المفكرة الثقافية

المفكرة الثقافية

القاهرة

معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الأربعين

لعل العبارة التي تليق أكثر من سواها بـ «معرض القاهرة الدولي للكتاب»، هي «سوق الكتب» لا «معرض الكتاب». فهو سوق ضخمة للكتب يتجمع فيها ما لا يحصى من الكتب القديمة والحديثة الصادرة في العواصم العربية. ولعله لهذه الجهة السوق العربية المركزية التي لا تقارن بها أي سوق كتب عربية أخرى.

وهذه السوق تضم أحدث الكتب وأقدمها في آن، وربما عثر فيها الزائر على كتب مطبوعة في مطبعة بولاق الأميرية، أو في أي مطبعة أخرى في بدايات القرن العشرين، معروضة إلى جانب كتب آتية للتو من المطابع الحديثة. وعلى الزائر ألا يتفاجأ إذا عثر على أحد الكتب معروضًا في أجنحة عدة، مع أن من المفترض أن يُعرض فقط في جناح الدار التي أصدرته. ولكل ذلك تختلف الفكرة التي يقوم عليها هذا المعرض - ومعه معارض الكتب السنوية العربية الأخرى - عن فكرة معارض الكتب في أوربا وفي الغرب عمومًا، فالذي تعرضه معارض الكتب السنوية في الغرب يقتصر عادة على إصدارات السنة الأخيرة، أو السنتين الأخيرتين لا أكثر. فمعرض الكتاب في الغرب له هدف واحد لا غير هو تمكين القارئ من الاطلاع على أحدث العناوين، وتمكين الناشر في الوقت نفسه من الاطلاع على حركة النشر العامة والالتقاء بالناشرين الآخرين لتبادل الخبرات ولتنمية التعاون في ما بينهم. أما إذا كان القارئ يبحث عن كتب قديمة وحديثة، فما عليه، بنظر الغربيين، إلا أن يقصد المكتبات العامة التي تضم أصنافًا وألوانًا من الكتب.

ومع أن كثيرين من العاملين في حركة النشر العربي، المصري وغير المصري، قد تنبهوا في السنوات الأخيرة إلى ضرورة تحويل «أسواق الكتب» التي تنظم سنويًا في العواصم العربية إلى «معارض» بالمعنى الذي أشرنا إليه، إلا أنه يبدو أن صعوبات موضوعية كثيرة تعترض هذا التحويل. فالقارئ العربي مازال معتادًا على فكرة «سوق الكتب»، أو المكتبة، والناشر العربي لا يعترض على وجهة نظر القارئ هذه في واقع الأمر، لأن ما يهمّه هو تصريف مخزون الكتب المتراكم في مستودعاته.

وقد لا تختلف صورة «معرض القاهرة الدولي للكتاب» في سنته الأخيرة هذه، وقد بلغ عمر المعرض أربعين عامًا، عن صورته في أي سنة سابقة. فعلى الرغم من أن إدارته تعلن في كل سنة تجديدات جذرية تتناول شئونًا مختلفة فيه، إلا أن زائره السنوي يتعذر عليه أن يلتمس أيًا من هذه التجديدات نظرًا لتكرار أساليبه وطرائق العمل فيه. ولعل الجديد الوحيد الذي طرأ عليه هذه السنة تمثل بمنع الباعة المتجولين في أرجائه من بيع سلعهم التجارية، وكذلك منع باعة السندويشات وأصحاب المطاعم والمقاهي الأخرى من العمل.

وقد كان لهذا تأثيره السلبي على حضور ما لا يحصى من الزائرين الذين يحضرون لا لشراء الكتب، بل لقضاء فسحة من الوقت في الحدائق المحيطة بالمعرض. فقل عدد هؤلاء.

ولأن المعرض يتضمن نشاطات ثقافية مختلفة اعتاد القيّمون عليه إقامتها إلى جانبه، أو على هامشه، فقد كان في طليعة هذه النشاطات لهذا الموسم سلسلة محاضرات أتت تحت عناوين أبرزها: «مئوية الجامعة المصرية»، و«سهير القلماوي.. عطاء متجدد»، حيث عقدت ندوات عن الجامعة المصرية وعطاءاتها في قرن شارك فيها نخبة من الأكاديميين والمثقفين المصريين منهم الدكاترة والأساتذة حسن حنفي وحلمي النمنم وسامي نصار وأحمد الجمال. كما عقدت ندوات عدة أيضًا عن سهير القلماوي أول فتاة مصرية تتخرج في الجامعة، وتدرس في الغرب، وتعود لتصبح أستاذة في الجامعة ثم سيدة مجتمع وسياسية.

