علاء الأسواني وأسامة الرحيمي

علاء الأسواني وأسامة الرحيمي

19 دار نشر عالمية توزع روايتيه الآن
علاء الأسوانى: النجاح مرعب!

  • الذهن في عصور الانحطاط يعتقد أن المُعقّد أكثر عمقًا وأن البسيط سطحى وتافه..
  • الأدب ينحاز إلى القضايا الإنسانية دائما لأنه ضد القبح والفساد والتزييف والدجل والصغائر
  • الهجوم عليّ محاولات انتقاص من شأني لا علاقة لها بأي شيء حقيقي وأي نجاح تكون له ردود فعل مضادة

ربما لم يحظ أديب عربي بما حازه صاحب «عمارة يعقوبيان» من شهرة وانتشار!

فمنذ طبعتها الأولى، حققت الرواية صيتا واسعا، وأثارت جدلا نقديا استمر سنوات، لايزال بعضه عالقا في الأفق.

ووصلت طبعاتها المتلاحقة وتوزيعها إلى أرقام غير مسبوقة في الأدب العربي، وتُرجمت للغات عديدة، وتهافتت عليها دور النشر الأوربية، وتحولت إلى فيلم سينمائي ناجح، ومسلسل تلفزيوني، مما أثار غبارا كثيفا حول شخص «علاء الأسواني»، فرآه بعضهم فريدا، وآخرون اعتبروه رجل علاقات عامة ذكيًا، يسوّق نفسه عبر شبكة معارف جيدة.

كُتّاب ونُقاد كبار هللوا له، وغيرهم مزقوه، وقالوا إن «يعقوبيان» هي «بيضة الديك»، فبدا المديح كالزغاريد المجانية، والهجاء كسبق الإصرار والترصد، أما الأصوات الموضوعية فبددها الضجيج من دون أن يسمعها أحد. وأحدثت روايته الثانية «شيكاغو» النجاح نفسه، وربما أكثر، فعادت الزوابع، واشتدت التجاذبات، فبالغ المتحيزون في إطرائه، وأصرّ الرافضون على أنه محض «محظوظ»، وسمعت أحد الذين استبدت بهم اليقينية يقول مطمئنا: «علاء الأسواني لا علاقة له بالأدب». وقد حمل إليه هذه الاتهامات الزميل أسامة الرحيمي المحرر بمجلة «العربي»، ليقف على ردوده بلا وسيط ولا عنعنة.

  • نجاح كبير حالف روايتيك «عمارة يعقوبيان» و«شيكاغو» مما أدى إلى انتشارهما، وإعادة طبعهما كثيرا، وتوزيعهما بنسب غير مسبوقة، وترجمتهما إلى لغات أوربية كثيرة، وتحويل «يعقوبيان إلى «فيلم» و«مسلسل»، وتعاقدك علي تحويل«شيكاغو» إلى فيلم أيضا، ألم يدفعك هذا إلى المبالغة في تقدير نفسك، وتضخم إحساسك بذاتك، أم كان مدعاة لإحساس أكبر بالمسئولية؟

- التعامل مع النجاح بالذات يجب أن يكون بحرص كبير لأنه مرعب، وهذه مسألة أنا حسمتها من «عمارة يعقوبيان»، بمعنى أنني لم أترك فرصة لأن تلقي تداعيات النجاح ظلالها على أعمالي اللاحقة، وانسانيا لا يجوز للنجاح إطلاقا أن يكون سلبيا، ونجاح المبدع المخلص يكسبه ثقة لكن بحدود محسوبة، ويحمله مسئولية أكبر، خاصة إذا كان النجاح ليس فقط في مصر، ولا العالم العربى، فمثلا الآن أعمالي توزعها 19 دار نشر أوربية، وترجمت إلى 19 لغة، وهذا يعني الالتزام أمام دور عالمية تنتظر ما أكتبه، ويضاعف إحساسي بالمسئولية لحد الخوف وليس الغرور كما يظن البعض، وعلينا ان ننتبه طوال الوقت لصعوبة النجاح ولا ندعه يفسد الأمور.

