بسمة من الله (قصة مترجمة) كريستيان باروش

بسمة من الله (قصة مترجمة)

من حوله بدا لي النعش كبيرًا جدًا بالنسبة إلى جسده. انتبهت إلى ما لم نكن نراه في تلك السنوات الأخيرة, قامته المحنية, عظامه الهشة. كان قد أصبحت عظامه سهلة التكسير مثل الزجاج, كان مفتتًا, دون أن ينذرنا ذلك بشيء, وعادة ما يكون الأمر كذلك. واليوم, كان قد مات, حقًا مات. لم يعد بإمكاننا تفادي تصديق ما نرى, كان قد مات حتى أن جسده لا يملأ نعشه الأخير الذي كان قد أوصى بإعداده تحسبًا لهذا الحدث. يرجع ذلك إلى... آه.

جلس بيير وهو يتنهد, الآن اتضحت الأمور, والده قد رحل. أخذ يجهش بالبكاء, بهدوء, كما لو كان ماء عينيه قد تحجر منتظرًا أن يتأكد تمامًا من موته.

كان والد زوجي يحبني كثيرًا ولكنه لا يتحدث إلي أبدًا, ولم أكن دائمًا أفهم كيف يتم التواصل بينه وبين ابنه... ولكن, كانا يتواصلان. نظراتهما لا تخطئ, مبتهجة ولامعة. عميقة أحيانًا, غير جادة على الإطلاق.

أذكر أننا كنا قد تزوجنا منذ ستة أشهر بالضبط, وطالما كنت أراقبهما هما الاثنان بشيء من الحسد, كانا للتو قد انفجرا ضاحكين معًا, وذلك لأن القط الصغير كان قد قفز مباشرة صوب طبق به سمك السردين, متعجلاً الأكل, ثم تجمد في مكانه, ورجله معلقة في الهواء ويتقاطر منه الزيت, وكانت تبدو على وجهه علامات القلق الممتزج بالنشوة. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتبادلان فيها الابتسام بهذه الطريقة ودون أي كلمة. في ذلك اليوم, وأمام انزعاجي, ربت هنري بيده على كتفي قائلا: (ألا ترين أن لي عينين جميلتين يا صغيرتي?) وخلف نظارته المربعة التي تعالج طول الإبصار, قدمت تلك النظرة الزرقاء والمشوبة بالنقط السوداء والمليئة بالمكر, بداية للتفسير, إذ تلمست الحقيقة المشتركة في كونهما متجاوبين تمامًا منذ زمن طويل حتى توحدت قنوات اتصالهما, وأنه لن يكفيني العمر كله حتى أتواصل معهما.

والد زوجي رحل في سلام, ودون معاناة على ما يبدو. صاحت السيدة العجوز التي تقوم بتمريضه قائلة: (مات بفعل الموت, وهذا هو كل ما في الأمر). هزت كتفيها ثم قالت: أليست هذه هي أفضل طريقة للموت?

لم أعد أدري ماذا يمكنني أن أقول وأنا بجوار بيير الذي انفرد بالبكاء, خمسون عامًا من الحياة علمتني أن الكلمات - من الناحية العملية - لاتفيد بأي شيء مع الآلام.

ذهبتُ لإحضار معطفينا والإيشارب والقفازات فقد كان الجو باردًا. كان المشي في صمت على شاطئ البحر من قبل هو العلاج الشافي لخلافاتنا النادرة. نحن - أقصد أنا وهو - لا نحب حالات الغضب, ولا الهروب ولا الاندفاع العنيف. عندئذ كان السير على جُرف الطريق بخطى واسعة وبتلهف آسر, يلتهم حدة المشاعر ويصهرها. وسرعان ما تهدأ الخطى, فنتمكن من التعرض لخلافاتنا بصورة أهدأ وكأننا نقطع فاكهة بسكين أقل حدة. ثم تجيء الدعابات لتجعل القشور... دقيقة... قدرة تعمل بالضغط أنا, أرسل القذيفة قبل الاصطدام وأدفع البخار في الهواء وألطخ بالرشاش ما حولي.