وقد كانت هناك شهادات وأبحاث حولها من الدكاترة جابر عصفور وحسين نصار وعبدالمنعم تليمة وعمر الخشاب ونبيلة إبراهيم وحسين حمودة وماهر شفيق فريد وسحر توفيق وسواهم.

ودارت ندوات حول عدد من الكتب الصادرة حديثًا، منها كتاب عنوانه «الأوراق الخاصة لطه حسين» الذي أصدرته دار الكتب والوثائق المصرية في مجلدين، وكتاب «أخناتون ونفرتيتي وحتشبسوت»، وقد تضمن بحثًا حول: هل نشأة الفلسفة جاءت على يد اليونانيين، أم أن المصريين القدماء استطاعوا أن يضعوا الأسس الفلسفية الأولى، وقد أثبتت مؤلفته الدكتورة فوزية أسعد أن أخناتون لم يكن الملك الفرعوني الوحيد الذي دعا للتوحيد.

ومن أنشطة ندوات الموائد المستديرة في المعرض ندوة حملت عنوان: هل يمكن كتابة تاريخ من دون وثائق؟ شارك فيها كل من الدكتور عاصم الدسوقي والدكتور محمد صابر عرب.

وكان للمقهى الثقافي ندواته أيضًا ومن عناوينها «الجماعات الثقافية المستقلة ودور العمل الأهلي»، و«العلاقة بين الثقافة العربية وثقافة أمريكا اللاتينية»، و«أسئلة النهضة العربية لماذا تتكرر على مدى قرنين؟».

جهاد فاضل

أنطولوجيا الشعر الدانماركي والرسوم المسيئة

ردا على تحدي الصحف الدنماركية لمشاعر العالم الإسلامي بإعادة نشر رسوم مسيئة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم؛ قررت «مؤسسة شمس للنشر والإعلام» تجميد مشروع «انطولوجيا الشعر الدنماركي باللغة العربية»، الذي صدر الجزء الأول منه بدعم من المعهد الدنماركي المصري للحوار واتحاد الكتّاب الدنماركيين، وبالتزامن مع معرض القاهرة الدولي للكتاب.

وبدأت المؤسسة بالفعل في وقف توزيع الكتاب وسحب النسخ المطروحة في المكتبات ومنافذ البيع. وقال «إسلام شمس الدين» المدير العام للمؤسسة: «إننا عندما قررنا قبول التعاون في إصدار هذه الانطولوجيا؛ بالرغم من تحفظات الشارع الإسلامي عن أي تعاون مع أطراف دنماركية؛ كنا نهدف إلى إيجاد مساحة من التقارب والتعارف بين الثقافتين؛ العربية الإسلامية من ناحية، والدنماركية من ناحية أخرى، في إطار تعميق الحوار الفاعل المؤدي للحد من المسافات التي تعزل كل طرف عن الآخر، وإغلاقاً لكل ثغرة قد ينفد منها المتشددون والمتطرفون مستغلين جهل كل طرف بثقافة الآخر ومعتقداته، ومنعاً لتكرار أي مواقف استفزازية تصدر عن جهل أو سوء فهم».

وأضاف، في البيان الصادر عن المؤسسة: «لقد كان قبول المشروع مخاطرة منا، وتحملنا العديد من الضغوط والانتقادات في سبيل تحقيق أهداف ثقافية وإنسانية كان من الممكن أن تؤدي إلى رأب الصدع بين الطرفين، لكن إصرار الصحف الدنماركية على تحدي العالم الإسلامي واستفزاز مشاعر المسلمين بالإساءة إلى مقدساتهم، والموقف السلبي للمثقفين الدنماركيين إزاء تكرار مثل هذه الانتهاكات، دفعنا لمراجعة حساباتنا، والالتزام التام بموقف الشارع الإسلامي الرافض لأي تعاون من أي نوع مع أي أطراف دنماركية، إلى أن تقدم هذه الأطراف مبادرات حسن نوايا قائمة على الاحترام الكامل للهوية والثقافة والمعتقدات والمقدسات الإسلامية».

وبشأن زيارة وفد ثقافي دنماركي رفيع المستوى إلى القاهرة الشهر الماضي؛ قال إسلام شمس الدين: «لقد حرصنا أثناء زيارة الوفد الدنماركي على أن نبرز لهم الوجه الحضاري للثقافة العربية والإسلامية، وأن نوضح لهم الصورة الحقيقية للمثقف والفرد العربي، مؤكدين على رغبتنا في التعاون الفاعل وفق أسس الاحترام المتبادل. وهو ما لمسوه بأنفسهم في جميع الأنشطة التي نظمت لهم في معرض الكتاب ودار الأوبرا المصرية والمجلس الأعلى للثقافة، وغيرها».

