هجوم الأعاصير.. أحمد الشربيني

هجوم الأعاصير.. أحمد الشربيني

في كل يوم، تثبت دراسة جديدة أن تغير المناخ بدأ ينفلت من عقاله، وأن عواقبه ستكون وخيمة على حياة ملايين البشر، وعلى كوكبنا ذاته. وجاءت آخر التحذيرات من دراسة علمية اعتمدت على تحليل بيانات العواصف الاستوائية والأعاصير في شمالي المحيط الأطلسي، وأثبتت أن متوسط عدد الأعاصير التي تضرب سنويا منطقة المحيط الأطلسي قد تضاعف خلال القرن المنصرم، وأن هذه الزيادة الحادة قد حدثت عبر قفزتين زمنيتين. وخلصت الدراسة إلى أن درجات الحرارة الأعلى لمياه سطح المحيط والنماذج المناخية المتغيرة الناجمة عن تغير المناخ هي المسئولة عن هذه الزيادة الحادة.

ونشرت هذه الدراسة العلمية الجديدة، التي أجراها الباحثان البروفيسور جريج هولاند، الأستاذ في المعهد الوطني للبحوث المناخية، والبروفيسور بيتر وبستر، الأستاذ بمعهد جورجيا للتكنولوجيا،

على الموقع الإلكتروني لدورية Philosophical Transactions of the Royal Society of London.

ويقول هولاند: «هذه الأرقام مؤشر قوي على أن تغير المناخ عامل أساسي في العدد المتزايد لأعاصير الأطلسي». وحددت الدراسة ثلاث فترات منذ العام 1900، فصلت بينها انتقالتان حادتان، زاد خلالهما متوسط عدد الأعاصير والعواصف الاستوائية زيادة كبيرة، ثم بقي هذا المتوسط مستقرا نسبيا في الفترة اللاحقة. وشهدت منطقة شمالي المحيط الأطلسي في الفترة الأولى، بين العامين 1900 و1930، في المتوسط ست عواصف استوائية سنويا، تطورت أربع منها إلى أعاصير. وقفز المتوسط السنوي في الفترة من 1930 وحتى 1940 إلى عشر عواصف استوائية، تطورت خمس منها إلى أعاصير. وفي الفترة الأخيرة التي غطتها الدراسة، من العام 1995 وحتى العام 2005، قفز المتوسط السنوي إلى 15 عاصفة استوائية، تطورت ثمان منها إلى أعاصير.

غير أن الفترة الأخيرة لم تصل إلى درجة الاستقرار بعد، وهو ما يعني أن المتوسط السنوي لموسم الأعاصير ربما يكون أكثر نشاطا في المستقبل. غير أن هولاند ووبستر أعربا عن تخوفهما من أنه ليس من الممكن هذه المرة أن نتوقع عند أي مستوى سيستقر عدد وشدة الأعاصير والعواصف الاستوائية.

وارتبطت الزيادات في عدد الأعاصير خلال القرن الماضي ارتباطا وثيقا بالارتفاع في درجة حرارة سطح المحيط، الذي يعتقد أنه ناجم عن احترار المناخ المرتبط بالنشاطات الإنسانية. وقد زادت درجة حرارة سطح مياه شمالي المحيط الأطلسي بنحو 3ر1 درجة فهرنهيت خلال المائة عام التي غطتها الدراسة. وحدثت التغيرات في درجة حرارة سطح المحيط في السنوات التي سبقت الزيادة الحادة في عدد العواصف الاستوائية والأعاصير، حيث حدث ارتفاع بنحو 7ر0 درجة فهرنهيت خلال السنوات القليلة التي سبقت قفزة 1930، وزيادة مماثلة تقريبا خلال السنوات التي سبقت قفزة 1995، غير أن المشكلة الآن أن هذه الزيادة مستمرة في الارتفاع. ولفت الباحثان إلى أن دراسات أخرى أشارت إلى أن ارتفاع درجة حرارة مياه سطح المحيط الأطلسي يعود إلى الاحترار الكوني.

إلى أين سنصل؟

يقول البروفيسور جريج هولاند، مدير المقاييس المتوسطة والدقيقة في المركز الوطني الأمريكي للأبحاث الجوية في بولدر بولاية كولورادو: «إننا حاليا وسط ازدياد متسارع في العواصف الاستوائية والأعاصير التي لم تعد مستقرة».

ويضيف: «إنني لا أعرف حقا إلى أي معدل سنصل. لكن حدسي يقول إننا سنصل إلى استقرار في متوسط عدد الأعاصير لفترة زمنية قصيرة، سيعقبها تصاعد آخر في عدد الأعاصير إذا لم نسيطر على تغير المناخ».

ويشير هولاند إلى أنه من الطبيعي بالنسبة للأنظمة الشواشية مثل الطقس والمناخ أن تتحرك في خطوات حادة بدلا من الاتجاهات المتدرجة.

ويضيف: «ما فاجأني أنه عندما اكتشفنا لأول مرة في العام 2005 أن تلك الزيادات قد تطورت لفترة زمنية طويلة جدا دون أن نلاحظ ذلك».

