يوسف الشاروني وخليل الجيزاوي

يوسف الشاروني وخليل الجيزاوي

الفائز بجائزة العويس لهذا العام

  • يوسف الشارونى: الأدب يجب أن يكون حيًا.. ومحتجًا ومعارضًا
  • طه حسين رفض أن يكتب مقدمة لمجموعتي القصصية، بل رفض أيضا نشر قصصي في مجلة «الكاتب المصري»
  • حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل أعطى دفعة كبيرة جدا لأدبنا العربي المعاصر ليترجم للكثير من اللغات الأجنبية

يوسف الشارونى مواليد 14 أكتوبر 1924 بقرية شارونة بمحافظة المنيا في صعيد مصر، وهو قامة أدبية كبيرة ورمز من رموز حياتنا الثقافية، ورئيس نادى القصة بالقاهرة بعد نجيب محفوظ، أخلص للقصة القصيرة طوال أكثر من خمسين عاما، أصدر ثماني مجموعات قصصية أولها (العشاق الخمسة 1954) وآخرها (أجداد وأحفاد 2005) وأخيرا أصدر روايته الأولى (الغرق2007)، فاز بجائزة الدولة التشجيعية في القصة 1961، وبجائزة الدولة التشجيعية في النقد الأدبي 1969، وجائزة الدولة التقديرية في الأدب 2005. أما عن المناصب الرسمية التى تولاها، فقد تدرج في مواقع مختلفة بالمجلس الأعلى للثقافة، حتى أصبح وكيلاً لوزارة الثقافة. ويحاوره القاص والصحافي المصري خليل الجيزاوي حول رحلته مع الكتابة وبمناسبة صدور روايته الأولى سألناه:

  • بعد خمسين عاما مع القصة القصيرة كيف جاءت روايتك الأولى (الغرق) على شكل تحقيق روائي؟

ـ عندما أكتب لا أحدد لنفسي القالب الذي سأكتب عليه، ولكن عندما بدأت كتابة رواية (الغرق)لم أكن أعرف أنها ستكون رواية، ولكنني فوجئت بأنها خرجت عن شكل القصة القصيرة التي تعودت أن أكتبه، ومع ذلك فقد كتبت قصة قصيرة عن نفس الموضوع بعنوان: «قصة الحية الميتة» التي تروى بطريقة تعدد الأصوات، أي تروى بأكثر من ضمير أو شخصية، وكانت مصادر هذه الرواية هي الصحافة ، وقد أثبت مصادري في نهاية الرواية، وكنت أحس أنها أشبه بلعبة المربعات التي إذا جمعتها بجوار بعضها كونت لك صورة مع إضافة ما يمكن تسميته بالرتوش أو الحذف، تلك الإضافات التي تحيل الواقع إلى عمل فني، وهكذا لم أقصد وأنا أكتب أن أقدم قالبا مختلفا، ولكن جاءت هذه الطريقة في الكتابة بطريقة عفوية، وهذا أجمل ما في العمل الأدبي أو الفني، أي أنه يأتي عفويا ودون تخطيط.

  • هل جاء ذلك استجابة منك لفوران الرواية عربيا وعالميا وأننا نعيش زمن الرواية؟

ـ ربما كان ذلك أحد التفسيرات، ولكن ليس هناك قصد ووعي، ربما يكون هو تفسيري النقدي لإبداع مثل هذا العمل من كاتب ظل يكتب القصة القصيرة طوال خمسين عاما، وربما يأتي جوابي مخالفا، حيث إننا على أبواب عصر جديد يستخدم وسيطا هو الإنترنت، بعد أن مررنا بمراحل الأدب الشفاهى ثم أدب المطبعة، ثم وسائل الاتصال الجماهيرية، وهو البث التلفزيوني، مثل المسلسلات المأخوذة عن روايات أو السهرات الدرامية المأخوذة عن قصص قصيرة، وكان الأدب الشفاهي يعتمد في توصيله على الأذن، وأدب المطبعة يعتمد على الأذن والعين، وها نحن بدأنا الدخول في مرحلة رابعة، وهي بث الأدب عن طريق النشر الإلكتروني، عصر الإنترنت، حيث يكون هناك شكل جديد للإبداع الأدبي الذي لم يتحدد بعد.

