باحثون روس في جزيرة العرب علماء وعالمات في التاريخ الإسلامي عبدالرحمن الطيب الأنصاري

باحثون روس في جزيرة العرب علماء وعالمات في التاريخ الإسلامي

يواصل الباحث في هذا الجزء الثاني من المقال كشف الدراسات المعمقة التي قام بها الباحثون الروس حول الجزيرة العربية وتاريخها, خاصة الدراسة التي أصدرتها العالمة الروسية الجليلة (فكتور فنا بيغو ليفيسكيا).

أما الرحالة الذي اختلف عن هؤلاء فهو (إدوارد نولده) المولود سنة 1849م في مقاطعة (لاتفيا), والذي يقول عنه د. عوض البادي الذي ترجم نص الرحلة إلى العربية عام 1997م: (إن هذه الرحلة تكتسب أهميتها من كونها رحلة سياسية بحتة لم يخف صاحبها شخصيته كغيره من الرحالة الآخرين, وإن كان لم يفصح عن سر رحلته والمهمة التي جاء من أجلها حتى في كتابه, كما أن ما كتبه نولده خصوصًا في وصفه الأوضاع السياسية في المنطقة, وعرضه وتحليله لتاريخ الأحداث كان جديدًا ومميزًا وينم عن معرفة حقيقة بأوضاع الجزيرة العربية التي خصها بفصل كامل من الكتاب. وكذلك فإن ما يقدمه من معلومات له بعض الأهمية بالنسبة للباحثين المهتمين بالتاريخ السياسي لتلك المرحلة الغامضة). (البادي 1997: 10 - 11).

وقد أنهى نولده حياته منتحرًا في اليوم الحادي عشر من شهر مارس سنة 1895م, وهو في السادسة والأربعين من عمره, في لندن, ويبدو أنه كان يعمل سريًا لحساب استخبارات القيصر الروسي, أما مفاوضاته مع ابن رشيد فكانت تهدف إلى تأمين مرفأ للسفن الروسية على الخليج. (البادي 1997: 21). وفي مقدمته للترجمة يقول د.عوض: (... إنني لا أقدم ما ورد في هذه الرحلة من معلومات عن الأوضاع السياسية في وسط الجزيرة العربية كحقائق لا تقبل المجادلة, ولكنها في كثير من جوانبها تناقض ما هو متعارف على أنه حقائق في بعض الكتابات التاريخية والسياسية وخاصة المتعلقة بأحداث المنطقة خلال تلك الفترة) (البادي 1997: 31). ونحن نؤيد ما أشار إليه د.عوض خاصة إذا ما تصورنا الشخصية القيصرية التي دخلت شمال الجزيرة العربية, ولنا أن نستعرض التجهيزات التي أعدها لرحلته إذ يقول نولده: (بأوامر خاصة من جلالة السلطان العثماني أرسلت معي فرقة حراسة شرف من الجنود الأتراك رافقتني حتى الجوف, وكانت هذه الفرقة تتكون من ضابط وخمسة وعشرين من الرجال المميزين مع خيولهم وكلهم من الأكراد الذين لا يتوقع منهم أي تهاون أو ضعف... كل هذا تم لحسن الحظ في 14 يومًا, فأصبح بإمكاني في أول يناير 1893م مغادرة دمشق. كانت حقًا قافلة مهيبة, 36 رجلاً في الخدمة وأربعون جملاً وستة خيول وعدد مختلف من البغال والحمير, يضاف إلى ذلك الحراسة التي تتكون من 26 رجلاً ومعهم أمتعتهم محمولة على 25 جملاً وكانوا يشكلون قافلة وحدهم). ولعل هذه القافلة أشبه بقافلة غازية لا باحثة عن معرفة أو لإجراء اتفاقات. ويمكننا أن نقول إن نولده قد مسه الغرور إذ يقول عند قرب دخوله إلى حائل: (إن قليلاً من الأجانب الذين وطئوا حائل لم يطلبوا استقبالاً شعبيًا أو رسميًا مثل ما هو الأمر معي, ولكن مراعاة للشعور العام قاموا بارتداء الزي العربي). (البادي 1997: 93). وفي وصفه لابن رشيد يقول: (إن ابن رشيد ذكي وداهية ماكر وبدوي مستنير ومطلع بصورة جيدة, إن فهمه الواضح للشئون الأوربية كان حقًا مثارًا للدهشة إذا ما أخذنا في الاعتبار المزيج الغربي والمتكرر لدى العرب من دهاء سياسي وبربرية ومن وحشية وكياسة وكرم ضيافة تقليديين ومن فهم شاف وفطنة مع جهل وتعصب - حقيقة إنه مزيج غريب وخلطة مدهشة), ويقول في موضع آخر: (مثل ما هو الحال مع كل الناس المرتابين عديمي الثقة والمتحفظين أساسًا, فإنه مما ينصح به دائمًا مع العرب هو إعطاؤهم الوقت لكي يعتادوا على الأشخاص الجدد والاتصالات الجديدة والأفكار الجديدة بعد ذلك فإنهم يصبحون مرنين, ويستطيع المرء أن يعايشهم ويسايرهم بصورة جيدة للغاية). (البادي 1997: 15 - 35). وهكذا نلاحظ أن البارون إدوارد نولده كان يمكن أن يتحصل على قدر وافر من المعلومات لو أنه دخل الجزيرة العربية بطريقة أكثر تواضعًا ورقة, ولكن يبدو أن طبيعة عمله وما كلف به اقتضى هذا المظهر الأرستقراطي.