وفي مقدمة الأنطولوجيا تقول جريته غوستبول: في التقليد العربي هُناكَ الإلهام الذي يأتي من الوفاء المتكرر تاريخيًا إلى الصوفية ومن مراعاة للإيقاع والتمسك بالثقافة الكلاسيكية. أما في التقاليد الدَّنماركية الشِّعريَّة فإن الحداثة الإسكندينافية تلعب دورًا كبيرًا في تحديث الطابع العام للشعر الدَّنماركي وهذا ما يبدو جليًا؛ فمنذ العام 1960 اتخذ الشّعر الدَّنماركي عمومًا توجهًا حداثيًا. ولمعت أسماء كبيرة في فضاء الشِّعر الدَّنماركي، مثل الشاعرة انجر كريستسن، والشاعر بيني أندرسن والشاعر بول بوروم، وبشكل خاص الشاعر كلاوس ريفيبرج. وهذهِ الأسماء المهمة والمؤثرة تضمَّنتها هذهِ الانطولوجيا وعرَّفت بهم وبأعمالهم. وإن المهتم بدراسة الشِّعر الدَّنماركي سيلاحظ تأثير الشُّعراء الأنجلوساكسونيين واضحًا أمثال؛ ت. س. إليوت وويتمان. ويلاحظ أيضًا تأثير الأسماء الكبيرة مثل؛ شيلي، كيتس وكولدريج. وهُناكَ أسماء أوربية مارست تأثيرًا في المشهد الشِّعري الدَّنماركي مثل هاينه، ريلكه، ابولينير، فاليري وسليني.

أجل، كتبت الحداثة الدَّنماركية في تقليد أوربي مشترك. ولتقييم الشّعر الدَّنماركي الحديث فعلى المرء أن يقرأ القصيدة الحديثة بحس حرّ، وألا ينتظر الأوزان أو القافية. ففي بنية الشكل الحديث يوجد كثير من المعاني العالقة بين السطور. والشُّعراء الجدد يعملون بنوع من البساطة التامة. وهذهِ البساطة تقوم على إلغاء كل شيء لا ضرورة له. التورية والمجاز يتكونان عبر العلاقة بين ما تقرأه وبين ما تفكر به. كما ستجد كسرًا للإيقاع؛ لكنَّهُ؛ أي الإيقاع؛ موجود في قصائد كل الشُّعراء، فالشُّعراء الحداثيون يستعينون بمقاطع الإيقاعات ويضعون قطوفًا كلاسيكية لمصاحبة هذا الشكل الحديث الحر جدًا على ما يبدو. وفي الحقيقة فإن الكثير من النصوص في العالم الحداثي مقيدة أكثر بكثير، وهذا ما قد يتعذر على القارئ إدراكه للوهلة الأولى. وشملت الأنطولوجيا مقدمة عن الشعر الدنماركي الحديث، وهي دراسة كتبها منعم الفقير رئيس جمعية الشعر باتحاد الكتّاب الدنماركيين، وسيرًا أدبية مختصرة، وصورة ونماذج من أعمال كل شاعر وهم: بيني أندرسن، كريستن بيور كير، بول بوروم، ميته تينه برون، انجر كريستنسن، اولريكا جارنس، ت. س. هوي، أف . ب. ياك، ماريانه لارسن، بيتر لاوكسن، فيجو ماذسن، ايفان ماليونوسكي، نينه مالينوسكي، ميته موستروب هنرك نوردبرانت، كلاوس ريفبيرج، فاون ستيين، ديته ستينسبيله، ايريك ستينوس، نيكولاي ستوكهولم، كريستينه ستولز، مورتن سنوجورد، سون سورنسن، بيا تافدروب، انيته ترانس، منعم الفقير، والمترجمة مي شحادة جلبي، والمسرحي سايه أندرسن.

من سطور الأنطولوجيا يقول الشاعرُ المتمرِّد «بول بروم» في قصيدة «إلى أبي»: «حلمتُ، أن أبي كان صغيرًا جدًا، رفعتُهُ وأجلستُهُ على رُكبتي، ورُحتُ أُهدهدُهُ بأغنيةٍ، بكلمات قليلةٍ، لا تمتْ، لا تمتْ، فضحكَ أبي».

مصطفى عبد الله

حلب

فرقة المستقبل لذوي الاحتياجات الخاصة ونشاطها المسرحي

على مسرح دار الكتب الوطنية بحلب، وبرعاية وزارة الثقافة السورية قدمت فرقة المستقبل لذوي الاحتياجات الخاصة عرضاً مسرحياً بعنوان «اللمبة». هذه المسرحية لمؤلفها الكاتب السوري الراحل ممدوح عدوان تتصدى لظاهرة المعوقين المتسولين، وتعالجها من خلال مجموعة من الأحداث التي تصحح النظرة إلى المعاقين وأسلوب التعامل معهم انطلاقاً من هؤلاء المعاقين أنفسهم. وقد ازدهر في هذا العرض إبداعهم التمثيلي متضافراً مع عناصر الموسيقى والديكور والإضاءة بإخراج الدكتور وانيس باندك.