طه حسين رفض نشر قصصي

  • صادف ظهور مجموعتك القصصية الأولى (العشاق الخمسة) ظهور مجموعة د. يوسف إدريس (أرخص ليالي) عام 1954م، فلماذا ذهبت الكاميرا إلى د. يوسف إدريس وحصد شهرة فائقة؟

ـ كان ذلك لأسباب عدة أولها: أن يوسف إدريس كان يكتب بأسلوب أقل تمردا على الأساليب التقليدية، حتى أن د. طه حسين في ذلك الوقت وافق على كتابة مقدمة لمجموعة يوسف إدريس، ورفض أن يكتب مقدمة لمجموعتي القصصية، بل رفض أيضا نشر قصص من هذه المجموعة في المجلة التي كان يشرف عليها وهي مجلة «الكاتب المصري» بالرغم من أن قصص هذه المجموعة تعد كما يؤكد ذلك د. صبري حافظ من كلاسيكيات القصة العربية، وهي المعطف التي خرجت منه القصة القصيرة العربية الحديثة، ثانيا: أن قصصي كانت مكتوبة بأسلوب بعيد تماما عن الأساليب المعروفة، وهذه ميزتها، بالرغم من أنها كانت مخالفة للذائقة الأدبية في ذلك الوقت، ومثال ذلك أنني أكتب ما يسمى بالقصة الكونية؛ لأني كنت أحس أن أزمتنا الحقيقية، قضية تخلف حضاري بالدرجة الأولى، فقد كانت في خلفيتي أزمة ونكبة 1948، وكنت دائم التوجس من تكرراها، فكتبت قصة مثل نشرة الأخبار، كانت تدور حول عمارة تنهار في القاهرة القديمة، بينما راديو الأخبار في (المقلة) في نفس الحارة يذيع نبأ وصول الإنسان إلى سطح القمر.

جمهور القصة القصيرة

  • بعد هذه الرحلة الطويلة كيف ترى واقع القصة القصيرة؟

ـ لا أزال أرى أن القصة القصيرة لها جمهورها العريض من القراء، كذلك لا تزال القصص القصيرة تحتل صدارة الدوريات الأدبية والثقافية، وبالنسبة لي فقد كانت آخر مجموعة صدرت لي عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عام 2005 بعنوان: (أجداد وأحفاد)، قد نفدت ثلاثة آلاف نسخة منها خلال أشهر بسيطة، وهذا يدل على أن جمهور القصة القصيرة لا يزال بخير، كذلك أصدرت مجلة العربي (كتاب العربي) وهو مختارات قصصية لخمسين قصة قصيرة لخمسين كاتبا عربيا نفدت على الفور من الأسواق، وكذلك عندما أعلن المجلس الأعلى للثقافة، عن مسابقة يوسف إدريس للقصة القصيرة في مصر والعالم العربي، تقدم إليها أربعون قاصا، وكانت هناك أكثر من مجموعة قصصية متميزة، وفي النهاية ذهبت الجائزة إلى القاص سليمان المعمري من سلطنة عمان، وهى مجموعة قصصية متميزة كتبت بأسلوب مختلف غير تقليدي.

  • كيف وازنت بين عفوية كاتب القصة ونظرة الناقد الثاقبة داخلك؟

ـ ليس شرطا أن يتخصص الكاتب في القصة أو النقد، فهناك كتاب كثيرون جمعوا بين الشكلين، ومن أشهرهم الشاعر الإنجليزي ت إس إليوت، فقد كتب الشعر وله دراساته النقدية المتميزة والمشهورة، وكذلك عميد الأدب العربي د. طه حسين فقد كتب الرواية إلى جانب الدراسة الأدبية، وهناك نماذج أخرى كثيرة، بالنسبة لي حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن مجموعتي القصصية: «الزحام» عام 1961م، ثم حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن النقد عام 1968م عن كتابي النقدي: «نماذج من الرواية المصرية»، لكن أتفق معك أن نظرة الناقد المتفحصة تعطل عفوية كاتب القصة، ولكن من جهة أخرى قد تثري العمل الأدبي وتجعله أكثر عمقا، فالقاص الذي يشتغل بالنقد أمامه ناحية سلبية وناحية أخرى إيجابية للنقد؛ لأنها تبصره أكثر بأعماق فكرة النص.

أدوات الكتابة الجيدة

  • وماذا عن أدوات الكتابة الجيدة التي تهديها للأجيال الشابة بعد هذه الرحلة مع كتابة القصة؟

ـ يمكنني أن أوجزها في خمس أدوات:

الأولى: ملاحظة الحدث الذي يوحي لي بالدلالة التي يمكن استخلاصها منه.

الثانية: القراءة العامة والخاصة للقصص والروايات الجديدة وكذلك الدراسات النقدية المكتوبة عنها. الثالثة: التجربة والمعاناة، فالفن عندي إما أن يكون حيا وتوافقا أو احتجاجا ومعترضا. الرابعة: الموقف الخاص بالكاتب وأساسه الإخلاص باللحظة الراهنة.

الخامسة: الشعور الشديد بالمسئولية نحو الرغبة الملحة في كتابة القصة.