دراسات علمية

هناك جانب آخر نود أن نلقي الضوء عليه, ذلك أنه وإن كنا نفتقر إلى معلومات عن رحالة روس إلى الجزيرة العربية في حجم المعلومات التي خرجنا بها من الرحالة الغربيين, إلا أننا لم نعدم دراسات قيمة عن الجزيرة العربية نشأت بمنهجية عالية وعميقة في الأكاديميات الروسية فأنتجت أعمالا علمية كان لها دورها في تنشيط البحث العلمي.ولعل في مقدمة هذه الدراسات التي قامت بهذا الدور كتاب (الشمال الشرقي الإفريقي في العصور الوسيطة المبكرة وعلاقاته بالجزيرة العربية من القرن السادس إلى منتصف القرن السابع الميلاديين) لمؤلفه العالم الجليل (يوري كوبيشانوف) الذي نقله إلى العربية الأستاذ الدكتور صلاح الدين عثمان هاشم, ونشرته الجامعة الأردنية سنة 1988م, هذا العمل العلمي جعل د.هاشم يقول عن المؤلف: إنه من المؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا المرموقين في الاتحاد السوفييتي ويعد حاليًا المؤرخ الأول لإفريقيا في تلك البلاد بل هو خبير عالمي في تاريخ أثيوبيا القديم). وقد ولد المؤلف سنة 1934م بمدينة كاركوف في جمهورية أوكرانيا ونال تعليمه في معهد اللغات الشرقية التابع لجامعة موسكو وبدأ نشاطه العلمي منذ أوائل الستينيات مركزًا على دراسة أثيوبيا القديمة والوسيطة, ولا نغالي إذا أضفنا إلى ذلك قول د.هاشم أن المؤرخ: (عالم لغوي موهوب يجيد عددًا من اللغات سامية وإفريقية وهندوأوربية). وعندما نسير في قراءة هذا العمل العلمي نجد مقدمته التي تعتبر خلاصة مركزة لتجربته العلمية في مجال البحث. ولعلنا نقف أمام هذا التقسيم الجغرافي الحضاري المتمثل في أن حيز المكان الذي يبحث عنه يقول عنه, إنه أشبه بنواة تحيط بها ثلاثة أغلفة أو دوائر. أما النواة فهي إفريقيا التي لم تدرس دراسة كافية والتي تهمنا أكثر من غيرها والواقعة إلى الجنوب من ليبيا ومصر, أما أولى الدوائر المحيطة بالنواة فتمثلها أقطار الشمال الإفريقي مضافًا إليها الجزيرة العربية وإلى حد ما أجزاء من سورية وفلسطين, وأما الدائرة الثانية فتمثلها أوربا والبحر المتوسط ومعها آسيا الصغرى وإيران والهند وسريلانكا حيث قامت المراكز الكبرى الاقتصادية والسياسية للعالم في ذلك العهد, وحيث تقرر في المقام الأول مصير ذلك العالم. (كوبيشانوف 1988: 9 - 21).