تدور المسرحية حول مجموعة من المتسولين المعاقين جسدياً، يؤويهم رجل ذو سطوة هو سعيد أفندي، وعلى الرغم من أنه معاق مثلهم، فإن امتلاكه الملجأ ومصادر المال غير المشروعة يبقيهم تحت رحمته، إلى أن تطرأ بعض التغيرات التي تدفعهم إلى تركه، والاعتماد على أنفسهم متغلبين على مكره وحيله، مثبتين قدرتهم على تخطي المصاعب والانخراط الفاعل في المجتمع.

ربما يشعر المتلقي والعرض لايزال في بدايته ببعض الشفقة، وهو الشعور الطبيعي لدى مصادفة معاقٍ ما ـ فأمامه على الخشبة احتشد جمعٌ من ذوي احتياجات خاصة: سواء في قصور القدرة على المشي أو الرؤية أو حركة الأطراف أو النطق، وهم يرددون أغنية يستعطفون فيها المارة لعلهم يجودون عليهم ببعض المال. غير أن المتلقي سرعان ما يزايله هذا الشعور مع الأحداث التي تكشف عما وراء هذه الأغنية، وكذلك مع ثقة الممثلين بأنفسهم وإجادة كل منهم دوره، الأمر الذي قد يدفع إلى الشك بأن هؤلاء الممثلين يتمتعون بالسلامة الجسدية لكنهم يتقمصون الإعاقة تماشيًا مع الدور المنوط بهم!

وقد واكبت العرض مجموعة من الأغاني التي تحثّ على دخول الفرد في نسيج الحياة بما يفيد المجتمع، وتدعو إلى الإعراض عن التكاسل والتخاذل.

يفاجأ المتسولون بشخصية يوسف الذي يصادفونه في أحد شوارع المدينة، فهو معوّق مثلهم، لكنه صاحب حرفة في مشغل للملابس، يعتمد على نفسه في كسب عيشه بعيداً عن ذلّ السؤال. وهذا ما يحرك وعيهم ويؤجج صراعهم مع سعيد أفندي، وبعد توالي تخبطهم وترددهم يقررون التخلص من ماضيهم، فيهجرون سعيد أفندي، ويعيشون حياتهم بأبعادها المهنية والإبداعية والعاطفية، فترقص سعاد مبتهجة وقد وافقت على الزواج من أحمد الذي لم يمنعه كف بصره من تعلم العزف على البيانو.

في النهاية يقرر الجميع مغادرة منزل سعيد أفندي والتخلص من سطوته، والانضمام إلى يوسف باتخاذه قدوة لهم. لقد وضعوا الماضي وراءهم كي يسعوا إلى أيام قادمة مختلفة. إن سعيد أفندي يحاول الاحتيال، فيتهم مجموعة المعاقين بسرقته، لكنهم باتحادهم وتكاتفهم يتمكنون من إقناع ضابط المخفر ببراءتهم.

علياء الداية

الخرطوم

حوار الفرشاة يجمع أبًا وابنته

شهد المركز الثقافي الفرنسي بالخرطوم تجربة متفردة، حيث استضاف معرضًا تشكيليًا مشتركًا للأب وابنته في فضاء واحد للوحات والأعمال التشكيلية تحت عنوان «حوار الفرشاة» جمع الفنان التشكيلي إبراهيم العوام وابنته الفنانة نجلاء العوام، في ظاهرة أطلق عليها مراقبون: زمان الإبداع الأسري.

وقال الفنان التشكيلي إبراهيم العوام عن مشاركة ابنته له في معرض مشترك: «نجلاء فنانة مقتدرة، وقد نظمت العديد من المعارض، ونالت الكثير من الجوائز والميداليات، وعندما طلب مني المركز الثقافي الفرنسي أن تشاركني في هذا المعرض، قلت أنا فخور بنجلاء ولا مانع عندي، لكن أرجو أن تستشيروها، فقالت: يشرّفني جدًا أن أشارك في معرض يكون فيه إبراهيم العوام».

وعن مشاركة الجيل الجديد والجيل القديم في معرض واحد، قال العوام: «إن الفنان تحدده رؤاه وموهبته، وقد شاركت في معارض من قبل كان فيه طلابي»، مشيرًا إلى أن ابنته نجلاء لها أسلوبها ومميزاتها التي تختلف، وكذلك استعمالها للخامات والألوان.