  • ألم تحدثك نفسك بأنك عبقري، وأن أي شيء تكتبه سيكون مميزا بشكل ما؟

- لا..لا..أبدا... لا عبقرية ولا غيرها.. هذا الشعور فخ لمن يضعف أمامه، والحقيقة أنني أبذل جهدا كبيرا في الكتابة بشكل عام،حتى في مقالات جريدة العربي الناصرية، وأخجل أن أقول إنني أكتب المقالة في يوم كامل تقريبا، وأتفرغ لكتابة ألف كلمة فقط، لأن الكتابة مسئولية تحتاج إلى يقظة في متابعة الأحداث، والصياغة تحتاج إلى جهد شاق، مرة كتبت 300 كلمة للأهرام ضمن قضية كانت مثارة وظللت أعيد فيها وأصحح وأحذف احتراما للقارئ، والتعرض لجمهور واسع ومتنوع خاصة في الخارج شيء مربك، فهناك من يحتفون بك وبكتاباتك، لكن هناك أيضا من يستكثرون النجاح علي كاتب عربي، ورأيت استغراب بعضهم من الاهتمام الكبير بأعمالي، ولا أقول ان ما أكتبه مميز بالضرورة، لكن ضميرى مستريح تماما لأني أبذل أقصي ما عندي، وأضعه بمنتهى الاحترام أمام القارئ والحكم له في النهاية.

  • ألا تخشي تراجع مستواك بعد الشهرة التي حظيت بها في السنوات الأخيرة خاصة أنك أصبحت تحت الأنظار، هذا التخوف ألا يشوش ذهنك وقت الكتابة؟

- الشهرة ليست للأدباء ولا الكُتّاب، فهي تعني أنني إذا مشيت فى الشارع يعرفني الناس، وهذا النوع من الشهرة لا يعنى لي شيئا، وما يعنيني هو التقدير، فإذا خُيِّرت بين مليون واحد يعرفونني ويجهلون ماذا كتبت، وألف فقط قرأوا أعمالي ويعرفونني من خلالها، حتى لو تحفظ أغلبهم عنها نقديا، فالألف أفضل عندي، ويحدث أحيانا أن أكون في مكان عام ويقبل عليّ بعض الناس للسلام ولم يقرأوا شيئا لي، وأستقبلهم بودّ طبيعي، مثل غيري لأن الشهرة بذلك الشكل تصلح للفنانين، ويؤثر فيّ بعمق أن أقابل أحدهم على طائرة ويناقشني في رواية «شيكاغو» مثلا.. هذا يسعدني، ودعني أحكي لك حكاية لتعرف ما يعنيني، وأنا في فرنسا فوجئت بفتاة تعمل بائعة كتب في مدينة صغيرة وطلبت بحياء أن تحدثني على انفراد، ثم قالت إنها أحبت عمارة يعقوبيان جدا، ثم ناولتني علبة بيانولا صغيرة تصدر موسيقى أغنية «الحياة بلون الورد» لـ «إديث بياف» أشهر مغنية فرنسية، وقالت إنها هدية تلقتها من أبيها وهي صغيرة ولم تكن تتصور يوما أن تفرط فيها، ولم تجد شيئا أعز منها لتهديه إلي، هذه المفاجأة البسيطة عقدت لساني دقائق، ومنحتني شعورا رائعا ربما يفوق جوائز مهمة، وفي مدينة تولوز أيضا في أثناء حفل التوقيع فوجئت بفرقة مسرحية تقدم عرضا مأخوذا عن عمارة يعقوبيان، الممثلون الفرنسيون أصبحوا الحاج عزام، وطه الشاذلي، وغيرهما وهذا ما يعنيني فقط.

  • يرى البعض أن هذا النجاح أضخم كثيرا جدا من حجم أعمالك، وأغلبه حظ لاأكثر؟

- لا أفكر في الأمر بهذا الشكل، لكن أستطيع أن أقول إنني بذلت أقصى ما وسعني فى الكتابة، ومنذ البدايات عملت بنصيحة والدى رحمه الله حيث قال لي: «إما أن تكون الكتابة أهم شى فى حياتك أو أنصحك بالإقلاع عنها»، فالكتابة ليست مجرد هواية، فأنا أعطيها أقصى ما عندي، وكان ممكنا أن تكون حياتي أسهل لو اخترت شيئا آخر، فكان يمكنني البقاء في أمريكا، أو اسبانيا أو فرنسا وأنا أتحدث الإسبانية والفرنسية، وجاءتني فرص عمل عديدة فى الخليج بمبالغ طائلة باعتباري خريج جامعة أمريكية مهمة في الطب وكتبت عنها في «شيكاغو» وقُدمت لي عروض ضخمة لأكتب للسينما بعد نجاح «عمارة يعقوبيان»، واختلطت بالوسط الفني لعدة شهور ووجدت حياتهم باهرة، نجوم وممثلات، وفلوس كثيرة جدا، لكني رفضت كل الإغراءات، وفضّلت الأدب.