وقال هولاند: إن نحو نصف سكان الولايات المتحدة، و«شريحة كبيرة» من النشاطات التجارية سيكونون «مكشوفين مباشرة» أمام الأعاصير.

وأضاف: «إن تخطيطنا الحضري والصناعي وقوانين البناء يستندان إلى تاريخ انقضى»، وإذا كان المستقبل مختلفا: «فسنكون أمام خطر حقيقي أنهم لن يكونوا كافيين، كما تبدى ذلك على نحو قاطع في الإعصار كاترينا في نيو أورلينز».

الاحترار الكوني

دفع موسما الأعاصير النشاط في 2004 و 2005 العلماء إلى إجراء المزيد من البحوث حول احتمالات ارتباط العواصف الاستوائية والأعاصير الأكثر كثافة بالدورات الطبيعية، والاحترار الكوني، أو أي أسباب أخرى.

وتستمد الأعاصير قوتها من مياه المحيط الدافئة. وكما ذكرنا، فإن درجة حرارة سطح مياه شمالي المحيط الأطلسي قد زادت بنحو 1.3 درجة فهرنهيت خلال الأعوام المائة المنصرمة. وقد أشارت تقديرات العديد من الباحثين الآخرين إلى أن ثلثي الاحترار على الأقل يمكن إرجاعهما إلى النشاطات الإنسانية والصناعية.

لكن بعض العلماء يذهبون إلى إلقاء اللائمة على تغيرات في الشمس. غير أن دراسة حديثة لعلماء بريطانيين وسويسريين خلصت إلى أنه: «خلال العشرين سنة الماضية، كانت كل اتجاهات التفاعلات الشمسية التي قد يكون لها تأثير في مناخ الأرض في الاتجاه المعاكس الذي يتطلبه تفسير الزيادة الملحوظة في متوسط درجة حرارة كوكبنا».

فمع ازدياد درجة حرارة مياه سطح المحيط، تحدث تغييرات في حقول ودورة الرياح المناخية، وهذه التغييرات، كما يقول هولاند، مسئولة عن التغير في تكرارية الأعاصير.

لكن كريس لاندسي، مسئول العلوم والعمليات في مركز الأعاصير الوطني في الإدارة الوطنية للأرصاد والمحيطات لا يتفق مع هذا الاستنتاج، ووصف الدراسة بأنها غير متسقة في استخدامها للبيانات. وأضاف أن الدراسة: «علم زائف يهمل حقيقة أن الرقابة الأفضل من خلال الأقمار الصناعية تسمح لنا بمراقبة العواصف والأعاصير التي كنا ببساطة لا نرصدها في الماضي. وتضاعف عدد العواصف والأعاصير خلال مائة عام، الذي اكتشفوه في دراستهم، ليس سوى نتاج للتكنولوجيا، لا لتغير المناخ».

لكن كيري إيمانويل، خبير الأعاصير في معهد ماساشوستش للتكنولوجيا يقول: إن الدراسة شديدة الأهمية. وعلى حد تعبيره، فإنها: «تدحض المزاعم الأخيرة التي تفترض أن الاتجاه التصاعدي لنشاط الأعاصير الأطلسية هو نتاج لأنظمة القياس المتطورة».

وكانت التحسينات في رصد الأعاصير قد بدأت مع طلعات الطائرات لمراقبة الأعاصير في العام 1944 واستخدام الأقمار الصناعية في المراقبة في العام 1970. لكن التحولين اللذين حدثا في نشاط الأعاصير اللذين رصدتهما الدراسة حدثا في العامين 1930 و1995.

وقد قال هولاند ووبستر في دراستهما، التي مولتها مؤسسة العلوم الوطنية: «إننا نؤيد بقوة الرأي القائل بأن أخطاء البيانات لا يمكن أن تفسر وحدها القفزتين الحادتين في الأنساق المناخية، اللتين حدثت فيهما زيادة نحو 50 في المائة في عدد العواصف والأعاصير».

وبينما زاد عدد العواصف الاستوائية بانتظام، فإن نسبة الأعاصير إلى العدد الإجمالي لأعاصير الأطلسي الاستوائية تقدر بنحو 55 في المائة. ومع ذلك، فإن نسبة الأعاصير الكبرى (تلك التي تصل سرعة الرياح فيها إلى 110 أميال في الساعة) إلى الأعاصير الأصغر والعواصف الاستوائية قد تصاعدت على نحو غير منتظم، وزادت بصورة كبيرة خلال السنوات الأخيرة.

أعاصير العام الماضي

كان موسم الأعاصير في العام الماضي أقل نشاطا بشكل ملحوظ من العامين السابقين له، جزئيا بسبب ظاهرة النينو في المحيط الهادئ. ومع ذلك، فإن ذلك العام، الذي لم تشمله الدراسة، يصنف بأنه فوق المتوسط مقارنة بالمعدلات قبل مائة عام، حيث شهد العام الماضي خمسة أعاصير وأربع عواصف استوائية كبيرة.

ويقول هولاند: «حتى العام الذي يعتبر هادئا بمقاييس اليوم سنجده أكثر نشاطا مقارنة بالمتوسط السنوي لعدد الأعاصير في السنوات الأولى للقرن العشرين».

 

أحمد الشربيني