وقالت الفنانة نجلاء العوام ابنة الفنان التشكيلي المعروف إبراهيم العوام عن المعرض وعن تجربة الثنائية: لم نخطط لهذا العمل المشترك، وإنما جاء بمبادرة واقتراح من أسرة المركز الثقافي الفرنسي، فكرت أن أقيم معرضًا وقد عملت على تحضيره نهاية 2006 وحتى 2007، وعندما اكتملت عندي المجموعة كان الوالد الفنان إبراهيم العوام قد تأهب لإقامة معرض يشتمل على مجموعة قطع ولوحات، وتم التنسيق بيننا وبين إدارة المركز لتوحيد زمان ومكان العرض، فكانت هذه التجربة بين يدي محبي الفن التشكيلي.

ويقول الأستاذ عز الدين مرغني المهتم بالفن التشكيلي السوداني إن الملاحظ لهذا المعرض ولوحات العوام تحديدًا، يستنتج بجلاء ووضوح أن خبرة الأستاذ العوام الطويلة في هذا الفن العظيم قد تجلت واضحة في هذه اللوحات ذات التاريخ الحديث، مما يدل على تجدده وانفتاحه وحدة وعيه التشكيلي.

ويمضي قائلاً: وخبرة العوام وفنيته تظهران في هذه القوة التأملية الموجودة في لوحاته التي تشدك إليها، وتنظر إليها صاغيًا إلى اختلاجاتك الداخلية، فالعوام يترك اللون يكتب موضوع اللوحة، فهو يعطي فرشاته أقصى مدى من الحرية تصل إلى درجة التلقائية أحيانًا، وهذه الألوان هي التي تعطي للوحة حياتها وخلودها.

وعن الفنانة نجلاء التي تشارك والدها في المعرض قال مرغني: «إن لنجلاء أسلوبها الخاص الذي يندرج في التعبيرية الواقعية، وهي ذات طابع يختلف عن والدها، وهي ليست مقلدة له، ومما يحمد لها أنها قد شقت طريقًا مستقلاً عنه».

يذكر أن الفنان التشكيلي إبراهيم العوام مولود بالسودان في عام 1935م، ودرس بالجامعة الأمريكية بالقاهرة وكلية التربية ببخت الرضا بالسودان بجانب كلية الفنون الجميلة والتطبيقية السودانية، وعمل في وظائف عدة، بدأها بالتدريس. وللعوام خمسة كتب مطبوعة وأربعة دواوين شعر تحت الطبع، وكرّمته الدولة بوسام الآداب والفنون الذهبي من السيد رئيس الجمهورية في السودان.

وقد اشترك العوام في 15 معرضًا جماعيًا، وأقام 21 معرضًا فرديًا، ويعد العوام إحدى العلامات المضيئة في الفن التشكيلي السوداني، واشتهر بقدرة فائقة على التأثير من خلال العبارة والرسم، وتخرجت على يديه أجيال عدة من ضمنهم ابنته الفنانة التشكيلية نجلاء العوام التي تشارك والدها هذا المعرض الذي يضم 24 قطعة ولوحة مختلفة الأحجام للفنان إبراهيم العوام، بينما عرضت نجلاء العوام سبع لوحات.

وبمناسبة هذا المعرض، صدر كتيب احتوى على بعض أعمال العوام، مصحوبًا ببيان مدرسة الأحدية التي أطلقها العوام قبل سنوات، حيث يقول في مقدمته «للفرد مهما كانت الجماعة، والعصر الذي يعيش فيه، والثقافة السائدة في محيطه، خصوصية وتفرّد فكره ورؤاه، وأسلوبه الذي يعتمد على تجاربه الخاصة».

محمد صديق مصطفى

الدار البيضاء

المهرجان السينمائي لمدينة أغادير في دورته الخامسة
«السينما والهجرة» وقيم التعايش الإنساني

عرفت مدينة أغادير جوهرة الجنوب المغربي ، خلال الفترة الزمنية الممتدة بين 23 يناير الماضي و26 منه انعقاد مهرجانها السينمائي الذي بدأ يعرف اهتماما متواصلا به نتيجة الاستمرار الجميل الذي حققه، والذي وصل هذه السنة 2008 إلى دورته الخامسة ، وهي مدة زمنية تسمح بمقاربته مقاربة شمولية تبين اٍنجازاته السابقة وتوضح الآفاق التي سعى ويسعى إلى تأكيدها، والتي تتمثل في جعل السينما أداة للتعارف بين الشعوب ووسيلة ناجعة للانفتاح على مختلف الحضارات الإنسانية في بعدها التسامحي العميق، حيث اختار له ومنذ بدايته تيمة «السينما والهجرة» وانفرد بها، ضمن مجموع المهرجانات المغربية الأخرى التي حرص كل واحد منها على تفرده واختلافه بغية خلق نوع من التكامل الفني والموضوعي بينها، وهو أمر محمود ومرغوب فيه ، مما منحه تميزا هو جدير به، وجعل من الأفلام التي تعالج تيمة الهجرة محط اهتمامه. وعلى غرار الدورات السابقة له، شهد المهرجان في هذه الدورة أيضا مشاركة أفلام تعالج تيمة الهجرة والتبادل الثقافي بين الشعوب وتجلياتهما في السينما ، ودور السينما في تقريب وجهات النظر وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح في هذا المجال. هكذا تمت برمجة مجموعة من الأفلام ذات التوجه الإنساني العام، وقد شملت هذه البرمجة أفلاما مغربية وعربية وعالمية كما جمعت بين الأفلام السردية التخيلية والأخرى الوثاقية التي تقدم مجالاً آخر للبعد المشهدي، مما يسمح بعملية التثاقف والتحاور بين الرؤى ووجهات النظر المقدمة والمطروحة من جهة وبين عملية الصياغة الفنية وطريقة المعالجة الإبداعية من جهة أخرى.

