دورًا حاسمًا في مجالات حيوية شتى، وأن تعطل هذه الخدمة كفيل بإصابة نشاطات شديدة الأهمية بالشلل، وكانت المعرفة الرقمية ضمن هذه النشاطات التي أصابها كثير من التعطل، ووجد مرتادو الإنترنت لدواعي المعرفة أنفسهم خارج الفضاء الرقمي، وبرز بشكل حاد وبالغ الجدية موضوع العلاقة ما بين الثقافة الرقمية والثقافة المطبوعة، ولم تعد الإجابات القديمة كافية لتغطية الأسئلة المستجدة.

كان الحدث مفاجئًا، فقد انقطع اثنان من أهم الكوابل البحرية الرئيسية للاتصالات الدولية وحركة الإنترنت، أحدهما لشركة «فلاج» العالمية والآخر «سي مي وي فور»، وهما اللذان يصلان معظم دول الشرق الأوسط والخليج العربي بأوربا وأمريكا، مما أدى إلى تعطل في معظم الاتصالات الدولية في الشرق الأوسط والخليج العربي مع أوربا وأمريكا، مؤثرًا

بذلك في خدمات الإنترنت ومراكز العملاء في المنطقة بأسرها، بل وصل التأثير حتى شبه القارة الهندية. ولولا وجود روافد للشبكة الدولية جيدة الحماية ومخارج متعددة في أكثر من مكان، لوصل الأمر إلى حد الكارثة. وبالرغم من ذلك، فإن ما حدث أنتج هزة جعلت الجميع يدركون أننا نعيش بالفعل في عالم مختلف، وأن هناك مخاطر لم نتحسب لها، وأن هناك أسئلة جديدة تبحث عن إجابات جادة. فمجرد إبطاء شبكة الإنترنت و«سقوط» بعض مواقعها، أدى إلى تأثيرات كبيرة الضرر في حركة السياحة وحجز تذاكر السفر بالطيران وغيره من الوسائل التي تعتمد

على الحجز الإلكتروني، واضطربت الحركة في البورصات المختلفة، وعلقت كثرة من نوافذ تحصيل وتوصيل خدمات الماء والكهرباء والهواتف وغيرها لافتات تعلن أنها مغلقة حتى إشعار آخر. ووجد متصفحو الإنترنت ومن يعتمدون في شئونهم وشجونهم على البريدالإلكتروني أنفسهم مكتوفي الأيدي. كما أصيبت بالجمود العملية التعليمية عبر الإنترنت، التي تنتهجها بعض مؤسسات التعليم عن بعد.

تسارعت الأسئلة تدق أبوابنا من كل صوب وحدب عن مدى التهديد الذي يمكن أن يلحق بنا جراء إيقاف متعمد أو عرضي لهذه الخدمة، كما برز سؤال كبير عن علاقة الثقافة والإعلام الرقميين بنظيرهما المطبوع، ولعل هذا هو أكثر ما يعنينا في مطبوعة ثقافية، لهذا نتمهل عنده، ونحاول استعراض بعض هذه الأسئلة، ونجتهد في الإجابات.

بين عصرين

نحن نعيش في عصر ثقافي جديد بلاشك، عصر الثقافة والإعلام الرقميين والاتصالات الفضائية، متضمنة فضائيات التلفزيون والإنترنت ورقميات الكمبيوتر وملحقاتها من أقراص مدمجة وأجهزة تخزين وعرض للمعلومات سواء كانت هذه المعلومات نصوصًا أو صورًا. لكننا لم نغادر أبدًا عصر الثقافة والإعلام المطبوعين. وعلى هذا النحو، نجد بين ظهرانينا نمطين من وسائل المعرفة، أحدهما هو المطبوع, الذي يرجع تاريخه إلى منتصف القرن الخامس عشر مع اختراع جوتنبرج للمطبعة الأولى، وهذا النمط لم يواجه تحديات كبيرة حتى بدايات القرن العشرين مع اختراع الهواتف والمذياع والتلغراف، وأضيف إلى ذلك التلفزيون الذي بدأ بثه في منتصف القرن العشرين. لكن هذه الوسائل جميعًا لم تنتقص من قيمة الثقافة والإعلام المطبوعين، بل لعلها زادت من كثافة الدعاية لهما، وعمّقت الاعتماد عليهما، فنشأت أجيال من المثقفين والمتعلمين كانت وسيلتهم الأولى للمعرفة هي المطبوعات، كتبًا كانت أم صحفًا. لكن مع ثورة الاتصالات والمعلومات الرقمية، التي راحت تتبلور وترسخ وجودها قبل أن ينتهي القرن العشرون، انفتحت على القرن الواحد والعشرين قنوات المعرفة الرقمية أو الإلكترونية بزخم يؤرخ لعصر معرفي جديد قوامه الكمبيوتر والاتصالات فائقة التطور، ثم شبكة الإنترنت التي اختصرت عاملي الزمان والمكان، وجعلت من كوكبنا قرية معلوماتية صغيرة يتواصل أقصاها مع أدناها، والأهم أنها، وهي تفتتح حقلاً ثقافيًا جديدًا، أخذت تشكّل وجدانًا مختلفًا لدى الأجيال الجديدة وقطاعات من الأجيال السابقة، بوابتها إلى معرفة الأخبار، واستقصاء المعلومات وتبادل الثقافات صارت الإنترنت بشكل أساس. وهكذا نجد أنفسنا نعيش عصرين ثقافيين يتجاوران معًا في مكان واحد هو كوكب الأرض، وزمان واحد هو هذا العقد الأول من القرن الواحد والعشرين.

