الفنان الصومالي محمد عثمان لوحات حافلة بالألوان والظلال

الفنان الصومالي محمد عثمان لوحات حافلة بالألوان والظلال

تحفل لوحات هذا الفنان بصخب لوني وجرأة كبيرة في التعامل مع ألوانه المختلفة وتوزيعها بمساحات كبيرة فوق مسطحات الصورة.

في الفنون الإفريقية القديمة تبرز الأساطير والطواطم والألوان الصاخبة وكثير من التمائم والرموز السحرية التي تهيمن على معتقدات القبائل والشعوب، والثابت حقا في هذه الفنون أنها تشترك فيما بينها في ملامح رئيسية ثابتة ومميزة من أهمها ذلك الجموح الطاغي نحو المباشرة وتدشين المعتقد في صراحة ووضوح، وهذه الصراحة تصوغ الفنون من خلال استخدام خامات أصيلة وألوان ساطعة نجدها أيضا في الفنون الحديثة التي ترى في هذه الفنون مصادر مهمة للتفرد والخصوصية.

وفي منجزه البصري تأتت للتشكيلي الصومالي محمد عثمان مقدرة وبراعة فائقتان في ممارسة التصوير من خلال المعالجات التعبيرية وما يمكنها أن تفجره من دلالات وإيحاءات شديدة العمق، وإحداث بالغ الأثر في نفوس المشاهدين من خلال كثير من الطروحات الإنسانية التي تحملها كل لوحة من لوحات هذا الفنان الأصيل، الذي دشن كثيرا من معطيات الفنون الإفريقية في أعماله التي بحثت في الحياة الإفريقية وما يتوق البشر الأفارقة إلى تحقيقه, إضافة إلى ما يعتمل في أعماقهم من رؤى وأفكار وهواجس وطموحات إنسانية.

اللون في لوحات محمد عثمان له من القدرة ما يجعله مستحوذا على الذائقة البصرية التي تقع في براثنه دونما شعور, مستجيبة في فعلها ذلك للانجذاب الطبيعي والتلقائي لطزاجة الاشتغال اللوني الذي تمت ممارسته بشكل يبدو عفويا ولامصطنعا, بحيث يشعرك اللون بأنه جاء أولا - وقبل الرسم - من خلال تفجرات متوالية خرجت من أعماقها الشخوص والأماكن.. إن اللون يعطيك إحساسًا دائمًا بالأصل الذي نشأت عنه عناصر اللوحة وكائناتها. وإذا كانت اللوحة في بعديها التعبيري والسوريالي تؤكد على الدراما البصرية فإن هذه الدراما تبدو غير ذات قيمة إذا ما نحن قد تجاهلنا إحساسنا باللون وهو ما يستحيل ويصعب في لوحات ضاجة بالألوان، الصريحة في أقصى حالاتها الإشراقية المتقدة والنضرة.

ويبدو الكلام عن اللون في لوحات محمد عثمان متسقا مع تعدد اللوحات ذاتها ونموها بتجدد وتنوع المعاني، واللون أيضا في هذه اللوحات هو أحد الأبجديات العديدة التي يعتمدها الفنان في اشتغاله الإبداعي، شأنه شأن التشخيص والمكان، وهي أبجدية تظل لصيقة بالمحتوى البصري لتمنحه معانيه وأفكاره، إضافة إلى رونقه وبهائه.

شغف بالألوان

ويبدو أن الفنان نفسه قد شغف باللون ووقع تحت سطوته الكلية، لدرجة أنه تحول من الاتجاهات التشخيصية التعبيرية والسوريالية إلى التجريد لنجده في منجزه الحديث يصوغ لوحاته فقط عبر علاقات لونية مجردة، دونما خوض في تفاصيل وملامح.

وفي أعمال محمد عثمان تسطع أفكار عن الحرية والأمل والأحاديث النسائية والحزن والترقب والوجود وأوقات العمل والأحلام، وغير ذلك من المعاني الواقعية والوجدانية التي تؤلف الحياة والعلاقات مع الفضاء الكوني.