بقايا اليهودية

وفي استعراضه لكل هذه الصراعات والكر والفر بين الجنوب والشمال جعل الأيديولوجيات الدينية المتمثلة في النصرانية واليهودية أحد المحاور المهمة في هذا الصراع وأعطى لليهودية قدرًا أوفر من الاهتمام في أدق الأشياء, وأقلها أهمية ومنها قوله: (وتذكر لنا مصادر القرن السادس اسم شخصين من أعيان حمير كانا يدينان باليهودية, أحدهما ملك حمير يوسف ذو نواس والآخر القائد ابن القيل حجي أيهر وكلاهما ينتمي إلى عشيرة يزن من الأعيان. وكان الأول ابنًا لأمة يهودية من أهل نصيبين أما الثاني فكان أيضًا ابنًا لأمة ولكنه لم يذكر ديانة هذه الأمة واكتفى بأن وضع هذه المعلومة وترك للقارئ تصور أنها هي أيضًا يهودية بحكم ذكرها في سياق أم يوسف ذي نواس, ويبدو أن المؤلف كان في شك من أمره إلا أنه وجد فيما أشار إليه (لوندن) بغيته في افتراضه أن حجي اسم توراتي يسمح بالجزم بالأصل العرقي لأمه أي أنها كانت يهودية أو سامرية ولا أدري لماذا لا يكون الاسم حجي اسمًا عربيًا مشتركًا بين الأسماء السامية. (كوبيشانوف 1988:42 - 03).

ثم يستمر ويقول: (أما الآثار اليهودية في الجنوب العربي فتتمثل في الرقوم المدونة بالكتابة العبرية والمعروف منها إلى اللحظة اثنان فقط. وإذا عرفنا أن النقوش العربية التي وجدت حتى الآن في جنوب الجزيرة العربية وحدها تعد بالآلاف فإن وجود نقشين فقط لا يضيف برهانًا على وجود آثار يهودية في جنوب الجزيرة العربية تشهد عليها الرقوم, إذ إننا لانستطيع أن نقول إن هناك آثارا هندية وآثارًا تدمرية في مملكة حضرموت لمجرد ذكر اثنين من الهنود واثنين من التدمريين في خدمة أحد ملوك حضرموت في نصوص العقلة شمال شبوة في قلعة أنودم.

وتتبع المؤلف لليهود واليهودية في الجزيرة العربية قد يثير نوعًا من الاستغراب, فهو يقول في موضع: إنه يجدر التذكير في هذا الصدد بأن الحيرة نفسها لم تكن دولة يهودية وإن وجد فيها يهود ثم يقول: (ولاعلم لنا ألبتة بوجود ملاحة لليهود في الخليج الفارسي - العربي - أو خليج عدن أما فيما يتصل بطريق القوافل الذي يخترق الحجاز فلم يمر بمنازل يهودية فحسب بل بمنازل نصرانية كذلك), ويقول في موضع آخر وهو يتحدث عن أعيان حمير: (وعلى نقيض هذا كانت اليهودية في أعينهم دينًا أكثر أصالة من النسطورية). (كوبيشانوف 1988:03 - 33). واستمر الباحث يكرر بين صفحة وأخرى موضوع الأمة اليهودية التي جاءت من نصيبين فهو عند حديثه عن الانقلاب الذي حدث في حمير عام 715م يقول: (فقد ملك حمير معديكرب في سنة 715م عرشه وحياته, فقد انتزع العرش منه ممثل عشيرة ذي يزن الأرستقراطية الذي كان في الوقت ذاته على ما يبدو حفيدًا للملك أب كرب أسعد وابنًا لأمة يهودية أصلها من نصيبين.