الجوائز سلاح ذو حدين

  • هل تضيف الجوائز الأدبية لمشروع الكاتب؟

ـ نعم تضيف للكاتب حيث تؤكد موهبته وتلفت نظر الحركة النقدية إلى منجزه الأدبي، لكن كما تضيف الجوائز الأدبية لعدد قليل من المبدعين، فإنها قد تحبط عددا أكثر يستحق الحصول على مثل هذه الجوائز، لولا أن هذه الجائزة تمنح لعدد قليل بينما الذين يستحقونها عدد أكبر، حتى أن الأديب الكبير نجيب محفوظ عندما حصل على جائزة نوبل قال: لقد كان الأساتذة الكبار يستحقونها قبلي مثل: توفيق الحكيم ويحيى حقي ويوسف إدريس. أما من ناحية الاختيار، فالاختيار صعب جدا؛ لأن المستحقين لهذه الجائزة أكثر من واحد، ومن هنا تتدخل أسس أخرى تضاف إلى التميز، قد يكون منها التوزيع الجغرافي للجائزة، وهذا خارج التصنيف الإبداعي، وهذا التوزيع معمول به أيضا في رئاسة المنظمات الدولية مثل: منصب الأمين العام للأمم المتحدة، وكذلك منظمة اليونسكو. أما عن وفرة الجوائز الأدبية، فهي تعني اهتمام الأجهزة الحكومية والمؤسسات الثقافية وكبار رجال الأعمال بالإبداع الأدبي، وهو تطور لم يكن موجودا بهذه الكثافة في القرن الماضي، وهذه الجوائز يمكن أن تكون سلاحا ذا حدين، ففي حالة نزاهتها تكون دفعا للإبداع الجيد والمتميز، لكن عندما تكون مسيسة تصبح مهمتها عكسية.

جائزة الدولة «المحجوبة» في القصة!

  • لماذا تم حجب جائزة الدولة التشجيعية في القصة القصيرة عن العام 2007 بالرغم من وجود أسماء متميزة تقدمت لها؟

ـ بالنسبة لحجب هذه الجائزة لم يكن هناك إجماع وإنما تم التصويت بالأغلبية على فوز أحد الأعمال الإبداعية المقدمة إلى لجنة القصة بالمجلس الأعلى للثقافة، وقد سجلت اعتراضي مكتوبا على حجب الجائزة، هذه اللجنة أنا عضو فيها فقط ولها رئيس وهو د. حمدي السكوت ولها أعضاء منهم: أبو المعاطى أبو النجا، ود . محمد بريري، ود. محمد بدوي، ويوسف الشاروني، وكنت أري أن من بين الأعمال المقدمة ما يستحق الفوز بالجائزة، إلا أن اللجنة أخذت رأي الأغلبية وحجبت الجائزة، ثم تقدمت باقتراح للجنة أن تستعمل حقها باستخدام القانون ويتم ترشيح أحد الأعمال القصصية من خارج هذه القائمة التي لم يتقدم بها صاحبها، طبعا بعد أخذ موافقته، ولكن اللجنة رفضت اقتراحي أيضا بدعوى ضيق الوقت؛ لقراءة مجموعات قصصية جديدة والنظر فيها.

كيف تسهم الترجمة في شهرة الكاتب خارج لغته؟

ـ في الحقيقة أن الأدب العربي كان مظلوما قبل حصول نجيب محفوظ على جائزة نوبل، فحصول محفوظ على هذه الجائزة أعطى دفعة لأدبنا العربي المعاصر؛ ليترجم للكثير من اللغات الأجنبية، حتى تتاح قراءته بهذه اللغات، وأعتقد أن الجامعة الأمريكية بالقاهرة قامت بالمجهود الأكبر والمؤثر في هذه الحركة، فعن طريقها ترجمت أعمال نجيب محفوظ إلى اللغات الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والهولندية والألمانية والسويدية واليونانية والروسية والصينية والدنمركية وغيرها من اللغات الأخرى.

ومن الأشياء الطريفة التي قابلتني أثناء رحلتي إلى الصين، كنت في شنغهاي وزارني طالبان من طلبة الدكتوراه الذين يدرسان الأدب العربي، وبعد قضاء السهرة معهما في الفندق الذي كنت أقيم فيه، قمت لأودعهما حتى باب المصعد، وأحدهما قد حصل على درجة الماجستير بدراسته عن طه حسين، وفوجئت به يردد على مسامعي قصة من قصصي، كان يحفظها عن ظهر قلب، بل أكد لي أنه يحفظ الكثير من قصصي، وأنه على استعداد الآن أن يتلو على مسامعي إحدى هذه القصص حالا.