والفنان في عدد من لوحاته ينشئ علاقات سوريالية بين الشخوص وظلالها التي نراها في واحدة من تلك اللوحات، وقد بدأت في التشكل والتحول التدريجي من كينونتها لتلج إلى العالم البشري التجسدي بنمو ساعدين ورأس لها، فيما يبدو على هذا الكائن المتحول الذعر والاضطراب.وهنا مزج صريح بين الواقعي والشعوري لتعضيد رؤية أسطورية أو تخيلية استحوذت على ذائقة الفنان. والحدث يدور في منطقة مضيئة بدرجات من الألوان الصفراء والبرتقالية الساخنة، في الوقت ذاته الذي نرى فيه الشخص الواقعي قد ارتدى إزارا أزرق اللون كرمز للحلم، كما أن الظل بدا بلون أسود، وقد يكون هذا هو لونه الواقعي تحت هذا الضوء الباهر. وهذه العلاقة بين الضوء والإظلام والحلم هي العلاقة المتألفة من ألوان صريحة ومشرقة تتباين في كنهها لتصوغ دراما النص وتلامس المأمول السوريالي المضيء في أعماق الفنان.

إيحاءات سريالية

هذا التوجه السوريالي سنجده في لوحة أخرى عميقة على الرغم من بساطتها، وفيها يبدو أحد الأشخاص جالسا وقد غفا وهو يعقد ساعديه فوق قدميه، بينما يظهر بين الساعدين المعقودين وفي منطقة الصدر مشهد لشخص يتجه نحو كوخ بدائي، وقد أجاد المصور في الجمع بين الكينونة الواقعية وما يمكن له أن يحدث في العقل الباطن، أو ما تتلمسه الروح من أحداث ورؤى وأحلام.

وتلك الفكرة سنجدها متكررة في عدد من لوحات الفنان عبر حلول تشكيلية متقاربة, تعتمد على اجتزاء مساحات في الجسد البشري وبخاصة الصدر والرأس، لتصوير مشاهد متعلقة بعالم الوجدان والفكر.

هذا التوجه يقود الفنان إلى التأكيد على فكرة التحولات من كينونة إلى أخرى، فالظلال تتجسد شيئا فشيئا كما ذكرنا في لوحة سابقة، والأشجار أيضا نجدها تتشكل بشكل يقارب الطبيعة البشرية، كما أن البشر أنفسهم قد يتماهون مع الفضاء المحيط لنجدهم يتلاشون تدريجيا ليندمجوا في المكون الخارجي حتى تأفل أجسادهم وينأى العثور عليها أو إدراكها.

يعنى الفنان في بناء لوحاته وصياغة مكوناتها بفكرة الأبعاد وتضخيم الشخوص والأشكال المحورية التي تقود الفعل الدرامي للوحة، كما أنه يحاول أن ينشئ منظورا شبه واقعي تتضاءل عبره الرسوم من شخوص وأبنية، لكن هذه الحلول البصرية المتعلقة على وجه الخصوص بفكرة المنظور لا نجدها متحققة في كل أعمال الفنان بالكيفية نفسها، حيث تختلف معالجتها باختلاف الموضوع المصور، وقد لا نرى وجودا حقيقيا لتلك الفكرة في عدد من اللوحات التي لا يعضد المنظور فيها ما يطرح من أفكار. وهذه اللوحات تضيء لنا مساحة من التشكيل الصومالي الحديث الذي بدأ متأخرا زمنيا بعض الشيء وظل لفترات طويلة ينتهج الأسلوب الواقعي حتى تحرر على يد هذا الفنان المبدع ودخل في أطوار حديثة، دون أن ينفصل عن واقعه ودون أن يخلق قطيعة مع جذوره الراسخة العميقة بعمق الحياة وتاريخها الأبدي.

تَمثّل الحبُّ للفنّان بين يدَيْ ذكراه.. كالنار تغشى طُورَ سيناءِ
وقال حين رآه في تَململهِ يُقلّب الطرفَ بين الزهرِ والماء
يا من عَكفتَ على الدنيا وزينتَها حتى صممتَ عن الأنغامِ من نائي
تحيا الحياةََ بلا إلفٍ تلوذ بهِ إلا ارتيادَكَ في أفياء فيحاء
حتى كأنّ ضلوعاً أنتَ حاملُها تُطوى على كبدٍ ليستْ بحَرّاء
هذا الوجودُ إطارٌ لا كفاءَ لهُ وغايةُ الفنِّ فيه رسمُ حَوّاء


إبراهيم العريض

 

محمد مهدي حميدة 




الفنان الصومالي محمد عثمان





نموذج من لوحات الفنان محمد عثمان





نموذج من لوحات الفنان محمد عثمان





صورة أحد الأغلفة التي صممها الفنان محمد عثمان





شخص يغفو.. جمع بين الواقع وما يحدث في العقل الباطن





لوحات تعتمد على اجتزاء مساحات من الجسد البشري خاصة الرأس والصدر





الظلال والأشجار تتقاربان لتجسدا ما يشبه الطبيعة البشرية