إلى أن نلتقي

إلى أن نلتقي

إفريقيا.. تلعب

منذ عامين كتبت مقالا في هذه الزاوية عن دورة الأمم الإفريقية 2006، واتهمت المنتخبات الإفريقية الكبرى التي تضم أكبر عدد من المحترفين في الدول الأوربية بأنها تتظاهر بأنها تلعب كرة القدم، فكل لاعب منها يساوي الملايين ولكن فقط على الملاعب الأوربية، وعليه أن يعود إليها سليمًا حتى يتواصل أجره. ويبدو أن جميع الفرق قد قرأت مقالتي، لأنها أجادت التمثيل هذه المرة في غانا، فقد شاهدنا مباريات حقيقية لعبتها الفرق الصغرى الطامحة للمجد، ومباريات شبه حقيقية للفرق التي تتوق لدخول عالم الاحتراف، ومباريات مسرحية خالصة أدتها فرق المحترفين. ولأنه من المستحيل الحديث عن الفرق الستة عشر التي ضمتها الدورة، فسأتحدث عن فرقتين منهما فقط، الأولى التي كانت مرشحة للفوز بالبطولة والثانية أصبحت بطلة بالفعل. في كوت ديفوار فإن أقوى أنواع المشروبات هي بيرة «دروجبا»، التي يشربها الجميع كلما سجل هذا اللاعب الفذ هدفًا. ورغم أن الفريق يضم عشرين لاعبًا رهيبًا، يبلغ ثمنهم 240 مليون يورو فإنه لا يستأسد إلا أمام الفرق الضعيفة، وعندما وصل إلى تصفيات كأس العالم لم يستطع ان يتجاوز الأدوار الأولى، ولا يعتمد الفريق على قدرات لاعبيه فقط، ولكن يؤازره فريق آخر من «الفيتي شير»، من أشهر سحرة القبائل الإيفوارية، وهم يحيطون الفريق بالتمائم والتعاويذ ويقومون بدهن مرماهم بدهان سحرى حتى لا تدخل فيه أهداف. المشكلة أن كل لاعب خائف على قدمه الثمينة، ويعرف أن «أكل عيشه» في مكان آخر، وهو ليس على استعداد للتضحية من أجل راية لا يجد أمانه في ظلها. وعلى الجانب الآخر يقف الفريق المصري الذي وجد خلاصه في هذه الدورة، فهي طريقه للانعتاق من اللعبة التي تواجه مشكلات لاحصر لها على الواقع المحلي: ستة من أفضل لاعبي المنتخب على الأقل جاءوا من ناد على وشك الإفلاس، بعضهم هجر النادي وبعض آخر في طريقه إلى ذلك، كانوا يحلمون بالصفقات الضخمة التي تنهال على زملائهم الأفارقة، لذلك لعبوا بروح وطاقة لا تنفد، نفذوا الخطط العجيبة التي وضعها المدرب، وأطاعوا تغييراته الغريبة دون تبرم، وواصلوا الفوز، لم يخافوا على أقدامهم في مواجهة الأقدام الذهبية، حتى حققوا هدفهم وأسعدوا الملايين، وأنا واحد منهم، تابعتهم بشغف وخوف وحب وتوتر، ماعدا شيئًا واحدًا، فالملايين التي ينتظرونها لن تجيء، فهم يلعبون في قارة تعتبرها أوربا مجانية، كل ما فيها منحة بلا مقابل: الثروات الطبيعية، المحاصيل الزراعية، والمواهب البشرية، فاللاعب الإفريقي في نظرها بخس الثمن، لايوازي نظيره الأوربي أو اللاتيني، والأفضل لها «اقتناصه» وهو صغير بحيث لا يكون له ثمن على الإطلاق. والصفقات الهائلة التي نسمع عنها هي نوع من دوران رأس المال بين الأندية المختلفة، لا يصيب اللاعبين منها سوى الفتات، والنجوم الذين تألقوا وتقاضوا الأجور العالية مثل دروجبا أو إيتو أو كانوتي هم قلة وسط طوفان من الأقدام السوداء تخصصها أوربا لمتعتها، كما كانت تفعل روما القديمة بالمجالدين في حلبات المصارعة. على النجوم المصريين الذين لاعبو وتألقوا أن يفرحوا بنصرهم، وما حصدوه مصريًا وعربيًا، وليس عليهم أن ينتظروا شيئا من الخارج!.

 

 

محمد المنسي قنديل