ويبدو أن الباحث يريد أن يعطي الانطباع أن دولة حمير كانت دولة يهودية فهو يقول: (ومن بين القبائل العربية التي اعتنقت النصرانية في بداية القرن السادس الغساسنة وسليح وقسم من كندة ومن اللخميين وغيرهم, أما اليهود فلم تقم لهم في ذلك العهد دولة ما باستثناء حمير, وإن شكلوا في واقع الأمر شطرًا مهمًا من سكان العراق وسورية وفلسطين, وأيضًا الإسكندرية والقسطنطينية وطيسغون وغيرها من المدن الكبرى). ثم يقول: (وانتشرت اليهودية في الجزيرة العربية نفسها بجزيرة يوتابا (تيران) عند مدخل خليج العقبة ومناطق تيماء والحجر وبواحات أذرعات وفدك وخيبر ومقنا ووادي القرى ويثرب والطائف, حيث كان اليهود يتحدثون بالعربية, وكانت أقرب المستعمرات اليهودية لحمير تلك التي بالطائف ويثرب على الحدود الشمالية لمملكة حمير, وإلى جانب اليهود أقام بهذه الواحات أيضًا العرب الذين دانوابا بالوثنية). (كوبيشانوف 1988:43 - 83).

وبالرغم من التتبع اللغوي لليهود في الجزيرة العربية وجعل دولة حمير دولة يهودية, فإن المؤلف يعد واحدًا من الأعلام الكبار الذين درسوا بعمق أحداث الجزيرة العربية والصراعات الفارسية والبيزنطية سياسيًا ودينيًا واقتصاديًا, واستطاع أن يضع صورة واضحة تدل على أن الأحداث في الجنوب الغربي للجزيرة العربية كانت الشغل الشاغل للقوى العظمى في الشمال آنذاك, والدول والقبائل التي كانت تدور في فلكهم.

على حدود بيزنطة وإيران

وقد سبق هذا العمل عمل آخر قامت به العالمة الروسية الجليلة تينا فكتورقنا بيجوليفيسكيا, وكان موضوع كتابها (الغرب على حدود بيزنطة وإيران من القرن الرابع إلى القرن السادس الميلاديين), ولعل هذا البحث وهذا العمل كان انطلاقًا لأبحاث أخرى. لقد ولدت مؤلفة الكتاب عام 1894م بمدينة بطرسبرج في أسرة مرموقة أثرت روسيا بعدد من العلماء ودرست التاريخ واللغات الكلاسيكية بجامعة بطرسبرج, ثم تخصصت في اللغات السامية وهي العبرية والآرامية والسريانية والحبشية واللغة العربية, وعندما توفيت عام 1970م, كانت نينا قد أضحت من العلماء المرموقين في بلادها, بل واكتسبت شهرة عالمية في ميدان دراستها, وقد ترجم كتابها إلى اللغة العربية الدكتور صلاح عثمان هاشم. وقد حلل لنا المترجم الأسباب التي جعلت مؤلفها يستحق النقل إلى اللغة العربية, فهي تعرف معرفة جيدة اللغتين الكلاسيكيتين للعالم القديم اليونانية واللاتينية, مما جعلها قادرة على استخراج أخبار القبائل العربية وعلاقتها مع الإمبراطورية الرومانية, ثم البيزنطية من المصادر التي كتبت بها هاتان اللغتان, كما استطاعت من خلال معرفتها باللغات السامية أن تستفيد من المادة المدونة بهذه اللغات, فيما يخص القبائل العربية, وكانت لدراساتها للنصرانية الأولى, ونشأة الكنيسة على معرفة تامة بالخلافات المذهبية في القرون الأولى من تاريخها, وهي تلك الخلافات التي مست القبائل العربية ذاتها. كما اهتمت في آخر حياتها بتاريخ إيران القديمة عامة في العصر الساساني على وجه الخصوص, ولهذا استطاعت أن تلقي ضوءًا ساطعًا على تاريخ اللخميين الذين كانوا على صلة بالفرس. إن هذا الكتاب يعد بحق واحدًا من الكتب المهمة التي تدل على احتراف الأكاديميين الروس للبحث العلمي منهجًا قويمًا وبحثًا عن الحقيقة.