من بين الأفلام التي كانت حاضرة في هذا المهرجان الذي استطاع تأكيد حضوره طيلة هذه السنوات الخمس نجد الأفلام المغربية التالية: «وداعا أيتها الأمهات» للمخرج المغربي محمد إسماعيل الذي يعالج قضية هجرة اليهود المغاربة ، وفيلم «فين ماشي يا موشى» الذي يطرح التيمة نفسها لكن من وجهة نظر أخرى، ووفق قصة مختلفة عن الأولى، إضافة إلى فيلم «الحلم المغربي» للمخرج المغربي جمال بلمجدوب، والذي يطرح قضية الهجرة نحو بلدان الشمال من خلال حلم شباب إحدى القرى لمعانقة الضفة الأخرى والالتحاق بأوربا، وفيلم «إسلام يا سلام» للمخرج المغربي سعد الشرايبي الذي يطرح علاقة التعايش الإنساني من خلال أسرة مغربية أمريكية مهاجرة ، وفيلم «في انتظار بازوليني» للمخرج المغربي داود أولاد السيد، الذي يطرح مسألة الهجرة من منظور مغاير من خلال رؤية أحد الممثلين الكومبارس في الأفلام الأجنبية لها، بطريقة ذات بعد إنساني عميق، وفيلم «عود الورد» للمخرج لحسن زينون، الذي يطرح التيمة نفسها من خلال فيلم جمالي عميق يجمع بين الموسيقى وبين التاريخ، وفيلم «أركانة» للمخرج المغربي حسن غنجة وهو يتحدث عن علاقة الإنسان المهاجر بوطنه حينما يعود إليه ويتشبث بالمكوث فيه، مستفيدا من تجاربه السابقة التي استمدها من الدراسة في الخارج، إضافة طبعا إلى موضوعه الرئيسي المتمثل في الدفاع عن الأرض والتشبث بالهوية مع الانفتاح الإنساني على الآخر والترحيب به، وهو الأمر الذي تعكسه علاقة رشيد مع صديقته البلجيكية.

إضافة إلى هذه الأفلام المغربية التي عالجت موضوع الهجرة حسب وجهة نظر ورؤى مخرجيها، التي سعت كلها إلى الدعوة إلى قيم التعايش الإنساني العميق، فقد برمجت اللجنة المنظمة، المتمثلة في جمعية المبادرة الثقافية التي تسهر على المهرجان، أيضا: أفلاما عربية وأخرى أوربية حتى تكتمل الرؤية السينمائية حول هذه «التيمة»، إضافة إلى ندوات تعالج موضوع الهجرة وعلاقتها بالتنمية والهجرة في السينما. وكما حدث في الدورات السابقة حيث تم تكريم مجموعة من نجوم الفن السابع الذين يمثلون رمز التعايش الإنساني سواء في حياتهم الخاصة أو في الأفلام التي يخرجونها أو يجسدون أدوارا فيها، فاٍن هذه الدورة قد تم فيها تكريم الفنانة المغربية سعاد حميدو ابنة الفنان المغربي العالمي حميدو بن مسعود، التي سبق لها التمثيل في مجموعة من الأفلام المغربية، من بينها فيلم «وداعا أيتها الأمهات»، الذي عرض بالمهرجان في هذه الدورة، كما تم تكريم المخرج محمد إسماعيل الذي قدم للسينما المغربية مجموعة من الأفلام السينمائية التي عرفت نجاحا ملحوظا، والتي عالج فيها تيمة الهجرة من بينها فيلمه «وبعد» وفيلمه الحالي «وداعا أيتها الأمهات» نفسه، إضافة إلى وجود فنانين آخرين يمثلون نفس قيم التواصل الإنساني والتآخي بين الشعوب، ولهم حضور قوي وفعال في هذا المجال ، أما رئاسة هذه الدورة فقد أسندت إلى السيد إدريس اليزمي ، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، نظرا لاهتماماته بالقضايا المتعلقة بمجال الهجرة، وهو ما يتناسب مع التيمة الكبرى التي يشتغل عليها المهرجان.