  • تٌقارِب السياسة بشكل واضح في أعمالك، وهي حافة خطرة فنيا علي الإبداع والمبدع، فكيف تتفادى فخ المحاذير والمباشرة؟

- الموضوع بسيط جدا، فهناك تعريفات عديدة للرواية، وأحبها إليّ هو : «الرواية حياة على الورق تشبه حياتنا اليومية ولكنها أكثرعمقا ودلالة وجمالا»، فلو نظرت إلى حياتنا اليومية ستجد أن أكثر تفاصيلها يخلو من الدلالة، لكن الأدب يجعل الأشياء أكثر عمقا وذات دلالة وبالتالي تصبح أكثر جمالا، المقياس فى هذا التعريف هو الحياة، والناشر «جان جوكمو فنترينللي» صاحب الدار التي تنشر أعمالي فى إيطاليا قال: «هناك نوعان فقط من الرواية.. روايات حية وروايات ميتة، وأنا أنشر فقط الروايات الحية» وهذا الكلام يبدو بسيطا لكنه عميق، لأن خبرة الرجل فى الأدب عالية، وأنا أطبق التعريف بصنع حياة للشخصيات، حياة فيها كل شيء، الجنس والسياسة والارتباك والتشوش، والتصرفات المستقيمة والمنحرفة، مثل حياتنا، والسياسة حاضرة بالضرورة، واعتقادى أن الانظمة العربية روّجت لمصطلح السياسة هذا لنتجنبه، لكنه في الحقيقة ليس سياسة بل عمل عام أو اهتمام بالعمل العام، فلايستطيع روائي أن يصنع شخصياته في الفراغ، واحد يحب واحدة الآن، غير من أحب في الثلاثينات، غير الحب أيام عبد الناصر، حياتنا متأثرة بالوضع العام والطريقة التي نحكم بها، والروائي لو امتلك هذا المفهوم سيتفادى الخطر الذي تقصده، لأن الرواية لا تكتب من أجل فكرة ولا من أجل مبدأ ولا من أجل شرح قضية، فلو عندي فكرة واضحة أو قضية أكتب مقالا، أما الرواية فتكتبها لأن هناك عالما روائيا وشخصيات تريد أن تعبر عنها.

  • ألا يتعارض موقف الأديب السياسي الصريح بدرجة ما مع طبيعة الأدب، وهو يبدو واضحا في روايتيك «يعقوبيان» و«شيكاغو»؟

- هذا ليس موقفي بل موقف الأدب، موقفي السياسى أوضحه في المقالات كما أسلفت، أما الأدب فهو بالنسبة لي فني وإنساني، وما تقصده ينطبق على الأدب عامة لأنه ينحاز إلى القضايا الإنسانية دائما، فهو ضد القبح والفساد والتزييف والدجل والصغائر ويفضح ما نتواطأ عليه اجتماعيا، الأدب يدافع عن القيم النبيلة والشجاعة والخير وهذه نقطة مهمة، والجمال الأدبى مرتبط بمعان إنسانية يتبناها ويدافع عنها.

  • يرى البعض أن أسلوبك عادي وبسيط وليس فيه ما يستحق التوقف أمامه، ويصفه آخرون بالسطحية، وأن أي قارئ فاهم أو كاتب متواضع يمكنه أن يكتب مثلك؟

- هذه مشكلة تظهر عادة فى عصور الانحطاط، اقتران المعقد بالعميق، والبسيط بالتافه..