صحيح أن هذين العصرين الثقافيين الموجودين معًا لم يخلقا ازدواجية ضارة، فوسائل المعرفة الرقمية - حتى الآن - لاتزال يافعة، خاصة في العالم الثالث، وهي في يفاعتها لم تقم بإزاحة الثقافة المطبوعة، لكن لو أعملنا الخيال قليلاً وتصوّرنا مسار الثقافة الرقمية مع امتداده، وترسخ ابتكاراته، لوجدنا أنفسنا نتساءل بجدية مع مَن كرّروا السؤال كثيرًا، وبصيغ مختلفة مؤداها: هل تُخرج الإنترنت المطبوعات من التاريخ؟ أو هل تطيح عاصفة الرقميات بالثقافة المطبوعة؟

إن مثل هذه الأسئلة، وإن كانت تحمل نبرة الحنين من أجيال كوّنت ثقافتها ومعرفتها عبر الكتاب والصحيفة والمجلة، إلا أنها لا تحمل معنى التساؤل الاستنكاري، فالمهم أن تكون هناك ثقافة ومعرفة، سواء أتت عن طريق الوسائل الرقمية أو الوسائل المطبوعة. لكن الخطورة تكمن في تصوّر محتمل لأجيال جديدة تعتمد في ثقافتها ومعرفتها على وسيلة لم تستكمل بناء محتواها المعرفي بعد، إذا ما قورنت بالتراكم الهائل للمعرفة في الكتب المطبوعة والمطبوعات عمومًا، فيُخشى أن هذه الأجيال تجنح إلى الخفة والمنطق الاستئصالي وتتسرّع في الحكم على كل قديم بأنه غير نافع.

وحتى نصل إلى نقطة توازن بين الرقمي والمطبوع، أو نقطة تمازج خلاق بين عصرين، فإن الصورة تحتاج إلى مزيد من التفحص والتقييم، للخروج برؤية موضوعية ونافعة، خاصة بعد هزة انقطاع كابلي الإنترنت، وما ترتب عليها من أعطال صادمة في لحظتها ومخيفة بالنظر إلى المستقبل. أين نقف الآن بين المطبوع والرقمي؟

الإنترنت تتغلغل والمطبوعات تقاوم

مع الأسف الشديد، لاتزال الدراسات الجادة والموثقة في هذا المجال محدودة في عالمنا العربي، ويصعب الثقة في معطيات الاستبيانات التي تقوم بها هذه الجهة أو تلك لأسباب ليست علمية، فمن الصعب تمامًا الوقوف على حقيقة الصورة في عالمنا العربي، سواء بشأن عدد المستخدمين الحقيقيين للإنترنت كوسيلة ثقافية أو معرفية، وطبيعة البوابات الثقافية التي يدخلون منها إلى الفضاء الرقمي، ودلالات هذا كله مقارنة بأرقام ومداخل الاعتماد على المطبوعات في المناشط الثقافية المماثلة. لكن هذا لا يمنع أبدًا أن نحاول تلمّس ملامح الصورة لدينا بمعرفة دقائق الصورة لدى غيرنا، خاصة أن الإنترنت صارت بالفعل ملمحًا من ملامح عولمة لا نستطيع إنكارها، وما يحدث هناك - في الشمال والغرب - لابد سيتكرر هنا، وإن متأخرًا أو بوتيرة أبطأ، فلا بأس علينا أن نستشرف الأفق من تأمل ما يحدث فيه وتتوافر عنه دراسات كافية الدلالة.