إن مهرجان السينما بمدينة أكادير وقد ولج إلى دورته الخامسة بكثير من التألق والنجاح، يشكل دعما قويا للفن السينمائي الهادف، الذي يربط بين ثقافات الشعوب عن طريق الصورة في أبلغ تجلياتها الكبرى، وهو بتخصصه في مجال عرض الأفلام المتعلقة بالهجرة يكون قد اختار له موضوعًا مهمًا يصب في قيم الحوار الثقافي وفي أبعاده الإنسانية العميقة ، كما يجعل من السينما أداة تواصل نبيل بين أبناء الثقافات المختلفة جمعاء.

هذا إلى كونه يشكل نافذة أخرى لفتح المجال أمام السينما المغربية للالتقاء بالجمهور المغربي مجددا من جهة أولى، وللتعرف والاقتراب من باقي السينمات الأخرى سواء في البلدان العربية أو في البلدان الأوربية من جهة ثانية.

نور الدين محقق

هلسنكي

تدريس العربية في فنلندا والمستقبل الخطر

لا ريب في أن يوم الثلاثاء الثامن من فبراير 2005 كان يومًا أسود محزنًا في تاريخ تدريس اللغة العربية في فنلندا، والعلاقات العربية - الفنلندية، إذ فيه صادق جلس كلية الآداب في جامعة هلسنكي بأكثرية ساحقة (21 صوتًا مقابل 3 أصوات وامتناع ثلاثة عن التصويت)، على اقتراح «محاضر جامعي في الدراسات الإسلامية واللغة العربية» بدلاً من «محاضر جامعي في اللغة العربية وثقافتها». بإيجاز شديد، معنى هذا الإقرار تقليص كبير جدا في تدريس اللغة العربية، وإيلاء المكانة الأولى لما سمي بـ «الدراسات الإسلامية». من المعروف أن مهمة «المحاضر الجامعي» في أي مساق لغوي، هي تدريس اللغة، لاسيما المكتوبة في المهارات اللغوية الثلاث، القراءة والتكلم والكتابة، في نطاق الساعات الثماني الأسبوعية المنوطة به. من البدهي أن مثل هذا العدد الضئيل من الساعات الأسبوعية، لا يمكّن أمهر المدرسين وأنجب الطلبة من تحقيق قدر كاف ونافع من رسالتهم خلال السنين الخمس أو الست أو السبع، بغية الحصول على شهادة الماجستير، آخذين بعين الاعتبار أن الطلاب يبدأون من الصفر وهم غير متفرغين لدراسة اللغة العربية فقط. فما بالك بعد هذه المصادقة المستهجنة حقًا على تقليص خمسين بالمائة من هذه الساعات الأسبوعية، وتكريس الباقي لما يُدعى بـ «الدراسات الإسلامية». هل من المستطاع إجراء أي بحث أصيل رصين في الشئون الإسلامية عامة، والعربية خاصة، دون التمتع بملكة راسخة في جميع أنماط اللغة العربية المكتوبة والمنطوقة؟ اللغة العربية هي المظلة الواسعة التي تنضوي تحت كنفها جميع الدراسات العربية اللغوية والأدبية والثقافية والاجتماعية والسياسية والفلسفية والدينية، إسلاميًا ومسيحيًا ويهوديًا. ماذا سيكون مصير ذلك التراث الضخم في شتى مجالات العلم والمعرفة، الذي سطّره غير العرب، اليهود والمسيحيون والقرّاؤون والسامريون والمندائيون منذ القرن الثامن للميلاد، وإلى يوم الناس هذا باللغة العربية؟ يكفي أن ننوّه في هذا السياق باسمي جهبذين في مضامير معرفية جمّة، أبو سعيد الفيومي (ت. 942م)، وموسى بن ميمون (1204م).