  • بمعني؟

- الذهن في عصور الانحطاط في الأدب وغيره يعتقد أن المعقد أكثر عمقا، والبسيط سطحى وتافه، وكم من معقد في حقيقته تافه وتعقيده يخفي ركاكة، وكم من بسيط مُعجز، ولا يفعله إلا الموهوبون، مثل الراحل العظيم «يحيى حقى» الذي خاض معركة كبرى في موضوع اللغة هذا، ضد الزخارف، لأنه كان يريد لغة دقيقة، بسيطة وعميقة في آن، وعنده نظرية كاملة منذ عشرينيات القرن الماضي، وكذلك لغة «صلاح جاهين» البسيطة الرائعة، وغيرهما من الكبار، وهذا هو مفهومي أيضا، وأزعم أن لغتي تطورت، فمن يقرأ «نيران صديقة» قد يظن أن لغتي فيها أفضل بالرغم من أنها مكتوبة قبل «يعقوبيان»، لكنها كانت لغة أخرى غير التي توصلت إليها وأكتب بها الآن، فسابقا كنت أشعر بأنني معوق، ولم أكن حرا، فقد كانت تشغلني فكرة جماليات اللغة، لكن تشغلنى الآن اللغة الرائقة، نموذج «يحيى حقي» العظيم، لغة تشبه سطح البحيرة، هادئ وشفاف ولايخفي الأعماق.

  • قال البعض إنك استعنت بتكنيك الرواية البوليسية، في القطع، وتغيير السياق، للحفاظ علي التشويق، واللعب على لهفة القارئ، ألم تكن هذه مجازفة بإحياء أسلوب مهجور؟

- هل وصلنا إلى درجة أن ندافع عن أنفسنا لأن الرواية أصبحت ممتعة ومشوقة.. الحقيقة أنني لم أكن أجازف، لأن مفهومي أن الفن يجب أن يكون ممتعا، والرواية فن، وأنا أكتب مثلما أريد، والرواية يجب ألا تكون غامضة ومركبة لدرجة تستعصي على التذوق والفهم.

  • طبعات وترجمات وجوائز، وسفريات عديدة وندوات وحفلات توقيع، هل كل هذه التفاصيل تساوي روايتين فقط..تساءل البعض.. أليست هناك مبالغة ما في الأمر؟

- ممكن تساوى رواية واحدة فقط..أعتقد أيضا أنه من المشكلات أيضا القياس بالكم، فكره البسيط التافة نفسها، والمعقد العميق، يقول البعض أصدر 3 روايات ومجموعتي قصة قصيرة، وأنا أصدرت 12 رواية، باستثناء نجيب محفوظ، ليس هناك روائى كبير فى العالم تجاوز 10 روايات، أنظر إلى جارسيا ماركيز، وإيزابيل الليندي، ودستويفسكي، الموضوع لايقاس بالكم إلا إذا كان المفهوم خاطئا، وعندك فلوبير، ومارسيل بروست، اكتسبا شهرتهما برواية واحدة لكل منهما، أنا ممكن أصدر رواية كل 6 شهور، لكني أكتبها في ثلاث سنوات.

  • ما علاقة الأدب والرواية في تقديرك بمعاناة الكاتب، مثل دستويفسكي وتولستوي، وجوركي، وتشيكوف، وكونديرا، وإسماعيل كادريه، ومعاناة أغلب كتاب أمريكا اللاتينية.. كيف ترى الأمر وأنت لم تعان مثل تلك الضغوط التي رأوها مع تباين الحالات؟

- أعتقد أن هناك حدا للمعاناة، لو زاد يكون مدمرا، وهي ممكن أن تكون معاناة داخلية وليست خارجية، ممكن سيكون إحساسك بالناس عاليا جدا ولو كنت من أسرة ميسورة أو مستورة، لابد أن تحسّ بالناس، وهذا يمثل بديلا للمعاناة لأنه هو الأهم، قد أكون فقيرا جدا لكن لا أشعر بالناس لأني أريد التخلص من كل متعلقات الفقر بأي طريقة، وهذا عادة يصنع شخصية رديئة، وممكن أن تكون من وسط ميسور لكن عندك إحساسا بالناس، ومتعاطفا معهم، ودستويفسكي وهو من النبلاء لما ذهب إلى سيبيريا وكتب عن تجربته هناك كتابه العظيم » ذكريات من بيت الموتى»، عرف المساجين أنه من النبلاء من يديه الناعمتين، فالفقر ليس شرطا للإحساس بمعاناة الآخرين، والإحساس أهم من المعاناة بشكل مباشر، والعلاقة بين الطب والأدب قوية لأن موضوعهما واحد وهو الإنسان، وأتاح لي ذلك رؤية المرضى والتكلم معهم، والتعرف على أحوال الناس من قرب، والطبيب بحكم مهنته يقترب من النفس الإنسانية بما لا يتوافر ربما لمهن أخرى.