كان زوجي دائمًا ما يريد أن نتناقش لا أن نتعارك! كان هو أول من اصطحبني إلى أرصفة الموانئ: (هيا أسرعي يا فتاتي!) ولكي أنأى بنفسي بعيدًا عن مواقع المعارك, كنت أتبع استراتيجيته شيئًا فشيئًا. أنا لست بلهاء ولست خبيثة. في نهاية الأمر, نحن زوجان دون أي قصص. سعداء? أعتقد ذلك.. أحيانًا.

فيل فرانش, شتاء, هي عبارة عن قرية صغيرة مطلة على خليج كبير, يشكل ضباب البحر فوقه لثامًا متحركًا لها. لايمكننا التنبؤ بوجود سفن (الدوك دالب), أو سفن الأسطول, عندما تكون مستقرة هنا, تطفو في منتصف طريق أحلام, ما بين السماء والماء.

كنا نسير ببطء. بيير, اليدان خلف الظهر, والرأس منحنٍ, لا يرى شيئًا, أو بالأحرى كنت أشعر بذلك, كان ينظر بعيدًا جدًا في الماضي, هناك حيث كان والده يستعيد شبابه كما لو كان يعيد شريط فيلم إلى الوراء, صورة الأب وهو يسترد شعره الغزير ورشاقته مع استعادته تهور طفولة ابنه وبدعها.

فجأة ضحك بيير, عند طرف الخليج, كانت سفينة الكليمونسو قد انعطفت للتو نتيجة لسرعة الاندفاع, توقفت المحركات كلها, ببطء شديد ومحدد. وارتفعت نغمة (لا ماجور) ضخمة في الهواء الرطب, وهي مندفعة نحونا تحملها قمم الأمواج القصيرة وشديدة التلاحق.

كنت أفكر في الألحان الشجية لتلك الأجراس التي تقرع للمحتضرين. كان الحزن يخيم على الطقس وعلى سفينة الرويال في آن, ولكن بيير كان لايزال يبتسم.

بهدوء, تأبط مرفقي بحنان. (في ذلك الوقت, كانت هناك مجموعة من الأساطيل بدلاً من حاملة الطائرات هذه, شيء ضخم مكدّس بالأضواء والأعلام الصغيرة. فإذا ما اضطرت السفينة للتوقف بسبب عطب في الآلة, فكان أسطول صغير يسرع لإحضار الناس ثم العودة بهم إلى الشاطئ, بينما كان يتم العمل في قاع السفينة لإصلاحها مستخدمين مروحة متعطلة أو شيئًا من هذا القبيل ولكنه مكسور.

كنت أبلغ السادسة من العمر. كنت أمسك بيد أبي وكنت أشاهد مثلما يشاهد الموجودون.

كانت أصول اللياقة تقتضي أن يقوم قبطان السفينة بإخطار إدارة مكتب قبطان المرفأ بالوقت الذي ينوي الرسو فيه هنا. وفي نهاية الأمر. هو واجب, فسفن (الدوك دالب) هي ملك للبحرية الوطنية, إذ لا يمكن أن (نستعيرها) دون تصريح بذلك. وبينما كانت سفينة الباشا, والتي يرتقيها ضابط وثلاثة بحارة مجندين في حالة استعداد لتلقي الأوامر, تتمايل على بعد حوالي مائة متر منا كان هناك ضابط بدرجة ملازم محشورًا في زيه الضيق المحبوك وكأنه داخل قفاز, مرددًا كلمات مضغوطة في صيغ صريحة, يتحدث بها مع قبطان الميناء عن مصائبه. ذلك القبطان الذي كان يعالج الأمور بصراحة شديدة قائلا: (العطل هو العطل, ولا يمكن أن نرفض الرسو في حالة سوء الحظ).

(هذا المركب الأبيض... كان كبيرًا حتى اتسع لكل انفراجه ذراعي, هذا المركب الأبيض, أحتاج إليه, بابا, أنا أريده!

- (هيا يا صغيري, اسكت!).

- (بابا بابا أريده!)

