مساحة ود

  مساحة ود

العين كسلانة

لا يوجد ما هو أكثر إيلامًا من الأمراض الناتجة عن الإهمال، فمن خلال عملي لسنوات طويلة في طب العيون، أذهلتني النسبة المرتفعة للعيون المصابة بكسل وظيفي في إحدى عينيه، ونادرًا في كلتا العينين.

يحدث الكسل الوظيفي للعين بسبب وجود فرق كبير في درجة الرؤية بين العينين، إذ تكون الصورة المرتسمة في الدماغ والتي تنقلها العين السليمة واضحة ودقيقة، أما الصورة المرتسمة في الدماغ والتي تنقلها العين الضعيفة فمشوشة وغير واضحة.

لذا يلجأ الدماغ إلى إلغاء تلك الصورة المشوشة، وبالتالي ينقطع الرابط بين العين الضعيفة والدماغ، وتصبح العين القوية هي المسيطرة، وهي وحدها من يفسر الدماغ الصور التي تنقلها له.

حتى عمر ست سنوات يمكن إصلاح هذا الخلل وتجنب حدوث كسل وظيفي، بإعطاء النظارة الطبية المناسبة، وأحيانًا تغطية العين القوية كي نجبر العين الضعيفة أو الكسولة على العمل.

بعد السنوات الست - وإن لم يتم تصحيح نقص الرؤية - يحدث الكسل الوظيفي، ولا يعود بإمكاننا أبدًا تصحيح الرؤية في العين الضعيفة، وتبقى العين الضعيفة كسولة مدى الحياة.

يكفي أن نعرف أن هنالك آلافًا من الأطفال والشبان مصابين بكسل وظيفي في إحدى العينين، وأن هؤلاء الآلاف المؤلفة يعتمدون على عين واحدة في حياتهم، ويكفي أن نعرف أنه كان بإمكانهم تجنب تلك المشكلة الكبيرة بفحص بسيط للعين يخضعون له في طفولتهم الباكرة.

أذكر أن لجانًا طبية كانت مختصة بإرسال فريق طبي إلى المدارس لفحص القدرة البصرية عند الأطفال، وتحويل من يحتاج إلى تصحيح البصر للعيادات العينية.

أما الآن فمع الأسف لم أعد أسمع بهذا الإجراء، وبات مفهوم الصحة الجسدية - وحتى النفسية - متدنيًا جدًا لدى معظم الناس، إذ إن المريض هو فقط من عليه أن يقصد طبيبًا. من المؤسف أننا لا نملك ثقافة صحية، ولا ندرك أهمية الفحوص الدورية كوسيلة بالغة الأهمية من الكشف المبكر عن الأمراض.

وأكثر ما يؤلمني تلك الصدمة التي يشعر بها الأهل حين يعرفون أن ابنهم أو ابنتهم مصاب بكسل وظيفي في العين، وأنهم يعتمدون على عين واحدة. إحدى الأمهات بكت وصرخت: لكن يا دكتورة ابنتي لم تشكُ من شيء، لم تقل لي إن لديها مشكلة في عينيها.

سبحان الله، هل على طفل أو طفلة أن ينبّه أهله عن علّة ما في جسده؟!

هل يمكن لطفل في الثالثة أو الرابعة من عمره أن يقول لأمه، أحس أن لدي عينًا ضعيفة؟! أليس من واجب الأهل الانتباه والاهتمام بصحة أولادهم، وإخضاعهم لفحوص دورية للتأكد من سلامتهم.

لا أنسى أبدًا ذلك الشاب الذي كان مصابًا بكسل وظيفي في عينه اليمنى، إذ كانت درجة الرؤية فيها 1 / 10، ولسوء الحظ تعرض لحادث أثناء عمله كميكانيكي، وانفلتت قطعة حديد مزّقت عينه القوية، وكان الإنذار سيئًا للغاية.

لو أن الشاب تلقى العناية الطبية اللازمة، واكتشف الضعف في عينه اليمنى قبل عمر ست سنوات، أما كان مصيره قد تغير، أي ألم أن تُصاب عينه القوية وتبقى الضعيفة!.. إنه عبرة لكل الأهل، وللجهاز التدريسي أيضًا ليهتموا بعيون الأطفال.. كي نتجنب بمجرد فحص بسيط، للقدرة البصرية، مصيرًا مظلمًا لملايين العيون!!.

 

هيفاء بيطار