  • إلى أي مدى يمكن للأديب الاستفادة من تجاربه وحياته، مثل التشابه بينك وبين شخصية «ناجى عبد الصمد» في رواية «شيكاغو»؟

- لا.. ناجي عبد الصمد ليس أنا، الرواية مكتوبة بصوتين، صوت الراوي العليم، والصوت الثاني، مذكرات «ناجي عبد الصمد» داخل الرواية، شخصية ناجي عبد الصمد وليس أنا، لكن لأنه شاعر ويساري، ومُنع من التعيين فى الجامعة نتيجة لموقفه السياسي، وهو عضو حركة كفاية، وآراءه السياسية تشبه آرائي، لهذا أعتقد الناس أنني كتبت نفسي، وكل من قرأوا الرواية قالوا الكلام نفسه، لأن آرائي السياسية معروفة من مقالاتي، والحقيقة الرواية فيها كثير من تجربتي في شيكاغو، فأنا عشت فيها وأعرفها جيدا.

  • براعة الكتابة ترجع لخيال الروائي أم وفرة المادة الخام من تجارب الحياة؟

- وفرة المادة الخام مهمة جدا، لهذا أقرأ كل شيء، وأذكر أن أحد قراء الأهرام كتب أنه رأى الأديب الكبير «يحيى حقي» يركب المترو واستنكر ذلك، فكيف لا يوفروا له سيارة، ورد عليه المرحوم عبد الوهاب مطاوع أن الأديب الكبير يريد أن يرى الناس، ولا يعني هذا أنه لايملك سيارة أو أموالًا للتاكسي، فإذا أردت أن تكتب عن مجتمع يجب أن تظل على تواصل مع الناس.

  • بسبب النجاح الكبير لـ «يعقوبيان» و«شيكاغو»، أحاطتك تفسيرات، عديدة أهمها أنك مجرد محظوظ، وبارع في الدعاية واتباعك موضة الهجوم على الفساد في الداخل، والرد على هجوم الغرب علينا في شيكاغو، فكيف ترى كل هذا؟

- الهجوم عليّ محاولات انتقاص من شأني لاعلاقة لها بأى شيء حقيقي مع الأسف، وأي نجاح كبير لابد أن تكون له ردود فعل مضادة في الاتجاه، ويثير بعض المشاعر السلبية، قالوا يعقوبيان ستكون «بيضة الديك»، فصدرت «شيكاغو» ونجحت أيضا، وقالوا يعقوبيان نجحت في مصر لأنها تشير إلى شخصيات سياسية معينة، فلماذا نجحت في فرنسا، قالوا علاقات عامة، أي أنني المفروض أكون أمين عام الأمم المتحدة لأني نجحت في تدبير نجاح أعمالي في 19 دولة، الحقيقة الموضوع فيه جزء من الغيرة، وهذا مفهوم، وهنا أريد أن أخلط الشخصي بالعام لأنه مهم جدا، نحن في مجتمع محبط، وأي شخص عنده اقتناع بأنه يستحق أكثر مما نال، هذه المعادلة تحدث إحباطا مزمنا تعيش به ومعه دائما، وأي روائى أو شاعر لم يحقق شهرته تكون مشكلته في الآخرين، والبلد مدمرة بطبيعة الحال، فيرى هو أن الناس ذوقها فاسد، وكل شيء منته، ويتكئ على هذه الحالة، ولو كان هناك شخص فى ظروفه نفسها وبلده، وبينهما 100 متر، أو محطتا مترو يحقق نجاحا كبيرا جدا، تكون مشكلة، بعض الناس يكرهون أن يحقق أي شخص نجاحا ما حتى لو كانوا لا يعرفونه شخصيا، لأن نجاحه «يلخبط» لهم عادة الإحباط المزمنة، تخيل أن أحمد زويل هوجم في مصر، هذه حالة اجتماعية، فالمجتمعات تمرض كما يمرض الإنسان، أحد مرضاي وهو محاسب قال لى مرة، هل يجوز أن يعطوا نجيب محفوظ جائزة نوبل لأنه شتم الدين، فسألته أين شتمه؟ قال فى «أولاد حارتنا» فقلت له جائزة نوبل لا تعطى لعمل محدد، بل لمجمل أعمال الأديب ولابد أن تكون غيرت في الأدب وفى النظرة الإنسانية عامة، وسألته هل قرأت «أولاد حارتنا» فقال لا، سألته هل قرأت أي عمل لنجيب محفوظ، فقال الحقيقة أنا قرأت طه حسين..تخيل، وأنا واثق أنه لم يقرأ طه حسين، قد يكون درس كتاب «الأيام» الشهير ضمن مقررات وزارة التربية والتعليم، لكن ما الذي جعله ميالا للتجني بهذه الطريقة، وهو نموذج لكثيرين في مجتمعاتنا.

