عزيزي القارئ

عزيزي القارئ

فقيدان كبيران

ودّع الأدب العربي علمين كبيرين من أعلامه، طالما ملآ ثقافتنا العربية بالحركة والنشاط والأفكار الخلاقة، وهاهما الآن يركنان إلى السكون بعد حياة حافلة لم تعرف السكون أبدًا، اولهما هو الراحل الكبير رجاء النقاش الذي صارع المرض طويلا، وكان دومًا ناقدًا محبًا، ينير الأعمال التي يتناولها من ذات قلبه فيجعلها أكثر أشراقًا، وقد ساهم بهذا الحب في إبراز أشهر أدباء العربية، كما تولى رئاسة عدد من المطبوعات العربية الناجحة مثل مجلات «الهلال» و«الإذاعة والتلفزيون» و«الدوحة»، وصنع منها مجلات رائجة، ووضع الثقافة في متناول القارئ العادي. عرف العالم العربي رجاء النقاش منذ منتصف الخمسينيات من خلال الدراسات الأدبية التي كان ينشرها في مجلة الآداب، ومن خلال دفاعه القوي عن عروبة مصر في مواجهة كل الدعاوى الانعزالية. كما أنه كان من أفضل النقاد الذين تعرضوا لأدب نجيب محفوظ، وكان الأديب الراحل يثني على كتاباته كثيرا. وتميز النقاش بأسلوبه الأدبي الناصع بحيث حول مقالاته النقدية إلى نص مواز للنص الأدبي، وكان شديد الوعي في كل كتاباته بأنه يكتب في ظل ثفافة عربية واحدة مهما اختلفت مسميات الأقطار التي تنتجها. وكان يرى في هذا التنوع جزءًا من قوتها وتفردها، لذلك فقد احتفى بصوت الطيب صالح القادم من السودان، وبصوت محمود درويش القادم من خلف أسوار فلسطين، وكتب مقدمة أول ديوان لأحمد عبد المعطي حجازي، وفتح الأبواب مشرعة أمام كل تجريب وتجديد في الثقافة العربية.

اما العلم الثاني فهو الأديب الكبير سهيل إدريس، الروائي والمترجم ومؤسس دار الآداب الشهيرة التي أثرت المكتبة العربية بأهم ماعرفته من أسفار. وقد أنشأ سهيل إدريس مجلة «الآداب» في مطلع الخمسينيات لتعوض العرب عن إغلاق مجلة الرسالة ولتقدم خدمة جليلة لكل تيارات الأدب العربي خاصة التيار القومي منها، ولتدعم حركة الحداثة في الثقافة العربية. شغف سهيل إدريس بالوجودية فلسفة وأدبا، وترجم لعدد من أعمدتها، وتأثر بها في كتاباته ورواياته. كتب ثلاث روايات وست مجموعات قصصية، أشهرها رواية «الحي اللاتيني» التي تتناول صدمة الإنسان الشرقي في مواجهة الغرب، كما أصدر في نهاية حياته الجزء الأول من سيرته الذاتية التي تميزت بجرأة شديدة في مواجهة التابوهات العربية التقليدية، وكان له دور كبير في إصدار عدد من المعاجم.

رحم الله الفقيدين، ومجلة العربي إذ تنعاهما تتذكر أفضالهما الجمة على الثقافة العربية وتعد قراءها بدراسات ضافية عن آثار هذين الكاتبين الكبيرين في أعدادها القادمة.

 

 

 

المحرر