كيف تتخلص من الاكتئاب? مروان حمدان

كيف تتخلص من الاكتئاب?

معظم الأشخاص الذين يعانون هذا المرض لا يبحثون - مع الأسف - عن العلاج مع أنه موجود, فبفضل سنوات طويلة من البحوث توصل العلماء إلى النتائج التي تمكن المرضى من تجاوزه والتخلص منه, وتجعل بقاءهم دون معالجة سببا لشقائهم وشقاء المحيطين بهم دون مبرر.

يتجلى الاكتئاب الحاد بمجموعة من الأعراض تؤثر في مقدرة الإنسان على العمل والدراسة والنوم والأكل والتمتع بمسرات الحياة. وقد يحدث هذا النوع مرة أو يتكرر أكثر من مرة خلال حياة الإنسان, والنوع الثاني من الاكتئاب أقل حدة ويسمى Dysthymia وهو وإن كان لا يعيق الإنسان تماما إلا أنه يؤثر فيه بشكل لا يشعر معه بالراحة تماما وقد يتطور هذا النوع إلى الحالة الأولى في مرحلة عمرية معينة.

و هناك نوع آخر يسمى Bipolar Disorder الذي يصيب المريض بتقلبات في المزاج تظهر في أشدها المبالغة في الكلام والنشاط الزائد مما يؤدي إلى إحراج المريض اجتماعيا وإلى مشكلات على الصعيدين العملي والعاطفي.

أعراض الاكتئاب

يجب التنويه في البداية إلى أن بعض أو كل هذه الأعراض قد يشعر المريض بها كما ينبه إلى ذلك موقع The National Institute Of Mental Health (NIMH) الأمريكي :

  • شعور بالقلق والحزن والفراغ بصورة مستمرة
  • شعور باليأس والتشاؤم.
  • شعور بالذنب ونقص احترام الذات.
  • تلاشي الاهتمام بالهوايات والنشاطات التي كان يتمتع بها سابقا.
  • تدني نسبة النشاط وانحطاط الهمة.
  • صعوبة التركيز والتذكر والتردد.
  • الأرق أو الاستيقاظ المبكر أو النوم الزائد.
  • إلحاح أفكار معينة تشاؤمية كالموت أو الانتحارومحاولات الانتحار.
  • القلق والتحفز الدائم.
  • مشكلات صحية فسيولوجية لا تستجيب للعلاج مثل ألم الرأس والاضطرابات الهضمية وآلام غير محددة.
  • المبالغة في الكلام وردود الأفعال.
  • إساءة التقدير واتخاذ القرارات الخاطئة.
  • تغير في العادات الاجتماعية.

قد تنتقل بعض أشكال الاكتئاب من جيل إلى آخر مما يشير إلى دور قد تلعبه الوراثة في انتقال هذا المرض ولكن هذا لا يعني العكس بالضرورة أي أن المرض قد يورث وقد لا يورث بين متماثلي الجينات. ولكن الاكتئاب يصبح أكثر احتمالا لديهم إذا تعرض المرء لأزمات في البيت أو المدرسة وغير ذلك من الظروف الخارجية.و يميل العلماء الآن للتركيز على الأسباب العضوية التي قد تطرأ على الدماغ, ووجدوا أن الأشخاص الذين تنقصهم الثقة بالنفس ويتعاملون بتشاؤم شديد مع أنفسهم ومع العالم الخارجي هم أكثر تعرضا للإصابة, وكذلك فإن التغييرات الفسيولوجية تؤثر في الجسم والدماغ على حد سواء وقد تؤدي أمراض مثل النوبات القلبية أو السرطان أو مرض باركنسون والاضطرابات الهرمونية إلى الاكتئاب, كذلك فإن فقدان عزيز أو مشكلة مالية مستعصية أو علاقة عاطفية فاشلة أو تغيير مهم في حياة الإنسان قد يكون سببا في الاكتئاب. وبشكل عام فإن الاكتئاب قد ينجم عن جملة من الأسباب البيئية المحيطة والكيماوية المتعلقة بعناصر الدم والجينات, وأخف أنواع الاكتئاب هو الذي ينجم عن الأسباب الاجتماعية فقط.