  • يرى البعض أنك يجب أن تدين بالفضل لأمريكا لأنك تعلمت هناك، ومع ذلك تتخذ موقفا معاديا ضدها، فالشخصيات الفاسدة في يعقوبيان هم نتيجة حتمية للسياسة الأمريكية في مصر والعالم الثالث، وفي «شيكاغو» رصدت تفسخها الاجتماعي.. وبعضهم يحسبها ازدواجية غير مفهومة؟

- أولا أنا لي أصدقاء في أمريكا أعتز بهم، وكان أستاذي هناك مثل المعلم القديم فى تراثنا العربى وكان يحبني ويحنو عليّ ويتوتر كلما ارتبكت، وهذا مع اللأسف عكس الموجود في الجامعات المصرية، يوجد بها مدرسون وليسوا أساتذة، ثم إن أمريكا ليست بيت عمى أكلت فيه «عيش وملح» ثم شتمته، أمريكا قارة ونظامها رأس مالي شرس وقبيح جدا، ومن يقرأ شيكاغو سيرى بعض ضحايا ذلك النظام من الأمريكان مثل ضحاياه فى بلادنا، والأدب الأمريكى المحترم قام على هذه النظرة، ولو تمعنته ستجد لدى الأدباء الكبار مثل هيمنجواي، وآرثر ميلر، وتينيسي وليامز سمة واحدة فقط، هي ضآلة الإنسان وانعدام أمنه وإحساسه بالفزع أمام الآلة الرأسمالية الجبارة، وإحساسه بالوحدة وتفاهته، وتفاهة مصيره، معظمهم كانوا ضد الولايات المتحدة، ضد النظام، وهيمنجواي لم يكن يطيق البقاء في أمريكا، كان مقيما في كوبا وإسبانيا، وستجد أيضا في واشنطن مظاهرات مليونية ضد احتلال العراق، عندهم جيل محترم جدا معروف باسم «جيل فيتنام» وهو ضد العولمة ويدافع عن حقوقنا نحن، لهذا أقول إن أمريكا ليست شيئا واحدا.

  • هذا الكلام له علاقة مباشرة بموقفك من المجتمع الأمريكي في رواية» شيكاغو»؟

- حين ذهبت إلى شيكاغو لدراسة طب الأسنان وفي أول يوم لي هناك فتحت الشباك شاهدت أناسا تأكل من الزبالة، وتعرفت لاحقا على تفاصيل المجتمع الأمريكي العجيب، وكتبت جانبا منها، لهذا أثارت حساسية لدى بعض الأمريكيين الذين قرأوا رواية «شيكاغو» لم ترحهم، وحدثت مشادة مع أحدهم، لأنه لم يطق أن أرى وأكتب هذه العيوب، خاصة أننا عرب، لكني طالبته بأن يصحح أي شيء قلته عن المجتمع الأمريكي إذا كنت مخطئا، والسفير الامريكى صادفنى مرة فى معرض الكتاب وقال إنه ينتظر النسخة الإنجلزية رغم أنه يقرأ العربية، وقال إن الرواية تخلو من الإطراء، والحقيقة أنني كتبت خبرتى الإنسانية التى عشتها، لكن أحب تأكيد أن الرواية ليست ضد أمريكا، بل ضد النظام الأمريكي.