تشير دراسة نشرتها مجلة كولومبيا للصحافة, وهي دراسة ليست بالحديثة جدًا, إلى أن نسبة مستخدمي الإنترنت الأمريكيين ممن يستقون الأخبار اليومية من الإنترنت قفزت من 6% عام 1998 إلى 20% في أوائل عام 2000، وقفز حجم الإنفاق الإعلاني على الإنترنت من 1.9 مليار دولار عام 1998 إلى 4.6 مليار دولار في نهاية عام 1999. أما المواقع الإخبارية فقد نمت حصتها من هذا الإنفاق من 152 مليون دولار عام 1998 إلى 358 مليون دولار في نهاية عام 1999. وإذا قارنا ذلك بما يحدث في العالم العربي، فإن أرقام تقرير مؤسسة «بارك» التي تنشر دراسات عن الإعلان في العالم العربي، تقول إن حجم الإنفاق الإعلاني الكلي خلال عام 1999 بلغ 1964 مليون دولار، كانت حصة الصحف منه 42%، والتلفزيون 38%، والمجلات 15%، والراديو 2%، واللوحات الإعلانية 3%. أما الإنترنت، فإن ما ينفق فيها من الإعلان في العالم العربي حتى الآن لا يزيد في أحسن الأحوال على نصف بالمائة من إجمالي الإنفاق السنوي على الإعلان.

وفي غياب معطيات محددة عن عدد مستخدمي الإنترنت، وطبيعة استخدامهم، في العالم العربي، نستطيع القول من قراءة أرقام الإعلان التي تعكس معدلات الاستخدام لهذه الوسيلة الرقمية ولو بشكل عام، إن استخدام الإنترنت لايزال يحبو في عالمنا العربي، مقارنة مع ما يحدث في بلدان أخرى. وأن تراجع جمهور الصحافة المطبوعة ليس مرجعه صحافة الإنترنت أو الصحافة الإلكترونية (صحافة الأون لاين)، ولكن السبب الحقيقي لبعض ما تم رصده من تراجع في توزيع الصحافة اليومية، واختلال في دخل الإعلان لديها، هو ظهور الفضائيات العربية وتطور وسائل جديدة للإعلان مثل التسويق المباشر واللوحات والجداريات على جوانب الطرق.

قد يرى البعض في محدودية انتشار الإنترنت وتأثيراتها لدينا فرصة للنجاة من نواتج هزات وعواصف كتلك التي سببها قطع اثنين من الكابلات البحرية الناقلة لخدمة الإنترنت في عالمنا العربي، لكن هذا لن يكون خداعًا للنفس، لأن المستقبل، سيقودنا، على الأغلب، إلى موقف مماثل لما يحدث في شمال العالم وغربه. فماذا نحن فاعلون؟

المصداقية والموثوقية

لقد بيّنت دراسة أجريت في الولايات المتحدة أخيرًا، ونوردها شبه كاملة لاتساع دلالتها، أن الشباب في تلك البلاد يشكلون الشريحة الأكبر من مرتادي المكتبات العامة لقراءة كتبها، على الرغم من سهولة وصولهم إلى المعلومات الجمة المتوافرة على الإنترنت في منازلهم.

ويبدي هؤلاء الشباب اهتمامًا بالبحث عن كتب تجيب عن أسئلة تتعلق بأحوال الصحة، والتدريب على الأعمال، والخدمات التي تقدّمها الحكومة وغيرها. ولجأ 21 في المائة من الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 سنة ممن يبحثون عن إجابات لأسئلة من هذا النوع من المواضيع إلى المكتبات العامة وكتبها. بينما لم تتعد النسبة عينها الـ 12 في المائة بين الجمهور العام.

وتعتبر المهمات المتعلقة بالدراسة (مثل اتخاذ القرارات بشأن المدارس، ودفع أقساطها، والحصول على تدريب على العمل)، من المشكلات الأكثر شيوعًا التي تجذب الناس نحو المكتبات، وفق دراسة مشتركة بين مؤسسات «بو إنترنت» و«أميركان لايف بروجكت» وجامعة «إيلينوي». وبيّنت تلك الدراسة أيضًا أن هؤلاء الشباب يقصدون المكتبات من أجل الحصول على كتب مرجعية وصحف ومجلات متنوعة.

وعلق لي رايني، مدير مؤسسة «بوانترنت» على نتائج هذه الدراسة بالقول: «لم ينته عصر الكتب.. ليس بعد».

وقد وجدت الدراسة أن استخدام المكتبات ينخفض تدريجيًا مع تقدم الناس في العمر. وتنحدر تلك النسبة من 62 في المائة لدى الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 سنة، لتصل إلى 32 في المائة لدى الذين يتعدّون 72 سنة، مع انخفاض حاد عند بلوغ الأمريكيين عمر 50 سنة. وفي هذا الصدد، علق رايني بالقول: «تفاجأنا فعلاً في هذه الدراسة عندما تبيّن أن البالغين الشباب هم مستخدمو المكتبات الأكبر، فقد سيطرت فكرة على ثقافتنا تقول إن هؤلاء الشباب الذين يملكون الإنترنت (والكثير من الأجهزة الذكية) يسبحون في بحر من المعلومات ولا يحتاجون إلى أمكنة توجد فيها المعلومات في الكتب والصحف والمجلات الورقية».