المرأة تعاني

تعاني النساء الاكتئاب بنسبة تعادل ضعفي نسبة الرجال, وتساهم في ذلك العوامل الهرمونية وما يتصل منها بالدورة الشهرية المضطربة والإجهاض وفترة ما بعد الولادة وقبل وبعد فترة انقطاع الطمث. وتواجه المرأة عوامل إضافية من الضغط النفسي والقلق أكثر من الرجل فيما يختص بمسئوليات البيت والعناية بالأطفال وبالآباء المسنين وبالعمل أيضا بالنسبة للمرأة العاملة. ومع أن الاكتئاب الخفيف لدى المرأة بعد الولادة شيء طبيعي بسبب التغيرات الهرمونية والمسئولية الجديدة للطفل فإن الاكتئاب إذا تجاوز هذا الحد إلى حده الأعلى لا يكون طبيعيا ويحتاج إلى علاج مناسب من قبل الطبيب المتفهم للحالة ومن العائلة التي يتوجب عليها تقديم الدعم المعنوي اللازم.

في الوقت الذي يقل معدل الاكتئاب لدى الرجال عن النساء فإن معدل الانتحار يزداد لديهم بنسبة أربعة إلى واحد, ويزداد الإقبال لدى المكتئبين في الولايات المتحدة على المشروبات الروحية ويتجلى المرض عند الرجال بالقلق والغضب الشديدين ويحتاج اكتشافه إلى مساعدة الأهل والزملاء في العمل.

هناك اعتقاد خاطئ لدى المجتمع بأن الاكتئاب شيء طبيعي لدى المسنين, وليس هذا صحيحا إذ إن بإمكان المسن أن يحيا حياة طبيعية تماما ويجب تقديم العون له لتحقيق هذا الهدف لكن يجب أولا معرفة الآثار الجانبية للأدوية التي يتناولها, والتي قد تسبب له الاكتئاب. ويلعب التشخيص الصحيح دورا مهما ويمكن في الغالب أن يستفيد المسن من العلاج النفسي وحده لتشجيعه على نبذ الأفكار السوداوية واستبدال أفكار إيجابية بها كي يحيا حياة طبيعية مرة أخرى.

والأطفال يعانون

لم يحظ الاكتئاب عند الأطفال باهتمام كاف من العلماء إلا في العقدين الأخيرين.

وغالبا ما يدعي الطفل المكتئب المرض, ويرفض الذهاب للمدرسة, ويتعلق بأحد الأبوين تعلقا مبالغا فيه, وينتابه القلق باستمرار إزاء فكرة أن يفقد أباه أو أمه. ويواجه الطفل المكتئب الأكبر عمرا مشاكل إضافية كأن يكون مشاكسا أو سلبيا. ومن الصعوبة بمكان التمييز بين حالة عمرية وأخرى بالنسبة للاكتئاب عند الأطفال, ويشعر الآباء بالقلق بسبب التبدل السلوكي للأطفال المكتئبين وبعد أن يستبعد طبيب العائلة أي سبب صحي أو فسيولوجي للشكوى, فالأفضل استشارة الطبيب النفسي المختص بالأطفال, ويجب أن يطلع الطبيب العائلة على دورها في العلاج ودور الأدوية النفسية وآثارها الجانبية.