  • رفضهم هذا لما جاء في الرواية عن حقيقة الأوضاع لديهم ألا يتعارض مع مقولاتهم الرئيسية عن الديمقراطية وحرية الإنسان وغير ذلك؟

- طبعا، هناك مشكلة أود التوقف أمامها وهي كيفية تقديم الأدب العربى فى الغرب، والمشكلة أن معظم المستشرقين الذين يقدمونه أتوا من حقل السياسة والاجتماع والعلوم الإسلامية والدراسات، ونظرة أغلبهم فيها كل عيوب الاستشراق والاستعلاء، ويختارون أعمالا أدبية تؤكد أو تنفي وجهة نظرهم، ومن حسن حظي أنني تفاديت هذا الحاجز، فلم يقدمني مستشرق، لأن أي مستشرق يترجم العمل الأدبي، ويكتب عنه دراسة، ويطبع منه 300 نسخة يضعها فى أقسام أكاديمية بعيدة عن سوق النشر الرئيسي في معظم البلاد الغربية، لكني دخلت سوق النشر الرئيسي مباشرة، وأتعامل مع أكبر دور النشر.

  • الأديبة النيجيرية الشابة «شيماماندا نجوزي» حائزة جائزة «أورانج » قالت ما يتسق مع كلامك عن نظرة الغرب الاستعلائية، فهي تقول إن الغرب يرى الإفريقيين كمرضى بالإيدز، وفقراء يعانون الهزال يقفون في طوابير المعونات، وهذه ليست إفريقيا الحقيقية، فلدينا طبقة متوسطة تضم الطبيب والمدرس والمهندس والمحامي والمحاسب وغيرهم ممن يصنعون الحياة ويعيشونها مثلهم؟

- هي أديبة موهوبة جدا، وقرأت روايتها «نصف شمس صفراء»، وتنشر في الدار نفسها التي نشرت لي «يعقوبيان»،وهي لم يقدمها مستشرق، بل قدمها أديب نيجيري كبير اسمه «أتشيلي» وهو صاحب الرواية العظيمة «الأشياء تتداعى»، وكتب لها مقدمة حين قرأوها لها بكت، لأنه قال: «نحن نأخذ الحكمة دائما من الكبار، لكن هناك استثناءات، منهم هذه الكاتبة التي ورثت تقاليد الحكائين العظام» كانت كلمة مؤثرة جدا، بكت حين سمعتها، ونحن كعرب في تقديري فشلنا في كل شيء، وأضعنا فرصة النهوض في القرن العشرين، لا أخذنا بالتكنولوجيا، ولا الديمقراطية، ولا أنجزنا التنمية، حتى الاستقلال كان شكليا، وعادوا لاحتلالنا كما نرى في العراق، وأظن أن الإنجاز الحقيقى الوحيد الذى نستطيع أن نقدمه للغرب هو الأدب، وعندنا أدب لا يقل عن الأدب العالمى، وكتاب كبار جدا، نجيب محفوظ أخد نوبل عن استحقاق لكن من حظه أنه عربي لأنه لو كان فنلنديا أو دنمركيا كان من الممكن أن يكتب الثلاثية فقط ومن دخلها يسكن قصرا ويكف عن الكتابة، أعطوه نوبل حين شعروا بأن تجاهل شخص بهذا الحجم سيكون وقاحة، وعندنا 20 او30 واحدا غير محفوظ يستحقون نوبل بمقاييس نوبل، مع فارق مهم هو أن الروائي في العالم العربي يحارب على جبهتين، يحارب ليحمي إبداعه من القبح والفساد، ومن الاعتداءات النفسية عليه والأمنية لو كان مشتغلا بالسياسة.

  • ما تفاصيل نجاحك في الغرب بالأرقام؟

- فى فرنسا عمارة يعقوبيان طبعت 160 ألف نسخة فى 2006 فقط، وشيكاغو أول ترجمة فرنسية صدرت أول اكتوبر الماضي، ومجلة «لير» أهم مجلة أدبية فرنسية، اختارت أهم 20 كتابا فى 2006، يعقوبيان أخذت المركز السادس، وضمن أهم 20 كتابا وليس رواية، أو رواية مترجمة، ولو كانت المفاضلة بين الروايات، أو الروايات المترجمة ربما كان الترتيب أفضل بكثير، وما كتب يعتبر كثيرًا جدا، والنجاح في إنجلترا كان كبيرًا جدا أيضا.