وفي المقدمة التي وضعتها المؤلفة لكتابها تقول: (إن الفتوحات العربية الكبرى لا يمكن فهمها إلا في ضوء الدراسة العميقة لتاريخ العرب للفترة السابقة للإسلام, أي دراسة تاريخهم في الجزيرة العربية والشرق الأدنى, ولقد كان للدويلات العربية في الجنوب العربي حضارة منتعشة انعكست في مدنها وآثارها المعمارية وطريقة كتابتها العريقة, فهي تمثل مرحلة مهمة في تاريخ تطور الشعب العربي. ولقد وحدت العقيدة الجديدة من كلمة العرب ووضعت حدًا لمعتقداتهم البالية, وساقتهم إلى فكرة الوحدانية التي لم تكن غريبة آنذاك على الديانات الكبرى في الشرق الأدنى, وكان ظهور التشكيلات الاجتماعية وتطورها في الشرق الأدنى, وما تميزت به من طابع فريد خاص بها هو القاعدة التي قامت عليها بحوثنا بما في ذلك هذا البحث عن الشعب العربي الذي لم تنضب طاقته الخلاقة إلى أيامنا هذه). (بيجوليفسيكيا 1985:41 - 51). ولعل من أجمل ما يُقرأ في هذا الكتاب حديثها عن المصادر التي اعتمدت عليها في دراستها, إذ كان أول مصدر من مصادرها هو النقوش الكتابية المنحوتة على الصخر بجميع أنواعها وتفرعاتها من أعمال العلماء الذين اهتموا بهذه الكتابات, ودرسوها, واستفادوا منها, ثم عطفت على الشعر الجاهلي باعتباره مصدرًا من مصادر الحياة الاجتماعية والثقافية, وبعدئذ عرجت على الأخبار والإخباريين, وما جاء في كتبهم من أحداث تصف الحياة الجاهلية. أما المصنفات الجغرافية والتاريخية التي دوّنت في العصور الإسلامية, فإنها تمثل في رأيها صياغة متأخرة كثيرًا لمادة غلب عليها الطابع الأسطوري, وخاصة أن هذه المصنفات الإسلامية درجت على النقل بعضها عن بعض دون تغير يذكر, إلا أن معطيات بعض المؤلفين تعطي أهمية كبيرة عند مقابلتها بمادة المؤرخين البيزنطيين, كما أن بعض الروايات التي حفظها لنا بعض المؤرخين المسلمين من أمثال حمزة الأصفهاني والطبري, يمكن قبولها إذا ما قورنت بما جاء في النقوش العربية الجنوبية والشمالية. وقامت بدراسة تحليلية للطبري والمسعودي, وأبو الفداء ثم تقول في ثنايا دراستها للمصادر العربية: (غير أن هذه المصادر العربية ليس فيها الكفاية لإخراج تاريخ متتابع ومتماسك للدويلات العربية قبل الإسلام أو لتقييم دوره في تاريخ الشرق الأدنى عامة, وعلاقتها مع كل من بيزنطة وإيران. وواقع الأمر أن التاريخ السياسي للعرب قبل الإسلام, ومتابعة أحداثه الزمنية ليس من الميسور كتابته دون الاستعانة بالمصادر البيزنطية المدونة باليونانية واللاتينية, أو دون مادة المؤلفين السريان, هذه المصادر تفضل المؤلفات العربية التاريخية في أنها معاصرة للأحداث التي تؤرخ لها. وعلى ذلك, فإنها هي أيضًا بدورها يجب أن تخضع للفحص الدقيق, ولقد ورثت بيزنطة كل الغرور والصلف اللذين اتصفت بهما روما من قبل, حيث عدت جميع شعوب الشرق من البرابرة بمن فيهم الفرس أنفسهم, علمًا بأن الفرس لم يكونوا أقل من الرومان تمدنًا, بل إنهم فاقوهم في كثير من المجالات, لذلك لم يكن غريبًا والحالة هذه أن بدت القبائل العربية غير جديرة بالاهتمام).. (بيجوليفسيكيا 1985:53 - 62). إن استعراضنا لهذه النماذج من الباحثين لا يعني انعدام آخرين يبذلون جهدًا كبيرًا لدراسة التاريخ العربي والإسلامي, ولعل من أبرزهم البروفيسور لندين الذي كتب عددًا من الأبحاث التي تهتم بالنقوش العربية, والتي نشر معظمها في مطبوعات ندوة الدراسات العربية التي تعقد في بريطانيا كل عام ابتداءً من العدد الثاني الذي صدر سنة 1972م حتى العدد 52 الذي صدر سنة 1995م وكلها إما دراسات لنقوش أو عرض لأبحاث وكتب أو تعليقات على أعمال ألقيت في الندوة, وكلها تدل على عمق ومعرفة بتاريخ الجزيرة العربية في عصورها المختلفة.

 

عبدالرحمن الطيب الأنصاري