وتتمثل أول خطوة في علاج الاكتئاب بإجراء فحص طبي عادي, نظرا لأن بعض الأدوية التي يتناولها الإنسان لها آثار جانبية قد تكون شبيهة بأعراض الاكتئاب. ويمكن للطبيب من خلال الفحص العادي والمخبري أن يستبعد أولا المشكلات الصحية, ومن ثم يقوم بإجراء تقييم نفسي لمعرفة تاريخ الحالة وكيف بدأت الأعراض وهل تم علاجها أم لا, ونوعية الأدوية المستخدمة, وما إذا انتابت المريض أفكار حول الموت أو الانتحار وما إذا كان هناك شخص آخر في العائلة يعاني مرضا اكتئابيا. ويعتمد العلاج على نتيجة هذا التقييم وتتوفر حاليا مجموعة كبيرة من الأدوية المضادة للاكتئاب (antidepressants) بالإضافة للعلاجات النفسية غير الدوائية وقد تنفع هذه وحدها دون الدواء المرضى الذين يعانون حالة خفيفة من الاكتئاب تتجاوز القلق بقليل, في حين يتطلب الأمر استخدام مضادات الاكتئاب في الحالات المتوسطة والحادة. ويستخدم الأطباء عند الضرورة العلاج الكهربي (ECT) للأشخاص الذين لا يستطيعون تناول الأدوية أو أن الأدوية وحدها لا تكفي.

أدوية مضادة

تتوفر في متناول الطبيب النفسي العديد من الأدوية المضادة للاكتئاب حاليا منها مجموعة (SSRIs) أو (MAOIs) وقد يجرب الطبيب عدة أنواع قبل أن يتوصل إلى معرفة أفضل دواء مناسب للحالة, وقد يزيد في الكمية أو ينقصها حسب الضرورة, ولكن ما يجب أن يعرفه المريض وأهله هو أن عليه تناول الدواء بانتظام, ويجب عدم التوقف عن تناوله فور الشعور بالتحسن. وقد يستدعي الأمر تناول الدواء بعد زوال أسباب الشكوى لمدة تتراوح بين 4-9 شهور. ويمكن للطبيب تخفيف الجرعة وفق برنامج تدريجي, وقد يتطلب الأمر تناول الدواء لفترة طويلة لدى المرضى ذوي الاكتئاب الحاد. ولا تشكل الأدوية المضادة للاكتئاب اعتيادا لدى المريض وسوف يحدد الطبيب الجرعة المناسبة في ضوء فاعلية الدواء ومراقبة حالة المريض بصورة منتظمة ويجب إبلاغ أي طبيب آخر كطبيب الأسنان مثلا أو أي أخصائي آخر بالأدوية النفسية التي يستخدمها المريض, إذ إن الجمع بين بعض الأدوية قد يؤدي إلى آثار جانبية سيئة. ويجب التنويه إلى أن الأدوية المضادة للقلق أو المهدئات ليست بحد ذاتها مضادة للاكتئاب, إلا إذا تم الجمع بينها وبين الأدوية الأخرى المناسبة وفق ما يراه الطبيب النفسي المعالج.

آثار جانبية

أكثر الآثار الجانبية لمضادات الاكتئاب شيوعا هي:

  • جفاف الفم: من المفيد تناول جرعات صغيرة من الماء بين الحين والآخر أو مضغ لبان خال من السكر وتنظيف الأسنان يوميا.
  • الإمساك:يمكن معالجته بتناول الحبوب ذات القشرة الكاملة (البر أو النخالة) والفواكه والخضراوات الطازجة.
  • مشكلات التبول: قد يصبح البول أقل اندفاعا وفي حال وجود ألم يجب إبلاغ الطبيب.
  • مشكلات جنسية: يجب مناقشتها مع الطبيب في حال حدوثها.
  • اضطراب في النظر: يزول بعد فترة قصيرة ولا يتطلب الأمر استخدام نظارات جديدة.
  • الدوخة: ينصح المريض بالنهوض من السرير ببطء وكذلك عدم الوقوف بسرعة.
  • النعاس الزائد: يزول بعد فترة من استخدام الدواء ويفضل عدم قيادة المركبات والآليات والأفضل تناول الدواء قبل النوم.
  • ألم الرأس: يزول بعد فترة قصيرة من استخدام الدواء.
  • إحساس بالتقيؤ: مؤقت ويختفي تلقائيا.
  • القلق والعصبية: يختفيان بعد الأسابيع الأولى.
  • الهيجان: إبلاغ الطبيب في حال حصول ذلك.