وأعرب لاي إستابروك، وهو بروفسور متقاعد في علم المعلومات وعلم الاجتماع في جامعة «إيلينوي» عن اعتقاده بأن الشباب الذين اعتادوا العثور على المعلومات على الإنترنت سيطلبون مزيدًا على الأرجح، وسيدركون أن عليهم اللجوء إلى المكتبات للحصول عليها.

وحذّر تقرير أطلقته مؤسسة «بنتون»، وهي مجموعة تهتم بدراسة العصر الرقمي، في عام 1996 من أن الأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 24 سنة هم «الأقل حماسة لدعم بناء المكتبات والحفاظ عليها، إنهم أيضًا الأقل حماسة بين كل مجموعات الأعمار بشأن أهمية المكتبات في مستقبل رقمي». ووجدت الدراسة الجديدة أن هذا الجيل الآن أصبح يستخدم المكتبات بكثرة لحلّ المشكلات.

وفي المقابل، فإن العقد الذي مرّ بعد تقرير «بنتون»، شهد ارتفاع نسبة الدخول إلى الإنترنت بنسبة 44 في المائة من المكتبات العامة إلى أكثر من 99 في المائة. وأعاد كثير من المكتبات ترتيب المساحات أو انتقل إلى مواقع جديدة لاستيعاب التوسّع في الكومبيوترات. وفي كثير من الأماكن، حلّت طاولات طويلة, حيث يمكن للمستخدمين التفاعل، محل حجرات الدراسة الفردية.

وتقول لوريين راي، رئيسة «رابطة المكتبات الأمريكية»، التي لم تنخرط في الدراسة: «نحن نرى تحولاً كبيرًا، لقد أصبحت المكتبات تخلق مساحات اجتماعية» .

كما وجدت الدراسة أن استخدام المكتبات أدى لدى الذين لا يستطيعون الوصول إلى الإنترنت، لاسيما حين يكون مدخولهم أدنى، مع أنه بالنسبة إليهم تعتبر المكتبة المصدر الوحيد للإنترنت العالية السرعة. بيد أنهم عندما يواجهون مشكلة عليهم حلها، يلجأون إلى المكتبات لقراءة الكتب، وبالكثافة نفسها التي ظهرت عند الفئة السابقة.

وقالت روي: «نعرف أن الجميع يواجه مشكلات ويحتاج إلى المعلومات، مازال على المكتبات أن تصل إلى الناس، وتحرص على أن يعرفوا عن المصادر المتوافرة فيها».

وأجريت الدراسة عبر الهاتف على 2796 بالغًا، من بينهم 1702 مستخدم إنترنت، ويتراوح مجال الخطأ فيها بين +3 أو -3 في المائة. وللحصول على استنتاجات مفيدة عن المستخدمين بقدرة الدخول المنخفضة إلى الإنترنت أعيد الاتصال بمشاركين سابقين في الدراسة لدعم الأرقام، ثم تمّت موازنة الأرقام لتعكس الميل العام عند الجمهور.

إن نتائج هذه الدراسة تبدو مفاجئة، لكنها قابلة للتعميم والاستنتاج، لأنها لا ترتبط ببلد معين، بل ترتبط بالتكوين النفسي للإنسان، وهو تكوين تحكمه خطوط عامة مشتركة، من هنا نتوقع الشيء نفسه كعنصر حسم يحدد متى يلجأ الناس للكتاب، ومتى يلتصقون بالإنترنت. والواضح أن الناس يلجأون - حتى في البلدان المتقدمة - للكلمة المطبوعة عندما يبحثون عن موثوقية أعمق ومصداقية أكثر ثباتًا. والمدهش أن من يُقبل على هذا الاختيار هم الشباب الذين يفترض أنهم هجروا الكتب، واكتفوا بمصادر المعلومات والثقافة على الإنترنت. وهذه النتيجة تتسق مع واقع الحال الذي يظهر أن الإنترنت ليست بديلاً عن الكتاب، وأن المعرفة الرقمية لا تغني عن المعرفة الورقية، بل إن التوظيف الجيد للمعرفة الرقمية يحفز الاهتمام بنظيرها المطبوع. لهذا ينبغي أن تجعلنا هزة تعطل الإنترنت أكثر حرصًا على هذه الوسيلة الرقمية للمعرفة، لأنها من ناحية تقف ظهيرًا يدعم المعرفة المطبوعة - إذا أجدنا توظيفها - ولأنها من ناحية أخرى تتقدم نحو المستقبل بسرعة وزخم لا يمكن تجاهلهما.

 

 

سليمان إبراهيم العسكري