الأجيال الجديدة والأفكار الطازجة

  • كيف تقرأ كتابات الأجيال الجديدة بصفتك محكما في المسابقات الأدبية ورئيسا لنادي القصة؟

ـ صلتي بالأجيال الأدبية الجديدة متواصلة عن أكثر من طريق، من أهمها المسابقات الأدبية التي يتقدم فيها مئات من المبدعين الشباب من الأجيال الجديدة، وهذا يتيح لي أيضا الاتصال بهم وتشجيعهم والكتابة عن إبداعاتهم، وأستطيع أن أقول بكل ثقة: إن هناك كتابا مبدعين يكتبون القصة القصيرة والرواية من الشباب بطريقة طازجة ومعايشة أكثر إذا قورنت بكتابات الأجيال الأكبر سنا منهم؛ لأن بعض الكبار يكررون أنفسهم في معظم كتاباتهم، وتشعر بأن الواحد منهم يمتح من بئر شحيحة قد جف ماؤها.

إن شباب المبدعين يقدمون في قصصهم ورواياتهم أفكارا طازجة ومسرح أحداث إبداعهم أرض بكر لم يتطرق إليها المبدعون السابقون، ويتميز أسلوب هؤلاء الشباب بالبساطة والسلاسة والابتعادعن تعقيدات الحداثة، أذكر على سبيل المثال لا الحصر، من الكاتبات المتميزات الجدد: نجلاء محرم ، ود. عزة رشاد من مصر، وبدرية الشحي من سلطنة عمان، صاحبة رواية جيدة بعنوان: «بين الجبل والمدينة» تروي ثورة فتاة عمانية، أرادوا أن يزوجوها لمن هو أصغر منها بعشر سنوات، فهربت إلى ساحل إفريقيا الشرقي، حيث جوبهت بثورة ضد العمانيين، والرواية مكتوبة بلغة متفوقة وذات سرد ممتع وشائق، وكذلك د.يوسف زيدان من مصر في روايته المتميزة: «ظل الأفعى»، وهناك العشرات من الكتاب الذين قدمتهم على صفحات الكثير من الدوريات الثقافية.

  • أخيرا بعد هذه الرحلة الطويلة بين الأوراق.... هل أنت راض بما تحقق من مشروعك الإبداعي؟

ـ أنا راض تماما عن هذه الرحلة الممتعة بين الأوراق والكتب؛ لسبب بسيط جدا، هو أنني في بداية حياتي، قررت بدلا من الجلوس في المقهى لشرب الشاي ولعب الطاولة، أن أجلس في بيتي وعلى مكتبي لقراءة الكتب والاتصال بالهيئات الثقافية وبالمثقفين والمبدعين؛ لأكتب دون التزام بشكل معين، مرة أكتب قصة، ومرة أكتب نقدا لكتاب قرأته وأعجبني أو ترجمة، وهكذا تعددت كتاباتي، حتى بلغت حتى الآن 54 كتابا، وهناك الكثير من الكتب لا تزال تنتظر دورها في النشر، وأنا لا أكتب معظم هذه الكتب في فترة واحدة، بل إنها كما أقول تؤلف نفسها بمعنى أنني أكتب فصولها على مدار سنوات عدة، ثم أقوم بترتيب هذه المجموعات وتجميعها في كتاب واحد، وأعده للنشر، مثال ذلك كتاب (رحلة عمر مع نجيب محفوظ) الذي كتبت أول فصوله قصة قصيرة عام 1969، وكانت بعنوان (مصرع عباس الحلو)، وآخرها قصة بعنوان: (حرافيش محفوظ). وقدمت فيه أيضا عرضا للكتب التي تناولت مسيرة هذا الروائي العظيم، مثل كتاب جمال الغيطانى «المجالس المحفوظية» ، ورجاء النقاش في كتابه «في حب نجيب محفوظ»، وكتاب محمد سلماوى «المحطة الأخيرة».

.... عشـتُ أهــواكِ لحـنـاً فـإذا أنـتِ فتـنـةٌ للـرائـي
نهلتْ من جمالكِ العينُ مـا كـا نَتْ به الأُذْنُ - قبلَها - في ارتواءِ
كنتُ أجري مع الخيـالِ، إلـى أنْ لُحْتِ ، فانتهيـتُ مـن خُيَلائـي
روعةُ الحسنِ فـي تأمّلـه الخـا لبِ أضعـافُ روعـةِ الإصْغـاء
أومضَ الحبُّ في سماءِ وجـودي فـإذا الكـونُ ضاحـكُ الأرجـاء


إبراهيم العريض






الشاروني مع القاصي خليل الجيزاوي الذي أجرى الحوار





يوسف الشاروني في الاحتفال الذي أقامه المجلس الاعلى للثقافة تكريما له





فاروق حسني وزير الثقافة في مصر وهو يلقي كلمته خلال الاحتفال بتكريم الشاروني