خلص نفسك

يشعر الإنسان المكتئب بالإرهاق والتعب واليأس والتكاسل وعدم الثقة بالذات وربما بالاستسلام لقدره, و هذه كلها من أعراض الاكتئاب وليست واقعا حقيقيا, ويتلاشى هذا التفكير السلبي كلما تقدم الإنسان في العلاج وفي خلال ذلك:

  • حدد لنفسك أهدافا واقعية في وجود الاكتئاب وأبد استعدادا لتحمل حد معقول غير مبالغ فيه من المسئولية.
  • حاول توزيع المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة وتنفيذها بالتقسيط ولا تحمل نفسك فوق طاقتها.
  • اختلط بالناس وثق بصديق تفضي إليه بمكنونات صدرك وهذا أفضل من البقاء وحيدا.
  • شارك في النشاطات الاجتماعية التي تسرك وتبعث لديك التفاؤل.
  • مارس الرياضة الخفيفة أو اذهب إلى مباراة أو مسرحية أو فيلم سينمائي أو أي مناسبة اجتماعية سارة.
  • لا تتوقع تحسنا سريعا في مزاجك وإنما يحصل ذلك بالتدريج.
  • أرجئ اتخاذ القرارات المهمة في حياتك لحين شفائك من الاكتئاب, لأن القرارات المتخذة في حال الاكتئاب تكون خاطئة على الأغلب, وقبل أن تتخذ قرارا مهمًا مثل تغيير عملك أو الزواج أو الطلاق, ناقش ذلك مع الآخرين من معارفك الذين يدركون حالتك النفسية. لعل أفضل ما يقدمه أي شخص لآخر مصاب بالاكتئاب هو نصحه باللجوء إلى الطبيب المناسب لتشخيص حالته وتوفير العلاج الصحيح, ويجب أيضا تشجيع المريض على مواصلة العلاج حتى تبدأ الحالة بالتحسن (و قد يتطلب ذلك عدة أسابيع) ويجب كذلك الإشراف على تناول المريض الدواء بانتظام وأن يطيع المريض إرشادات طبيبه, والامتناع عن تناول المشروبات الروحية إذا كان المريض يتناولها. ومن المهم جدا تقديم الدعم المعنوي للمريض وتفهم حالته والتعامل معه بصبر وأناة وحب وتشجيعه والتحدث المستمر معه والإصغاء جيدا لما يقوله ولا تتجاهل أي ملاحظات يبديها إليك حول الانتحار وأبلغ ذلك فورا للطبيب المعالج, وادع المريض للنزهة وللخروج من المنزل وإلى نشاطات اجتماعية مبهجة وألح عليه بلطف إذا رفض ذلك, وشجعه على الاشتراك في النشاطات التي تسره مثل الهوايات المحببة لديه والرياضة والنشاطات الثقافية والدينية. ولكن لا تطلب من المريض كل ذلك فورا وإنما بالتدريج فهو يحتاج إلى الصحبة وتنوع الاهتمامات ولكن كثرة الطلبات قد تجعله يشعر بالإحباط والفشل.و إياك أن تتهمه بالكذب أو ادعاء المرض أو الكسل أو تتوقع منه القفز فوق هذه المشكلة بسهولة وهو على كل حال سيتحسن مع العلاج بالتدريج ويجب أن تؤكد له هذه الحقيقة وهي أنه سيستعيد صحته في نهاية فترة العلاج.
ظنَّ العذولُ بأنًّ العذلَ يوقفني نامَ العذولُ وشوقي زائدٌ نامِ
إن عامَ إنسانُ عَيني في مَدامِعِهِ, فقدْ أُمِدّ بإحْسانٍ وإنعامِ


(ابن الفارض)

 

مروان حمدان