(كنت أدب بقدمي على الأرض: قدمه لي هدية, اشتره لي, أنا أريده!) كنت أصرخ بشدة حتى إن الرجال الخمسة الذين انصرفوا عن أداء أعمالهم, كانوا ينظرون إلينا بشيء من الدهشة. أما أبي فقد أمسك بي ثم توجّه إلى الضابط, وأثناء مروره سلم على العجوز فريش الذي يعرفه منذ زمن بعيد, سيدي: أرجو أن تحدد لي موعدًا مع قائدك, أريد شراء هذا المركب تحديدًا لإبني).

كان صدره عاريًا. أسرع وأحضر لي قميصي يا صغيري, وأنا في انتظارك. عدت بسرعة البرق ومعي القميص ودفتر الشيكات. كنت قد قلت لأمي إن أبي سيُهدي إليَ مركبًا. ومن فتحة النافذة, صرخت قائلة: يا مكار! كيف وهو لم يأخذ معه المال الكافي, قالتها وهي تُلقي بدفتر الشيكات وبالقلم الحبر الذي يستعمله في التوقيع. كنت أطلق عليه (قلم - التوقيعات), ولم أعد أذكر من أين عثرت على هذه الفكرة, إنها بقيت فقط في اللغة الخاصة بالعائلة. (بالتأكيد, كانت السفينة تتقدمنا, وكان الأب فريش قد رفع المرساة بالفعل ليطلق السفينة القديمة جونسون, مناديًا: أسرع, إنهم لن ينتظروا هنا للأبد!

كلما كنا نقترب, رأيت المركب وهو يغادر محيط ذراعي, يصبح مجرد عدد كبير من الكوات والتي لا يمكن حصرها. كان بها ثلاثة طوابق يعلوها تمامًا السلم الصاعد إلى غرفة القيادة, وكنت لاأكاد أرى المداخن والممرات بين غرف السفينة والأشرعة من القماش ذي الخطوط الطويلة التي تم فردها للوقاية من الشمس في حالة شدتها. كان ملاح في انتظارنا عند أول السلم, يحيينا وهو متصلّب.

صعود هذه الدرجات المتباعدة منحني فكرة مسبقة عن ذلك المجهود الذي نُلزم به أنفسنا دون فائدة في بعض الأحيان لتحقيق نزواتنا الطفولية, ولكن, فلنتغاض عن ذلك الآن. وبالفعل كان ذلك المركب يفوق تمامًا رغبتي فيه, وكنت أبطئ من الخطى. كان أبي قد قرر ألا يرى شيئًا من ذلك كله, فقد أخذ يحصي عدد الفتحات: ابسط ياعم, إن بها على الأقل خمسين فتحة على كل صف, إنها وحدة ضخمة تلك التي تريدها.

في أعلى السفينة, تحت السماء مباشرة, كان في انتظارنا أحد الضباط البحريين مرتديًا زيًا أبيض مرصعا بالشارات على الأكمام وعلى القبعة, كان هو الكابتن جون فير, قائد هذه السفينة, قام بمصافحة أبي وشدّ على يده كما شدّ على يدي بالقوة نفسها.

كان يتحدث الفرنسية ولكن بتلك اللكنة المميزة التي تفتح لي الحدود الأمريكية, كانت له عينان واسعتان, رماديتان, لهما نظرة عميقة للغاية, وفم ممتلئ, باسم يخفف بطريقة غامضة من حدة تلك الجدية التي تبدو عليه حين نقترب منه. وبعدها بسنوات طويلة, وضعت يدي على ما يفترض أن أتبينه وما يفترض أن يكون مفهوما من هذا الوجه, ذلك الحنان الدائم لسخرية أن تطلق له العنان... ربما.

يعد هو وأبي من نفس ذلك الصنف من الرجال ولذلك تم التعارف بينهما سريعًا.

(- ابني يريد أن يمتلك هذا المركب, أيها القائد.

(- حسنا هل يمكن أن تتبعاني?

قادنا إلى قاعة صغيرة, سقوفها وجدرانها مكسوة بالخشب, بها موائد مثقلة بالأجهزة, ثم بعد ثوان قليلة أجلسني خلف طبق كان النادل قد ملأه بكعك مغطى بالكريمة.