يعود تاريخ دراسة اللغة العربية في أوربا إلى القرون الوسطى، وكان ذلك لأغراض لاهوتية تبشيرية، ثم من أجل دراسة العلوم الطبية التي برع فيها أطباء العرب مثل ابن سينا (Avicenne)، ثم من أجل الوصول لفهم نصوص العهد القديم بصورة أشمل وأفضل. ويقال إن يوحنا أسقف إشبيلية قد ترجم التوراة إلى العربية عام 724م. وفي مقال تحت عنوان «لابد من تدريس العربية الحية في الجامعة»، نشرته الصحيفة الأسبوعية الفنلندية Kotima في 28 / 1 / 2005، ص. 31، تطرق السيد كارلو إرتياهو (Kaarlo Yrtiaho) إلى الموضوع موضحًا بالأمثلة الجلية أهمية الاستمرار في تدريس اللغة العربية في فنلندا، بل العمل من أجل تطويرها وتوسيعها، كما يقول أكاديميون كثيرون مثل أساتذة اللغات السامية والإفريقية والأديان. يقول الكاتب - الذي يجيد العربية - إن معرفة اللغة الحية ولهجاتها ضرورية من أجل الحوار مع الآخر ومعرفة الثقافة العربية والمعتقدات. هذه المعرفة ضرورية دبلوماسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا، فاللغة هي الأم وإذا نحيت جانبًا تيّتمت الدراسات والأبحاث اللغوية والثقافية التي تتنفس وتنمو من رئتي اللغة بأنماطها المتنوعة المكتوبة والمحكية.

كما قام رؤساء البعثات الدبلوماسية العربية الخمس مشكورين، بالتوقيع على رسالة بهذا الخصوص، أرسلت إلى المستشار، الأستاذ كاري رايفيو (Kari Raivio) في 26 يناير 2005، وفيها يعرب ممثلو هذه الدول العربية عن قلقهم إثر سماعهم عن الاقتراح المذكور وقد شدّدوا، دون محاولة التدخل في شئون الجامعة الداخلية، على أهمية اللغة العربية وثقافتها وعدم تعريضهما للخطر. كما ذكروا أن جعل تدريس اللغة العربية قسمًا من الدراسات الإسلامية لا يخدم تحقيق قدر كاف من الانفتاح الثقافي وعلى المرء أن يتذكر أن هناك نحو عشرين مليونا من المسيحيين في العالم الناطقين بالعربية كلغة أم، ويستخدمونها في طقوسهم الدينية. وفي النهاية يرجو الموقّعون من المستشار أن يتكرّم ويزن الأمور بجدية قبل اتخاذ القرار للحئول دون خلق آثار أو تداعيات سلبية بالنسبة للطرفين. وفي الوقت ذاته، تناهى إلى مسامع أو بصر الأديبة اللبنانية المعروفة، إملي نصر الله (1931-)، خبر محاولة القضاء على تدريس اللغة العربية في فنلندا. وعلى الفور خطّت هذه الأديبة رسالة إلكترونية، وأرسلتها لكل من الأساتذة، مستشار الجامعة آنف الذكر، ورئيس الجامعة إلكّا نينيلوتو (Ilkka Niniluoto) ونائبته الأولى، هنّلي نيمي (Hannele Niemi) وعميدة كلية الآداب، آيلي نينولا (Aili Nenola) ونائبتها مريا ساري (Mirja Saari) وتقول ابنة بلاد الأرز في رسالتها الإلكترونية «يسرني ويشرّفني أن أتقدم إليكم بهذه المناشدة ليس جرّاء قلقي فحسب، بل لكوني مؤلفة كتاب قد صدر بترجمته الفنلندية أخيرًا تحت عنوان (Muistot). إنها تشير بهذا لروايتها، «تلك الذكريات»، التي صدرت عن مؤسسة نوفل ببيروت عام 1980 وفي طبعتها الثانية عام 1986. وتضيف الأديبة أنها قد استنفرت عند سماعها عن الاقتراح المذكور قائلة «إننا العلماء الثقات باللغة العربية والأدب العربي، مسيحيين ومسلمين على حد سواء، نرى في هذه الخطوة، استبدال كرسي «محاضر في اللغة العربية والثقافة العربية» بـ «محاضر في الدراسات الإسلامية» أمرًا غير مناسب لجامعتكم المرموقة.

إن ما حدث يدعونا مجددًا إلى إثارة الموضوع ونشره من أجل إبراز خطورة الأمر بغية إيجاد السبيل الأمثل للوصول إلى حلّ يؤمّن مصلحة الجميع ويحافظ على الأقل على إبقاء تدريس اللغة العربية في جامعة هلسكني إذ إنها الوحيدة في فنلندا التي تدرّس فيها هذه اللغة حتى الآن. حتى اللغة، لب الحضارة والهوية والعزّة القومية ومرآتها، ما تبقى لبني يعرب، يجري وأدُها هنا في ابنة البلطيق في مستهل القرن الحادي والعشرين، لأن أستاذها عاجز عن التكلم والكتابة بأي نمط من أنماط العربية، لا المحكية ولا المكتوبة!! ووضع كهذا قد يستمر عقدين من الزمان».

د. حسيب شحادة






مثقفو الامارات يكرمون وزير الثقافة المصري فاروق حسني





ملصق الاحتفالية





 





 





من ملصقات أفلام المهرجان





من ملصقات أفلام المهرجان