  • هل يمكنك العيش الآن من دخل أعمالك؟

- حتى الآن لا أستطيع أن أعيش من دخل أعمالي الأدبية، لكن أنا أكسب الآن فعلا من الكتابة لأن أعمالي ترجمت ونجحت في الخارج ودخلت سوق نشر حقيقية، وحقوق الكاتب محفوظة تماما، وعندي وكيل أدبي هو إدارة النشر في الجامعة الأمريكية، ودوره مهم جدا لأنه يتفاوض باسم الأديب، ويفعلون لي ما كانوا يفعلونه لأستاذنا الكبير نجيب محفوظ، ويتفاوضون مع الدور ويحصلون على 25% من المبالغ التي يتفقون عليها.

  • هذا يعني أنه يمكنك الاستغناء عن مزاولة طب الأسنان يوما ما؟

- لا.. لن أترك طب الاسنان لأنه لم يعقني أبدا، وله الفضل بعد الله سبحانه وتعالى في نجاحي، وساعدني على الكتابة من دون الاحتياج إلى أحد، ثانيا وهو الأهم أنه كان سبيلًا لعلاقتى اليومية بالناس وهي مهنة مفيدة جدا، فإلى جانب مشاغل العيادة أكتب 4 ساعات طوال ستة أيام في الأسبوع منذ 10 سنوات، ومشكلتي الآن هي كثرة السفر، وانا مضطر لذلك لاتساع التعاملات مع دور النشر، وحضور حفلات التوقيع، والندوات وما إلى ذلك، ومن الأشياء اللطيفة التي حدثت لي في فرنسا اجتماع مع 170 بائع كتب فرنسيا ممن يعملون في مكتبات المدن الصغيرة، وكان هذا شيئا مهما لأن هذه مهنتهم ويدرسونها، وهم يعدون الخلايا العصبية لسوق الكتاب، وهم غالبا يحبون القراءة، ويكون الكاتب محظوظا إذا أحبوا أعماله لأنهم يرشحونها للقراء، وعندما يقابلون الكاتب يزداد حماسهم له ولكتبه، وأتمنى أن أرى هذا النظام في الدول العربية.

  • في تقديرك ما سر نجاح يعقوبيان فى أوربا؟

- لا أستطيع تفسير نجاحي لأن هذا يقودني لكلام غير لائق، إنما أرى أن هذا هو نجاح أدبي، كل الاتهامات التي قلتها أنت أعرفها وسمعت أشياء أصعب منها، أنت كنت لطيفا في أسئلتك، لو حللت كل الاتهامات التي وجهت إلي، ستجدها تُرجع النجاح لأى سبب إلا الكفاءة، لأن الكفاءة هي سبب النجاح، أليست هناك روايات تناولت الفساد أكتر من يعقوبيان، الكل يتحدث عن الفساد، وتيمات عمارة يعقوبيان سبقتها روايات أخرى، وأكتر منها، كل هذا الكلام لأني لا أستحق هذا النجاح من وجهة نظرهم.

  • من هم قراؤك الذين تهتم بمعرفة رأيهم في رواياتك قبل نشرها؟

- أولهم طبعا أستاذي الأديب الكبير«علاء الديب»، وزوجتي إيمان، وابني سيف.

الجوائز الأدبية التي حازها علاء الأسواني

  • جائزة باشرحبيل للرواية العربية - 2005
  • جائزة كفافي للنبوغ الأدبي من الحكومة اليونانية - 2005
  • الجائزة الكبرى للرواية.. مهرجان تولوز فرنسا - 2006
  • جائزة الثقافة من مؤسسة البحر المتوسط في نابولي - 2007
  • جائزة جرينزاني كافور للرواية ( أكبر جائزة ايطالية للأدب المترجم )..تورينو إيطاليا - 2007
  • جائزة برونو كرايسكي في النمسا - 2007
  • واختارته قناة العربية أبرز شخصية أدبية في العالم العربي لعام 2007




 





 





أغلفة يعقوبيان في ترجماتها العديدة