(كنت قد حاولت جاهدًا ممارسة كل وسائل اللامبالاة ولكن ذلك كان مستحيلاً, لم يكن هناك بد, وبينما كان والدي والباشا يحتسيان كأسين كبيرين, يلفهما البخار, كنت ألتهم كعكة (الإكلير) فكعكة (الشو) ثم (الميل فوي): وفي الوقت ذاته أتفقد بالتفصيل كل ما يحط بي من براجل وبوصلات والبارومتر والخرائط الملفوفة والتي تجعل من المكان كله المركز العصبي للسفينة.

(وعندما انتهيت, قام الكابتن فير بغسل يدي وفمي وهو يضحك بلطف, فهمته فورًا بعد ذلك. تذكرت في اليوم التالي ما كنت قد لاحظته على مكتبه, صورة ملونة بها ثلاثة أولاد صغار يرتدون قبعات (البيسبول) جادين كما الملوك.

(بالطبع, قبل الشراء, كنت أود زيارة (أبو الهول) بالجيزة قالها باللغة الإنجليزية. ملاح, يبلغ طوله على الأقل ثلاثة أمتار ونصف المتر, حملني كلي في كفه ثم تجولنا في ممرات, وممرات, ثم ممرات ثانية وصعدنا درجات السلم حتى وصلنا إلى قاعة المحركات والميكنات. وهناك يوجد رجال عارون تقريبًا, منهمكون في عملهم وسط روائح الزيوت الساخنة والشرر الأزرق المتطاير الصادر عن الأقواس الكهربائية.

وبعد مرور ساعة من الزمن, منهكًا من التعب, غفوت قليلا بين ذراعي مستخدمي, ذي القبعة البيضاء, أما الكابتن فير وأبي فقد كانا في حال استرخاء, ينظران إلى عرض البحر وهما يثرثران. قال له أبي, ولماذا? لابد وأن لديك بالقطع مهام أخرى أكثر إلحاحًا?

- آه يا سيد كونستان, بالنسبة لي, فإن نزوة طفل هي البسمة الوحيدة, الفريدة من الله, والذي لا تجود علينا السماء بالكثير مثلها, إلا إذا كانت الفرص غير متكررة, وأنا أمتثل لله, وهذا هو كل ما في الأمر, ثم إنه من أجل ابنك بيير, ألسنا هكذا نتلمس الحقيقة عن طريق العبث.

تبادلا الابتسامات, كان دائما ما يتحدث أبي عن الكابتن (فير) كما لو كان صديقًا, حتى ولو لم يلتقيا بعد ذلك أبدا.

ومع الكثير من المجاملات الاحتفالية, ورافعًا إصبعه الصغير في زهو, وبالرغم من سرواله القصير القديم وقميصه المفتوح, قام الأب بالتوقيع على العديد من الأصفار على الشيك والذي احتفظ به القائد بعناية في خزانته. وبعد ذلك أجلسني بلطف شديد على المقعد الخاص به خلف المائدة. السفينة أصبحت لي من الآن فصاعدًا وأصبحت أنا السيد بيير كونستان, قبطان السفينة. إلى أين أريد إرسال سفينتي (أبو الهول - الجيزة), بمجرد الانتهاء من عمل الإصلاحات?

تم استدعاء اثنين من الضباط بدرجة ملازم عن طريق النداء الآلي لانتظار تعليماتي في مظهر الجندي أمام قائده, وعلي أن أقوم بالدور جيدا فلا أخطئ.

في الحقيقة كنت أريد أمي, وأريد أن تتوجه سفينتي إلى أمريكا, ثم إنني قد قررت أنني سأقودها حينما أكبر بعض الشيء و...إنني سعيد. واستسلمت للنوم دفعة واحدة, بعدما أنهكتني المسئوليات الجديدة.

عدنا إلى المنزل بالتأكيد.

بعد مضي بعض الوقت, كان من المتوقع أن أتسلم صورة كبيرة لباخرتي عن طريق البريد. كنت أقف على قمة العبّارة, بين ذراعي قبطاني المعتمد, مرتديًا قبعته, ابتسمت بكل ما أوتيت من قوة, دون أن أخفي الفراغ الذي تركته السنة المكسورة والتي أكلتها القطة, واستبدلتها بصفارة جميلة في اليوم السابق.

بيير, والعينان تلتمعان, أراني سفينته الكليمونسو, حيث بدأت الأضواء في التوقد في لحظات الغروب الأولى, كان هذا هو أول درس لي. آه, كانت هناك دروس أخرى لم تلقنها لي الحياة بالقدر نفسه من المراعاة, على كل حال, فهذا الدرس, لم أنسه أبدًا.

وفي الزورق الذي يعيدنا ثانية إلى رصيف الميناء, استيقظت وأنا مهموم, لم يقل أبي شيئًا, كان يطيل النظر إلي كما لو كان في حال تأنٍ بعد حدوث شيء ما, ولكن صبره كان هادئًا, وكان يعتقد أن هذه الحال ستنتهي لا محالة.

وبالفعل أتت نهايتها فورًا حين غادرنا السفينة, جذبته من كم قميصه, هذا المركب, وقد أصبح الآن لي, ماذا سأفعل به?

(لم يجبني ولكن استضاء كل وجهه واستكان وتوهج في نشوة داخلية والتي طيلة حياتي لن....).

سكت بيير وأخذ يتمخط, وأنا أيضًا. اشتد الهواء البارد بسرعة, كنا مازلنا في شهر مايو.

عدنا قرب مرقد راحلنا, في النعش الفضفاض, حيث لم يعد ينتظر شيئًا, كل شيء بينهما, ألم يصل بالفعل إلى نهايته?

انقضى الليل, كنا ننام بالتناوب, في قلب الليل الساهر, الهادئ, الغارق في الأحلام, والمحيط بالنعش. كان هنري كونستان في كفنه يتمتم بصوت خافت, الأجساد تهمس حتى بعد موت الحواس, كما هو الحال في بعض الأحيان بالنسبة للأشجار حينما لا تعصف الرياح ولكنها مع ذلك تظل ترتجف.- في الصباح, وأمام قدح من القهوة, قال بيير بصوت منخفض إنه عثر على وسيلة (للانتفاع) بذلك المركب بعد مرور أسبوع واحد, وهذا حالما تسلما الصورة. (على حجر الأب, عند ساعة المداعبة في المساء, همهمت قرب وجنته التي توخز, ماذا لو أعدناه? ثم قاما بكتابة رسالة جميلة للكابتن (فير), رسالة مملاة, ولكن قام بيير بالتوقيع عليها. كان قد تعلم كيف ينسخ اسمه منذ فترة قصيرة, وكان ذلك الأمر مبهجًا للغاية أن يستطيع فعله في هذه المناسبة المهمة.

قمنا بدفن الأب في المقبرة الجديدة, حيث قاما بزراعة شجر السرو الذي يسمق عندما تكون الرياح مواتية للـ (بحار). هل هو سعيد بتلك الروائح الذكية?

لست أدري لماذا أذكر تلك الحكاية. ربما لأن ولدًا صغيرًا, في ذلك اليوم, على الشاطئ قد مدّ ذراعيه نحو آخر سفينة حديثة تنتمي للأسطول (البحر - متوسطي) وهو يصرخ, بابا, بابا, أنا أريده! ولكن الرجل, وهو شاب طويل الشعر, منهمكًا في عمله, دون أن يرفع رأسه من على دراجته النارية التي كان يفككها, رد عليه قائلاً: (كف عن تلك الحماقات, إنها تفوق إمكاناتنا).

تبادلنا النظرات, أنا وبيير, بحزن مشوب بالارتباك, كل الآباء لا يتشابهون.

وَما غدَرَتْ في الحُبّ أنْ هَدَرَتْ دَمي بشرعِ الهوى لكنْ وفتْ إذْ توفَّتِ
متى أوعدت أولتْ وإنْ وعدت لوت وإن أقسَمَتْ: لا تُبرِئ السّقْمَ بَرّتِ
وإنْ عَرَضَتْ أُطرِقْ حَيَاءً وَهَيبَة ً; وإن أعرَضَتْ أُشفِقْ, فلَم أتَلَفّتِ
ولو لمْ يَزُرْني طيْفُها, نحوَ مَضْجَعي, قضيتُ ولمْ أسطعْ أراها بمقلتي


(ابن الفارض)

 

كريستيان باروش